الحمد لله نَحْمَده، ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يَهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضللْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحْدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، نصَح لأمَّته ودلَّها على ما فيه خيرُها في أمرِ دِينها ودنياها، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحابته السائِرين على نَهْجِه والممتثِّلين لأوامره والمنتهين عن نواهيه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فيا عباد الله:
اتَّقوا الله - تعالى - في أنفُسكم وتعلَّموا ما فيه سعادتكم وفلاحُكم في أمورِ دِينكم ودُنياكم، وتأدَّبوا بآداب نبيِّكم، فلا خيرَ إلا دلَّكم عليه، ولا شرَّ إلا حذَّركم منه، وممَّا دلَّكم عليه مِن خير تعليمُكم أذكار الخروج مِن المنزل وأذكار الدخول في المنزل، وبذلك تحفظون أنفسَكم في دخولِكم وخروجكم، وتُرطِّبون ألسنتَكم بذِكْر ربِّكم، وتكون حياتُكم حياةَ سعادةٍ وراحة واطمئنان، وتُحصِّنون أنفسَكم مِن الشيطان عدوِّكم وعدوِّ أبيكم، فلا عُذرَ لكم في التغافُل، فالله - جلَّ وعلا - يقول: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ﴾ [فاطر: 6].
ونبيُّنا - صلوات الله وسلامه عليه -علَّمنا ما نقول عندَ خروجنا مِن منازلنا، فقال: ((مَن قال - يعني: إذا خرَج من بيْته - بسمِ الله، توكلتُ على الله، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلا بالله، يُقال له: كُفيت وهُديت ووُقيتَ وتنحَّى عنه الشيطان، فيقول لشيطانٍ آخَرَ: كيف لك برَجُل قد كُفِي وهدي ووقي؟!))[1].
وفي مسند الإِمام أحمد: ((بسمِ الله، آمنتُ بالله، واعتصمتُ بالله، توكلتُ على الله، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلا بالله))[2].
وفي السنن الأربع: عن أمِّ سلمة - رضي الله عنها - قالت: ما خرَج رسولُ -صلى الله عليه وسلم- من بيتِه إلا رَفَع طرْفَه إلى السماء، فقال: ((اللهمَّ إني أعوذُ بك أن أَضِلَّ أو أُضلَّ، أو أَزلَّ أو أُزلَّ، أو أَظْلِم أو أُظلم، أو أَجهلَ أو يُجهل عليَّ))[3].
وفي دخولِ المنزل جاءَ في صحيحِ مسلِم - رضي الله عنه - عن جابرٍ قال: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا دخَل الرجلُ بيتَه فذَكَر اللهَ -تعالى- عندَ دخولِه وعندَ طعامه قال الشيطان: لا مبيتَ لكم ولا عَشاءَ، وإذا دخَل فلم يَذكُرِ الله -تعالى- عندَ دخولِه، قال الشيطان: أدركتُم المبيت، فإذا لم يَذكُرِ الله -تعالى- عندَ طعامه، قال: أدركتُم المبيت والعَشاءَ))[4].
وفي سُنن أبي داود عن أبي مالكٍ الأشعري قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا وَلَج الرجلُ بيتَه، فليقلْ: اللهمَّ إني أسألك خيرَ المولج وخيرَ المخْرَج، بسمِ الله ولجْنا وبسمِ الله خرجْنا، وعلى الله ربِّنا توكَّلنا، ثم ليُسلِّمْ على أهْلِه))[5].
وفي الترمذيِّ عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال لي رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا بنيَّ، إذا دخلتَ على أهْلِك فسلِّم، يكن بركةً عليك وعلى أهلِ بيتِك))[6].
فهذه مِن تعاليمِ نبيِّنا - صلوات الله وسلامه عليه - التي أهمَلَها أكثرُ الناس؛ ولهذا تعقَّدت حياتُهم، وصعُب أمرهم، وسيطر عليهم الشيطان، وباض وفرخ في المنازلِ، ووجَد المبيتَ والعَشاء، فأكثر الناس يخرُج مِن بيته وليس في ذِهْنه إلا ماذا سيفعل مِن أمور دُنياه، والكثير يُفكِّر بأيِّ حيلة من الحِيَل يصطاد بها ويحصل على المال، وقد غفَل عن عدوِّه المتربِّص له، والمحسِّن له الباطل.
