أيام التشريق هي الأيام الثلاثة اللاحقة ليوم النحر، وهي الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من ذي الحجة، وفيها يعود الحجاج بعد طوافهم في مكة إلى مِنى، وأعمالها كالتالي:

اليوم الحادي عشر من ذي الحجة:

على الحاج أن يرمي الجمرات الثلاث إذا زالت الشمس في اليومين، والأفضل أن يذهب للرمي ماشيًا وإن ركب فلا بأس؛ فيرمي الجمرة الأولى (فيجعلها عن يساره) وهي أبعد الجمرات عن مكة، وهي التي تلي مسجد الخيف بسبع حصيات متعاقبات؛ واحدة بعد الأخرى، ويُكَبِّر بعد كل حصاة، ثم يتقدَّم قليلاً، ويأخذ ذات اليمين، ويدعو مستقبلاً القبلة دعاءً طويل[1] بما أحب، وهو رافع يديه، فإن شقَّ عليه طول الوقوف والدعاء، دعا بما يسهل عليه؛ ولو قليلاً ليُحَصِّل السُّنَّة.
ثم يأتي الجمرة الوسطى (فيجعلها على يمينه) ويرميها بسبع حصيات متعاقبات يُكَبِّر مع كل حصاة، ثم يأخذ ذات الشمال فيقف مستقبل القبلة رافعًا يديه ويدعو دعاءً طويلاً (ولكن أقل من الأول)[2] إن تيسَّر له، وإلاَّ وقف بقدر ما تيسَّر.
ثم يأتي جمرة العقبة (الكبرى) ويجعلها على يمينه، ويرميها بسبع حصيات متعاقبات يُكَبِّر مع كل حصاة، ثم ينصرف، ولا يدعو بعده[3].
يكون المبيت في منى ليلة الثاني عشر، يستغلُّ الوقت في فعل الخيرات وذِكْرِ الله، والإحسان إلى الخلق، والتناصح والتواصي بالخير، ويجوز للمعذور في الرمي ثلاثة: ألاَّ يبيت في منى.

هل يجوز التوكيل في رمي الجمار؟

الجواب: قال تعالى: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة: 185]، وقال تعالى: {مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ}[المائدة: 6]؛ فالعسر والحرج منفيان عن هذه الشريعة بهاتين الآيتين، وما جاء في معناهما، فمَنْ عجز عن الرمي فإنه يُوَكِّل مَنْ يرمي عنه، وجمرة العقبة وغيرها سواء في ذلك، ويكون التوكيل لشخص ثقة حجَّ في ذلك العام، والنساء تختلف أحوالهن: فمنهنَّ الحامل، وضخمة الجسم جدًّا، والهزيلة، والمريضة، والمسنَّة العاجزة، ومنهنَّ القوية، ولا حرج عليهنَّ في رمي جمرة العقبة آخر الليل من ليلة العيد وقبل طلوع الشمس من صباح يوم العيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخَّص للضعفة في ذلك[4].
فأمَّا المرأة التي يُوجد فيها عذر من الأعذار المشار إليها ونحوها فتجوز النيابة عنها، ولا إشكال في ذلك، والذي يرمي عنها لا ينوب عنها إلاَّ بإذنها قبل الرمي عنها، فيرمي عن نفسه ثم عنها. وأمَّا القوية فإذا حصلت مشقَّة غير مألوفة جازت النيابة عنها على الوصف الذي سبق في كيفية النيابة، وأنه يرمي عنها بعد ما يرمي عن نفسه، والشخص الذي يكون نائبًا في الرمي عن غيره يكون من الحجاج[5].
وهذه الرخصة تشمل مَنْ تخاف على عِرضها من الزحام والتصاق الأجساد، ويرى الدكتور سلمان العودة أنه «للضعفة والنساء أن يُوَكِّلُوا غيرهم في الرمي، ولا حرج»[6].
قال ابن المنذر رحمه الله: «كل مَنْ حفظت عنه من أهل العلم يرى الرمي عن الصبي الذي لا يقدر على الرمي، كان ابن عمر يفعل ذلك، وبه قال عطاء، والزهري، ومالك، والشافعي، وإسحاق»[7].
والحقيقة أن الزحام قد خفَّ كثيرًا بعد التطويرات التي تمَّت في أماكن الجمرات ببناء جسور الجمرات، وتغيير التصميم المعماري الذي كان يُسَبِّب الزحام؛ فصار الطواف أيسر مما كان في السابق.

