بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
ان حديث الغدير الناص بالولاية لأمير المؤمنين(عليه السلام) جعلت منه أمة العرب -في بواكير الدعوة الإسلامية- مفترق طريق خطير، بين متبع مصدق مؤمن بما أمر الله، وبين معاند منكر لآيات الله وأوامره ووصية رسوله الأمين محمد(صلى الله عليه وآله).
وهو مفترق بانت بعض شوارده في لحظة الحدث وفي فجر بزوغ التنصيب بالولاية الكونية على دين الإسلام، برغم الجهر والوضوح والإشهار على ما يربو على المئة والعشرين ألف صحابي شاهدٍ ومبايع.
لم تمر تلك المناسبة دون معجزة أرسلها الله تعالى ختمت بختمه، قاطعة الفصل بالتأويل والشبهة والدس الذي سيقع في هذا الامر الجلل، فأسقطت حجر السجيل على من سأل عن عذاب واقع مشككا بهذا الأمر العظيم وهذه الولاية المنصبة من الله تعالى لا من غيره من المخلوقين، فكان رد الله العزيز الجبار حاسما قاطعا، ألجم الجدل والتأويل وأخرس الأفواه الكريهة النطق القبيحة اللفظ.
لكن هيهات ان يفارق ابليس هواه، فتحجب السقيفة نور الشمس في وضح النهار عن ربوع الأرض الخضراء العامرة وبيدائها المقفرة المكفهرة إلا من هجيرها المحرق الملتظي. وكان اعلم العالمين نذيرا بالمنقلبين على أعقابهم قبل ان يفارق نبي الرحمة والهدى(صلى الله عليه وآله وسلم) دار البلاء الى دار خالدة تقيم فيها جنات النعيم، فتتيه الأرض بمن فيها وترجع القهقرى ناكصة لشقاق الفتنة ووساوس النفاق متلظية بحمى الوهم بالبقاء والطمع بما في أيدي الآخرين فبات الشقاء قريناً، والخوف صديقاً، والنهم طريقاً لا يوصل لغاية ولا هو بصالحٍ لمقامٍ أو جوار.
هي كشسع نعله اذا ضلت عن الحق
ولما أداروا بوجوههم عن ولايته أطبق الباب في وجه دنياهم التي آثر عليها شسع نعله إذ يربطه ربطا هو خير عنده من أمر يدعون اليه ليس يرجوه في نفسه من مواربة على أحقية فيه، فأبى الا الزهد في سلطة لا تدار بنهج محمد وعلي صلى الله عليهما وسلم، وإلا ان يكون الدين مسلما حنيفا لايقبل الرياء والتزحزح عن اليقين فيقطع كل الأرحام حين يصل الحكم لله الواحد الأحد، وهذا ما لا يرضي من اتخذها ملكا عضوضا وسلطانا يتحكم برقاب الناس تستباح فيه الحرمات والأموال والأرواح اذا ما اعترضت امر الحاكم أو سلطانه .
فشتان بين دولة العدل والإنسانية التي يريد وبين ذلك الجور والقهر والاستبداد، بين ان يقف الناس سواء في الحقوق والواجبات والعطاء من بيت المال ومن يجعل الناس طبقات وشرائح تجر بعضها بعيدا عن بعض حتى يصبح البون بينهما كالبعد بين الأرض والسماء فلا حدود تجمعهما ولا صفات أو وشائج بينهما، وهذا ما لايرضاه أمير المؤمنين علي(عليه السلام) في دولته وولايته .
الحرب على الولاية وأهلها
ان خلود هذه الولاية، هو سر من اسرار هذا الدين القويم، جعل الكافرين بها سالبي أحقية الخلافة في قيادة الامة، في موقف ممنهج العداء يسير في صيرورة منظمة من التضليل والتحشيد ضد اهل بيت رسول الله سلام الله عليهم، داعين لهم بالويل والثبور والقتل والسبي ومجندين لهم كل ما اوتوا من قوة وظلم وبطش لكتم صوت الحق المبين، ولعلمهم ان الحجج عند هؤلاء ( آل بيت النبوة عليهم السلام ) لا ترد ولا يحجبها حجاب .
فكانوا من هذا المنطلق يحشدون لطمس نور الولاية العلوية في حكم الله بالأرض ويجيشون الجيوش ضد علي(عليه السلام) ومن بعده ولده الحسن والحسين(عليهما السلام) في مكافحة دؤوب متواصلة لا تخمد في محاولة وسعي حثيث لطمس أي أثر لهذه الولاية المباركة، وهكذا مع كل الأئمة الهادين من ذرية الحسين(عليهم السلام).
لكن هذا لايعني نهاية المطاف لأن الأرض لا تخلو من حجة على العالمين، وان الله متم لنوره ولو كره الكافرون، وقد وعد الله المؤمنين بأن يرثوا الأرض لتقوم دولتهم بقيادة المختار الحجة المنتظر (عجل الله تعالى فرجه) ففي هذا العهد تتحقق الولاية الموعودة والعهد المرتقب، وفي هذا اليوم سيشرق عيد الله الأكبر بأبهى حلة وأصدق رؤية، فيغمر الفرح القلوب الحرى بصدق هذا الوعد والفرج المرتقب .
نجوم الولاية تهدي لسبل الحق
ان هذا اليوم المبارك أوضح وأصدق من أن يُكذّب أو ينفى عن الحدوث، أو تمتد يد الشيطان لتصرف الاعتقاد بما تلزمه البيعة فيه من واجبات وحقوق بما تقتضيه تلك الولاية العلوية، فتطول تلك المخالب لتنشب في ذاكرة المشهد وتاريخه المدوي بشقشقات النور الأبلج، علها تحدث شرخا أو نزفا، فكاد الحق ان يضيع لولا من طاب له مقام الحق واستقبح الدنية من الفعال والخصال عند أهل الغدر أو مؤازرة الباطل للنيل من مقام الحق والصلاح والفضيلة.
فخرجت من بواطن الثرى شذرات الحجر الكريم، وتلك اذا مارسها حد الخطوب تتلألأ كالنجوم في عتمة الليل لكي لا يتيه قاصد لهدف نبيل، ولم تخرج الولاية عن محج أتباع الدين الحق عند الآل المطهرين(عليهم السلام) فكانت هي السبيل الذي عبّدته قوافل الصابرين والدماء الزكية، فكانت الأرض عندهم كربلاء وكانت الطفوف تتلو الطفوف لتزهر قبب العز وتضيء كشموس تحيي الأرض بعد موتها في عز وهناء.
لم يترك الشيعة طريقا إلا سلكوه لتبيان هذا الحق الإلهي في دولة عادلة وحكم للحق مبين، وأول ما أخذوه هو ما زل به لسان الخصوم والمنكرين وما أقر به العارفون والصادقون منهم ممن صلحت قلوبهم فجنحوا للحق الذي ينكره قومهم الضالون.
أما ما جاء عند الشيعة الاثناعشرية فحدث ولا حرج من شهادات حق صادقة الحديث والفعل ومن اشعار تملأ سطور التاريخ في كل مناسبة وحدث ومصر، حتى الفت السلسلات الطوال والمعاجم الثقال، والحجة تدعم الحجة في فخر أول من شهد به الأعداء وطابت به القلوب المتمسكة بالعقيدة الحقة التي فتحت باب الولاية العلوية فدخلوا فيها بسلام واطمئنان.