النتائج 1 إلى 4 من 4
الموضوع:

تأبط منفى - عدنان الصائغ

الزوار من محركات البحث: 322 المشاهدات : 1187 الردود: 3
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: May-2014
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 87,563 المواضيع: 20,612
    صوتيات: 4597 سوالف عراقية: 663
    التقييم: 62050
    آخر نشاط: منذ أسبوع واحد
    مقالات المدونة: 1

    تأبط منفى - عدنان الصائغ


    نص
    نسيتُ نفسي على طاولةِ مكتبتي
    ومضيتُ
    وحين فتحتُ خطوتي في الطريق
    اكتشفتُ أنني لا شيء غير ظلٍّ لنصٍ
    أراهُ يمشي أمامي بمشقةٍ
    ويصافحُ الناسَ كأنه أنا

    تأويل
    يـملونني سطوراً
    ويبوبونني فصولاً
    ثم يفهرسونني
    ويطبعونني كاملاً
    ويوزعونني على المكتباتِ
    ويشتمونني في الجرائدِ
    وأنا
    لمْ
    أفتحْ
    فمي
    بعد

    هواجس
    أقلّ قرعة بابٍ
    أخفي قصائدي - مرتبكاً - في الأدراج
    لكن كثيراً ما يكون القرع
    صدىً لدورياتِ الشرطةِ التي تدورُ في شوارعِ رأسي
    ورغم هذا فأنا أعرفُ بالتأكيد
    انهم سيقرعون البابَ ذات يوم
    وستمتدُ أصابعهم المدربةُ كالكلابِ البوليسيةِ إلى جواريرِ قلبي
    لينتزعوا أوراقي
    و…..
    حياتي
    ثم يرحلون بهدوء

    شيزوفرينيا
    في وطني
    يجمعني الخوفُ ويقسمني :
    رجلاً يكتبُ
    والآخرَ خلفَ ستائرِ نافذتي ،
    يرقبني

    أبواب
    أطرقُ باباً
    أفتحهُ
    لا أبصر إلا نفسي باباً
    أفتحهُ
    أدخلُ
    لا شيء سوى بابٍ آخر
    يا ربي
    كمْ باباً يفصلني عني

    حنين
    لي بظلِّ النخيلِ بلادٌ مسوّرةٌ بالبنادق
    كيف الوصولُ إليها
    وقد بعد الدربُ ما بيننا والعتابْ
    وكيف أرى الصحبَ
    مَنْ غُيّبوا في الزنازين
    أو كرّشوا في الموازين
    أو سُلّموا للترابْ
    انها محنةٌ - بعد عشرين -
    أنْ تبصرَ الجسرَ غيرَ الذي قد عبرتَ
    السماواتِ غيرَ السماواتِ
    والناسَ مسكونةً بالغيابْ

    العراق
    العراقُ الذي يبتعدْ
    كلما اتسعتْ في المنافي خطاهْ
    والعراقُ الذي يتئدْ
    كلما انفتحتْ نصفُ نافذةٍ..
    قلتُ: آهْ
    والعراقُ الذي يرتعدْ
    كلما مرَّ ظلٌّ
    تخيلّتُ فوّهةً تترصدني،
    أو متاهْ
    والعراقُ الذي نفتقدْ
    نصفُ تاريخه أغانٍ وكحلٌ..
    ونصفٌ طغاهْ

    ثلاثة مقاطع للحيرة

    قال أبي:
    لا تقصصْ رؤياكَ على أحدٍ
    فالشارعُ ملغومٌ بالآذانْ
    كلُّ أذنٍ
    يربطها سلكٌ سرّيٌ بالأخرى
    حتى تصلَ السلطانْ
    10/3/1996 دمشق

    (2)
    بعد أن يسقطَ الجنرالُ من المشنقة
    بعد أن يرسمَ الطيرُ دورتَهُ
    في الهواء الطليقْ
    بعد أن تتخضّبَ راياتُنا بالدماءِ....
    ما الذي نفعلُ ؟
    19/7/1996 بيروت
    *
    (3)
    جالساً بظلِّ التماثيلِ
    أقلّمُ أظافري الوسخةَ
    وأفكّرُ بأمجادهم الباذخةِ
    هؤلاء المنتصبون في الساحات
    يطلقون قهقهاتهم العاليةَ
    على شعبٍ يطحنُ أسنانَهُ من الجوعِ
    ويبني لهم أنصاباً من الذهبِ والأدعية
    2/2/1997 لوليو

    رقعة وطن
    ارتبكَ الملكُ
    وهو يرى جنودَهُ محاصرين
    من كلِّ الجهاتِ
    والمدافعَ الثقيلةَ تدّكُ قلاعَ القصرِ
    صرخ:
    أين أفراسي؟
    - فطستْ يا مولاي
    - أين وزيرُ الدولة
    - فرَّ مع زوجتكَ يا سيدي في أولِ المعركةِ
    تنحنحَ الملكُ مُعدّلاً تاجهُ الذهبي
    وعلى شفتيه ابتسامةٌ دبقةٌ:
    ولكن أين شعبي الطيب؟
    لمْ أعدْ اسمعه منذ سنينٍ
    فأنفجرَ الواقفون على جانبي الرقعةِ بالضحكِ
    - لقد تأخرتَ يا سيدي في تذكّرنِا
    ولم يبقَ لنا سوى أن نصفّقَ للمنتصرِ الجديد

    تموز 1997 باحة قصر هاملت – الدنمارك

    شهداء الانتفاضة
    هؤلاء الذين
    تساقطوا أكداساً
    أمامَ دباباتِ الحرسِ
    هؤلاء الذين حلموا كثيراً بالأرضِ
    قبل أن يحلّقوا بأجنحتهم البيضاء
    هؤلاء الذين نما على شواهدِ قبورهم صبّيرُ النسيان
    هؤلاء الذين تآكلتْ أخبارُهم
    شيئاً ، فشيئاً..
    في زحمة المدينة
    إنّهم يتطلعون بعيونٍ مشدوهةٍ
    إلى قدرتنا على نسيانهم بهذهِ السرعة

    قادة

    ستعرفينهم من الأحذيةِ التي تركوها
    .. قبل أن ينهزموا
    ستعرفينهم بالتأكيد
    هؤلاء الذين ملأوا منابرَ المدينة
    بطبولِ بطولاتهم
    ترى أين نجدهم الآن
    لنعرف كيفَ سمعوا قبلنا
    بأولى الاطلاقاتِ
    نحن الذين كنّا مجرَّدَ آذان

    إتهام

    الذين صُفّوا
    في ساحةِ الإعدام
    حملقوا بعيونٍ مرتجفةٍ
    إلى الفوهاتِ السودِ
    المصوبةِ إلى رؤوسهم الحليقةِ
    لكنهم لمْ يروا عيونَ القتلةِ
    كانتْ محجوبةً خلفَ صفِ البنادقِ الطويلِ
    لهذا ظلّتْ نظراتهم
    مسمّرةً نحونا
    .. إلى الأبد

    الحلاج

    أصعدني الحلاجُ إلى أعلى تلٍّ
    في بغداد
    وأراني كلَّ مآذنها
    ومعابدها
    وكنائسها ذات الأجراسْ
    وأشار إلي:
    - أحصِ
    كم دعوات حرّى تتصاعد يومياً من أنفاسِ الناسْ
    لكن لا أحداً
    حاولَ أن يصعدَ
    في معناهُ إلى رؤياهُ
    كي يوقظَهُ
    ويريهِ..
    ما عاثَ طغاةُ الأرضِ
    وما اشتطَّ الفقهاءُ
    وما فعلَ الحراسْ

    درس في التاريخ (1)
    أطرقَ مدرسُ التاريخِ العجوزُ ماسحاً غبارَ المعاركِ والطباشير عن نظارتيه
    ثم أبتسمَ لتلاميذهِ الصغارِ بمرارةٍ:
    ما أجحدَ قلبَ التاريخِ
    أكلّ هذا العمر الجميل الذي سفحتُهُ على أوراقِهِ المصفرةِ
    وسوف لا يذكرني بسطرٍ واحدٍ

    درس في التاريخ (2)
    جالساً بين دفتي دمعتي
    أفكرُ بالمصائرِ المجهولةِ
    لملايين العيونِ المتحجرةِ
    التي نسيها المؤرخون
    بين الفوارز والنقاطِ
    على هوامشِ الفتوحاتِ

    درس في التاريخ (3)
    نحن المنحنين إلى الأبدِ
    كجسورِ الأريافِ الخشبيةِ
    تمرُّ علينا الجواميسُ
    والأحزابُ
    والجنرالاتُ
    والمركباتُ السريعةُ
    والأحلامُ المتثائبةُ
    ونحن نتأملُ خريرَ مياهِ التاريخِ
    ونبتسمُ بعمقٍ
    لأمواجِهِ التي ستتكسرُ عما قليلٍ
    أمامَ صخورنِا

    (!!...)
    هؤلاء الطغاة
    أصحيحٌ يا ربي
    انهم مروا من بين أناملِكَ الشفيفةِ
    وتحملتهم !؟

    حكاية وطن
    شَعَرَ تمثالُ السيد الرئيس بالضجر
    فنـزل من قاعدته الذهبية
    تاركاً الوفودَ والزهورَ وأناشيدَ الأطفال،
    وراح يتمشى بين الناس الذين اندفعوا يصفقون له:
    "بالروح بالدم.. نفديك يا.….."
    انتعشَ التمثالُ.
    وحين علمتْ تماثيلُهُ الأخرى بالأمر
    نزلتْ إلى الساحاتِ
    وراحتْ تتقاتلُ فيما بينها.
    والناس يتفرجون
    لا يدرون
    أيهم السيدُ الرئيس....؟!!