هل يجوز الرمي قبل الزوال؟

للحاج أن يرمي ليلاً. وهو مذهب عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ومذهب الحنفيَّة، ورواية عند المالكية، وأحد القولين عند الشافعية، وبه أفتى المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، حينما اشتد الزحام على الجمرات[8].
والدليل على ذلك ما رواه البخاري، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: رميت بعد ما أمسيت؟ فقال: «لا حرج». قال: حلقت قبل أن أنحر؟ قال: «لا حرج»[9].
وله أن يرمي قبل الزوال في سائر الأيام، وهو منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقول طاوس، وعطاء في إحدى الروايتين عنه، ومحمد الباقر، وهو رواية غير مشهورة عن أبي حنيفة، وإليه ذهب ابن عقيل، وابن الجوزي من الحنابلة، والرافعي من الشافعية، ومن المعاصرين: الشيخ عبد الله آل محمود، والشيخ مصطفى الزرقاء، والشيخ صالح البليهي وطائفة من أهل العلم، وقوَّاه الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمهم الله[10].
واستدلوا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا بِاللَّيْلِ، وَأَيَّ سَاعَةٍ مِنَ النَّهَارِ شَاءُو[11].
قال ابن قدامة في (الكافي): «وكل ذي عذر من مرضٍ أو خوفٍ على نفسه أو ماله كالرعاة في هذا؛ لأنهم في معناهم»[12].
وبما رواه البخاري ومسلم، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع بمنًى للناس يسألونه، فجاءه رجل فقال: لم أشعر، فحلقت قبل أن أذبح؟ فقال: «اذبح ولا حرج». فجاء آخر فقال: لم أشعر، فنحرت قبل أن أرمى؟ قال: «ارم ولا حرج». فما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قُدِّم ولا أُخِّر إلا قال: «افعل ولا حرج»[13].
ومن أدلتهم: عدم وجود دليل صريح في النهي عن الرمي قبل الزوال، لا من الكتاب، ولا من السُّنَّة، ولا من الإجماع، ولا من القياس.
وأما رمي الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الزوال، فهو بمنزلة وقوفه بعرفة بعد الزوال إلى الغروب، ومن المعلوم أن الوقوف لا ينتهي بذلك الحد، بل الليل كله وقت وقوف أيضًا.
ولو كان الرمي قبل الزوال منهيًّا عنه لبيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم بيانًا شافيًا صريحًا حينما أجاب السائل الذي سأله عن رميه بعدما أمسى، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
ومن الأدلة: قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}[البقرة: 203]. والرمي من الذكر، كما صح عن عائشة رضي الله عنها قالت: «إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَرَمْيُ الجِمَارِ لإِقَامَةِ ذِكْرِ اللهِ»[14]. فجعل اليوم كله محلاًّ للذكر، ومنه الرمي.
وهذا يشبه أن يكون كالنص في المسألة عند التأمل، وبه استدل الشيخ عبد الرحمن السعدي : وغيره.
وكذلك قول ابن عمر رضي الله عنهما في رواية البخاري وغيره لمن سأله عن وقت الرمي: «إِذَا رَمَى إِمَامُكَ، فَارْمِهْ»[15].
ولو كان المتعيّن عنده الرمي بعد الزوال، لبيَّنه للسائل.

