TODAY - August 23, 2010
خلافات عراقيّة تتصاعد حول التعداد السكاني وعقدته كركوك
إرتياح كردي ومخاوف عربيّة وتركمانيّة من تغييرات سكانيّة
أسامة مهدي من لندن
وسط إستعدادات أمنية وميدانية تتصاعد حدة خلافات حول التعداد السكاني في العراق وخاصة في مدينة كركوك الشمالية الغنية بالنفط المتنازع عليها بين تأكيد الأكراد على ضرورة إجرائه بموعده المحدد في 24 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل ودعوات العرب والتركمان لتأجيله بذريعة عدم توفر الأجواء الأمنية وتعرض المناطق المتنازع عليها إلى عمليات تكريد بهدف ضمها إلى أقليم كردستان.
سيجري التعداد السكاني الجديد في العراق للمرة الاولى منذ 23 عاما حيث كان آخر تعداد شامل قد اجري عام 1987 بينما اجري تعداد عام 1997 في 15 محافظة فقط حيث كانت محافظات اقليم كردستان الثلاث خارج سيطرة الحكومة وامنية ولذلك فأنه يجري وسط ظروف ومتغيرات سكانية وأمنية مختلفة يشهدها العراق بعد سقوط نظامه السابق عام 2003.
وقد جرت عدة محاولات بعدها لاحصاء السكان العراقيين لكنها كانت تتأجل في كل مرة بسبب الخلافات القومية حوله وخاصة في مدينة كركوك ا(255 كم شمال بغداد) الغنية التي يطالب الاكراد بضمها الى اقليمهم الشمالي الذي يحكمونه منذ عام 1991 وسط اعتراض سكانها من العرب والتركمان.
وطبقا للدورة الاحصائية العراقية كان من المفترض إجراء التعداد عام 2007 الا انه أرجئ بسبب الظروف الأمنية إلى عام 2009 ثم إلى عام 2010 وتم هذا التأجيل الثاني بسبب مخاوف من تسييسه حيث عارضت قوميات عراقية إجراءه في المناطق المتنازع عليها مثل مدينة كركوك التي يسكنها العرب والأكراد والتركمان (حوالي مليون نسمة) وتضم حقولا نفطية كبرى اضافة الى مناطق متنازع عليها بين العرب والأكراد في مدينة الموصل عاصمة محافظة نينوى (375 كم شمال بغداد) والتي تضم سكانا بديانات ومذاهب متنوعة كالمسلمين والمسيحيين والايزيديين والشبك تحسبا من أن هذا التعداد قد يكشف عن تركيبة سكانية من شأنها أن تقضي على طموحات سياسية لقوى تمثل تلك القوميات.
دعم كردي ومعارضة عربية تركمانية ومخاوف لاقليات
ويرفض ممثلو عرب وتركمان كركوك اجراء الاحصاء السكاني بسبب ما يقولون انه " نزوح عدد كبير من العوائل من خارج محافظة كركوك اليها".. مشيرين الى ان الاحصاء "سيعطي شرعية لكل المتجاوزين على أملاك العامة والخاصة وبالتالي سيتغير مصير كركوك لان هناك مئات الألاف من العوائل النازحة".
كما يتخوفون من أن يؤدي الاحصاء إلى تسجيل الأكراد تفوقا على حساب بقية المكونات في محافظة كركوك بما يتيح لهم ضمها إلى إقليمهم في استفتاء بين سكان المحافظة يتم التخطيط لإجرائه في ضوء نتائج التعداد.
لكن الاكراد يصرون على اجراء الاحصاء حيث يشدد ازاد الجباري عضو مجلس محافظة كركوك على ضرورة اجرائه في كركوك "للقضاء على بعض المشاكل المعتمدة على الاحصاء منها الميزانية والمشاريع و توسيع المدينة والاحتياجات الضرورية من الماء والكهرباء".
كما تتخوف طائفة الصابئة المندائيين من أن "يسجل الإحصاء السكاني المقبل نهاية لمكون الصابئة المندائيين الذين يعتبرون من أقدم سكان العراق". وكان عددهم في العراق يبلغ أكثر من 300 ألف نسمة لكن المتبقي منهم داخل البلاد حاليا لا يزيدون عن 30 ألفا فقط. كما ترى طائفة الشبك وهي طائفة تعيش في سهل نينوى وتنحدر من أصول فارسية نزحت إلى العراق قبل أكثر من ألفي عام انها تتعرض للإنهاء حيث أجبر الآلاف من أبنائها على التسجيل في سجلات النفوس بأنهم أكراد تحت وسائل مختلفة من الضغط على حد قول افراد منها.
