في طريق العودة من أتونا بشتم
" وعند ذاك جلس جلجامش ، وأخذ يبكي
حتى جرت دموعه على وجنتيه
وكلم ( أور ـ شنابي ) الملاح
من أجل مَن كلّت يا ( أور ـ نشابي ) يداي ؟
من أجل مَن استنزفتُ دم قلبي ؟
لم أحقّق لنفسي مغنما ،
أجل، لقد حققتُ المغنم إلى أسد التراب "
جلجامش يخاطب ملاح السفينة بعدما سرقت الأفعى عشبة الخلود
ملحمة جلجامش / ترجمة طه باقر /ص 169
تستيقـظ فـتجـد الليلَ ببدلته الـمرصّعة بالثكنات ، وبالنجوم التي صدئتْ ، لكثرة ما غسلتها الأشباحُ بمـاء الأساطير. ذكرى انفجـارات وقعتْ ، و وجـوه كثيرة خـذلتكَ ، كلها تـدوّي معا ، فجـأة ، فـي فـراغ الغرفة ، وأنتَ تـرفـع وسادتكَ ، كمَـن يفـتش فـي الصحـراء عـن قـارب ، بحـثا عــن عـلبة الدخان ، فـتعـثرُ عـلى الظلام جـافـا ، راسمـا على شـفتيه علامة اسـتفهام ، كـما راية ترفـرف فـي ذاكرتها عاصفةٌ مـرّتْ ، ذات يوم ، لتكنس ما بقيَ من ريش الأمان في مدينة منهوبة .
تـفـركُ عينيكَ لتتأكـدَ أن كلّ شيء على مـا يرام : لـم تمـسْ شظيةٌ ما بـَشَرةَ هذا الرحم الدافئ الذي تعيشُ فيه ، بـانتظار ولادة مغسولة بحنان امكَ ـ الغرفة ، غير أن علامة استفهام ثانية تظهر أمامكَ في المرآة ، وأنتَ تحلـقُ لحيتـَكَ ، التي خـالـطها الشَيبُ ، فتحزن لأنَّ الأفعى لم تكتفِ بالعشبة المسحورة ، إذ هي تجدّدُ عمرها ، لتلفّ بثيابها القديمة أجسادَ القـتـلى ، الذين تختم المعاركُ ، في كل مكان ، جوازاتهم ، من أجل السفر إلى السماء.
آه ،
كثيرا هِـمتَ على وجهكَ في الكتب ، باحثا عن خََلاص ، فأزعجكَ أنَّ جلجامش أضاع عشبه الخلود ، لأنَّه استسلم لضعفه البشري ، في تلك الساعة ، عندما هبط إلى النهر، ثم اكتفى بذرف دموعه ، كأي كائن هش ..
" لو كنتُ مكانه ، لو كنتُ مكانه .. لأمسكتُ الأفعى ، لأجبرتها أن تتقيأ ، لـ .. "
تصرخُ غاضبا وأنت تنفضُ غبارَ الرعب ، الذي صار يتراكم ، يوما بعد آخر، على اسطوانات الموسيقى ، لكنَّ لفتة منكَ إلى نافذة المطبخ ، حيث الساعةُ تدقُّ دقتها الكبرى ، تجبركَ عـلى أن تفركَ عـينيكَ مرة بعد مرة ، لتتأكد من أن جلجامش لم يملكَ أن يفعلَ شيئا ، وأنكَ تكرّرُ محنته الآن ، إذ تصرخ وحيدا :
- ما الذي يحصل ؟
مَن جاء بالليل في هذا الوقت ،
حيث الساعةُ تدقُّ دقتـَها السابعة ... صباحا ؟