بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
عندما يقدّم الطّبيب نفسه في المجتمع على أنّه قادر على شفاء النّاس، ويريد منهم أن يثقوا به ويسيروا خلفه، ويلتزموا بتعليماته، وهو يعاني المرض نفسه، ولا يستطيع أن يشفي نفسه من الدّاء؛ فأيّ طبيب هو هذا، وهل من الممكن الثّقة به حقًّا؟!
كالّذي يصف للنّاس دواءً قادرًا على أن يرجع شعرهم الّذي تساقط، بينما يعاني الصّلع، أو كالّذي يريد للنّاس أن تبصر وهو يعيش العمى في نظرته إلى الأمور، أو كالّذي يداوي قلوب النّاس من أمراضها، وفي قلبه مئة مرض ومرض...
هكذا هم بعض المتفلسفين الّذين يدّعون الحكمة والتّقوى، وفي حياتهم ألف أبلسة وشيطنة، يدعون النّاس إلى الورع والإيمان، وهم أبعد ما يكونون عنهما، ينصحون النّاس بسلوك درب النيّة الحسنة، ونيّاتهم سوداء تفحّمت مع كلّ غيبة ونميمة وأذى ونزعة شرّ، يظهرون بمظهر الأبرياء اللّطفاء، وإذا خلوا إلى شياطينهم، سرى من أفواههم السمّ الرّعاف، وطالت نصال ألسنتهم أمان النّاس وسمعتهم.
البعض في مجتمعاتنا يرى القشّة في عين غيره ولا يرى العصا الّتي في عينه، يحاضر في الأخلاق والمبادئ، وإذا رأيته عن كثب، كرهت النّصيحة والنّاصحين.
قد نسمّيه نفاقًا، وقد نسمّيه مرضًا نفسيًّا، وقد لا يكون هذا ولا ذاك، وإنّما هو سلوك أقنع به البعض نفسه، واتّخذه وسيلة في حياته واعتاد عليه.
ترى، لو تبصّر كلّ منّا بعيوب نفسه وأصلحها، أليس ذلك أجدى من التّحديق طوال الوقت بعيوب الآخرين؟! ولو بدأ معلّم النّاس بتعليم نفسه وتأديبها، ألا يكون ذلك أكثر مصداقيّة من أن يدعو النّاس إلى ما هو بعيد عنه؟!
إنّ على كلّ منّا أن يبدأ بنفسه أوّلًا، فيصلحها ممّا فيها من عيوب وأمراض، ويأخذ بها إلى درب الصّدق والشفافيّة، ويمتنع عن كلّ ما يؤذي الآخرين ويضرّ بهم، ثمّ إذا أراد أن يكون ناصحًا، فليكن، حتّى يكون صادقًا فيما يدعو إليه، وحتّى تقدر النّاس على الوثوق به، إذا ما رأت أفعاله متطابقة مع ما يدعو إليه.
إنّها دعوة لنا جميعًا؛ أن تتطابق أفعالنا مع أقوالنا، أن نكون صادقين فيما ندعو إليه، أن لا يكون هناك خطابان ولسانان، وأن لا تكون الأخلاق والقيم دعوة للآخرين فقط...