الإنسان مخلوق اجتماعي بالفطرة، هذه حقيقةٌ لا ريب فيها.
لقد خلق الله الناس مختلفين، وأنعم على كلِّ إنسانٍ بطاقات وإمكانيَّات ومواهب وقدرات، وتتفاوت هذه النعم من فردٍ إلى آخر، ولا تستقيم حياةٌ إلَّا بتكامل وتكافل الجميع، فهذا يسدُّ ثغرة، وذاك يسدُّ أخرى، وبهذا تسير الحياة وتتقدَّم وتتطوَّر.
ولم يكن هذا التكافل المحمود، والتعاون المنشود خاصًّا بالمسلمين فقط، أو معنيًّا بطائفةٍ دون أخرى؛ إنَّما كان عامًّا على عموم البشر، وكافَّة المجتمعات؛ لذلك يقول الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13].
فَهِمَ المسلمون هذا الفهم، فنقلوا العالم نقلة نوعية كبيرة، وذلك من مجتمعات يترسَّخ فيها التمايز الطبقي، والتنافر بين أفراد الشعب الواحد -فضلًا عن الشعوب الأخرى- إلى مجتمعٍ إنسانيٍّ راقٍ، يعطف فيه الأخ على أخيه، والجار على جاره، والغني على الفقير، والقوي على الضعيف؛ بل وأدخل المسلمون -في أمانةٍ شديدة، ورحمةٍ متناهية- غيرَ المسلمين معهم في منظومتهم الإنسانيَّة، فعاشوا أيَّامًا سعيدة، ورُفع عن كواهل الناس الظلم والاستبداد والقهر والطبقيَّة.
وليس كلامنا هذا كلامًا نظريًّا؛ إنما هو واقع رأيناه حيًّا في مواقف وكلمات رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم، وكذلك في حياة أصحابه وخلفائه، ومن بعدهم في مراحل التاريخ المختلفة، التي ضرب فيها المسلمون أروع الأمثلة في التكافل مع الآخر، وفي إغاثة المكروب وعون الملهوف.
التحديات التي تواجه التكافل المجتمعي:
ومع ذلك، فليس هناك أدنى ريبةً أنَّه تُوجد مجموعةٌ من المعوقات والتحديَّات التي تواجه المجتمع الإسلامي على كافَّة المستويات: الفرد والهيئات والدولة، فَمِنْ جملة المحاور الحياتيَّة التي انعدم أو كاد أن ينعدم دور الأفراد في المشاركة والعطاء فيها العمل التكافلي والإغاثي؛ إذ أصبح واقع المسلمين في مدنهم وقُرَاهم ومجتمعاتهم يُنبئ عن خطرٍ شديد؛ إذ يمكث الغني بجوار الفقير، ويعلم هذا الغني أنَّ الفقير محتاجٌ له ولمساعدته العاجلة، إلَّا أنَّه يأبى أن يُشاركه في همِّه ومصابه، أو يُكفكف عنه وعن أولاده وأهله حزنه وضيق حاله؛ بل يعيش كثيرٌ من الجيران بجوار بعضهم، فلا نسمع أنَّ هناك من يكفل بعض الأيتام من أبناء جيرانه، أو يُساعد مريضًا محتاجًا إليه، والأدهى من ذلك أنَّ العلاقة القويَّة التي حرص الإسلام على وجودها بين الأقارب والمتمثِّلة في صلة الأرحام، باتت مُفتقَدةً عند كثيرٍ من الناس إلَّا من رحم الله سبحانه وتعالى، حيث كانت تتخلَّل هذه العلاقة بين الأقارب نوعٌ من أنواع العمل التكافلي والإغاثي فيما بينهم، فما الذي غيَّر من طبيعة المسلمين، وأثَّر سلبًا على روح التكافل والرحمة فيما بينهم؟! وبالأحرى ما هي التحديَّات التي تواجه المسلمين وتَحُولُ بينهم وبين المشاركة الفعَّالة في نهضة المجتمع الإسلامي، ومِنْ ثَمَّ إعادة العمل الإغاثي فيما بينهم؟
لا ريب أنَّ هذا السؤال يدخل في نطاق التحديَّات العامَّة التي أثَّرت على المسلمين في كافَّة مناحي حياتهم، فمن بُعْد عن المنهج الإسلامي الشامل الذي تقوم فلسفته على اتِّباع الإسلام في كلِّ صغيرةٍ وكبيرة، ومِنْ ثَمَّ التخلُّق بأخلاقه، والتعامل وَفق ما أمر به، وهذا الجفاء للإسلام أصبح -للأسف الشديد- واقعًا معاشًا سواءٌ فيما خصَّ الأفراد أم خصَّ المؤسَّسات والحكومات والهيئات.