    لا
    إلى القاص حميد المختار

    فمه الذي اعتادَ أن يقولَ لا
    مرغوهُ بالترابِ
    فنمتْ أشجارٌ كثيرةٌ على امتدادِ البلادِ
    يسمعُ الإمبراطورُ حفيفَها وهي تعبرُ نوافذَ قصرهِ
    أجراساً من اللاءات

    أشباح
    دائماً كنتُ أسمعُ أصواتهم الغريبة
    وهي ترطنُ باسمي
    ثم أقدامهم الحديدية وهي تصعدُ السلالمَ
    ثم قبضاتهم على الباب
    ثم فوهاتهم في صدغي
    ثم جثتي وهي تتدحرجُ
    خلف هدير محركات سياراتهم
    ثم صخب المتحلقين حولي وهم يتساءلون:
    - من أين أتوا ؟
    لكنهم لم يأتوا
    تركوا لي المشهدَ مفتوحاً
    على اتساعِ الطلقةِ المؤجلة

    أحزاب
    لافتاتٌ تتقدمُ
    بغابةٍ من الشعاراتِ
    اختلفوا
    مَنْ يتقدمُ الأولَ؟
    ثم تشابكوا بالأيدي
    ثم بالهراوات
    ثم..
    سقطتِ اللافتات
    ولم نرَ نحن المحتشدين على جانبي الطريق
    سوى غابةٍ من البنادق
    تتقدمُ مشتبكةً
    باتجاهنا...

    باب
    أراهم..
    يدفعونني ويدخلون
    يدفعونني ويخرجون
    وأنا أصطفقُ بأضلاعي
    وراءهم
    لا أحد يلتفتُ
    ليرى
    كم هي مضنية
    وصفيقة،
    مهنة الباب

    نقود الله
    على رصيفِ شارعِ الحمراء
    يعبرُ رجلُ الدين بمسبحتِهِ الطويلةِ
    يعبرُ الصعلوكُ بأحلامِهِ الحافيةِ
    يعبرُ السياسي مفخّخاً برأسِ المال
    يعبرُ المثقف ضائعاً
    بين ساهو وحي السلّم
    الكلُ يمرُّ مسرعاً ولا يلتفتُ
    للمتسولِ الأعمى
    وحدهُ المطرُ ينقّطُ على راحتِهِ الممدودةِ
    باتجاهِ الله

    سهم
    لحظةَ الانعتاقِ الخاطفةِ
    بماذا يفكرُ السهمُ
    بالفريسةِ
    أمْ...
    بالحرية

    خطوط
    أنتَ تمضي أيها المستقيم
    دون أن تلتفتَ
    لجمالِ التعرجاتِ على الورقِ
    أنتَ تملكُ الوصولَ
    وأنا أملكُ السعة

    شكوى
    نَظَرَ الأعرجُ إلى السماء
    وهتفَ بغضبٍ :
    أيها الربُّ
    إذا لمْ يكنْ لديكَ طينٌ كافٍ
    فعلامَ تعجّلتَ في تكويني

    علو
    كلما نبحَ الكلبُ
    خلفَ سحابةْ
    عبرتهُ
    ولمْ تنتبهْ
    للدعابةْ

    حصار
    نلوبُ بزعانفنا في طياتِ الماء
    الهواءُ يختنقُ بنا
    والجالسون أمامَ زجاجِ حوضِنا الأنيقِ
    ينظرون بلذةٍ لشهقاتِنا الملونةِ وهي تخبطُ السديمَ
    بحثاً عن بقايا الهواء
    نحن الأسماك المحاصرة في حوضِ الوطن

    بياض
    الرقيبُ الذي في الكتابْ
    ظلَّ يلتهمُ الكلماتِ
    السطورَ
    الحروفَ
    الفوارزَ
    حتى تكرّشَ من كثرة الصفحات
    وغابْ
    إلهي……
    ما الذي سوف أفعلهُ
    ببياضٍ كهذا
    البياضُ حجابْ

    وجبة
    الجوعُ يمدُّ مخالبَهَ في بطني
    فألتهمُ أوراقي
    وأمشي..
    واضعاً يدي على بطني
    خشيةَ أن يسمعَ أحدٌ طحينَ الكلمات

    معادلة
    أنزلْ أو فاصعدْ
    - لا فرق -
    أيان تجوبْ..؟
    القمة..
    بئرٌ مقلوبْ

    الإسكافي الكهل
    جالساً
    على الرصيفِ
    أمامَ صندوقهِ
    يرنو
    لأيامِهِ التي
    ينتعلها الناس

    حساب
    أيها الربُّ
    افرشْ دفاترك
    وسأفرش أمعائي
    وتعال نتحاسبْ

    هندسة
    تربّعَ المربعُ
    متنهداً
    على أريكةِ الصفحةِ :
    كان يمكنني أن أمضي معكَ إلى الأبدِ
    أيها المستقيمُ
    لولا انهم أغلقوا عليّ أضلاعي

    هبوب
    صافناً أمامَ رحيلكِ
    كنسرٍ يخفقُ في مواجهةِ العاصفةِ
    بينما ريشُهُ يتناثرُ في السهوبِ

    رجاء
    عمرٌ..
    أو عشرةُ أعمارْ
    لا تكفي
    يا ربي
    كي أشبعَ من صحنِ أنوثتها
    فامنحني اياها
    بدلاً من حورك
    والأنهارْ
    أو ليستْ لي حرية أن أختارْ

    فضول
    النهاراتُ التي ترحلُ
    هل تلتفتُ
    لترانا ماذا نفعلُ
    في غيابها

    حبل
    الحبل الذي مدوهُ حولَ عنقِهِ
    استطالَ بالصراخِ
    ثم
    انقطعَ
    مَنْ سقطَ قبل الآخر

    شاعر
    إلى الشاعر الشهيد علي الرماحي

    في عصر الطغيانْ
    كان الشعراءُ الخصيانْ
    - كالفئرانْ -
    ينكمشون بـجحرِ السلطانْ
    ويغنون
    بأمجادِ جلالتهِ
    وبنعمتهِ
    وتظلُّ حروفك
    - في كلِّ زمانٍ ومكانْ -
    تمشي ....
    وعلى كتفيها الصلبانْ

    8/3/1996 مقهى الروضة.دمشق

    إليهم فقط…
    كمْ أضاعوا من وقتٍ وورقٍ وأرصفةٍ
    أولئك الذين شتموني في المهرجاناتِ
    والمراحيضِ
    والصحفِ
    أولئك الذين لاحقوني بتقاريرهم السريةِ
    من حانةٍ إلى قصيدةٍ
    ومن وطنٍ إلى منفى
    أولئك
    كمْ أرثي لهم الآن
    حياتَهم الخاويةَ
    إلى حدِّ أنهم لمْ يتركوا منها شيئاً
    سواي

    حزيران 1997 هولندا- مهرجان الشعر العالمي

    عقدة
    الفاشيون
    والشعراء المخصيون
    يقفون..
    على طرفي حبلٍ،
    معقودٍ
    في عنقي
    و…
    يشدون

    عابر
    لمْ يفتحْ نافذةً في بيتْ
    أو يزرع ورداً في راحةِ ليتْ
    أو يطربه نايٌ أو بيتْ
    مرَّ بهذي الدنيا ظلاً
    لا تعرفه حياً أو ميْتْ

    أفكار زائدة
    أدخلُ دورةَ المياهِ
    مفكراً بدورةِ الحياةِ
    أسحبُ سيفونها
    فتنجرفُ الأفكارُ الفاسدةُ
    وأخرجُ طليقاً
    كأنَّ رؤوسنا هي أيضاً
    بحاجةٍ إلى دورةِ مياهْ

    ساعي بريد
    لنْ يطرقَ بابَكَ ثانيةً
    فإلامَ ستجلسُ منتظراً
    في الدارْ
    توهمكَ
    الصدفةُ
    بالتكرارْ

    ألفة
    منكباً في ورشتِهِ
    يصنعُ هذا النجّارُ الكهلُ
    توابيتاً للناسْ
    ينسى التفكيرَ بموته
    الألفةُ تفقدهُ الإحساسْ

    عربات
    بعد قليلٍ ....
    أمرُّ
    أدفعُ الحياةَ أمامي كعربةٍ فارغةٍ
    وأهتفُ: أيها العابرون
    احذروا
    أن تصطدموا بأحلامي

