اثار التلوث المائي في محافظة البصرة ردوود افعال واسعة في العراق حيث دعا المرجع الشيعي الاعلى علي السيستاني وشخصيات ومنظمات معنية بحقوق الانسان الحكومة الى انقاذها، بعد ازدياد نسبة الملوحة في مياه المدينة بالتزامن مع شحة مائية عامة في البلاد.
وذكر تقرير لموقع درج ميديا المعني بقضايا الشرق الاوسط اليوم (24 اب 2018)، انه "في خضم انشغال الكتل السياسية العراقية بالاستحقاقات الانتخابية و معارك لي الأذرع من أجل الفوز بحصص تشكيل الحكومة، برزت نداءات ودعوات عاجلة خلال عطلة العيد لانقاذ الملايين من سكان مدينة البصرة، بسبب انتشار حالات التسمم الناجمة عن تلوث مياه الشرب، في عاصمة العراق الاقتصادية".
واضاف، ان "نشطاء المدينة ركزوا في رسالة نشرت باللغتين العربية والإنجليزية على مواقع التواصل على الانتشار الواسع لحالات التسمم للبشر جراء تلوث مياه الشرب، ونفوق آلاف من الأسماك وتدمير الثروة الحيوانية، وانتشار لحالات من مرض السرطان جراء مايقولون أنها تداعيات عمل الشركات النفطية في المحافظة".
وانضم عبدالمهدي الكربلائي، الذي يخطب في الصحن الحسيني نيابة عن السيد السيستاني بكربلاء إلى النداء عبر دعوته في خطبة الجمعة (24 آب 2018) إلى وضع حد لمعاناة أهل البصرة، ويعد هذا انذارا من المرجعية الشيعية التي اختارت مؤخرا دعم حراك المتظاهرين في جنوب العراق الرامي لتحسين الخدمات المتدهورة.
وقد انتقد ممثل المرجعية الإهمال الحكومي لمعاناة أهل البصرة من تلوث المياه وعدم توفر مياه صالحة للشرب، ووصف ما يجري في المدينة بـ"الأزمة الإنسانية"، التي لا تجد الاهتمام المناسب لها من قبل الجهات الحكومية المختصة، وانتقد الحكومة بشدة على الاكتفاء بـ "لوم بعضها البعض وتحميل بعضها المسؤولية".
تعد البصرة عاصمة اقتصادية للعراق، وهي تحتضن ثروة نفطية هائلة (115 مليار برميل نفط و 15 حقلاً من أصل 77 حقلاً في عموم العراق)، وهي تحاذي الخليج العربي وإيران والكويت في نفس الوقت، ويمر شط العرب في وسطها. ومعاناة هذه المدينة الاستراتيجية تزداد كلما توغلت الأجواء في الخريف القاحل (الصيهود)، حيث كشفت الفحوصات المختبرية الرسمية أن أكثر من 70% من الاقضية والنواحي التابعة لها تستخدم مياه غير صالحة للاستخدام البشري، وأن نسبة تعقيم المياه في الأقضية والنواحي التابعة لها صفر بالمئة.
واوضح التقرير ان "وزارة الصحة العراقية هرعت إلى ارسال فريق وزاري من الخبراء والمتخصصين لتحري الأمراض الوبائية في المدينة، ورغم تأكيدها ارسال عينات من المرضى إلى المختبرات المركزية في العاصمة بغداد، إلا أنها استبقت النتائج عبر التأكيد على أن الحالات المنتشرة في المدينة ناجمة عن التلوث البكتيري للمياه المستخدمة من قبل المواطنين، في محاولة لتهدئة مخاوف الناس في ظل انتشار هلع بشأن مصير الحياة في هذه المدينة الموبوءة".
وتابع، ان "الجهات الرسمية تمتنع عن نشر إحصاءات عن عدد المصابين بالتلوث رغم الإقرار بانتشار الحالة، وتعد جهات هذا الاحجام تعتيماً مفروضاً على الواقع الصحي والبيئي لهذه المدينة، التي ترفد ميزانية العراق بمليارات من الدولارات سنوياً عبر النفط وايرادات المنافذ، وتشهد احتجاجات مطلبية ملحة نحو شهرين".
ويتهم كثيرون رئيس الحكومة العازم على تجديد ولايته بالتقصير في إسعاف المدينة، لكنه ورغم التزامه الصمت، ألقى اللوم، في مقطع فيديو نشر له حيث اجتمع مع شركات يابانية، على الفساد المستشري في المدينة وتضارب الصلاحيات بين الاذرع التنفيذية للمحافظة.
تكمن مشكلة البصرة بحسب مختصين في ارتفاع الملح فيها مؤخرا جراء انخفاض مناسيب المياه العذبة، وزيادة التلوث البيئي فيها، وقد اطلقت مفوضية حقوق الانسان التابعة للدولة، نداء لإعلان المدينة منكوبة رغم نفي خلية الأزمة التابعة للحكومة وبيانات الصحة وصول الحالات لحد الأزمة، كما انتقدت مفوضية حقوق الانسان "عدم تسجيل أي فعل حكومي يوازي حجم الكارثة"، ويعزز هذا البيان الاحتجاجات الشعبية والنداءات العاجلة من أجل التحرك السريع لانقاذ المدينة.
وخلص التقرير الى ان "انتشار الملوحة وتلوث مياه الإسالة في البصرة مع انتشار حالات التسمم فيها يتزامن مع شحة مائية كبيرة اجتاحت بلاد الرافدين مؤخرا جراء السياسات المائية لدول الجوار (إيران وتركيا) وسوء ادارة المياه داخليا، حيث اشار خبراء الى أن حصة الفرد العراقي من الماء الخام انخفضت من 7000 آلاف إلى 1000 متر مكعب، منذ سنوات السبعينات حتى الآن، ما جعل العراق ضمن الدول الفقيرة بالمياه بعدما كان مصبا لأهم نهرين تاريخيين في المنطقة (الدجلة والفرات)، وبعدما كان من الدول الغنية جدا بالمياه الآتية من تركيا وإيران والنابعة في أراضيها عبر روافد وجداول متنوعة، في ظل غياب استراتيجية لمواجهة هذه الكارثة بسبب الحروب والصراعات السياسية التي تتوالى في العراق بكثرة".