عندما تقررُ أن تخطو للأمام لنسيان ما مضى تعاود تلك الذكريات السوداء بالظهور لترجع للوراء خطوتين وتعيش في كوابيس الماضي وتوقنُ أن حياتك لا مجال لتغييرها ، فتبدأ بالرجوع للخلف حتى تصل إلى الهاوية و تسقط فيها متناسياً الشعور بالألم...هكذا هي حياتي كلما تقدمت خطوة عدت خطوتين ، الماضي والآمه أصبحت جزءاً مني ، الإبتسامةُ الكاذبة التي لطالما أعتلت وجهي ناعم الملمس تمنيت او يأتي شخص فيقول لي لماذا تبتسمين...؟! ، ولكن لا مجال لوجوده فعالمي كذبةٌ من الأصل..
كم أتمنى العودة لتلك الأيام التي كنت أضحك فيها مع عائلتي متناسين مايدور حولنا من هموم ، و لكن لم يدم ذلك طويلاً ؛ فرحيل أخي عن العالم جعل عائلتي تهوي إلى الجحيم وتكبلُ بسلال من الحديد الملونِ بذكريات الماضي..
أرجوك عد يا أخي..، أين أنت..؟! ، لا أحتمل فراقك..، إن لحقت بك هل سأرتاح من هذه الأوجاع..؟! ، هل سأتخلص من تلك الكلمات التي لا تزال تلاحقني أينما ذهبت "أنت السبب في موته" ، لم تكن تلك مزحة فها أنا أقف على سطح مدرستي لأقفز منها ؛ لعلهم يشعرون بالذنب إثر موتي هنا ، على وشك إلقاء نفسي سمعت ذلك الصوت الذي دوى في الأفق"توقفي" ، جعلني أتوقف وألتفت خلفي شعرت بأن شجاعتي ذهبت ولكن ما الذي آتى بتلك المتطفلة يومي ، هل حركتُ مشاعرها الآن بعد أن كانت تراقبني أتعذب كلَ يوم ، نظرتُ لها ببعضٍ من علامات البغض وقلت..-"ما الذي آتى بكِ إلى هنا..؟! ، أظن أن التصرف بلطفٍ لا يليق بكِ"
-أردفت بحزنٍ إرتسم على محياها"أرجوكِ لا تقدمي على هذه الفكرة ، لا أفعل ذلك لأنني أريد أن أبدو لطيفة ولكن أتمنى لو أقدمُ لكِ المساعدة"
شعرتُ ببعض الإشمئزاز فهي تقول أنها تريد مساعدتي ولكن كما البقية كاذبةٌ ومحترفة كذلك ، إتجهت بجوراها متجاهلةً حديثها وبكل برود فتحت الباب وعدت إلى الصف ، قصة تعيسة لفتاةٍ لاتزال تبلغ من العمر خمسة عشر سنة ، فمن هم بعمري عادة مايريدون الإستمتاع بحياتهم والإهتمام بجمالهن و لكن ذلك لا يروقني ، البعض يناديني بالملاك الأسود فأنا أملك شعراً أسود كسواد الليل وبشرةً بيضاء كالثلج الأبيض الخالي من الشوائب ، مايثير جدلهم هو لون عيني الغريب فيبدو كما لو أنني لا أرى فقد كنت أحمل لونا رمادياً ، ولكنهما السبب في معاناتي فبعد ذلك يمكنني رؤية ما لايراه البشر ، أحيانا أرى أخي الأكبر يتحدث معي كما لو كان حياً و في أخرى أرى بعض الأشخاص يتحدثون وعندما اعاود فتحها يختفي كل ما أمامي ، حاولت أن أتخلص منهما ولكن شعور الخوف يراودني عندما أحس أنني لن أبصر ثانيةً..عدت للبيتِ في ذلكَ اليوم مرهقة و أتمنى لو اقدمت على الانتحار بدل سماعِ ذلك الصراخ الصادر من أمي وتكسير ما تراه أمامها وهل سيتوقف الأمر هنا بل أبي يزيد الوضع سوءاً عندما يضربها لتتوقف ، حقاً كم أشفق عليكم فأنتما بائسان لا أمل فيكما..، ألقيت بنفسي على السرير وعدت لأسرح في تفكيري وما أعادني إلى الواقع هو ذلك الصوت الصادر من الخزانة ، أصابني بعضُ الفضول فذهبت لفتحها ، الألم..الحزن..التعاسة..الموت ..كل تلك المشاعر اجتمعت في آنٍ واحد يمجرد فتحي للخزانة حتى شعرتُ بأنه يتم سحبي حاولت الهرب ولكن بدأت سلالٌ حديدة تخرج منها وتلفني من كل مكان ، أدركتُ أنني قد وصلت إلى نهاية الطريق ، أحسست بأن شيئاً إخترق جسدي من الخلف لأشعر أن ما حولي قد أصبح ضبابياً و غرفتي تختفي من أمامي ، أصبحتُ أرى لوناً أسوداً ملطخ ببعض الدماء لتتركني تلك السلاسل وأسقط فاقدةً الوعي ، مضت عدةُ ساعاتٍ وأنا في مكاني لم يوقظني إلا ذلك الألم الصادر من قدمي اليسرى ، حاولت استعادة قوتي وأخذت أنظر إلى موضع الألم ، بعد رؤية ذلك المنظر لم يسعني سوى الشعور بالاشمئزاز والخوف فقد كانت حشرةً صغيرة تلتهمُ جلدي حتى تصل إلى لحمي ، حاولت إبعادها ولكنها ملتصقة وكلما تلتهم أكثر تكبر ، إن كانت تلك هي النهاية أريد الموت بهدوء..
يتبع....