    سيرة
    من امرأةٍ إلى امرأةٍ
    ومن رصيفٍ إلى آخر
    أمشي
    قاطعاً حياتي
    سيراً على الأحلام

    حنو
    أنحني كالقوسِ على نفسي
    ولا أنطلقُ
    أشياءٌ مريرةٌ تشدني إلى الأرض

    نواعير
    وإلامَ
    تظلُّ تدورْ
    وتدورْ
    يا عبدَ اللهِ المغمورْ
    كحصانِ الناعورْ
    تسقي أرضاً
    لمْ تنبتْ لكَ غيرَ البورْ

    حرية
    بين القفصِ المملوءِ حبوباً
    والأفقِ الأجردْ
    يصفق طيرُ الشعر جناحيه
    بعيداً
    في الريحِ
    ولنْ يترددْ

    قنينة
    جالساً قبالتي يعبُّ الكؤوس..
    واحدةً تلو الأخرى
    حتى طفحتْ أعماقُهُ وسالَ
    فهرعَ الندلُ يمسحونهُ بتذمرٍ
    عن الطاولةِ والممراتِ والجالسين…
    هل كان رجلاً
    أم قنينة خمر؟

    بوصلة
    الربانُ المترددْ
    بين السطحِ وبين القاعْ
    يحسبُ كلَّ رياحِ العالمِ
    غيرَ مواتيةٍ للإقلاعْ

    مثل شعبي
    عشرةُ أشخاصٍ
    في الدار
    يفسّونْ
    فلمنْ أنتَ تبخّرُ
    يا مجنونْ

    غبار

    بلا أجنحةٍ
    يطيرُ الغبارُ ساخراً
    من آلافِ الأشياءِ التي تركها على الأرض

    *
    مهما أثاروكَ أيها الغبارُ
    ستهبطُ إلى القاعِ،
    حتماً....
    بأسرعِ مما علوتَ

    *
    ما انشدادهُ للأرضِ
    هل للغبارِ وطن !!؟

    تكوينات

    (1)
    لا تقطفِ الوردةَ
    انظرْ...
    كمْ هي مزهوة بحياتها القصيرة

    *
    (2)
    في بالِ النمرِ
    فرائس كثيرة
    خارجَ قضبانِ قفصهِ
    يقتنصها بلعابِهِ

    *
    (3)
    في الروحِ المذبوحِ
    رقصٌ كثيرٌ
    غيرَ أنَّ مدارَ الجسدِ لا يتسع
    *
    (4)
    ما الذي يعنيني الآن
    أيها الرماد
    انكَ كنت جمراً

    *
    (5)
    كمْ نلعنكِ
    أيتها الأخطاء
    عندما لمْ تَعُدْ لكِ من ضرورةٍ

    *
    (6)
    كلما ارتفعتْ منائرهم
    خَفَتَ صوتُ الجائع

    *
    (7)
    الجزرُ
    عثراتُ البحرِ
    راكضاً باتجاهِ الشواطيء
    هكذا تلمعُ خساراته من بعيد

    *
    (8)
    باستثناءِ شفتيكِ
    لا أعرفُ
    كيفَ أقطفُ الوردةَ

    *
    (9)
    أصلُ أو لا أصلُ
    ما الفرق
    حين لا أجدكِ

    *
    (10)
    تمارسُ المضاجعةَ
    كما لو أنها تحفظها عن ظهرِ قلبٍ

    *
    (11)
    لمْ تعدْ في يدي
    أصابع للتلويحِ
    لكثرةِ ما عضضتها من الندم

    *
    (12)
    هل تتذكرنا المرايا
    حين نغيبُ عنها

    *
    (13)
    سأقطفُ الوردةَ
    سأقطفها
    لكنْ لمنْ سأهديها
    في هذا الغسقِ
    من وحدتي

    *
    (14)
    لا أحد ينظرُ إلى أحدٍ
    الكلُّ ينظرون إلى بعضهم

    *
    (15)
    لولمْ يكنْ لجمالكِ مشجب
    أينَ
    نعلّقُ أخطاءَنا..؟

    *
    (16)
    جمالها الذي عاشتهُ بإفراط
    انفرطَ من بين أناملها
    دون أن تتمكن
    من الانحناء
    لالتقاطِ ما تبقّى من حياتها

    *
    (17)
    إنها لعنة الجسدْ
    أنَّ ينامَ وحيداً على الجمرِ
    مكتفياً بأصابعِهِ
    عن نساءٍ يراودن أحلامَهُ
    لا يخلّفنَ غيرَ الزبدْ

    *
    (18)
    وأنتِ تمرينَ بخدكِ المشمشي
    كمْ من الشفاهِ تلمظتْ بكِ
    في الطريقِ إلي

    *
    (19)
    بإبرتهِ المائيةِ
    يخيطُ المطرُ
    قميصَ الحقول

    *
    (20)
    ماذا تفعلُ ظلالنا
    في حضرةِ الضوء

    *
    (21)
    هكذا نجلسُ
    متقابلين
    أصابعنا متشابكة
    وقلوبنا تهيئ حقائبها للسفر

    تنويعات

    (1)
    لا وطن للشمعةِ
    خارجَ ظلامِها

    *
    (2)
    الأسماكُ كثيرةٌ
    وشباكي ممزقةٌ
    يا للؤم البحر

    *
    (3)
    يرتبكُ
    أمامَ تدويرةِ ردفيها
    ولا يرتبكُ أمامَ تدويرةِ الكون؟

    *
    (4)
    في اتساعِ الكلامِ
    تلاشيه

    *
    (5)
    أقدامُنا ....
    أرصفةٌ متحركةٌ

    *
    (6)
    الأقدامُ…..
    التي تسيرُ في كلِّ اتجاهٍ..
    لا تصل

    *
    (7)
    في الفحمِ
    نارٌ حبيسٌ...

    *
    (8)
    يسألُ الحائطُ
    عن جدوى النافذة

    *
    (9)
    الظلُّ
    شيخوخةُ الزمان

    *
    (10)
    دورانُ العجلةِ
    تكرارُ المكان

    *
    (11)
    الكلامُ
    ركضٌ داخليٌّ

    نصوص رأس السنة

    (1)
    يسقطُ الثلجُ
    على قلبي
    في شوارعِ رأسِ السنةِ
    وأنا وحدي
    محاط بكلِّ الذين غابوا

    *
    (2)
    كلَّ عامٍ
    الأذرعُ تتعانقُ
    وأنا أحدّقُ
    عبرَ نافذةِ المنفى
    إلى وطني
    كعصفورٍ يرمي نظرتَهُ الشريدةَ
    إلى الربيعِ
    من وراءِ قضبانِ قفصِهِ

    *
    (3)
    كلَّ عامٍ
    يقفُ بابا نوئيل
    على بابِ الوطنِ
    ويدقُّ
    يدقُّ
    لا أحد
    الآباءُ بكّروا إلى مساطرِ الحرب
    الأمهاتُ هرمنَ في القدورِ الفارغةِ
    الجنرالاتُ ذهبوا إلى الإذاعةِ
    يلقون الخطبَ والتهنئات
    والأطفالُ يئسوا
    فناموا قرب براميلِ القمامةِ
    يحلمون بهدايا
    تليقُ بطفولاتهم المؤجلة

    بيادق
    بيدقني السلطانْ
    جندياً في حربٍ لا أفقهها
    لأدافعَ عن رقعةِ شطرنجٍ - لا أدري -
    أم وطنٍ أمْ حلبةْ
    ولهذا أعلنتُ العصيانْ
    لكنَّ الجندَ الخصيانْ
    قادوني معصوبَ العينين إلى الخشبةْ
    وأداروا نحوي فوْهاتِ بنادقهم
    فصرختُ: قفوا
    ستُجرّونَ على هذي الرقعة،
    كبشاً كبشاً
    كي تعلو - فوق سلالمِ أشلائِكمُ – التيجانْ

    إلى..
    الذي كان لي صاحباً قبل أن نفترقْ
    في شجون القصيدةْ
    والذي ظلَّ في الظلِّ منكمشاً
    خوف ضوء النهارِ ونأي الطرقْ
    ومضيتُ إلى الشمسِ
    ما همّني أحترقْ
    أو أهيم بسْحبِ الأماني البعيدةْ
    الذي كان لي صاحباً..
    لم يعدْ همُّهُ
    غير أن يتعقبني في الدروب كظلِّي
    ويشتمني في الجريدةْ

    سيرة ذاتية لكاتم صوت

    (1)
    لماذا يلمعني هذا السيد الأنيق
    كل صباح
    وهو يمضي إلى مهمته الغامضة

    *
    (2)
    وراءَ زجاجِ احدى المكتبات
    ظلَّ صاحبي يختلسُ النظراتِ إلى وجهِ رجلٍ
    كان يقلّبُ كتاباً
    حين وقعتْ عيناهُ - على مؤخرةِ بنطلونِ صاحبي - ارتبكَ
    هل خافني الرجلُ؟
    سألتُ صاحبي، فلكزني بحذرٍ
    أن أسكتَ
    لكن الرجلَ الذي التفتَ فجأةً إلي ورآني
    اصفّرَ وجهُهُ
    تركَ الكتابَ
    وانسلَّ مسرعاً بين الزحامِ
    تاركاً صاحبي
    يبحثُ عنه بغضبٍ