والكثير الآخَر يفكِّر في إشباع رَغباته الحيوانية، وملذَّات نفْسه الوقتيَّة، وقد نسِي أو تناسَى أنَّه في حاجةٍ إلى سلاح يُدافِع به ويقاوم عدوَّه، ونَسِي ذكْر الله والتوكُّلَ عليه وإظهار الافتقار إليه، نسي هذا السِّلاح وخرَج بلا عُدَّة ولا استعداد، وهناك خارجَ البيت وحالَ ممارسة أعمال هذه الحياة تقوم المعركةُ بيْنه وبيْن عدوِّه الشيطان، فما ظنُّك بعدوٍّ تربَّص واستعدَّ فوجد عدوَّه بدون استعداد ولا مقاومة؟! لا شكَّ أنَّ مهمل السلاح أمامَ العدوِّ سيلقَى مصرعه، وعلى يدِ عدوِّه خارجَ منزله وحِصنه، فقدْ خرَج لعدوِّه بدون عدَّة ولا استعداد، وأكثر الناس يدخُل منزلَه ويدخل معه عدوّه حيث لم يتفقَّدْ حالَه حين دخوله، فهو يأتي بالعدوِّ معه ويُهيِّئ له المبيتَ والطعام، حيث دخَل منزلَه دون أن يذكُر الله عندَ دخوله، وهناك تكون المعركةُ الأُخْرى داخلَ المنزِل، هناك الشِّقاق والنِّزاع بيْنه وبيْن الزَّوجة، وبيْنه وبيْن الأولاد.
وهناك سوءُ التدبير وضياع الأموال بما لا يعود عليه بخيرٍ في أمرِ دِينه ودُنياه، ومع هذا فهو لا يُشْكَر على ما أضاع مِن مال، ويُلام على ما يحصُل منه مِن كلام، ولم يعرِفْ ضعيفُ العقل والإِرادة أنَّه أتَى بعدوِّه يقتاده، حتى أدخلَه منزلَه وسلَّحه على نفْسه، حيث لم يَذكُرِ الله عندَ دخوله، وبذلك يَقَع صريعًا أمامَ عدوِّه في المعركة الأخرى داخلَ منزله، فتلك حال أكْثر الناس اليوم حيث غفَلوا عن توجيهاتِ نبيِّهم نسُوا أو تناسَوا ما دلَّهم عليه من خيرٍ، وما حذَّرهم عنه من شرٍّ، فاتَّقوا الله - يا عبادَ الله - وارجعوا إلى الله وتمسَّكوا بهَدْي رسول الله تسْعَدوا في عاجلِكم وفي آجلِكم.
أعوذ بالله مِن الشيطان الرجيم، قال الله العظيم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70-71].
بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفَعَني وإيَّاكم بما فيه مِن الآيات والذِّكْر الحكيم، وتاب عليَّ وعليكم، إنَّه هو التواب الرحيم.
أقول قولي هذا، وأستغفِرُ الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين مِن كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
واعْلَموا أنَّكم في حاجة إلى علاج أمراض فَشَتْ بينكم أحوج مِن علاج الأجسام، وإنَّها ما دخلتْ عليكم إلا بسببِ الإِهمال وعدمِ أخْذ ما يُحصِّن منها، فالشيطان حريصٌ على إيقاع بني آدَمَ في المهالك، فاستعدُّوا له واحذروا مكْرَه وخِداعه، تحصَّنوا بالسِّلاح الواقي مِن شرِّه في مدخلِكم ومخرجكم، واعْلموا أنَّ السلاحَ الواقي من شرِّه سهلٌ خفيف المحمل، اذكروا الله عندَ خروجكم مِن منازِلكم كما أرشدَكم لذلك نبيُّكم - صلوات الله وسلامه عليه - بقوله: ((مَن قال: بسمِ الله توكَّلتُ على الله ولا حولَ ولا قوَّة إلا بالله، يقال له: كُفيتَ وهُديتَ ووُقيتَ وتنحَّى عنه الشيطان)). وعندَ دخولِكم في منازلكم كما أرشدكم كذلك نبيُّكم - صلوات الله وسلامه عليه - بقوله: ((إذا ولَج الرجلُ بيتِه فليقلْ: اللهمَّ إني أسألكَ خيرَ المولَج وخيرَ المخرَج، بسمِ الله ولجْنا وبسم الله خرجْنا، وعلى الله ربِّنا توكلنا، ثم ليسلِّمْ على أهله))، فحافظوا على هذه التعاليم والآداب.
[1] أخرجه الترمذي (3426)، وقال: حديث حسن. وأبو داود (5095)، قال الأرناؤوط: وهو حديث صحيح. انظر جامع الأصول (4/275).
[2] أخرجه أحمد في مسنده (1/66)، وفي كنز العمال (17533).
[3] أخرجه الترمذي (3423)،وأبو داود (5094)، والنسائي (8/268)، وابن ماجه (3884)، قال الأرناؤوط: إسناده صحيح؛ انظر جامع الأصول (4/274).
[4] أخرجه مسلم (2018).
[5] أخرجه أبو داود (5096)، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح؛ انظر جامع الأصول (4/276).
[6] أخرجه الترمذي (2698)، وقال: حديث حسن صحيح.