وتأتي التحديَّات السياسية -على مستوى نُظُم الحكم والإدارة وإقامة العدل وتطبيق الشورى- من خلال مجموعةٍ من الآليَّات التي تضمن مشاركة فئات المجتمع المختلفة، واحترام حقوق الإنسان التي اعتبرها الإسلام جزءًا أساسيًّا من مقاصد الشريعة، ودعا إلى صيانتها، واحترام القيم الثابتة للحضارة الإسلامية، ولا ريب أنَّ الأوضاع السياسية في مجتمعاتنا الإسلامية أصبحت من الإشكالات التي قسَّمت المسلمين إلى طائفتين كبيرتين متعارضتين، ونالت من معنى الوسطيَّة إشكاليَّةُ الدين والسياسة، وما يتعلَّق بها من قضايا كــ العلمانية والحاكمية والإمامة؛ حيث أعلنت إحدى الطائفتين أنَّ الإسلام يخلو من أيِّ محتوًى سياسي، وأنَّه في أصله علماني، وهو ما أدَّى إلى اندلاع صراعٍ سياسيٍّ حادٍّ في البلاد الإسلامية بين أنصار العلمانية وأنصار شمولية الإسلام، ما زال مستمرًّا إلى الآن[1].
وهناك التحديات الاقتصادية على مستوى الاختيارات الاقتصادية التي تبتعد كلَّ البعد عن الاقتصاد الإسلامي القويم، والإصلاحات والتطبيقات الهادفة إلى معالجة الضعف الاقتصادي، وما يترتَّب عليه من مشكلات اجتماعية؛ فقد بات من المتعارف عليه أن يهتمَّ كلُّ مسلمٍ بمسؤليَّاته الخاصَّة، والبحث عن (لقمة العيش) التي أصبح من الصعب الحصول عليها، ممَّا ترتَّب عليه خللٌ في النظام الاقتصادي والاجتماعي في كثيرٍ من مجتمعاتنا الإسلامية؛ حيث انقسمت كثيرٌ من هذه المجتمعات إلى قسمين: الأول: وهم أصحاب المال -مقارنة بعدد السكان- قليلون جدًّا. والقسم الثاني: وهم عامَّة الناس وسوادهم وهم بالملايين، والنسبة الغالبة من هؤلاء تحتاج إلى التكافل والإغاثة، والأكثر من ذلك على مستوى السياسات الاقتصاديَّة لكثيرٍ من الدول الإسلامية التي أَقَرَّت النظم الاقتصاديَّة المخالفة لِمَا أقرَّه الإسلام، كالنظم الرأسمالية التي تزيد من الفجوة بين الأغنياء والفقراء، أو النظم الاشتراكية التي تُلغي الخصوصيَّة التي أَقَرَّهَا الإسلام للأفراد، وغيرها من النظم الاقتصادية الأخرى التي رَسَّخت كلَّ ما هو مادِّي، وجعلت الوصول للمال غايةً في حدِّ ذاته.
ولا ننسى التحديات الثقافية على مستوى التنظير، والتخطيط، والعمل الثقافي في حقوله المتعدِّدة لبناء الفكر الإسلامي الوسطي المنفتح على العالم بروح سمحة وعطاء مبدع، ومعالجة نوازع التطرُّف والانغلاق، وعلى مستوى المواجهة المتكافئة مع التيارات الثقافيَّة المتعدِّدَة الوافدة من الغرب والشرق معًا، التي تدعو كثيرٌ منها إلى إرساء مجموعةٍ من المبادئ التي تتعارض كلَّ المعارضة مع الإسلام ومنهجه.
