المشعر الحرام هو الاسم الذي سمى الله به المزدلفة؛ حيث قال جل شأنه: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198]. وهي تقع بالقرب من مكة جنوب شرق منى، وبين منى وجبل عرفة، وهي ذات أهميَّةٍ بالنسبة إلى المسلمين أثناء تأديتهم لفريضة الحج؛ فهي ثالث المشاعر المقدَّسة التي يمرُّ بها الحجيج خلال رحلتهم الإيمانيَّة المقدَّسة؛ حيث يبدأ الحجيج في المشعر الأوَّل مكة بالطواف حول الكعبة، ثم مرورًا بالمشعر الثاني الوقوف بعرفة، وبعد أداء المناسك المفروضة خلالهما، ثم بعد الإفاضة من عرفات ينزلون إلى المزدلفة للمبيت وأداء بعض المناسك والفرائض على هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
عند الوصول إلى المزدلفة يُؤَذَّن ويُقام ويُصَلَّى المغرب ثلاثًا، ويُقام ويُصَلَّى العشاء قصرًا وجمعًا، لا يُصَلَّى بينهما ولا بعد العشاء شيئًا.
هل تكفي إقامة واحدة لصلاتي المغرب والعشاء في مزدلفة، وهل يُؤَذَّن لهما؟
السُّنَّة أن يُؤَذَّن للأولى فقط، وأن يُقيم لكلِّ صلاةٍ إقامة، وإن جمع بينهما بإقامة الأولى فقط فلا بأس.
والدليل: ما ورد في حديث جابر رضي الله عنه: «حَتَّى أَتَى المُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بِهَا المَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، وَصَلَّى الْفَجْرَ» [1].
وما رواه ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «جَمَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِجَمْعٍ، كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِإِقَامَةٍ، وَلَمْ يُسَبِّحُ بَيْنَهُمَا، وَلا عَلَى أَثَرِ كُلِّ واحِدَةٍ مِنْهُمَا» [2].
وأمَّا الاكتفاء بواحدة لِمَا ورد في روايةٍ أخرى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ المَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ، صَلَّى المَغْرِبَ ثَلاَثًا وَالْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ» [3].
وإن كان يخشى أن لا يصل مزدلفة إلَّا بعد نصف الليل فإنَّه يُصَلِّي، ولو قبل الوصول إلى مزدلفة، ولا يجوز أن يُؤَخِّر الصلاة إلى ما بعد نصف الليل [4].
هل يقوم الليل في ليلة مزدلفة؟
السُّنَّة: النوم، وهو أفضل من إحيائها بالذكر والصلاة؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يُحي ليلة مزدلفة كما ورد في حديث جابر: «حَتَّى أَتَى المُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بِهَا المَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، وَصَلَّى الْفَجْرَ» [5]. ولكي يتقوَّى لِمَا بعدها من أعمال المناسك. أمَّا الوتر وسُنَّة الفجر فيُصَلِّيهما؛ لأنَّ النبيَّ كان يحافظ عليه سفرًا وحضرًا. يقول ابن القيِّم: «وكان من هديه في سفره الاقتصار على الفرض، ولم يُحفَظ عنه أنَّه صلَّى سُنَّة الصلاة قبلها ولا بعدها إلَّا ما كان من الوتر وسُنَّة الفجر؛ فإنَّه لم يكن ليدعهما حضرًا ولا سفرًا» [6].
إذا تبيَّن الفجر يُصَلَّى في أوَّل وقته بأذانٍ وإقامة.
رخصة:
يجوز للنساء أن ينفرن مع الضعفة من المزدلفة بعد غيبوبة القمر [7]، ويرمين جمرة العقبة عند الوصول إلى منى خوفًا عليهنَّ من الزحام.
وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يُقَدِّم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل، فيذكرون الله ما بدا لهم، ثم يرجعون قبل أن يقف الإمام، وقبل أن يدفع؛ فمنهم مَنْ يقدم منى لصلاة الفجر، ومنهم مَنْ يقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رموا الجمرة، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: أرخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم [8].
وعن أسماء أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة، فقامت تُصَلِّي فصلَّت ساعة، ثم قالت: يا بني؛ هل غاب القمر؟ قلت: لا. فصلَّت ساعة، ثم قالت: هل غاب القمر؟ قلت: نعم. قالت: فارتحلوا. فارتحلنا، ومضينا حتى رمت الجمرة، ثم رجعت فصلَّت الصبح في منزلها، فقلت لها: يَا هَنَتَاهُ [9]؛ مَا أُرَانَا إلا قد غَلَّسْنَا. قالت: يا بني؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لِلظُّعُنِ.
