يوم عرفة هو أفضل الأيام عند الله سبحانه وتعالى، وهو يوم من الأيام التي أقسم الله تعالى بها، يوم تتنزل فيه الرحمات، وتكثر فيه الخيرات، وتزداد به المسرات فرحًا وأملًا بمغفرة الله تعالى التي أوجبها على كل من أطاع الله ورسوله واتبع الهدي وسار على الصراط الذي لا عوج فيه ولا زيغ ولا ضلال، يوم له من العِظَم والشأن الرفيع ما يسعد به قلب كل مسلم معظم للحرمات متبع للهدي، له نصيب كبير وقدر عظيم في كلام وهدي سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وآله وأصحابه أجمعين.
أحاديث فضل يوم عرفة
- جاء رجلٌ من اليهود إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا أميرَ المؤمنين؛ آيةٌ في كتابكم تقرءونها، لو علينا نزَلتْ -مَعْشَرَ اليهود- لاتخذنا ذلك اليومَ عيدًا. قال: فأَيُّ آية؟ قال: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ﴾ [المائدة: 3]، فقال عمر: إِنِّي لأعْلَمُ اليومَ الذي نزلت فيه، والمكانَ الذي نزلت فيه: نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات، في يوم جمعةٍ [1].
- عن أمِّ الفضل بنت الحارث، «أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عِنْدَها يَوْمَ عَرَفَةَ فِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ صَائِمٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِصَائِمٍ. فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أُمُّ الْفَضْلِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ بِعَرَفَةَ، فَشَرِبَ مِنْهُ» [2].
- جاء في شرح السنة للبغوي: هذا حديثٌ متَّفقٌ على صحَّته... واختلف أَهْلُ العلم في استحباب صوم يوم عرفة بعرفة، رُوِيَ عن عائشة أنَّها كانت تصومه، وروي عن عثمان بن أبي العاص، وابن الزُّبير أنَّهما كانا يصومانه، وكان إسحاق يَسْتَحِبُّهُ لِلحَاجِّ، وقال أحمد: إن قدر على الصَّوم صام، وإن أفطر فذاك يومٌ يحتاج إلى قوَّةٍ.
وكان عطاءٌ يقول: أَصُومُ في الشِّتاء، ولا أَصُومُ فِي الصَّيف.
واستحبَّ أكثرُ أهل العلم الإفطارَ فيه؛ ليتقوَّى على الدُّعاء، وإليه ذهب مالكٌ، وسفيان، والشَّافعيُّ، رُوي عن أبي هريرة، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ» [3]. وَهَذَا نَهْيُ اسْتِحْبَابٍ، لا نَهْيُ تَحْرِيمٍ [4].
- عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ» [5].
- عن عقبة بن عامرٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» [6].
- عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ أَهْلَ السَّمَاءِ، قَالَ: يَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا» [7].
- عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجلان أحدهما من الأنصار، والآخر من ثقيفٍ فسبقه الأنصاريُّ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم للثَّقفيِّ: «يَا أَخَا ثَقِيفٍ سَبَقَكَ الأَنْصَارِيُّ». فقال الأنصاريُّ: أنا أَبدُّهُ [8] يا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له: «يَا أَخَا ثَقِيفٍ سَلْ عَنْ حَاجَتِكَ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ أُخْبِرَكَ عَمَّا جِئْتَ بِهِ تَسْأَلُ عَنْهُ». قال: فذاك أعجبُ إليَّ أن تفعل. قال: «فَإِنَّكَ تَسْأَلُنِي عَنْ صَلاَتِكَ، وَعَنْ رُكُوعِكَ، وَعَنِ سُجُودِكَ، وَعَنْ صِيَامِكَ، وَتَقُولُ: مَاذَا لِي فِيهِ؟». قال: إي والَّذي بعثك بالحقِّ. قال: «فَصَلِّ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَآخِرَهُ، وَنَمْ وَسَطَهُ». قال: فإن صلَّيتُ وَسَطه؟ قال: «فَأَنْتَ إِذًا -قَالَ- فَإِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَرَكَعْتَ فَضَعْ يَدَكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ، وَفَرِّجْ بَيْنَ أَصَابِعِكَ، ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَكَ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عُضْوٍ إِلَى مَفْصِلِهِ، وَإِذَا سَجَدْتَ فَأَمْكِنْ جَبْهَتَكَ مِنَ الأَرْضِ، وَلاَ تَنْقُرْ، وَصُمِ اللَّيَالِيَ الْبِيضَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ». ثمَّ أَقْبَلَ على الأنصاريِّ، فقال: «سَلْ عَنْ حَاجَتِكَ وَإِنْ شِئْتَ أَخْبَرْتُكَ». قال: فذلك أعجبُ إليَّ. قال: «فَإِنَّكَ جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ خُرُوجِكَ مِنْ بَيْتِكَ تَؤُمُّ الْبَيْتَ الحَرَامَ، وَتَقُولُ: مَاذَا لِي فِيهِ؟ وَجِئْتَ تَسْأَلُ عَنْ وُقُوفِكَ بِعَرَفَةَ وَتَقُولُ: مَاذَا لِي فِيهِ؟ وَعَنْ رَمْيِكَ الجِمَارَ، وَتَقُولُ: مَاذَا لِي فِيهِ؟ وَعَنْ طَوَافِكَ بِالْبَيْتِ، وَتَقُولُ: مَاذَا لِي فِيهِ؟ وَعَنْ حَلْقِكَ رَأْسَكَ، وَتَقُولُ: مَاذَا لِي فِيهِ؟» قال: إي والَّذي بعثك بالحقِّ. قال: «أَمَّا خُرُوجُكَ مِنْ بَيْتِكَ تَؤُمُّ الْبَيْتَ؛ فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ وَطْأَةٍ تَطَأُهَا رَاحِلَتُكَ يَكْتُبُ اللهُ لَكَ بِهَا حَسَنَةً، وَيَمْحُو عَنْكَ بِهَا سَيِّئَةً، وَأَمَّا وُقُوفُكَ بِعَرَفَةَ فَإِنَّ اللهَ عز وجل يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِهِمُ المَلاَئِكَةَ فَيَقُولُ: هَؤُلاَءِ عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ يَرْجُونَ رَحْمَتِي، وَيَخَافُونَ عَذَابِي، وَلَمْ يَرَوْنِي، فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي. فَلَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ رَمْلِ عَالِجٍ [9] ، أَوْ مِثْلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا، أَوْ مِثْلُ قَطْرِ السَّمَاءِ ذُنُوبًا غَسَلَهَا اللهُ عَنْكَ، وَأَمَّا رَمْيُكَ الجِمَارَ فَإِنَّهُ مَذْخُورٌ لَكَ، وَأَمَّا حَلْقُكَ رَأْسَكَ، فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ شَعْرَةٍ تَسْقُطُ حَسَنَةٌ، فَإِذَا طُفْتَ بِالْبَيْتِ خَرَجْتَ مِنْ ذُنُوبِكَ كَيَوْم وَلَدَتْكَ أُمُّكَ» [10].
- عن بكير بن عطاءٍ اللَّيثيِّ، قال: سمعتُ عبد الرَّحمن بن يعمر الدِّيليَّ يقول: شَهِدْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقفٌ بعرفة، وأتاه ناسٌ من أهل نجدٍ، فقالوا: يا رسول الله؛ كيف الحجُّ؟ فقال: «الحَجُّ عَرَفَةُ، فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ صَلاَةِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ أَيَّامُ مِنًى ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ، فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ». ثُمَّ أَرْدَفَ رَجُلاً خَلْفَهُ، فَجَعَلَ يُنَادِي بِهِنَّ [11].
- عن ابن المسيب، قال: قالت عائشة: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ، أَنْ يُعْتِقَ اللهُ عز وجل فِيهِ، عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو عز وجل، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ المَلاَئِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ؟» [12].
- عن طلحة بن عبيد الله بن كريزٍ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ، وَلا أَدْحَرُ، وَلا أَحْقَرُ، وَلا أَغْيَظُ مِنْهُ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَمَا ذَاكَ إِلا لِمَا يَرَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمةِ، وَتَجاوُزِ اللهِ عَنِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ إِلا مَا كَانَ مِنْ يَوْمِ بَدْرٍ». فقيل: وما رأى من يوم بَدْرٍ؟ قال: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأى جِبْرِيلَ وَهُوَ يَزَعُ المَلائِكَةَ [13] » [14].
- فإذا طلعت الشمس يوم عرفة سار من منى إلى عرفة، فنـزل بنمرة إلى الزوال إن تيسَّر له، وإلاَّ فلا حرج؛ لأن النـزول بنمرة سُنَّة.
- فإذا زالت الشمس صلى الظهر والعصر على ركعتين يجمع بهما جمع تقديم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ليطول وقت الوقوف والدعاء.