وهناك التحديات الاجتماعية على مستوى محاربة الثالوث الخطر، وهو الفقر والجهل والمرض، ومقاومة اليأس الذي يدفع بالشباب إلى الوقوع في شباك التطرف أو الضياع، وعلى مستوى المواءمة بين النظم وأنماط السلوك الحديثة وبين المحافظة على الثوابت والخصوصيات الإسلامية والحضارية التي يقوم عليها النظام الاجتماعي في بلادنا.
ولا شكَّ أنَّ للعولمة تأثيرًا بات واقعًا على تشكيل الهويَّة وبناء الشخصية الإسلامية؛ ولذلك فعدم الإدراك الكامل للمخاطر الحقيقية التي ينطوي عليها نظام العولمة الكاسحة -التي يُخلط بين الغثِّ والسمين، ولا يتَّضح في كنفها الحقُّ من الباطل- يُؤَثِّر سلبًا على زعزعة استقرار المجتمع الإسلامي وتوجُّهاته على كافَّة الأنظمة السياسيَّة والإداريَّة والاقتصاديَّة.
وتُعاني كثيرٌ من بلادنا من ضعف الاهتمام بالبحث العلمي، وقلَّة الدعم المخصَّص للباحثين في مجالات المعرفة المختلفة، سواءٌ من قِبَل الدولة أو من قِبَل القطاع الخاصِّ؛ فالتطوُّر والنموُّ ورفاهية الشعوب لا يتمُّ إلَّا بالاستناد إلى توظيف نتائج البحث العلمي توظيفًا سليمًا وفعَّالًا.
وممَّا زاد من صعوبة الأوضاع الاقتصاديَّة في بلادنا: عدم وجود مواءمة لمخرجات التعليم في البلاد الإسلامية مع حاجات سوق العمل المتنامية، ممَّا يترتَّب عليه بلا ريب وجود البطالة التي تُعاني منها كافَّة البلاد الإسلامية بلا استثناء[2].
التحديات التي تواجه الهيئات الإغاثيَّة:
ومن دون شكٍّ فكما يُعاني الأفراد من المعوقات والتحديات -سواء على الصعيد الديني والأخلاقي أو على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي- فإنَّ الهيئات العاملة في مجال الإغاثة تُعاني هي الأخرى من مجموعةٍ من التحديات الصعبة، التي تعوق تَقَدُّمَها وانتشارها في المجتمعات الإسلامية.
فهذه الهيئات قليلة العدد مقارنةً بالمتطلِّبات والاحتياجات المفتقدة عند ذوي الحاجة والفاقة من أبناء أُمَّتنا، كما تُوَاجه كثيرًا من التحديات السياسية؛ فبعض الدول والحكومات تصفها بأنَّها إرهابيَّة يجب صدُّها وإيقاف جميع أنشطتها، وما تفعل تلك الدول هذه الأفاعيل إلَّا للأحقاد والضغائن التي تملأ قلوب مسئوليها؛ إذ من سعادتهم أن يعيش المسلمون في فقرٍ وضعفٍ وجهل.
وهناك التحديات الاقتصادية التي تواجه هذه الهيئات الخيرية والإغاثية من حيث افتقادها للدعم المالي من الأفراد والحكومات وأبواب الخير الأخرى؛ ممَّا ينتج عنه خللٌ وظيفيٌّ من حيث إعانة المحتاجين، والتيسير على المعسرين من أبناء أمتنا، وغيرها من الوظائف المهمَّة التي تقوم بها هذه المؤسَّسات، التي تكون مهدَّدة بالتوقُّف نظرًا إلى ضعف الموارد الماليَّة التي تصل إليها.
وأمَّا التحديات الإعلامية فهي من أخطر ما يُواجه هذه المؤسَّسات؛ فضعف الإعلام الداعم لمنظمات العمل الإغاثي، من حيث التعريف بهذه المؤسَّسات وأهميَّتها بالنسبة إلى الفرد والمجتمع، ينتج عنه عدم وضوح أهداف تلك المنظَّمات ومِنْ ثَمَّ عدم تعاطف وتفاعل المجتمع مع هذه المنظَّمات؛ ممَّا ينتج عنه ندرةٌ في الموارد المالية الداعمة لهذه المؤسَّسات عن طريق ضعف التبرُّعات والهبات، وغيرها، والأخطر من ذلك عدم قدرة هذه المؤسَّسات في كثيرٍ من الأحيان على دحض الشائعات المتعلِّقة بالتبرُّعات والهبات، أو دحض الشائعات التي تصف هذه المؤسَّسات بأنَّها داعمة للإرهاب وأعمال العنف.