    *
    (3)
    كيف يعرف - سيدي - يا تُرى
    ضحيته
    وسط هذا الحشد من الأعناق

    *
    (4)
    ذات مساء
    وبينما كان المطرُ ينهمرُ
    في شوارعِ المدينةِ
    أخرجني من دفءِ جيبهِ
    حركني ببرودِ أعصابٍ
    ووجهني إلى ظهرِ رجلٍ
    كان منحنياً لالتقاطِ شيءٍ لمْ أرْهُ
    إذ تكوّمَ الرجلُ فوقه فجأةً
    بينما اتسعتْ خطواتُ صاحبي

    *
    (5)
    بعد سنواتٍ من عملي
    أصبتُ بمرضٍ عضال
    فأخذني صاحبي إلى دكانِ رجلٍ ملطخٍ بالزيتِ
    نظرَ لي طويلاً
    ثم قطّبَ شفتيه بأسفٍ
    متمتماً بأنني لم أعدْ أصلحُ لشيءٍ
    تركني صاحبي بلا رفةِ قلبٍ أو مبالاةٍ
    دون أن يدري أنهم سيرمونه مثلي ذاتَ يومٍ

    *
    (6)
    بين كومةٍ من عظام وأشلاء حديدية
    التفتُ بحذرٍ
    رأيتُ حولي عشراتٍ من زملاء المهنة
    بهيئاتٍ وحشرجات مختلفة
    تبادلنا أطرافَ الأحاديثِ قبلَ أنْ ننامَ
    عن جولاتِنا الليليةِ
    عن العيونِ التي أطفأنا فيها البصيصَ
    عن الأعناقِ التي كنا نراها مزهوةً
    ونعجبُ
    كيف ترتجفُ أمامنا فجأةً
    وتتلوى كسنابل في الريحِ،
    بينما كنا نضحكُ
    عن تلك الحياة الشاسعة التي.....
    لم تكن تعني لنا سوى ضغطةِ زناد

    الإله المهيب
    هالتهُ كثرةُ الشكاوى التي ضَجرَ الملائكةُ من إيصالها
    والدموع التي لا تصلُ صندوقَ بريدِهِ إلا ذابلةً أو متسخةً
    والشتائم التي تُكال له يومياً بسببٍ أو دونه
    أرادَ أن يعرفَ ما يجري في بلادِنا
    فتنكَّرَ بملابسِ قرويٍّ
    ونزلَ من سمائِهِ البهيةِ
    متجولاً في شوارعِ المدينةِ
    وبينما هو ينظرُ مشدوهاً
    إلى صورِ السيد الرئيسِ تملأُ الحيطانَ والهواءَ وشاشاتِ التلفزيونِ.
    مرقَ موكبُهُ المهيبُ، مجلجلاً
    - بين جوقةِ المصفقين واللافتاتِ والحرس-
    فتعالى الهتافُ من فمِ الرصيفِ المندلقِ
    ورقصتِ البناياتُ والشجرُ والناسُ والغيومُ
    فلكزَهُ أحدهم هامساً بذعر:
    صفّقْ أيها المغفّل،
    وإلا جرجركَ حراسُهُ الغلاظ

    أنا وهولاكو
    قادني الحراسُ إلى هولاكو
    كان متربعاً على عرشِهِ الضخمِ
    وبين يديهِ حشدٌ من الوزراءِ والشعراءِ والجواري
    سألني لماذا لمْ تمدحني
    ارتجفتُ مرتبكاً هلعاً: يا سيدي أنا شاعرُ قصيدةِ نثر
    أبتسمَ واثقاً مهيباً:
    لا يهمكَ ذلك..
    ثم أشارَ لسيافِهِ الأسودِ ضاحكاً:
    علمْهُ إذاً كيف يكتبُ شعراً عمودياً بشطرِ رأسِهِ
    إلى شطرٍ وعجزٍ
    وإياكَ أن تخلَّ بالوزنِ
    وإياكَ من الزحافِ والعللِ
    امسكني السيافُ من ياقتي المرتجفةِ،
    وهوى بسيفِهِ الضخمِ
    على عنقي
    فتدحرجَ رأسي،
    واصطدم بالنافذةِ التي انفتحتْ من هولِ الصدمةِ.
    فاستيقظتُ هلعاً يابس الحلق، لأرى عنقي مبللاً بالعرق، وكتابَ الطبري ما زالَ جاثماً على صدري، وقد اندعكت أوراقه تحت سنابكِ خيولِ هولاكو التي كانت تنهب الممالك والقلاع، وأمامي وشيشُ التلفزيونِ الذي انتهى بَثُّهُ بنهايةِ خطابِ الرئيسِ الطويلِ
    قفزتُ مرعوباً
    رأيت فراشي ملطخاً بدمِ الكتبِ التي جرفها نهرُ دجلة، ممتزجاً بالطمي والجهشات
    حاولتُ أن أجمعَ شطري رأسي اللذَين التصقا بجانبي التلفزيون
    وأصبحا أشبه بسماعتين يبثُّانِ الوشيشَ نفسَهَ.
    في الصباحِ…….
    على غيرِ العادةِ ،لم اقرأ نعيي في الجريدةِ ،
    ولمْ تقفْ سيارةُ الحرسِ أمامَ البيتِ وعليها جنازتي
    ولمْ أعرفْ تفاصيلَ ما حدثَ
    ذلك لأنَّ هولاكو ضجرَ من الوشيشِ
    فقامَ بنفسِهِ وأطفأَ التلفزيونَ
    وعادَ إلى كتابِ الطبريِّ ثانيةً،
    مبتسماً واثقاً مهيباً ،
    بعد أن رفسني بخصيتي
    لأنني نمتُ
    قبل أن أكملَ بقيةَ سيرتِهِ

    الظلُّ الثاني

    وقفتُ أمام البنايةِ
    مرتبكاً
    يتعقبني ظلُّه من وراء الجريدةِ
    لفَّ معي الطرقاتِ
    وقاسمني مطعماً في ضواحي المدينةِ
    والباصَ
    والمكتباتِ اللصيقةَ
    حتى انتهينا إلى دورةٍ للمياهِ
    وقاسمتهُ هلعي في القصيدةِ، منكمشاً
    أتحسسُّ طياتها من خلالِ التصاقِ القميصِ بنبضي الذي يتسارعُ
    والعجلات التي تتسارعُ
    والقبلات التي تتسارعُ خلف الغصون
    تحسسَ - حين استدارَ - انتفاخَ مؤخرةِ البنطلونِ
    فأبصرتُ فوهةً تترصدني……
    ………
    ولم نفترقْ
    قاطعتنا الشوارعُ
    لم نفترقْ
    قاطعتنا أغاني المقاهي التي سيحطُّ الذبابُ على لحنها ويطيرُ إلى الشاي، سيدةٌ بالثيابِ القصيرةِ تهبطُ من سلّمِ الباصِ تقرصها النظراتُ المريبةُ من فخذيها.. فتجفلُ، موجُ الزحامِ الذي يتلاطمُ فوق ضفافِ المحلاتِ منحسراً أخرَ الشهرِ نحو البيوتِ التي ستجففُ أيامَها فوق حبلِ غسيلِ الديونِ، المذيعُ الذي سوف يلثغُ باللامِ حين يمرُّ باسمِ وزيرِ الثقافةِ، عاملةُ البارِ تشكو النعاسَ،
    النوافيرُ…
    ساحةُ بيروت…
    لمْ نفترقْ…
    ………
    دلفتُ إلى البارِ
    كان ورائي
    يمد مخالبَهَ في ظلالي وكانَ الوطنْ
    على بعدِ منفى وكوبٍ من الشاي
    يقرأُ في صحفِ اليوم آخرَ أخبارِهِ
    نافثاً في الزجاجِ المضبّبِ دخانَ سيجارةِ اللفِّ
    يبصقُ..
    [ .. حين أصافحهُ، سيمدُّ يداً بترتها الشظايا، يشيرُ... (لصورةِ جلادهِ ساخراً تتربعُ أعلى الجريدةِ مزدانةً بالنياشينِ ـ كمْ نفختهُ الجرائدُ ـ يتبعهُ الدبقُ، الحشدُ والكامراتُ) .. أشيرُ إلى المطرِ المتساقطِ من غيمِ أجفانِهِ وهو يرنو لجوعِ شوارعهِ والعماراتِ- أورامه يتحسسها خلسةً عن عيونِ الحكومةِ، تعلو … وتعلو وتعلو…
    تمصُّ دماه وتعلو…]
    .. يرى الحافلاتِ التي تتدافعُ
    والخطوات التي تـتـ....
    .. إلى أين يلهثُ هذا القطيعُ ؟
    احتسيتُ ـ على قلقٍ ـ نصفَ كوبي
    فبادلني النظراتِ
    التفتُّ
    رأيت الذي كان يرقبني
    قابعاً خلف نظارتيهِ وظهري
    يقرّبُ أذنيهِ من طرفِ الطاولةْ
    نحنُ لمْ نتبادلْ سوى جملٍ نصف مبتورةٍ
    فماذا يسجّلُ فأرُ الحكومةِ في أذنِ صاحبِهِ
    ويُهيّيءُ- خلفَ التقاريرِ والمعطفِ الجلدِ - طلقتَهَ القاتلةْ