هل يجوز جمع أكثر من جمرة في يوم واحد؟

للحاج أن يؤخر رمي الجمرات عدا يوم العيد لليوم الأخير؛ لحديث عاصم بن عدي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أَرْخَصَ لِرِعَاءِ الإِبِلِ فِي الْبَيْتُوتَةِ، خَارِجِينَ عَنْ مِنًى، يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ يَرْمُونَ الْغَدَ، وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ لِيَوْمَيْنِ، ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ»[16].
فيجوز لمن كان في معنى الرعاة ممن هو مشغول أيام الرمي بعملٍ لا يفرغ معه للرمي، أو كان منزله بعيدًا عن الجمرات، ويشق عليه التردد عليها؛ أن يؤخر رمي الجمرات إلى آخر يوم من أيام التشريق، ولا يجوز له أن يؤخِّره إلى ما بعد يوم الثالث عشر (آخر أيام التشريق). والرمي في هذه الحالة أداء لا قضاء، وأيام التشريق كاليوم الواحد.
وهذا قول الشافعية والحنابلة، وأبي يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية وهو المعتمَد عندهم، واختاره الشنقيطي رحمهم الله.
وهكذا التأخير لتجنُّب الزحام والمشقة والاقتتال، فهو من أعظم المقاصد الفاضلة المعتبرة.
وحياة الناس أولى بالرعاية من حياة الحيوان، كما في حال الرعاة.
وحفظ الأرواح من المقاصد الخمسة المجمَع على اعتبارها في الشريعة[17].

هل يجوز الرمي بحصاة قد رُمي بها أو حصاة سقطت ولم يرمَ بها؟

أجاب ابن عثيمين قائلاً: «نعم يجزئ الرمي بحصاة قد رُمي بها؛ لأن الحصاة حصاة مهما كان، وعليه فإذا سقطت من يدك حصاة فخُذْ حصاة من الأرض وارمِ بها، ولو كنت إلى جنب الحوض ولا تسأل: هل رُمي بها أو لا؛ لأن الحصاة حجر سواءٌ رُمي به أو لم يُرمَ به، وما ذكره بعض أهل العلم -رحمهم الله- من أنه لا يجزئ الرمي بحصاة قد رمي بها، فهذا محل خلاف بين العلماء؛ فمنهم من قال بذلك، ومنهم من لم يقل بذلك، ولكن إذا رجعنا إلى الدليل وجدنا أنه لا بأس أن يرمي بحصاة قد رُمي بها، ولكنه لا ينبغي للإنسان أن يأخذ حصاة واحدة ويقف على الحوض فيرميها، ثم يأخذها ويرميها، ثم يأخذها ويرميها، يعني هذه الكيفيَّة على غير الكيفية التي رماها النبي صلى الله عليه وسلم»[18].

اليوم الثاني عشر من ذي الحجة

بعد المبيت بمنى، بعد الظهر تُرمى الجمرات الثلاث مثل اليوم الحادي عشر تمامًا، والوقوف للدعاء بعد رمي الجمرة الصغرى والوسطى.

فمَنْ تعجَّل في يومين:

- من أراد التعجُّل في السفر فهو مشروع، ويجب عليه الانصراف قبل غروب الشمس؛ فإن غربت عليه الشمس وجب عليه أن يبيت.
- التوجُّه إلى المسجد الحرام بمكة لطواف الوداع، قال تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ}[البقرة: 203].

اليوم الثالث عشر من ذي الحجة:

وهو خاص بمَنْ تأخَّر، والتأخُّر أفضل، ويجب بغروب الشمس في اليوم الثاني عشر على الحاج وهو بمنى، فإنه يلزمه التأخُّر حتى يرمي الجمرات الثلاث بعد الزوال.
بعد المبيت تعمل أعمال اليومين السابقين تمامًا؛ فترمى الجمار، ويُدعى بعد رمي الجمرة الصغرى والوسطى، ثم يتجه بعد ذلك إلى مكة لأداء طواف الوداع عند السفر.

