في فترةٍ من فترات التاريخ البشري كانَ الاهتمامُ بالأمور المُروّعة والمُخيفة يُعتبَر من مُسببات الإحراج للكثير من الناس، حيثُ لا يمكنك الاعتراف مثلًا بإعجابك بقصة رعب سمعتها أو قرأتها في مكانٍ ما. يمكننا اليوم أن نودّع تلك الحقبة إلى غير رجعة، ويرجع الفضل في ذلك إلى أفلام ومسلسلات الرعب التي انتشرت وبشكلٍ كبيرٍ، لتعد اليوم أحد أكبر أنواع الفن المُدرة للأموال، وانتشرت في الآونة الأخيرة أعمال البودكاست، والتي تتطرّق بعضًا منها إلى هذا الجانب أيضًا مثل: My Favorite Murder وSerial.
واحتلت روايات الرُعب والجرائم حيّزاً لا يُستهان به من الأعمال الأدبية خلال حقب التاريخ المتفاوتة، ولهذا لا تزال أعمال آرثر كونان دويل– صاحب سلسلة شيرلوك هولمز – وأعمال إدغار آلان بو تُحقّق ناجحًا ساحقًا ومُستمرًا إلى يومنا هذا. ولكن، ماذا إذا كانت هذه الروايات تحكي قصصًا واقعيةً؟ لجرائم حدثت بالفعل في مكانٍ ما من هذا العالم؟ في هذا المقال سوف نتطرّق إلى أفضل روايات الجرائم المُستندة على قصص واقعية على مرِّ التاريخ.
بدمٍ بارد – ترومان كابوتي
إذا كان لنا أن نختار كتابًا واحدًا من تاريخ أدب الجريمة كرمز يُمثّل هذا الفن على أكمل وجه، فسيقع الخيار وبلا مُنازع على الرواية الكلاسيكية “بدمٍ بارد” للكاتب الأمريكي ترومان كابوتي، والتي نُشرت في عام 1966. يروي كابوتي التفاصيل المُتشعّبة لواقعة الجرائم العشوائية التي راحت ضحيتها عائلة كلتر، من بدايتها في صباحٍ نوفمبري بارد ومنعش، وانتهاءً بمُحاكمة المجرمين وإعدامهما. يكتب لنا كابوتي الحكايةَ المأساويةَ في سردٍ مثالي يجمع بين الإثارة والتعاطف البالغ مع كافة الشخوص، كاشفًا لنا – بطريقةٍ أو بأُخرى – العلاقة القديمة التي تربط أمريكا بالعنف، وما تحمله في طياتها من آلام متراكمة وفظاعاتٍ بشرية لا حصر لها.
الغريب بجانبي – آن رول
على الرُغم من كثرة الكُتب التي ألّفتها آن رول، هنالك كتابٌ واحدٌ دائمًا يقف في مُقدمة إنجازاتها الأدبية، ويحتلّ حيّزًا لا يُستهان به في أدب الجريمة، وهو “الغريب بجانبي”. تروي لنا آن رول في روايتها ذائعة الصيت، علاقتها المُقرّبة من زميلٍ لها في العمل، واستيعابها ببطءٍ ومع مرور الوقت بأنَّه ليس مجرد زميل عمل حسّاس ولطيف، وإنما هو القاتل المُتسلسل “تيد بوندي”. في وصفٍ مُسهب ومُفصّل لما عاشته الكاتبة من أحداثٍ حقيقيةٍ جمعتها مع مُجرم مُتخفّي، تُذكّرنا رول بأنَّ الوحوش التي تُرعبنا، قد تكون على قيد شعرةٍ منا، تتنفّس وتحيا إلى جانبنا.
سوف أرحل في الظلام – ميشيل مكنامرا
كرّست المراسلة ميشيل مكنامرا، المُتخصصة في مجال الجرائم وصاحبة موقع True Crime Diary جهودها للكشف عمن أسمته “قاتل الولاية الذهبية”، في جهودٍ شخصيةٍ منها لحل لغز سلسلة الجرائم الاثنتي عشرة التي وقعت في ساحل كاليفورنيا بين الأعوام 1976 و1986. طوال سنواتٍ من البحث المُضني والتحليل والتعقّب والترقّب، تمكّنت مكنامرا من كتابة “سوف أرحل في الظلام”، وهي الرواية التي تحكي تفاصيل الحكاية مستندةً على الدلائل التي قامت بتجميعها، وفي أبريل من هذا العام ألقت السلطات القبض على قاتل الولاية الذهبية، بعد 10 سنوات من التعقّب، مُمجّدةً جهود مكنامرا الجبّارة، والتي توفت في عام 2016، دون أن تشهد هذه اللحظة الحاسمة التي عاشت من أجلها.