    لوليو

    أسرّحُ طرفي
    السماءُ التي أثلجتْ
    لوّحتْ لي، وغامتْ وراءَ الصنوبرِ
    مالي وهذا الصنوبرُ مُدّثرٌ بالعصافيرِ والقبلاتِ السريعةِ
    مالي وتلك البناتُ يدخّن أسرارَهن وراءَ النوافذِ
    مالي وهذي البلادُ التي لمْ يعكرْ فضاءاتها مدفعٌ منذ قرنين
    مالي
    وهذي السماءُ التي أثلجتْ
    أو ستصحو
    مالي
    ولا أرض لي
    غير هذي الخطى
    لكأنَّ الحنين يقصّرها أو يسارعها
    وأنا أتشاغلُ بالواجهاتِ المضيئةِ
    عما يشاغلني
    أقول لقلبي إلى أين ؟
    هم خربوا وطني
    وتباكوا علي
    المفارز عند الحدودِ البعيدةِ
    ترنو لوجهي المشطّبِ بالسرفاتِ
    تدققُ منذ الصباحِ باسمي وتقذفني
    لكأن بلادي ممهورة بالدموع التي تتساقط سهواً
    لكأن المخافر تفترُّ بي
    لكأني وحيد بزنزانتي آخرَ البار
    أكرعُ ما ظلَّ لي جرعةً واحدة
    وأغيبُ
    رويداً، رويداً
    ليس لي غير هذي الثلوج تظلّلُ نافذتي والشجرْ
    كلما سألتني الفتاةُ اللصيقةُ عن وجهتي
    اشتبكَ الغيمُ فوق مدامعنا وأنهمرْ

    يوليسيس
    على جسرِ مالمو
    رأيتُ الفراتَ يمدُّ يديهِ
    ويأخذني
    قلتُ أينَ
    ولمْ أكملِ الحلمَ
    حتى رأيتُ جيوشَ أمية
    من كلِ صوبٍ تطوقني

    وداعاً لنافذةٍ في بلادِ الخراب
    وداعاً لسعفٍ تجردُهُ الطائراتُ من الخضرةِ الداكنةْ
    وداعاً لتنورِ أمي
    وداعاً لتاريخنا المتآكلِ فوق الروازين
    وداعاً لما سوفَ نتركهُ في اليدين
    وداعاً
    نغادرهُ الوطنَ المرَّ،
    لكنْ إلى أين ؟
    كلُّ المنافي أمرّ
    ...........
    النخيلُ الذي ظلّلتني طوالعُهُ
    لمْ يعدْ منه غير بقايا تصاوير شاحبةٍ
    ومصاطب فارغةٍ
    وجذوع مشانق ترنو لأعناقنا الحالمةْ
    والفراتُ الذي عمدتني مواجعُهُ
    لمْ يزلْ سادراً بأنينِ القرى الهائمةْ
    آه.. عوليس
    ليتكَ لمْ تصلِ الآنَ
    ليتَ الطريق إلى Malmo كانَ أبعدَ
    أبعدَ
    أبعدَ
    أبعد
    ......................
    ..................
    أيهذا الغريبُ الذي لمْ يجدْ لحظةً مبهجهْ
    كيف تغدو المنافي سجوناً بلا أسيجةْ

    العبور إلى المنفى
    أنينُ القطارِ يثيرُ شجنَ الأنفاقْ
    هادراً على سكةِ الذكرياتِ الطويلة
    وأنا مسمّرٌ إلى النافذةِ
    بنصفِ قلب
    تاركاً نصفَهَ الآخرَ على الطاولة
    يلعبُ البوكرَ مع فتاةٍ حسيرةِ الفخذين
    تسألني بألمٍ وذهول
    لماذا أصابعي متهرئة
    كخشب التوابيت المستهلكة
    وعجولة كأنها تخشى ألاّ تمسك شيئاً
    فأحدّثها عن الوطن
    واللافتات
    والاستعمار
    وأمجاد الأمة
    والمضاجعاتِ الأولى في المراحيض
    فتميلُ بشعرها النثيث على دموعي ولا تفهم
    وفي الركنِ الآخرِ
    ينثرُ موزارت توقيعاتِهِ على السهوبِ
    المغطاة بالثلج...
    وطني حزينٌ أكثر مما يجب
    وأغنياتي جامحةٌ وشرسة وخجولة
    سأتمددُ على أولِ رصيفٍ أراه في أوربا
    رافعاً ساقيَّ أمام المارة
    لأريهم فلقات المدارس والمعتقلات
    التي أوصلتني إلى هنا
    ليس ما أحمله في جيوبي جواز سفر
    وإنما تأريخ قهر
    حيث خمسون عاماً ونحن نجترُّ العلفَ
    والخطابات ....
    وسجائر اللفِّ
    حيث نقف أمام المشانق
    نتطلعُ إلى جثثنا الملولحة
    ونصفقُ للحكّام
    .. خوفاً على ملفات أهلنا المحفوظةِ في أقبية الأمن
    حيث الوطن
    يبدأ من خطاب الرئيس
    .. وينتهي بخطاب الرئيس
    مروراً بشوارع الرئيس، وأغاني الرئيس، ومتاحف الرئيس، ومكارم الرئيس ، وأشجار الرئيس ، ومعامل الرئيس، وصحف الرئيس، وإسطبل الرئيس، وغيوم الرئيس، ومعسكرات الرئيس، وتماثيل الرئيس، وأفران الرئيس، وأنواط الرئيس، ومحظيات الرئيس، ومدارس الرئيس، ومزارع الرئيس، وطقس الرئيس، وتوجيهات الرئيس....
    ستحدّق طويلاً
    في عينيّ المبتلتين بالمطر والبصاق
    وتسألني من أي بلادٍ أنا...

    أوراق من سيرة تأبط منفى

    (1)
    أتسكعُ تحتَ أضواءِ المصابيحِ
    وفي جيوبي عناوين مبللةٌ
    حانةٌ تطردني إلى حانةٍ
    وامرأةٌ تشهيني بأخرى
    أعضُّ النهودَ الطازجةَ
    أعضُّ الكتبَ
    أعضُّ الشوارعَ
    هذا الفمُ لا بدَّ أن يلتهمَ شيئاً
    هذه الشفاه لا بدَّ أن تنطبقَ على كأسٍ
    أو ثغرٍ
    أو حجر
    لمْ يجوعني الله ولا الحقولُ
    بل جوعتني الشعاراتُ
    والمناجلُ التي سبقتني إلى السنابلِ

    أخرجُ من ضوضائي إلى ضوضاءِ الأرصفةِ
    أنا ضجرٌ بما يكفي لأن أرمي حياتي
    لأيةِ عابرةِ سبيلٍ
    وأمضي طليقاً
    ضجراً من الذكرياتِ والأصدقاءِ والكآبةِ
    ضجراً أو يائساً
    كباخرةٍ مثقوبةٍ على الجرفِ
    لا تستطيعُ الإقلاعَ أو الغرق

    *
    (2)
    كتبي تحتَ رأسي
    ويدي على مقبضِ الحقيبةِ
    السهول التي حلمنا بها لمْ تمنحنا سوى الوحولِ
    والكتب التي سطرناها لمْ تمنحنا سوى الفاقةِ والسياطِ
    أقدامي امحتْ من التسكعِ على أرصفةِ الورقِ
    وأغنياتي تكسّرتْ مع أقداحِ الباراتِ
    ودموعي معلّقةٌ كالفوانيسِ على نوافذِ السجونِ الضيقةِ
    أفردُ خيوطَ الحبرِ المتشابكةَ من كرةِ صوفِ رأسي
    وأنثرها في الشوارعِ
    سطراً سطراً،
    حتى تنتهي أوراقي
    وأنام

    *
    (3)
    سأحزمُ حقائبي
    ودموعي
    وقصائدي
    وأرحلُ عن هذه البلادِ
    ولو زحفتُ بأسناني
    لا تطلقوا الدموعَ ورائي ولا الزغاريدَ
    أريد أن أذهبَ
    دون أن أرى من نوافذِ السفنِ والقطاراتِ
    مناديلكم الملوحةَ.
    أستروحُ الهواءَ في الأنفاقِ
    منكسراً أمامَ مرايا المحلاتِ
    كبطاقاتِ البريدِ التي لا تذهبُ لأحدٍ