قال ابن قدامة في «المغني»: «ولا بأس بتقديم الضعفة والنساء، وممَّن كان يُقَدِّم ضعفة أهله عبد الرحمن بن عوف وعائشة، وبه قال عطاء، والثوري، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه مخالفًا، ولأنَّ فيه رفقًا بهم ودفعًا لمشقَّة الزِّحام عنهم واقتداءً بفعل نبيِّهم صلى الله عليه وسلم» [10].
وقال الإمام الشوكاني في «نيل الأوطار»: «والأدلةُ تدلُّ على أنَّ وقت الرّمي لِمَنْ كان لا رخصة له، ومَنْ كان له رخصةٌ كالنِّساء وغيرهنَّ من الضعفة جاز قبل ذلك» [11].
وقال الإمام النووي في «المجموع»: «قال الشافعي والأصحاب: السُّنَّة تقديم الضعفاء من النساء وغيرهم من مزدلفة قبل طلوع الفجر بعد نصف الليل إلى منى ليرموا جمرة العقبة قبل زحمة الناس [12].. ثم ذكر الأحاديث الدالَّة على ذلك.
وقت طواف الإفاضة ووقت الرمي يبدأ من منتصف الليل؛ ليعطي الفرصة للضعفة أن يُؤَدُّوا المناسك قبل الزحام [13].
نصيحة:
يمكن للحاجِّ أن يجمع الجمار من مزدلفة؛ ليكون مطمئنَّ البال لا ينشغل باحتمال وجود الجمار في منى أم لا، على الرغم من وجودها -إن شاء الله- ولكن المعتاد أن يظلَّ الحاجُّ قلقًا من احتمال عدم عثوره على جمار مناسبة في منى، ويُفَضَّل أن يجمع سبع جمار فقط تكفي لرميه يوم النحر، أمَّا بقيَّة الجمار التي سيحتاجها أيَّام التشريق فيُفَضَّل جمعها من منى.
- أنصح الحاجَّ أن يتوضَّأ قبل الفجر بفترة؛ حتى لا ينتظر إلى الفجر فيكون الزحام على دورات المياه شديدًا، وخاصَّةً لو كان يُريد دخول الخلاء.
- الدعاء الطويل عند المشعر الحرام بعد صلاة الصبح سُنَّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بعد أن يبيت الحاجُّ في المزدلفة ويجمع الجمار عليه أن ينتظر، فإذا أسفر الصبح جدًّا قبل الشروق بقليل دفع قبل أن تطلع الشمس إلى منى، ويُسرِع في وادي محسِّر [14].
د. راغب السرجاني
[1] مسلم: كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، 1218، وأبو داود 1905، وابن ماجه، 3074، وأحمد 14440.
[2] البخاري: كتاب الحج، باب من جمع بينهما ولم يتطوع، 1589.
[3] مسلم: كتاب الحج، باب الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة واستحباب صلاتي المغرب والعشاء، 1288.
[4] العثيمين: المنهج لمريد العمرة والحج، ص23.
[5] مسلم: كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، 1218، وأبو داود 1905، وابن ماجه، 3074، وأحمد 14440.
[6] ابن القيم: زاد المعاد في هدي خير العباد، 1/456.
[7] غيبوبة الْقَمَر؛ أي: مغيبه، وهو في هذه الليلة كان عند أوائل الثلث الأخير من الليل. انظر: العيني: عمدة القاري شرح صحيح البخاري، 10/18.
[8] البخاري: كتاب الحج، باب من قدم ضعفة أهله بليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون ويقدم إذا غاب، 1592، ومسلم: كتاب الحج، باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن من مزدلفة إلى منى، 1295.
[9] يَا هَنَتَاهُ؛ أي: يا هذه. ابن حجر: فتح الباري 3/528.
[10] ابن قدامة: المغني، 3/377.
[11] الشوكاني: نيل الأوطار، 5/79.
[12] النووي: المجموع، 8/139.
[13] سلمان بن فهد العودة: افعل ولا حرج، ص80.
[14] يُسرع السيرَ فيه؛ لأنه محلُّ غَضَبِ اللهِ فيه على أصحاب الفيل؛ فلا ينبغي الأناة فيه ولا البقاء به. الصنعاني: سبل السلام، 1/635.