التركمان
وفي اخر تطور للخلاف القومي حول التعداد اتهمت الجبهة التركمانية العراقية اليوم الاكراد بالقيام بتجاوزات على الاملاك العامة والخاصة وبناء مساكن عشوائية في المناطق المتنازع عليها.. وقالت ان الهدف الاساس من ذلك "هو التغيير السكاني الذي يتسبب الى عدم الاستقرار واحداث تغييرات إجتماعية وإقتصادية وكان لكركوك من هذا التغيير مشهد فظيع يفوق كل ماهو متوقع من إستقدام الاف العوائل من ساكني المناطق الشمالية وإسكانهم في كركوك ولأغراض سياسية تهدف الى تغيير واقع المدينة المسيطر عليها من قبل فئة معينة" في اشارة الى الاكراد.
واوضحت الجبهة في بيان سياسي تلقت "ايلاف" نسخة منه اليوم ان الوضع الامني غير المستقر يعيق اجراء التعداد اضافة الى "وجود تغيير سكاني على نطاق واسع في كركوك بدخول حوالي 700,000 مواطن الى كركوك تحت مسمى (المرحلين) ثم التزوير الحاصل في سجلات الاحوال المدنية بعد سقوط النظام السابق وهذا يظهر جلياً الفرق الحاصل بين عدد النفوس في سجلات الاحوال المدنية وبين عدد النفوس حسب البطاقة التموينية" بحسب قولها.
واشارت الى ان عدد سكان كركوك بحسب احصاء عام 1997 كانَ 753,171 نسمة وقد اصبح الان 1,400,000 نسمة بحسب البطاقات التموينية. وقالت ان تشبث الاكراد باجراء التعداد السكاني في عموم العراق ياتي لننفيذ أهداف سياسية " مما يسبب قلقاً لدى العرب والتركمان في ظل الظروف الحالية لكركوك وفي حال مقاطعتهم لعملية التعداد السكاني والمشكوك في اجراءه بنزاهة وشفافية فإن النتائج التي تتمخض عنها تنعكس بشكل سلبي على الامن الوطني العراقي" وحذرت من "خطورة الأثار التي سوف تترتب على لذلك".
ودعت الجبهة الى تأجيل التعداد السكاني وطالبت الاحزاب والمؤسسات والتنظيمات السياسية التركمانية العاملة في الساحة الى العمل من اجل توضيح الاسباب القانونية والدستورية لرفض الاستفتاء وكذلك الاشارة الى عمليات التغيير السكاني والتجاوزات التي تعرضت لها الاملاك العامة والخاصة وإبلاغ المنظمات الدولية والمحلية والاقليمية بذلك.
وحذرت الجبهة التركمانية من "إن المحاولة التي تقوم بها بعض الاطراف السياسية لاجراء عملية التعداد السكاني لتثبيت المكونات القومية ونسب الاقليات الدينية سيكون لها عواقب وخيمة وخاصة في منطقة كركوك بأعتبارها عنصر التوازن في العراق وعلى جميع الكتل السياسية العراقية أن تكون بمستوى المسؤولية الوطنية للحفاظ على خصوصية محافظة كركوك في المعادلة السياسية والامنية والاقتصادية العراقية".
العرب
ومن جهته قال القيادي في القائمة العراقية أسامة النجيفي خلال مؤتمر صحافي في بغداد أن الظروف الحالية غير مواتية لإجراء الإحصاء السكاني في العراق لان هناك أزمة سياسية في البلد وهناك تنازعاً حول الحدود الإدارية لبعض المحافظات لذا فإن إتمام الأمر صعب حالياً.
ودعا الى التريث لحين استقرار الوضع الأمني والسياسي في البلد وحل بعض الإشكالات في كركوك وبعض المناطق الأخرى ومن ثم إجراء التعداد في وقت مناسب ليكون أكثر قبولا من المكونات الأخرى.