    لنحمل قبورنَا وأطفالنَا
    لنحمل تأوهاتِنا وأحلامنَا ونمضي
    قبل أن يسرقَوها
    ويبيعوها لنا في الوطنِ: حقولاً من لافتاتٍ
    وفي المنافي: وطناً بالتقسيط

    هذه الأرضُ
    لمْ تعدْ تصلحُ لشيءٍ
    هذه الأرضُ
    كلما طفحتْ فيها مجاري الدمِ والنفطِ
    طفحَ الانتهازيون
    أرضنا التي نتقيَّأُها في الحانات
    ونتركها كاللذاتِ الخاسرةِ
    على أسرةِ القحابِ
    أرضنا التي ينتزعونها منا
    كالجلودِ والاعترافاتِ
    في غرفِ التحقيقِ
    ويلصقونها على اكفنا، لتصفّقَ
    أمامَ نوافذِ الحكامِ
    أيةُ بلادٍ هذه
    ومع ذلك
    ما أن نرحلَ عنها بضعَ خطواتٍ
    حتى نتكسرَ من الحنين
    على أولِ رصيفِ منفى يصادفنا
    ونهرعُ إلى صناديقِ البريدِ
    نحضنها ونبكي

    *
    (4)
    حياتنا التي تشبه الضراط المتقطع في مرحاض عام
    حياتنا التي لمْ يؤرخها أحد
    حياتنا ناياتنا المبحوحةُ في الريحِ
    أو نشيجنا في العلبِ
    حياتنا المستهلكةُ في الأضابير
    والمشرورةُ فوق حبالِ غسيلِ الحروبِ
    ترى أين أوَّلي بها الآن
    حين تستيقظُ فجأةً
    في آخرةِ الليلِ
    وتظلُّ تعوي في شوارعِ العالم

    *
    (5)
    أضعُ يدي على خريطةِ العالمِ
    وأحلمُ بالشوارعِ التي سأجوبها بقدمي الحافيتين
    والخصورِ التي سأطوقها بذراعي في الحدائقِ العامةِ
    والمكتباتِ التي سأستعيرُ منها الكتبَ ولن أعيدها
    والمخبرين الذين سأراوغهم من شارعٍ إلى شارعٍ
    منتشياً بالمطرِ والكركراتِ
    حتى أراهم فجأةً أمامي
    فأرفع إصبعي عن الخارطة خائفاً
    وأنامُ ممتلئاً بالقهر

    *
    (6)
    سأقذفُ جواربي إلى السماءِ
    تضامناً مع مَنْ لا يملكون الأحذيةَ
    وأمشي حافياً
    ألامسُ وحولَ الشوارعِ بباطنِ قدمي
    محدقاً في وجوهِ المتخمين وراءَ زجاجِ مكاتبهم
    آه..
    لو كانتِ الأمعاءُ البشريةُ من زجاجٍ
    لرأينا كمْ سرقوا من رغيفنا
    أيها الربُّ
    إذا لمْ تستطعْ أن تملأَ هذه المعدةَ الجرباءَ
    التي تصفرُ فيها الريحُ والديدانُ
    فلماذا خلقتَ لي هذه الأضراسَ النهمة
    وإذا لمْ تبرعمْ على سريري جسداً املوداً
    فلماذا خلقتَ لي ذراعين من كبريت
    وإذا لمْ تمنحني وطناً آمناً
    فلماذا خلقتَ لي هذه الأقدامَ الجوّابةَ
    وإذا كنتَ ضجراً من شكواي
    فلماذا خلقتَ لي هذا الفمَ المندلقَ بالصراخِ
    ليلَ نهار

    *
    (7)
    أين يداكَ؟
    نسيتهما يلوحان للقطاراتِ الراحلةِ
    أين امرأتكَ؟
    اختلفنا في أولِ متجرٍ دخلناهُ
    أين وطنكَ؟
    ابتلعتهُ المجنـزرات
    أين سماؤكَ؟
    لا أراها لكثرةِ الدخانِ واللافتاتِ
    أين حريتكَ؟
    أنني لا أستطيعُ النطقَ بها من كثرةِ الارتجاف

    *
    (8)
    دموعي سوداء
    من فرطِ ما شربتْ عيوني
    من المحابرِ والزنازين
    خطواتي قصيرة
    من طولِ ما تعثرتْ بين السطورِ بأسلاكِ الرقيب
    أمدُّ برأسي من الكتاب
    وأتطلعُ إلى ما خلفتُ ورائي
    من شوارع مزدحمةٍ
    ونهودٍ متأوهةٍ
    ورغباتٍ مورقةٍ في الأسرّةِ
    وأعجبُ كيف مرّتِ السنواتُ
    وأنا مشدودٌ بخيوطِ الكلماتِ إلى ورقة

    *
    (9)
    لا شمعة في يدي ولا حنين
    فكيف أرسمُ قلبي
    لا سنبلة أمامَ فمي فكيفَ أصفُ رائحةَ الشبعِ
    لا عطور في سريري فكيف أستدلُّ على جسد المرأة
    لنستمع إلى غناءِ الملاحين
    قبل أن يقلعوا بأحلامهم إلى عرضِ البحرِ وينسونا
    لنستمع إلى حوارِ الأجسادِ
    قبل أن ينطفئَ لهاثها على الأرائك
    أنا القيثارةُ مَنْ يعزفني
    أنا الدموعُ مَنْ يبكيني
    أنا الكلماتُ مَنْ .. يرددني
    أنا الثورةُ مَنْ يشعلني

    *
    (10)
    أكتبُ ويدي على النافذة
    تمسحُ الدموعَ عن وجنةِ السماء
    أكتبُ وقلبي في الحقيبةِ يصغي لصفيرِ القطارات
    أكتبُ وأصابعي مشتتة على مناضدِ المقاهي ورفوفِ المكتبات
    أكتبُ وعنقي مشدودٌ منذ بدءِ التاريخِ
    إلى حبلِ مشنقةٍ
    أكتبُ وأنا أحملُ ممحاتي دائماً
    لأقلِّ طرقةِ بابٍ
    وأضحكُ على نفسي بمرارةٍ
    حين لا أجد أحداً
    سوى الريح

    *
    (11)
    كيف لي
    أن أتخلّصَ من مخاوفي
    رباه
    وعيوني مسمرةٌ إلى بساطيلِ الشرطةِ
    لا إلى السماءِ
    وبطاقتي الشخصية معي
    وأنا في سريرِ النومِ
    خشيةَ أنْ يوقفني مخبرٌ في الأحلام

    *
    (12)
    تحتَ سلالمِ أيامي المتآكلةِ
    أجلسُ أمام دواتي اليابسةِ
    أخططُ لمجرى قصيدتي أو حياتي
    ثم أديرُ وجهي باتجاهِ الشوارع
    ناسياً كلَّ شيءٍ
    أريدُ أن أهرعَ لأولِ عمودٍ أعانقهُ وأبكي
    أريدُ أن أتسكعَ تحتَ السحب العابرة
    حتى تغسل آثارَ دموعي
    أريد أن أغفو على أيِّ حجرٍ أو مصطبةٍ أو كتاب
    دونَ أن يدققَ في وجهي مخبرٌ
    أو متطفلةٌ عابرةٌ
    أعطوني شيئاً من الحريةِ
    لأغمس أصابعي فيها
    وألحسها كطفلٍ جائعٍ
    أنا شاعرٌ جوّاب
    يدي في جيوبي
    ووسادتي الأرصفة
    وطني القصيدة
    ودموعي تفهرسُ التأريخَ
    أشبخُ السنواتِ والطرقاتِ
    بعجالة مَنْ أضاعَ نصفَ عمرِهِ
    في خنادقِ الحروبِ الخاسرةِ والزنازين
    مَنْ يغطيني من البردِ واللهاثِ ولسعاتِ العيون
    وحيداً، أبتلعُ الضجرَ والوشلَ من الكؤوسِ المنسيّةِ على الطاولاتِ
    وأحتكُّ بأردافِ الفتياتِ الممتلئةِ في مواقفِ الباصاتِ
    لي المقاعدُ الفارغةُ
    والسفنُ التي لا ينتظرها أحد
    لا خبز لي ولا وطن ولا مزاج
    وفي الليل
    أخلعُ أصابعي
    وأدفنها تحتَ وسادتي
    خشيةَ أن أقطعها بأسناني
    واحدةً بعدَ واحدة
    من الجوعِ
    أو الندمِ