ومن أهمِّ المعوقات التي تقف حائلًا أمام المنظمات الإغاثيَّة ما يتعلَّق بضعف المعلومات، فمن الأجدى أن تتعاون المنظمات الإغاثيَّة مع بعضها البعض؛ إذ لا يُمكن لمنظَّمةٍ واحدةٍ أن تتعرَّف على كافَّة المناطق المنكوبة، ومِنْ ثَمَّ وجب على هذه المنظمات والهيئات أن تستفيد من الخبرات التخصُّصية لبعضها البعض؛ ممَّا يُسَهِّل العمل الإغاثي والتكافلي، ويُوَفِّر كثيرًا من الأموال المنفقة بغير فائدة.
إمكانية التطبيق
لا ريب أنَّ ما ذكرناه آنفًا يُمَثِّل مجموعة من أهمِّ العوامل التي تَحُول دون تحقُّق مبدأ التكافل والإغاثة داخل المجتمع الإسلامي، لكن يبقى السؤال مطروحًا، وهو: هل بالإمكان أن يعود التكافل والتراحم داخل المجتمع الإسلامي؟ وهل يُمكن أن نرى أمجاد الأجداد واقعًا في حياة الأحفاد، خاصَّةً فيما يتعلَّق بالجانب السلوكي والأخلاقي ومن جملته العمل التكافلي؟!
قطعًا لا يستطيع أيُّ عاقلٍ أن يُجيب بالنفي، أو يأخذه اليأس نتيجة ما يراه وما يُشاهده؛ لأنَّ المسلم بطبعه مستبشرٌ بالأمل الذي حضَّ اللهُ على التمسك به؛ فقد قال سبحانه وتعالى: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87]. ومن واقع هذه الآية القرآنية الكريمة أدركنا أنَّ هناك حلولًا يُمكن أن تُعالج ما بات مفتقدًا في المجتمع الإسلامي؛ فأوَّل هذه الحلول يتمثَّل في تطبيق المنهج الإسلامي في كافَّة أنماط الحياة، وذلك على مستوى الأفراد: في العبادات، والمعاملات، والأخلاق، وغيرها، وقبل تطبيق الإسلام كمنهجٍ شاملٍ متكاملٍ يجب أن نُنَبِّهَ على أهميَّة التربية بجميع محاورها؛ لأنَّه لا يُمكن تحقيق النهج الإسلامي ما دام الأفراد بعيدين كلَّ البعد عن الحدود الدنيا للأخلاق، ومع استعادة البريق الإسلامي على واقع الحياة، فإنَّ العمل الإغاثي والتكافلي الذي ينطلق من مَعِين التراحم سنجده واقعًا ملموسًا بيننا؛ إذ لا ريب في ذلك؛ لأنَّ الدافع الذي يُحفِّزهم للانطلاق في العمل الخيري أصبح متمثِّلًا في قوَّةٍ لا يُمكن تجاهلها، أَلَا وهي "الإسلام".
ولذلك فإنَّه بالإمكان تقسيم الوسائل العمليَّة لتحقيق التكافل على المستوى المجتمعي إلى قسمين: الأول: الوسائل الواجبة؛ ومنها: أداء فريضة الزكاة، وإخراج النذور والكفَّارات، و الأضاحي، و صدقة الفطر، وإسعاف الجائع والمحتاج. والقسم الثاني: الوسائل التطوعية؛ ومنها: إنشاء الأوقاف بأنواعها المختلفة: كالوقف الخيري والذُّرِّيّ، وإخراج الوصايا، والحضُّ على جمع الصدقات وإخراجها، والحرص على وجود ولائم الضيافة، وضرورة وجود العارية وهي من أعمال التكافل الجلية فيما بين الجيران، والاهتمام بتبادل الهدايا النافعة بين المسلمين، وضرورة التربية على خُلُق الإيثار.
