إلى صديقي الرائع نصيف الناصري ، بمناسبة حبنا المشترك ، والخائب ، لمليكة ..
__________________________________________________ _

الشجرة ُ ، في الحديقة ، لا تهتز ، ساكنة ، رغم الإعصار الذي يقتلعُ أوروك من جذورها .

الفراتُ يرتجفُ ، مثل خيط ، تحت الجسر .
الأوراقُ تتطاير ، الكلماتُ ، واستغاثاتٌ تفلتُ من الحِبر ، فترتبكُ السطورُ .

يوما ما كتبتَ : " يتركز الجمالُ في أحزان غامضة لكنها تلهثُ ، رغم سُمك الظلام ، كالذهب " أما اليوم فلستَ تذكر أين ، لماذا كتبتَ ذلك ، وها أنتَ عند باب الحانة ، حيث سدوري منكبة على تأليف كتابها في النصائح ، تبحثُ عن المفتاح ، و لا مفتاح سوى الريح تقطفُ بمنجلها الأعشاب ، وتقلب بمزاجها القوارب ، كل القوارب التي أبحرت في مخيلتك ، فيما الأفعى التي ستسرق منك عشبة الخلود تنتظر :

لا مزاج للسفر صوب أتونا بشتم ، بعد نصيحة سدوري ، مع هذا الإعصار ، مع هذا الغبار الذي يعبث بالتقاويم ، ويمزّق الأزمنة :
لا ظل ، لا فيء تحت هذه الشجرة الميتة .

خلف الباب تقابلُ حياتكَ الذي لم ترها منذ مدة طويلة ، لكنكَ إذ تكتشف أن مراثي سومر ، ينابيع المعرفة ، والمعاني المفقودة للكون قد لطشتْ نفسها على بدلتك ، تتذكرُ حفنة من الصعاليك والسكارى ، أنكيدو ، الحانات ، و العزلة التي تشي بكَ مأهولا ، غير أن هناك ما هو أهم ينبجسُ مثل هلال مكسور ، فجأة ، من بين غيوم ذكرياتك المهجورة : الأنذال ،
آه ،
الأنذال ، الأنذال الذين شاركوكَ مقصورة السهر في أغنية ، ثم ترجلوا منها دفعة واحدة ، تاركين حناجرهم على مائدة الذكرى ، التي ترشها بالشمع كلما عنَّ لكَ أن تحتفل بكل الأوسمة الصدئة على صدرك ، بكل دمعة ذرفتها بحرارة ، بكل الصفعات ، وعند هذه الأخيرة : عند هذه الأخيرة فقط تتلمس خديكَ ، فيتوقف الإعصار عن جَلد المدينة ، و تهتز الشجرة ُ بعنف في الحديقة .