    *
    (13)
    أيها القلبُ الضال
    يا مَنْ خرجتَ حافياً ذاتَ يومٍ
    مع المطرِ والسياطِ وأوراقِ الخريفِ
    ولمْ تعدْ لي
    سأبحثُ عنكَ
    في حقائبِ الفتياتِ اللامعةِ والمواخيرِ ومحطاتِ القطاراتِ
    حافياً أمرُّ في طرقاتِ طفولتي
    وعلى فمي تتراكمُ دموعُ الكتب والغبار
    أجمعُ بقايا الصحفِ والغيوم الحزينة وصور الممثلات العارية
    وأدلقُ وشلَ القناني الفارغةِ في جوفي
    أجمعُ أعقابَ السجائر المطلية بالأحمر
    وأظلُّ أحلمُ بما تركتهُ الشفاهُ الأنيقةُ من زفراتٍ
    القصائدُ تتعفنُ في جيوبي
    ولا أجد مَنْ ينشرها
    الدموعُ تتيبسُ على شفتي
    ولا أجد مَنْ يمسحها
    راكلاً حياتي بقدمي من شارعٍ إلى شارعٍ
    مثلما يركلُ الطفلُ كرتَهُ الصغيرةَ ضجراً منها
    وأنا...
    أتأملُ وجهي في المرايا المتعاكسة
    وأعجبُ
    كيف هرمتُ
    بهذه العجالة

    *
    (14)
    سأجلسُ على بابِ الوطنِ محدودبَ الظهرِ
    كأغنيةٍ حزينةٍ تنبعثُ من حقلٍ فارغٍ
    يغطيني الثلجُ وأوراقُ الشجرِ اليابسة
    أنظرُ إلى أسرابِ العائدين من منافيهم كالطيورِ المتعبةِ
    أمسحُ عن أجفانهم الثلوجَ والغربةَ
    إنهم يعودون...
    لكن مَنْ يعيد لهم ما ضيعوهُ
    من رملٍ وأحلامٍ وسنوات

    أقلعتُ في أولِ قطارٍ إلى المنفى
    وأنا أفكرُ بالعودة
    شاختْ سكةُ الحديدِ
    وتهرأتِ العجلاتُ
    وامحتْ ثيابي من الغسيلِ
    وأنا ما زلتُ مسافراً في الريحِ
    أتطايرُ بحنيني في قاراتِ العالم
    مثل أوراقِ الرسائلِ الممزقةِ
    دموعي مكسّرةٌ في الباراتِ
    وأصابعي ضائعةٌ على مناضدِ المقاهي
    تكتبُ رسائلَ الحنينِ
    لأصدقائي الذين لا أملكُ عناوينهم

    أنامُ على سطوحِ الشاحناتِ
    وعيوني المغرورقةُ باتجاهِ الوطنِ البعيد
    كطائرٍ لا يدري على أيِّ غصنٍ يحطُّ
    لكنني دون أن أتطلعَ من نافذةِ القطارِ العابرِ سهوب وطني
    أعرفُ ما يمرُّ بي
    من أنهارٍ
    وزنازين
    ونخيلٍ
    وقرى. أحفظها عن ظهرِ قلب

    سأرتمي، في أحضانِ أولِ كومةِ عشبٍ تلوحُ لي من حقولِ بلادي
    وأمرّغُ فمي بأوحالها وتوتها وشعاراتها الكاذبةِ
    لكنني
    لن أطرقَ البابَ يا أمي
    إنهم وراء الجدران ينـتظرونني بنصالهم اللامعة
    لا تنتظري رسائلي
    إنهم يفتشون بين الفوارز والنقاطِ عن كلِّ كلمةٍ أو نأمةٍ
    فاجلسي أمامَ النافذة
    واصغي في الليلِ إلى الريح
    ستسمعين نجوى روحي

    *
    (15)
    خطوطُ يدي امحت من التشبّثِ بالريحِ والأسلاك
    ومن العاداتِ السرّيةِ
    مع نساء لا أعرفهن
    التقطتهنَّ بسنّارةِ أحلامي من الشارع
    وهذه الشروخ، التي ترينها ليستْ سطوراً
    بل آثار المساطر التي انهالتْ على كفي
    وهذه الندوب، عضات أصابعي
    من الندم والغضب والارتجاف
    فلا تبحثي عن طالعي في راحتي
    - ياسيدتي العرافة -
    ما دمتُ مرهوناً بهذا الشرقِ
    فمستقبلي في راحات الحكام

    *
    (16)
    لا أعرفُ متى سأسقطُ على رصيفِ قصائدي
    مكوّماً بطلقةٍ
    أو مثقوباً من الجوعِ
    أو بطعنة صديق
    يمرُّ الحكامُ والأحزابُ والعاهراتُ
    ولا يد تعتُّ بياقتي وتنهضني من الركامِ
    لا عنق يستديرُ نحوي
    ليرى كيفَ يشخبُ دمي كساقيةٍ على الرصيفِ
    لا مشيعين يحملونني متأففين إلى المقبرة
    الأقدامُ تدوسني أو تعبرني
    وتمضي
    الفتياتُ يشحنَ بأنظارهن
    وهن يمضغن سندويشاتهن ونكاتهن المدرسية البذيئة
    ومئذنةُ الجامعِ الكبير
    تصاعدُ تسابيحها - ليلَ نهار -
    دون أن تلتفت لجعيري
    …….
    لا أعرفُ على أيِّ رصيفِ منفى
    ستسّاقطُ أقدامي ورموشي من الانتظار
    لا أعرفُ أيَّ أظافرٍ نتنةٍ ستمتدُ إلى جيوبي
    وتسلبني قصائدي
    ومحبرتي وأحلامي
    في وضحِ النهار
    لا أعرفُ على أيِّ سريرِ فندقٍ أو مستشفى
    سأستيقظ
    لأجد وسادتي خاليةً...
    ودموعي باردةً
    ووطني بعيد
    لا أعرفُ في أيِّ منعطفِ جملةٍ أو وردةٍ
    سيسدد أحدهم طعنتَهُ المرتبكةَ العميقةَ
    إلى ظهري
    من أجلِ قصيدةٍ كتبتها ذاتَ يومٍ
    أشتمُ فيها الطغاة والطراطير
    ومع ذلك سأواصلُ طوافي وقهقهاتي وشتائمي
    عابراً وليس لي غير الأرصفةِ والسعالِ الطويلِ
    ليس لي غير الحبرِ والسلالمِ والأمطارِ
    سائراً مثلَ جندي وحيدٍ
    يجرُّ بين الأنقاضِ حياتَهُ الجريحةَ
    لا أريدُ أوسمةً ولا طبولاً ولا جرائدَ
    أريدُ أن أضعَ جبيني الساخنَ
    على طينِ أنهارِ بلادي
    وأموت حالماً كالأشجار

    المحذوف من رسالة الغفران

    مستلقياً على ظهري
    أحدّقُ في السماءِ الزرقاء
    وأحصي كمْ عددَ الزفراتِ التي تصعدُ إلى الله كلَّ يومٍ
    وكم عددَ حبات المطر التي تتساقطُ من جفنيهِ
    أديرُ قرصَ الهاتفِ
    وأطلبهُ
    تردُّ سكرتيرتهُ الجميلةُ
    إنه مشغولٌ هذه الأيام
    إلى أذنيهِ
    بتقليبِ عرائضكم التي تهرأتْ من طولِ تململها في المخازن
    يا سيدتي أريدُ رؤيتَهُ ولو لدقيقةٍ واحدةٍ
    ما منْ مرة
    طلبتهُ
    وردَّ علي
    أريدُ أن أسألَهُ قبلَ أنْ أودّعَ حياتي البائسة
    وقبل أنْ يضعَ فواتيرَهُ الطويلةَ أمامي:
    يا الهي العادل
    أمن أجلِ تفاحةٍ واحدةٍ
    خسرتُ جنانَكَ الواسعةَ
    أمن أجلِ أن يسجدَ لي ملاكٌ واحدٌ
    لم يبقَ شيءٌ في التاريخ إلا وركعتُ أمامه
    ..............
    يا أبانا…
    يا أبانا الرحيم
    أعرف أنكَ لنْ تضحكَ على ذقوننا مثلهم
    لكني مهانٌ ويائس
    أريدُ شبراً من هذه الأرضِ الواسعةِ أضعُ عليه رأسي ونعالي وأنام
    أريد رغيفاً واحداً من ملايين السنابل التي تتمايس أمامي كخصورِ الراقصات
    …………
    ......
    أجلسُ أمامَ بابِ مسجدِ الكوفة
    أجلسُ أمامَ كنيسةِ لوند
    أجلسُ أمامَ حائطِ المبكى
    أجلسُ أمامَ معبدِ بوذا
    ضاغطاً راحتي على ركبتي
    وأحصي كمْ يصعدون، ظهورَنا المحدودبةَ كالسلالم
    وكم ينـزلون
    ومع هذا
    لا أحد يلتفتُ إلى دموعنا المنسابةِ كالمزاريب
    أريدُ أن أصعدَ يوماً إلى ملكوته
    لأرى..
    إلى أين تذهبُ غيومُ حشرجاتنا
    وهذه الأرض التي تدور
    بمعاركنا وطبولنا وشتائمنا واستغاثاتنا
    منذ ملايين السنين
    ألمْ توقظْهُ من قيلولتِهِ الكونيةِ
    ليطلَّ من شرفتِهِ
    وينظر لنا
    مَنْ يدري
    ربما سئمَ من شكوانا
    فأشاحَ بوجههِ الكريم
    ونسينا إلى الأبد.