د. راغب السرجاني
[1] اختلفوا في مقدار ما يقف عند الجمرة الأولى، فكان ابن مسعود يقف عندها قدر قراءة سورة البقرة مرَّتين، وعن ابن عمر: كان يقف عندها قدر قراءة سورة البقرة عند الجمرتين، وعن أبي مجلز قال: كان ابن عمر يشبر ظله ثلاثة أشبار ثمَّ يرمي، وقام عند الجمرتين قدر قراءة سورة يوسف، وكان ابن عبَّاس ب يقف بقدر قراءة سورة من المئين، ولا توقيف في ذلك عند العلماء، وإنَّما هو ذِكْر ودعاء، فإن لم يقف ولم يدع فلا حرج عليه عند أكثر العلماء، إلاَّ الثَّوريّ فإنَّه استحبَّ أن يُطعم شيئًا أو يهريق دمًا. العيني: عمدة القاري شرح صحيح البخاري، 10/91.
[2] ابن قيم الجوزية: زاد المعاد في هدي خير العباد، 2/263.
[3] انظر صفة رمي الجمار: محمد العربي القروي: الخلاصة الفقهية على مذهب السادة المالكية، ص225، وأبو الحسين يحيى بن أبي الخير: البيان في مذهب الإمام الشافعي، 4/349، والبهوتي: كشاف القناع عن متن الإقناع، 2/509.
[4] فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى (11/286).
[5] فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى (11/383).
[6] سلمان العودة: افعل ولا حرج، ص95.
[7] ابن قدامة: المغني 3/242.
[8] الموطأ (921)، وبدائع الصنائع (3/122)، والمحلى (7/176)، والمجموع (8/180)، وبداية المجتهد (2/145)، والتاج والإكليل مع مواهب الجليل (3/133)، وأضواء البيان (5/299).
[9] البخاري: كتاب الحج، باب الذبح قبل الحلق، (1635)، واللفظ له، ومسلم: كتاب الحج، باب من حلق قبل النحر أو نحر قبل الرمي، (1307).
[10] بداية المجتهد (1/258)، وبدائع الصنائع (2/137-138)، والمغني (5/328)، والمجموع (8/269) مع حاشية المطيعي، وفتح الباري (3/580)، والإنصاف (4/46).
[11] الدارقطني (2685)، والبزار (5748)، وقال ابن حجر: رواه الدارقطني وإسناده ضعيف، وعن ابن عمر رواه البزار بإسناد حسن والحاكم والبيهقي. انظر: التلخيص الحبير، 2/563.
[12] ابن قدامة: الكافي في فقه الإمام أحمد، 1/528، 529.
[13] البخاري: كتاب الحج، باب الذبح قبل الحلق، (1635)، واللفظ له، ومسلم: كتاب الحج، باب من حلق قبل النحر أو نحر قبل الرمي، (1307).
[14] أبو داود: كتاب المناسك، باب في الرمل (1888) واللفظ له، والترمذي في سننه، (902) وقال: وهذا حديث حسن صحيح. وأحمد (24512)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده حسن. والدارمي (1853)، وقال حسين سليم أسد: إسناده حسن. والحاكم في مستدركه، (1685)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
[15] البخاري: كتاب الحج، باب رمي الجمار، (1659).
[16] أبو داود: كتاب المناسك، باب في رمي الجمار (1975)، والترمذي (955)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي (4178)، وابن ماجه (3037)، ومالك في الموطأ برواية يحيى الليثي (919) واللفظ له، وأحمد (23826)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح. والحاكم (5772)، وقال: صحيح الإسناد جوده مالك بن أنس وزلق غيره فيه ولم يخرجاه. وصححه الألباني، انظر: صحيح أبي داود، 6/216.
[17] سلمان العودة: افعل ولا حرج ص93، 95.
[18] مجموع فتاوى ورسائل العثيمين، 23/31.