في كتاب شخصيات أدبية أكثر من ثلاثمائة شخصية من الأدب العربي قديماً وحديثاً ومعاصراً وفي هذا الكم الهائل من الشخصيات تنفرد كل شخصية بسماتها الابداعية، فالشخصيات لا تكون منظومة أو وحدة شعرية أو روائية أو قصصية، وانما الكتاب عبارة عن مقالات على ما اعتقد هي حصيلة عمل وخلاصة جهد كبير، نشر في الصحف الكويتية منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، ثم بدأ الكاتب في ترتيبها وتنظيمها واعدادها للنشر في هذا الكتاب الكبير.
ويمكننا ان نقول انه تقريباًضم في هذا الكتاب معظم الشخصيات الشهيرة في الأدب من الشنفرى وعنترة الى الأدب الاسلامي والعصور التالية حتى عصر النهضة، مدرسة البارودي وأحمد شوقي ومطران وحافظ ابراهيم والمدرسة الرومانسية ومدرسة المهجر والأدب المعاصر.
في الحقيقة أنها ومجموعة كبيرة من أدباء وشعراء وفنانين تشكيليين ومفكرين، تحدث عنهم بطريقة مكثفة وموجزة وفي أحيان أخرى، ينساب في منهجه التحليلي مع الشخصية ويمنحها مساحة أكبر من الشخصيات الأخرى.
ولا أرى تناقضاً في ذلك لان الكتابة عن أعلام الأدب القديم، نالت نقداً كثيراً ودراسات وكتباً لا حصر لها أما الكتابة عن أعلام الأدب المعاصر، فانها لم تنل حظها من المتابعة والدراسة، فالشاعر الدكتور حسن فتح الباب وهو أحد رواد الشعر الحديث، تميز بمواقفه الكبيرة ضد الظلم وقهر السلطة، على الرغم من انه كان أحد أفراد السلطة فقد كان ضابطاً في الشرطة واستمر حتى وصل الى أعلى المناصب، وقد سجل تجربته في ثنايا قصائده وهي تجربة فريدة ومثيرة.
ولذلك كان لابد لصاحب شخصيات أدبية ان يسهب قليلاً في شاعرية هذا الرائد الكبير ويجعلنا نتجول عبر غابات قصائده، ونتأثر بمواقفه من أجل الحرية وردع الظلم ومساندة الفقراء والبسطاء، فالكتابة عن الشاعر حسن فتح الباب لا يمكن ان تأتي موجزة أو مختصرة.
ونقرأ من شعر حسن فتح الباب دعوته للأحرار وزرع وردة الأمل والبشارة في النفوس فيقول:

لا موت بعد اليوم
لا طفل يحترق
لا نار لا غبار ولا دمار
لتنطلق مواكب الجموع
في شواطئ البحار
لتتحد منابع الأنهار
ويولد ابن الأرض من جديد

وربما جاءت بعض المقالات مبتورة دون تحليل كبير، حين حدثنا عن البخاري وابن البيطار وعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه والجاحظ وأبو تمام وطرفة ابن العبد، وكذلك بعض الشخصيات الأدبية الأخرى المعاصرة، ولاسيما تلك التي لم تنل مكانتها الأدبية على خارطة الحركة الثقافية العربية فقد وقف معها المؤلف ومنحها فرصة لتكون في هذا العمل الكبير، لاعتقاده الجازم أنها شخصيات شابة واعدة ومبدعة تحقق دوراً ينتظرها وتهب طاقاتها لهذا الدور الاجتماعي.
وأود ان أبين هنا ان الكاتب حين أضاف الى كتابه مجموعة من الشخصيات الأدبية الشابة المعاصرة، فاننا نعتبر ذلك مغامرة منه لأنه يقدم لنا ما يؤمن به، بأن هؤلاء سوف يكونون أعلاماً في الغد ونجوماً للشعر أو القصة في المستقبل، وقد اختار من مصر ولبنان والسودان والخليج مجموعة من هذه الابداعات الجديدة، ولذلك لجأ الى ترتيب الكتاب تاريخياً من حيث الميلاد، فكان لابد ان يبدأ من العصر الجاهلي ثم العصر الاسلامي وحتى العصر الحديث وهكذا.
