إن أداء رسالة القضاء في إعلاء كلمة القانون وإقرار العدل لا يتأتى إلا باستقلال القضاء وتقرير ضمانات حقيقية لهذا الاستقلال. ويتطلب فوق ذلك توافر صفات وفضائل معينة في القاضي إلا أن استقلال القاضي لا يعني عدم المساءلة إذا ما أخل بواجبات وظيفته ومقتضياتها وتقاليدها.
فحصانة القاضي تهدف إلى منع التنكيل به وحمايته من الضغوط والمؤثرات والإجراءات التعسفية التي تتخذها اي جهة ضده, كما ان الحصانة لا تعني عدم مساءلته مهما اخطأ أو أساء بل على العكس تدق موازين الحساب وتشتد بالنسبة للقضاة ويكون معيار المساءلة على أساس الالتزام بأرقى قواعد السلوك والفضائل. ذلك لأن لوظيفة القضاء جلالها وسمو رسالتها, وهو ما يقتضي أن يكون القضاة فوق مستوى الشبهات والريب وأن يتحلوا بأرفع الفضائل وأسماها, فهم يحاسبون على ما لا يحاسب عليه غيرهم.
ولذا أجاز القانون إحالة القاضي إلى التقاعد أو نقله إلى وظيفة غير قضائية إذا فقد أسباب الصلاحية وأجاز مساءلته تأديبياً أمام لجنة شؤون القضاة لما يرتكبه من أخطاء. لذا فان حصانة القضاة ليست مطلقة، إذ يحق لمجلس القضاء الاعلى عبر لجنة شؤون القضاة والمحددة بموجب قانون التنظيم القضائي مساءلة القضاة تأديباً عن أفعال الإهمال والتقصير التي قد تقع منهم حال ممارستهم لوظائفهم وهذا بطبيعة الحال أمر ضروري لكون الغياب المطلق للمساءلة سيؤدي دون شك إلى التسيب وانحراف البعض ومجانبته للعدالة والإنصاف.
ويتعرض القاضي، كذلك، أسوة بغيره من الأفراد لحق المساءلة والملاحقة الجنائية لدى اقترافه لأي عمل من الأعمال المجرمة بمقتضى قانون العقوبات والقوانين الأخرى، فيكون التحقيق والمحاكمة بالنسبة للقضاة عند ارتكابهم جريمة ما من اختصاص مجلس القضاء الاعلى عبر لجنة شؤون القضاة، فلا يحق بذلك لأي جهة من جهات الضبط القبض أو التحقيق مع أحد أفراد السلك القضائي. بمعنى لا يجوز توقيف القاضي او اتخاذ الإجراءات الجزائية ضده، في غير حالة ارتكابه جناية مشهودة، الا بعد استحصال اذن من رئيس مجلس القضاء الأعلى والمقصد من ذلك تحقيق مبدأ استقلال القضاء.