وهناك مسئوليَّة كبيرة على عاتق الدول الإسلامية في تحقيق التكافل والإغاثة، ويُمكن أن نُقسِّم وظيفة الدولة في هذا المضمار من خلال أمرين مهمين: الأول: ضرورة تأمين موارد المال، عن طريق جمع أموال الزكاة من مستحقِّيها، واستخدام أفضل السُّبل في الاستفادة من الوقف الخيري، وكذلك ضرورة الاستفادة من وسائل التكافل الفردي والحرص على دعمها وترشيدها، وتحويلها مع الوقت إلى مؤسسات فاعلة ومتخصصة، والاستفادة من الأموال المكدسة في البنوك؛ كإقامة مساكن للشباب، أو مستشفيات للمرضى، أو مدارس للفقراء والأيتام، وغيرها من المشاريع التنموية والتكافلية المهمَّة. الأمر الثاني: ضرورة توزيع المال على المستحقِّين باستخدام أعدل الوسائل وأنفعها، وضرورة وجود الأجهزة الرقابية التي تضمن وصول الأموال لمستحقيها عن طريق القروض وغيرها[3].
ولعلَّ ممَّا يقضي على شبح الفقر والأدواء الاجتماعية المتفشية، ضرورة توفير فرص العمل للشباب؛ وذلك لتربيتهم على الإنتاج، وليس على الاستهلاك والتواكل والكسل.
ويجب مراعاة تفعيل دور العائلة في التكافل والتراحم فيما بينهم، حيث يحرصُ الأغنياء على إعانة ومساعدة أقاربهم من الفقراء، والحرص على كفالة الأيتام داخل العائلة الكبيرة، فلا شكَّ أنَّ هذه اللُّحمة القوية -التي أصبحت مفتقدة عند الكثيرين- ستُساعد على سدِّ ضروريَّات هؤلاء الفقراء، ومساعدتهم على مواجهة أعباء الحياة، ولا شكَّ أنَّ الأقربين أولى بالمعروف.
ولا يغيب عنَّا أن نُؤَكِّد على دور العلماء والمربِّينَ في توجيه المجتمع نحو التكاتف والتكافل، وضرورة إنشاء مؤسَّسات متخصِّصة في إعادة اكتشاف المواهب والطاقات يُشارك فيها العلماء المتخصِّصون.
ومن دون شكٍّ فإنَّ تطبيق هذه الآليَّات وغيرها سوف يُساعد على حلِّ كثيرٍ من المشاكل المستعصية في مجتمعاتنا؛ ولذلك فمن آثار التكافل والإغاثة بين المسلمين أن نجد تحقيق المحبَّة والأخوة والتعاون بين أفراد المجتمع، ولا شكَّ أنَّه سيُساعد على القضاء على العوامل المدمِّرة في المجتمع؛ من جهل وجوع ومرض، كما يُقلِّص الفوارق الاجتماعية؛ بل ويحقق الوَحدة وتماسك المجتمع، ونيل الثواب وكسب رضا الله سبحانه وتعالى، والشعور بالرحمة، وطهارة النفس من الشحِّ والحقد.
وفي نهاية حديثنا لا يخفى على القارئ الكريم أنَّ هناك مجموعةً من الهيئات والمؤسَّسات الخيريَّة الكبرى في المجتمعات الإسلامية، التي لها جهد مشكور وملموس في العمل الإغاثي والتكافلي في الواقع المعاصر، ومِنْ ثَمَّ ولأهميَّة دور هذه المؤسَّسات سنُفردُ لها -بإذن الله تعالى- مؤلَّفًا خاصًّا يُبرز أهميَّتها ودورها الناجع في العمل الإغاثي الإسلامي.
وصلِّ اللهمَّ وسلِّم وبارك على المبعوث رحمةً للعالمين.
كتاب رحماء بينهم، للدكتور راغب السرجاني.
[1] أمحمد جبرون: مقال بعنوان "الوسطية في سياق العصر"، جريدة العرب القطرية، العدد 7483، ديسمبر 2008م.
[2] عبد العزيز بن عثمان التويجري: مقال بعنوان: (المسلمون والتحديات المعاصرة)، جريدة الشرق الأوسط، العدد 8778، ديسمبر 2002م.
[3] عبد الله ناصح علوان: التكافل الاجتماعي في الإسلام ص3، 4.