كما طالب عضو القائمة العراقية عن محافظة كركوك عمر الجبوري بتأجيل التعداد السكاني متهماً الأكراد بالسعي لتحقيق أهداف سياسية وصفها بالخطيرة من وراء التعداد بدليل إدراج قومية الشخص في استمارات التسجيل.
اما النائب السابق الامين العام للتيار الوطني الحر نور الدين الحيالي فقد طالب باستثناء محافظة نينوى من التعداد السكاني العام حتى نتهاء ما اسماه "نفوذ اقليم كردستان في المحافظة". وقال ان الاكراد يضغطون منذ اعوام على القوميات والطوائف الموصلية لتكريدها. وحذر من خطورة وضعهم اليد على 15مدينة متنازع عليها في محافظات ديالى وكركوك وصلاح الدين فضلا عن نينوى.
الاكراد
لكن النائب عن ائتلاف الكتل الكردستانية محسن السعدون يؤكد ان المطالبة بتاجيل الاحصاء السكاني في العراق تسعى لعرقلة تنفيذ المادة 140من الدستور حول المناطق المتنازع عليها مشيرا الى ان الاحصاء هو الخطوة الثانية بعد التطبيع ويليها الاستفتاء لتنفيذ هذه المادة الدستورية.
وشدد السعدون في تصريحات له مؤخرا على انه لا يجوز تاخير الاحصاء لانه اصبح الزاما دستوريا قضائيا. وعن الاتهامات بتكريد بعض المناطق في محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين اوضح السعدون انه الاحصاء الذي جرى عام 1997 سجلت اغلب العشائر الكردية التي كانت تسكن في هذه المحافظات على ان قوميتها عربية بسبب مخاوف من انتقام النظام السابق.
وقال ان الاكراد ضد أي تأجيل للتعداد السكاني وما يروجه البعض بان الكرد جلبوا المئات من العائلات أمر غير صحيح وجميع من عاد هم من أهالي كركوك الأصليين الذين دمر النظام السابق منازلهم وقراهم. واشار الى ان هناك اتهامات للكرد بأنهم جلبوا مواطنين من كردستان تركيا أو كردستان إيران ولكن من غير المعقول أن يترك الإنسان موطنه ويأتي إلى حيث الأوضاع الصعبة التي يعيشها مواطنو كركوك من حيث قلة الخدمات وانقطاع الكهرباء مشددا على أن الكرد العائدين هم من أهل كركوك الأصليين".
استعدادات ميدانية وأمنية
وفي وقت تؤكد وزارة الداخلية العراقية استعدادها لتامين عملية التعداد من خلال تخصيص 14 الف عسكري لحماية منفذي التعداد والمشرفين عليه يقول مهدي العلاق رئيس الجهاز المركزي للاحصاء وتكنولوجيا المعلومات ان التعداد سيحدد عدد العراقيين الذين يعيشون في الخارج وعدد الذين اضطروا الى النزوح داخل العراق خلال سبع سنوات من الحرب.
كما سيكشف التعداد عن عدد السكان الذين يعيشون في اقليم كردستان العراق الامر الذي سيحدد حصته في ايرادات الحكومة المركزية التي تبلغ حاليا 17 في المئة. واذا وجد التعداد ان الاكراد يمثلون النسبة الاكبر من العدد الاجمالي للسكان فان الدستور ينص على حصول الاقليم على مزيد من الاموال وعلى مدفوعات بأثر رجعي.
وقال العلاق ان الاحصاء لن يحاول تحديد الى من تنتمي المناطق المتنازع عليها موضحا "ان هذا ليس من شاننا ان نقرر مصير منطقة... نحن نعد السكان في المنطقة التي يعيشون فيها اما تقرير مصير الناس او تقرير مصير المناطق فهذا من شأن السياسيين". واضاف انه قد تم البدء بعمليات الترقيم والحصر التي تعتبر العمود الفقري للعمل منذ حوالي 3 شهور حيث توفرت اعداد اولية عن عدد المساكن والمباني وعدد الاسر وعدد الافراد.
وينتظر ان يظهر التعداد التركيبة الدينية للعراق ذي الاغلبية المسلمة لكنه سيتعمد الا يسأل السكان عن مذهبهم حيث قال العلاق "بالنسبة للديانة.. الشخص عندما يسال يقول مسلم.. مسيحي.. يزيدي.. صابئي لكن لا يقول سني او شيعي.. فلا تتضمن استمارة التعداد سؤال عن المذهب لان الامر حساس جدا بسبب الوضع الراهن. واشار الى ان وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي ماضية في اجراء التعداد العام بموعده في 24 تشرين الاول المقبل بصرف النظر عن تأخر تشكيل الحكومة.