    أحلمُ أن أركلَ الكرةَ الأرضيةَ بحذائي المثقوب
    ولا أدعها تسقطُ
    حتى أعيدها إليه
    كي يجيبني
    بعيداً عن جمهرةِ المفسرينِ والدراويش والوعّاظ:
    إذا كنتَ وحدكَ مالكَ الغيب..
    ولمْ تفشِ أسرارَكَ لأحدٍ
    فكيف علمَ أبليس
    بأني سأعيثُ في الأرضِ فساداً
    .......
    وإذ كنتَ حرمتني
    من دمِ العنقودِ
    فلماذا أبحتهُ لغيري
    ..........
    وإذا كان الأشرارُ لمْ يصعدوا إلى سفينةِ نوح
    وغرقوا في البحرِ
    فكيفَ امتلأتِ الأرضُ بهم ثانيةً
    .............
    و "إذا السماء انشقّتْ ، وأذِنتْ لربها وحُقّتْ ، وإذا الأرضُ مُدّتْ ، وألقتْ ما فيها وتخلّتْ"..
    فأين ستذهب لوحات فان كوخ،
    وقصائد المتنبي،
    ومسرحيات شكسبير،
    ونهج البلاغة،
    وسمفونيات موزارت
    وما الذي سنجده في متاحفِ الجنة..
    ..............
    وإذا كنتُ سأجدُ في فراديسك الواسعة
    حبراً
    وخمراً
    وصفصافاً
    فهل أستطيعُ نشرَ قصائدي
    دونَ أن تمرَّ على رقيبٍ
    .............
    وإذا أنكحتني
    عشرةَ آلافِ حورية عين….
    فماذا ستترك لحبيبتي
    و…..
    و………
    …….


    عبد الوهاب البياتي: اكتشاف

    إلى الشاعر عدنان الصائغ

    أكتشفُ الأنفاقَ الحجريةَ في روحي
    والمنفى والنارْ
    ومقابرَ بغداد.
    أكتشفُ اللوحَ المحفوظْ
    والمقبوسَ المسماريَّ النابضَ في جدل الروحْ.
    أكتشفُ ، الآنَ ، لماذا كانتْ
    أصوات الموتى ، تصعدُ من بئرِ شقائي
    ولماذا كنتُ أخافْ
    من بعضِ الأصوات الغامضةِ التعبى
    تثقبُ صمتَ الأنفاقْ.
    أكتشفُ ، الآنَ ، البعدَ الخامسَ في مرآة الأشياء
    وفتوحاتِ الأسلاف الشعرية في نار الكلماتْ
    لكني
    وأنا أتماهى
    في داخل روحي
    أحترقُ الآنْ

    د. عبد العزيز المقالح: بطاقة للقرن الجديد

    إلى عدنان الصائغ، الصديق والشاعر، في منفاه المؤقت

    صباحٌ جديدٌ
    وأغنيةٌ تتسكع خلف الشبابيك
    تبحثُ عن غيمةٍ أو سحابهْ

    صباحٌ جديدٌ
    وأمنيةٌ تتحدرُ عبر سماءٍ من الحلم
    تغسلُ أرواحنا
    وتذيبُ ثلوجَ الكآبةْ

    صباحٌ جديدٌ
    وشمسٌ من الحبِ دافئةٌ
    كالنبيذِ المعتقِ في صدرِ خابيةٍ
    تشتكي للزمان شبابهْ.

    صباحٌ جديدٌ
    و "سوناتةٌ" عذبةُ الكلماتِ
    وطازجةٌ،
    تترقرقُ مثل الندى
    فوق صنعاء
    حاملةً دهشةَ الشعراء
    وكاشفةً عن جنونِ الغرابةْ

    صباحٌ جديدٌ
    وقرنٌ من الضوءِ
    يحملُ أطفالنا وقصائدنا
    لزمانٍ تخلتْ عن الحقدِ أيامهُ
    وتخلتْ شوارعهُ عن معاني الرتابةْ


    علي الدميني: هكذا

    علي الدميني
    إلى عدنان الصائغ

    قدحاً من رخام العذارى صنعت،
    وأوقدت مسك المعابد للداخلينْ،
    حلّني في سهوب العشيقات من دونما جَزَعٍ أو مواجيد ،
    في سنةٍ رخوةٍ يتخّبط في بهوها الخلق حتى يساوي القطيع
    الرعاةْ،
    والمساء الغداةْ
    ولنذقْ في تفاصيلهن الكثير من المقت،
    إني وجدت كتابي يخطّط فتواه في هامشٍ مُغفلٍ
    ويدثّره بالحلال
    هكذا أرتدي ورق الشك في لغتي،
    من فصولك،
    إِن شطّ بي القلب في لغوهِ،
    أو أتاه اليقين

    عبد الرزاق الربيعي: إلى تأبط منفىإلى تأبط منفى عدنان الصائغ
    لكَ العتبى
    قالَ إذ استلقى تحت الشجرِ يراقبُ
    ظلمات تزحفُ
    تعقبها ظلمات
    حطَّ الطيرُ على غصنِ الشمسِ
    وراحَ يصيحُ :
    لكَ العتبى
    لكَ ظلٌّ ماتَ
    ولي ظلمات تمشي في النورِ
    ونور يمشي في الظلماتِ
    لذلك عذتُ بوجهكَ
    من حجرٍ شجَّ جبينَ الضوءِ
    بباديةِ الضوءِ
    ومن وطنٍ تأكلهُ الحسراتُ
    ظلمات باردة الدم
    ومن فوق الظلمات
    أرى ظلمات
    ظلمات تصفرُ ليلاً
    بسماءٍ ملأى بنجومٍ أكسدها
    قمرٌ زنخٌ في التيهِ
    لذلك عذتُ بوجهكَ
    من أفقٍ ضاقَ بسبعِ سماواتٍ
    من ظلمات
    فضيقنا الواسع من حدق البلوى
    سرنا بمناكبها
    نتلمسُ زفرات الموتى المحفوظة
    في طيات حموضة أكياس الخبز
    نعلّقُ خيطاً من ظلمات متكلسةٍ
    تغمرها ظلمات
    أخرجْ منها
    فخرجتُ
    تأبطْ منفى
    فتأبطتُ ببادية (الطائف) وجهَ الله
    تعقبني جندٌ ذات ضياع في صحراء الربع الخالي العينين
    وذات شتات
    ظلمات يابسة
    خانقة الظلمات
    لكَ العتبى
    ماريا ليندبيرغ: ثلاث قصائد

    الشاعرة السويدية ماريا ليندبيرغ Maria Lindberg
    إلى الشاعر عدنان الصائغ

    (1)
    خُزّنتْ الكلمات لوقتٍ طويل من أجل أن تبقى ساكنةً
    كي تبدو بين الناس متزنةً
    حلوةً ومريحةً
    ذات جرس بديعٍ وتناغمٍ أجمل
    لقد انتظرن طويلاً من أجل ذلك.
    كنَّ مُهدّدات إذا ما ظهرن
    لهذا أُنكرَ وجودهن
    ورغم هذا عندما جئنَ
    جئن مسرعاتٍ
    مقشراتٍ، طازجاتٍ، منفعلاتٍ
    مرتبكات من هول الرعب والصراخ
    منطلقات من الصدر
    نابعات من القلب
    اندفعن أماماً
    كالشرار المتناثر في الهواء

    *
    (2)
    حتى لو التوت الأصابع،
    اكتبْ بصلابة
    حتى لو تورم اللسان من الكلام،
    اطلقْ صرختك عالياً
    الكلمات تصعد، تصعد بك الى الأعلى
    ارفضْ الصمتَ ..
    ارفضْ أن تظلَّ ساكناً

    *
    (3)
    الحقيقةُ فارزةٌ لا علاقة لها بالجملة
    إذ تُقارن مع تاريخٍ
    رهيبٍ، غنيٍّ، لاذعٍ ورائعٍ
    الأكاذيبُ تُعمي الأبصارَ بضوئها المرفرف
    الحقيقةُ مجردةٌ
    وشفافةٌ
    بجانب الوجنة الحمراء النحيلة

    ترجمة: ملاك مظلوم

  2. #2
    من أهل الدار
    Ballerina ❤️
    تاريخ التسجيل: September-2017
    الدولة: ذي قار
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 4,906 المواضيع: 72
    صوتيات: 14 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 10554
    آخر نشاط: 24/August/2021
    مقالات المدونة: 1
    الله
    عشت أحمد

  3. #3
    من أهل الدار
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ود 'ے مشاهدة المشاركة
    الله
    عشت أحمد
    ياهلا

  4. #4
    من أهل الدار
    NoOn
    تاريخ التسجيل: May-2015
    الدولة: لامكان!!
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 18,529 المواضيع: 716
    التقييم: 16233
    مزاجي: متقلب ...
    المهنة: طالبة جامعيه ^_^
    أكلتي المفضلة: جبس ليز ولبن ^^
    موبايلي: iPhone
    مقالات المدونة: 3
    كلش حلو شكرا احمد

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال