أنسان مفرط في أنسانيته ....
إننا نجد دائما حين ننظر حولنا، أناسا قد تناولوا البيض طيلة حياتهم دون ان ينتبهوا الى ان البيض الطويل الشكل هو الألذ، ولا يعرفون أنه يكون للعاصفة أثر جيد على الأمعاء، أن رائحة العطر تكون أقوى في الجو البارد والصحو، أن حاسة الذوق تختلف داخل فمنا من نقطة لأخرى، أن كل وجبة تحدثنا خلال تناولها كثيرا أو استمعنا كثيرا تضر بالمعدة. قد لا تشفي غليلكم هذه الأمثلة عن ضعف حس الملاحظة، ولكنكم قد تقبلون اعتبار أغلب الناس لا يرون جيداً الأشياء التي تعنيهم ونادراً ما يلاحظونها. وهل هذا شيء غير مهم؟ هذا العيب هو الذي تترتب عنه تقريباً كل العاهات الجسدية والمعنوية لدى الناس وهي: عدم معرفتهم لما ينفعهم أو يضرهم في تنظيم حياتهم، في تقسيم الأيام، في معاشرتهم للناس وفي اختيار من يعاشرون، في العمل ووقت الفراغ، في الأمر والطاعة، في الأحساس الذي تثيره الطبيعة والأحاسيس التي يثيرها الفن، في الغذاء والنوم، والتفكير. الجهل بالأمور اليومية التافهة وعدم امتلاك عينين تبصران جيداً هو ما يجعل من الأرض، بالنسبة لكثير من الناس، "حقلا من التعاسة". لا تقولن أن المذنب هنا، كما في كل شيء، هي اللامعقولية الإنسانية: على العكس من ذلك هناك ما يفوق الكفاية من العقل، ولكننا نوجه وجهة خاطئة، نتكلف تحويلة عن هذه الأشياء التافهة الحميمة للغاية. فالقساوسة والأساتذة واستبداد المثاليين الرائع، بما فيهم الأفظاظ والرقيقون، يقنعون الطفل بأن المهم شيء آخر: هو خلاص الروح، خدمة الدولة وتقدم العلم أو الإعتبار والثروة، وهي وسائل لخدمة الإنسانية بأسرها، أما حاجات الفرد وهمومه طيلة اليوم وطيلة الأربع وعشرين ساعة فهي محتقرة وغير مهمة. لقد كان سقراط يقاوم بكل قواه هذا الإهمال المتعجرف للأمور الإنسانية لفائدة الإنسان، وكان يحب مستشهدا بهوميروس، أن يذكر بالمدى الحقيقي وبجوهر كل الهموم والأفكار: هذا، كلن يقول "هو مايحدث لي في بيتي من خير وشر".