عَنْ طَاوُسٍ الْيَمَانِيِّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) قَالَ :
مَرَرْتُ بِالْحِجْرِ ، فَإِذَا أَنَا بِشَخْصٍ رَاكِعٍ وَسَاجِدٍ ، فَتَأَمَّلْتُهُ فَإِذَا هُوَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) فَقُلْتُ : يَا نَفْسُ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النُّبُوَّةِ ، وَاللَّهِ لَأَغْتَنِمَنَّ دُعَاءَهُ .
فَجَعَلْتُ أَرْقُبُهُ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَرَفَعَ بَاطِنَ كَفَّيْهِ إِلَى السَّمَاءِ ، وَجَعَلَ يَقُولُ :
﴿سَيِّدِي ، سَيِّدِي ، هَذِهِ يَدَايَ قَدْ مَدَدْتُهُمَا إِلَيْكَ بِالذُّنُوبِ مَمْلُوءَةً وَعَيْنَايَ بِالرَّجَاءِ مَمْدُودَةً ، وَحَقٌّ لِمَنْ دَعَاكَ بِالنَّدَمِ تَذَلُّلًا أَنْ تُجِيبَهُ بِالْكَرَمِ تَفَضُّلًا .
سَيِّدِي ، أَمِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَأُطِيلَ بُكَائِي ! أَمْ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ خَلَقْتَنِي فَأُبَشِّرَ رَجَائِي !
سَيِّدِي ، أَلِضَرْبِ الْمَقَامِعِ خَلَقْتَ أَعْضَائِي أَمْ لِشُرْبِ الْحَمِيمِ خَلَقْتَ أَمْعَائِي !
سَيِّدِي ، لَوْ أَنَّ عَبْداً اسْتَطَاعَ الْهَرَبَ مِنْ مَوْلَاهُ لَكُنْتُ أَوَّلَ الْهَارِبِينَ مِنْكَ ، لَكِنِّي أَعْلَمُ أَنِّي لَا أَفُوتُكَ .
سَيِّدِي ، لَوْ أَنَّ عَذَابِي مِمَّا يَزِيدُ فِي مُلْكِكَ لَسَأَلْتُكَ الصَّبْرَ عَلَيْهِ ، غَيْرَ أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ فِي مُلْكِكَ طَاعَةُ الْمُطِيعِينَ وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ مَعْصِيَةُ الْعَاصِينَ .
سَيِّدِي ، مَا أَنَا وَمَا خَطَرِي ، هَبْ لِي بِفَضْلِكَ وَجَلِّلْنِي بِسَتْرِكَ وَاعْفُ عَنْ تَوْبِيخِي بِكَرَمِ وَجْهِكَ .
إِلَهِي وَسَيِّدِي ، ارْحَمْنِي مَصْرُوعاً عَلَى الْفِرَاشِ تُقَلِّبُنِي أَيْدِي أَحِبَّتِي ، وَارْحَمْنِي مَطْرُوحاً عَلَى الْمُغْتَسَلِ يُغَسِّلُنِي صَالِحُ جِيرَتِي ، وَارْحَمْنِي مَحْمُولًا قَدْ تَنَاوَلَ الْأَقْرِبَاءُ أَطْرَافَ جِنَازَتِي ، وَارْحَمْ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ الْمُظْلِمِ وَحْشَتِي وَغُرْبَتِي وَوَحْدَتِي﴾ ...
قَالَ طَاوُسٌ (رَحِمَهُ اللَّهُ) : فَبَكَيْتُ حَتَّى عَلَا نَحِيبِي ... فَالْتَفَتَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إِلَيَّ وَقَالَ : مَا يُبْكِيكَ يَا يَمَانِيُّ ، أَوَلَيْسَ هَذَا مَقَامَ الْمُذْنِبِينَ ؟
فَقُلْتُ : حَبِيبِي حَقِيقٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ لَا يَرُدَّكَ وَجَدُّكَ مُحَمَّدٌ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) .
فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَالْتَفَتَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إِلَيْهِمْ وَقَالَ :
مَعَاشِرَ أَصْحَابِي ، أُوصِيكُمْ بِالْآخِرَةِ وَلَسْتُ أُوصِيكُمْ بِالدُّنْيَا ، فَإِنَّكُمْ بِهَا مُسْتَوْصَوْنَ وَعَلَيْهَا حَرِيصُونَ وَبِهَا مُسْتَمْسِكُونَ .
مَعَاشِرَ أَصْحَابِي ، إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ مَمَرٍّ وَالْآخِرَةَ دَارُ مَقَرٍّ ، فَخُذُوا مِنْ مَمَرِّكُمْ لِمَقَرِّكُمْ وَلَا تَهْتِكُوا أَسْتَارَكُمْ عِنْدَ مَنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَسْرَارُكُمْ ، وَأَخْرِجُوا مِنَ الدُّنْيَا قُلُوبَكُمْ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا أَبْدَانُكُمْ .
أَمَا رَأَيْتُمْ وَسَمِعْتُمْ مَا اسْتُدْرِجَ بِهِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَالْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ ؟ أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ فُضِحَ مَسْتُورُهُمْ وَأُمْطِرَ مَوَاطِرُ الْهَوَانِ عَلَيْهِمْ بِتَبْدِيلِ سُرُورِهِمْ بَعْدَ خَفْضِ عَيْشِهِمْ وَلِينِ رَفَاهِيَتِهِمْ ؟! صَارُوا حَصَائِدَ النِّقَمِ وَمَدَارِجَ الْمَثُلَاثِ ...
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى لِي وَلَكُمْ .
المصدر : (بحار الأنوار : ج75، ص146.)
*
وَعَنْهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ :
ابْنَ آدَمَ ، لَا تَزَالُ بِخَيْرٍ مَا كَانَ لَكَ وَاعِظٌ مِنْ نَفْسِكَ ، وَمَا كَانَتِ الْمُحَاسَبَةُ مِنْ هَمِّكَ ، وَمَا كَانَ الْخَوْفُ لَكَ شِعَاراً وَالْحُزْنُ لَكَ دِثَاراً .
ابْنَ آدَمَ ، إِنَّكَ مَيِّتٌ وَمَبْعُوثٌ وَمَوْقُوفٌ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَمَسْئُولٌ فَأَعِدَّ جَوَاباً .
المصدر : (بحار الأنوار : ج75، ص147.)
*
وَعَنْهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ :
خَفِ اللَّهَ تَعَالَى لِقُدْرَتِهِ عَلَيْكَ ، وَاسْتَحْيِ مِنْهُ لِقُرْبِهِ مِنْكَ ، وَلَا تُعَادِيَنَّ أَحَداً وَإِنْ ظَنَنْتَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّكَ ، وَلَا تَزْهَدَنَّ صَدَاقَةَ أَحَدٍ وَإِنْ ظَنَنْتَ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُكَ .
فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَتَى تَرْجُو صَدِيقَكَ وَلَا تَدْرِي مَتَى تَخَافُ عَدُوَّكَ ، وَلَا يَعْتَذِرُ إِلَيْكَ أَحَدٌ إِلَّا قَبِلْتَ عُذْرَهُ وَإِنْ عَلِمْتَ أَنَّهُ كَاذِبٌ ، وَلْيَقِلَّ عَيْبُ النَّاسِ عَلَى لِسَانِكَ .
المصدر : (بحار الأنوار : ج75، ص142.)