قصة عدنان: البحث عن الحقيقة والعدالة – ربيعة تشاودري
في عام 2000 تمّ الحُكم على عدنان سيد البالغ من العُمر آنذاك 17 عامًا بالسجن لمدى الحياة، و30 سنة إضافية في قضية قتل صديقته هي “مين لي” – طالبة في مدرسة بالتيمور بماري لاند بالولايات المُتحدة الأمريكية، وإلى يومنا هذا يُصرّ عدنان على براءته، ولأنَّ صديقة العائلة ربيعة تشاودري تُؤمن بصدقه ونزاهته، قامت في عام 2013 بعد استنفاد كلّ السُبل في محاولة إثبات براءته، بالتواصل مع سارة كوينج أحد مُنتجي This American Life، آملةً أن تجد صحفيًا يستطيع أن يُلقي الضوء على قصة عدنان، وفي عام 2014 تُوّجت تحقيقات كوينج بإصدار بودكاست Serial الشهير، والذي حاز على جائزة بيبودي، ويستمع إليه أكثر من 500 مليون مُستمع حول العالم.
ولكن بودكاست Serial لم يروِ القصة كاملةً، ففي هذه الرواية تُقدّم ربيعة للقارئ دليل رئيسي جديد يدحض التُهم ضد عدنان ويُقدّم مُتهمًا جديدًا للصورة، إذ تُشير التقارير الجنائية إلى أنَّ الجثةَ قد تمّ الاحتفاظ بها لمدة نصف يوم في مكانٍ ما، إلى جانب الوثائق التي تمَّ حجبها من قبل الدولة التي تُدمّر أدلة الهاتف الخلوي، إلى جانب نقاط أُخرى تطرقت إليها ربيعة تُثبت براءة عدنان، من بينها مُشاركة مُحبي بودكاست Serial في التحقيق في القضية المليئة بالألغاز والأخطاء والحبكات الغريبة.
تتطرّق رواية “قصة عدنان” أيضًا إلى حياة عدنان في السجن وآرائِه الشخصية بما في ذلك رسائل حصرية لم يسبق نشرها، وتؤكّد الكاتبة التي بذلت جهودًا جبّارةً لنصر عدنان بأنَّ العدالةَ لم تتخذ مجراها الطبيعي بعد.
جريمة العصر: ريتشارد سبيكس، والجرائم التي هزّت الأمة – دينيس لـ برو
إذا ما سألت أحدًا ما في عام 1966 عن شخصٍ باسم ريتشارد سبيك، سوف ترى كيف يتغيّر لون وجوههم ويجوب الرُعب في عيونهم. تحكي رواية جريمة العصر تداعيات ليلة من ليالي شهر يوليو، التي راحت ضحيتها 8 طالبات تمريض بريئات في جريمة قتل استهدفت 9 منهن بمستشفى جنوب شيكاغو، والتي نجت منها واحدة فقط هي كورازون أموراو، ويروي الواقعة الصحفي دينيس أل برو، والذي تولّى التغطية الحصرية للقضية إلى جانب وليام جي مارتن المُدّعي العام بالقضية، مُفصّلًا تشعبات الجريمة والتحقيق، ورواية الناجية الوحيدة لما حدث في تلك الليلة الشنيعة.
هلتر سكلتر: القصة الواقعية لجرائم عائلة مانسون لـ فنسنت بولبويوزي
في هذا الكتاب يسرد مُحامي الادعاء فنسنت بولبويوزي قصةَ واحد من أكثر المُجرمين الأمريكان شُهرةً، وأكثرهم اختلالًا ومرضًا، وهو تشارلز مانسون والجريمة التي جعلته معروفًا على الصعيد الدولي والعالمي. يحكي الكتاب تفاصيل الجريمة نفسها – والتي راحت ضحيتها المُمثلة شارون تيت زوجة المُمثل الفرنسي من أصول بولندية رومان بولانسكي – والقضية التي قادها بوليوبوزي ضد تشارلز مانسون و”عائلته”، في وقت حاسم من التاريخ الأمريكي بانتهاء حقبة “الستينات المُتراقصة”، ودخول عصر جديد من الظُلمة التي حدّدت مصيرًا جديدًا لأمريكا.
بقلم : منال الندابي - آراجيك