كتاب شخصيات أدبية يتميز أيضاً بأنه أقرب الى المرجع التوثيقي أو السجل الأدبي لهؤلاء النجوم من الأدباء المشاهير والصاعدين درب الابداع، مجموعة كبيرة هي حصيلة جزء من الثقافة العربية والتراث العربي والاسلامي، وهناك فقرات عن سيد قطب وأبو الحسن الندوي ود.مصطفى محمود وعلي الطنطاوي ومحمد اقبال وعمر الخيام وأحمد محرم ومحمد عبد المطلب وهارون الرشيد وطارق بن زياد ومحمد عبده وغيرهم من الشخصيات الاسلامية التي تميزت بجانبها الأدبي وتذوقها للفصاحة والجزالة والعبارة الأدبية.
فالكتاب هنا يغطي جانباً كبيراً من تراثنا في الأدب الاسلامي، واعتقد ان المؤلف كان موفقاً في هذا، اذ كان هدفه كشف الجانب الأدبي والابداعي لدى الكاتب، الى جوار رسالته التي يجاهد من أجلها، سواء أكانت رسالة دينية أم اجتماعية أم سياسية، فالأدب كامن في هذه الشخصيات وهو أحدى الوسائل التي تساهم في تحقيق أهدافها الأخرى.
واختار المؤلف شخصيات من المدرسة الرومانسية، نذكر منهم المنفلوطي وجبران ومي زيادة وايليا أبو ماضي وميخائيل نعيمة وابراهيم ناجي ونسيب عريضة وأحمد رامي وصلاح لبكي وأبو القاسم الشابي ومحمود حسن اسماعيل ومحمود أبو الوفا ومحمد عبد الغني حسن وحسين عفيف والأمير عبدالله الفيصل وغيرهم من الرومانسيين، الذين تركوا آثاراً في الوجدان العربي وما زلنا نتغنى بقصائدهم ونتابع آثارهم الابداعية.
أما عن رواد النهضة فقد كتب عن طه حسين والعقاد ومحمود تيمور وعبده بدوي وحسن فتح الباب وصلاح عبد الصبور ونزار قباني وأحمد أمين وأحمد شوقي وتوفيق الحكيم وأحمد زكي وأحمد حسن الزيات وحافظ ابراهيم وعزيز أباظة وحسن القرشي وأدونيس وأحمد حجازي وجمال حمدان وعلي الفزاني وعلي الباز، ولا يتسع المجال لذكر كثير منهم.
ولكن يمكن ان يقال بان الكتاب يحتوي على مجموعة أدبية تمثل موقف الثقافة من قضايا الحرية وقضايا التغيير، وكيف واجهت الثقافة قضية التغريب والتمسك بالجذور والأصول الدينية والتاريخ على الرغم من الهجمات الشرسة للاعلام والكتب المناهضة للفكر الاسلامي والعربي ودور العرب في التنوير والنهضة التي تهتم بها أوروبا الآن.
ونقرأ في الكتاب عن موقف من قضايا الحرية حين يتحدث الشاعر المناضل محمود درويش عن وطنه المسجون معه في سجون العدو الصهيوني ويقول:
سجل أنا عربي
سلبت كروم أجدادي
وأرضاً كنت أفلحها
أنا وجميع أولادي
ولم تترك لنا ولكل أحفادي
سوى هذه الصخور فهل ستأخذها
اذن سجل برأس الصفحة الأولى
أنا لا أكره الناس
ولا أسطو على أحد
ولكن اذا ما جعت آكل لحم مغتصبي
فحذار حذار من جوعي ومن غضبي