ويجري حاليا تدريب حوالي ربع مليون معلم على القيام بعملية الاحصاء على ان يتم جمعهم منتصف تشرين الاول لاجراء التعداد فيما سينضم الى المعلمين ما بين عشرة الاف وخمسة عشر الف موظف حكومي. واوضح العلاق ان تعليمات ستوجه الى جميع العراقيين بالبقاء في منازلهم ليوم واحد او ربما ليومين اتباعا لتقاليد الاحصاء في العراق حيث سيذهب القائمون على الاحصاء الى حوالي خمسة ملايين اسرة لعد افرادها وفحص هوياتهم ومعرفة مستواهم التعليمي وعملهم وتسجيل معدلات الميلاد والوفيات. واشار الى ان العدد الاجمالي لسكان العراق يجب ان يعرف بعد نحو 15 يوما من الاحصاء لكن امورا سكانية اكثر تحديدا ستستغرق حوالي عشرة اشهر.
مكونات العراق القومية
وكان أول تعداد لسكان العراق الذي يتجاوز سكانه اليوم 30 مليونا قد جرى عام 1934 حيث بلغ العدد آنذاك ثلاثة ملايين ليبلغ سبعة في إحصاء 1957 الذي اعتبر فيما بعد أساسا في تحديد طبيعة التركيبة السكانية للعراق. وبينما أجل الإحصاء المقرر عام 1987 بسبب ظروف الحرب مع إيران فإن آخر تعداد أجري عام 1997 أظهر أن عدد سكان العراق تجاوز 25 مليونا. ومنذ عام 1997 لم يجر أي تعداد سكاني شامل في العراق وبصورة أخص لا توجد أي إحصائية رسمية تبين حجم الطوائف الدينية والقوميات العرقية. ويبلغ عدد سكان العراق 27.962.968 نسمة حسب تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط العراقية لعام 2005 يؤلف المسلمون (نحو 95%) من السكان كما يتألف من مسيحيين ويزيديين وصابئة وديانات صغيرة أخرى.
و يبلغ عدد أفراد الطائفة المسيحية في العراق 550 ألف نسمة ويشكل الكلدانيون والآشوريون أكبر تجمعين داخل المجتمع المسيحي بالبلاد ويعيش الكلدانيون في الجزء الجنوبي للعراق على الضفة اليمنى لنهر الفرات بينما يتركز الآشوريون في شمال العراق.
وبالنسبة للطائفة اليزيدية تشير المصادر الرسمية العراقية أن عددهم يبلغ 100 ألف نسمة وتضم هذه الطائفة خليطا من الأكراد والأتراك والفرس والعرب ويتركز وجودهم في منطقتين، الأولى في قضاء شيخان شمال شرقي الموصل والثانية في جبل سنجار شمال العراق قرب الحدود السورية. أما الصابئة المندائيون فيبلغ عددهم نحو 200 ألف نسمة ويتمركزون في بغداد والعمارة والبصرة والناصرية والكوت وديالى والديوانية ويعيشون على ضفاف الأنهار وخاصة دجلة.
ويتألف العراق من قوميتين رئيسيتين هما العربية والكردية (دستور عام 1970) ويشكل العرب 75-80%، الأكراد 15-20%، والتركمان والمسيحيين والآخرين 5%. ويتمركز الأكراد في شمال البلاد وخاصة في السليمانية ودهوك وأربيل. وحسب تقديرات وزارة التخطيط العراقية لعام 2005 فإن نسبة سكان هذه المحافظات الثلاث إلى باقي أنحاء العراق يبلغ نحو 13.2% من عدد السكان الكلي وذلك من دون احتساب الأكراد المتوزعين في مدن أخرى مثل ديالى والموصل وكركوك وبغداد لعدم وجود إحصائية رسمية تشير إلى أعداد السكان وفقا لتقسيم عرقي. وكان عدد العراقيين 16 مليون نسمة عام 1987 ويتوقع ان يبلغ عددهم هذ المرة ما بين 30 و32 مليون نسمة بحسب توقعات الجهاز المركزي العراقي للإحصاء.
elaph