خطبة عرفة
وهي خطبتان خفيفتان بعرفات قبل الصلاة اتفاقًا، يجلس بينهما الخطيب كما في الجمعة، يُعَلِّمهم في الأولى المناسك من موضع الوقوف بعرفة ووقته والدفع من عرفات، ومبيتهم في المزدلفة، وأخذ الحصى لـ رمي الجمار، ويحثُّهم على إكثار الذكر والدعاء بالموقف؛ لحديث جابر المتقدِّم أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك.
- ثم يُصَلِّي الإمام بالناس الظهر والعصر قصرًا وجمع تقديم، اتباعًا للسُّنَّة كما روى مسلم، وذلك بأذان واحد وإقامتين وقراءة سرية، دون أن يُصَلِّيَ بينهما شيئًا من السنن.
وتعقيبًا على حديث جابر رضي الله عنه: «حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْس أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ فَأَتَى بَطْن الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاس...». قال النووي في شرح صحيح مسلم: وقوله: «فَخَطَبَ النَّاس». فيه استحباب الخطبة للإمام بالحجيج يوم عرفة في هذا الموضع، وهو سُنَّة باتِّفاق جماهير العلماء [15].
تعدد الخطب يوم عرفة
أمَّا هدي النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لم يخطب إلَّا واحدة وهو الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لكن كل الناس كانوا حاضرين، وأمَّا في وقتنا الحاضر فكما تعرف الوصول إلى المسجد الذي فيه الخطيب صعب، فلو أن أحدًا من الناس ذكَّر إخوانه إذا كانوا صَلَّوْا -مثلاً- في مخيَّمهم فهذا طيب، وليس فيه بأس [16].
- ثم يتفرَّغ بعد الصلاة للذكر والتضرُّع إلى الله عز وجل والدعاء بما شاء أن يدعو؛ للنفس مثلاً بأن يهدي الله الإنسان، ويرزقه التقوى والقبول والعمل الصالح، وأن يبارك له في زوجه وأولاده، وأن يرزقه من الطيبات ويُبارك له في رزقه عمره وصحته، وأن يغفر له ذنوبه، ويجعله هاديًا مهديًّا، وأن يدعو للزوجة بأن يُبارك الله فيها ولها، ويحفظ عليها دينها ويُجَنِّبها الحرام، ويرزقها الطاعة لزوجها، والرضا عن الله تعالى، ويدعو لأبنائه أن يحفظهم الله من كل سوء، ويُنبتهم نباتًا حسنًا، وأن يجعلهم للمتقين أئمة، وأن يجعلهم مجاهدين في سبيله، ويدعو لوالديه أن يرحمهما الله كما ربياه صغيرًا، وأن يتقبَّل منهما أعمالهما، ويغفر لهما ذنوبهما، ويجعلهما من أهل الفردوس الأعلى من الجنة، ويدعو لأهله جميعًا بأن يُبارك الله لهم في كل خير ويُجَنِّبهم كل سوء، وأن يرزقهم جميعًا الحج المبرور والعمرة المقبولة، ويدعو لأُمَّته أن ينصرها الله على أعدائها، ويُبطل كيد الكائدين لها، وأن يرفع شأنها ويحكِّم فيها شرعه.
ويدعو بما أحب رافعًا يديه مستقبل القبلة ولو كان الجبل خلفه؛ لأنَّ السُّنَّة استقبال القبلة لا الجبل.
- عن عبد الله بن المبارك، قال: «جئتُ إلى سفيان عشيَّة عرفة وهو جاثٍ على ركبتيه وعيناه تهملان [17] ، فبكيتُ، فالتفتَ إليَّ، فقال: ما شأنك؟ فقلتُ: مَنْ أسوأ هذا الجَمْع حالاً؟ قال: الذي يظنُّ أنَّ الله عز وجل لا يغفر لهم» [18].
- وعن إسحاق بن إبراهيم، قال: ووقفت مع الفضيل بعرفاتٍ فلم أسمع من دعائه شيئًا إلاَّ أنَّه واضعًا يده اليمنى على خدِّه وواضعًا رأسه يبكي بكاءً خَفِيًّا فلم يزل كذلك حتَّى أفاض الإِمَامُ، فرفع رأسه إلى السَّماء فقال: وَاسَوْأَتَاهُ -وَاللهِ- مِنْكَ وإِنْ عَفَوْتَ! ثلاث مرات [19].
- وعن سالم بن عبد الله بن عمر :: أنَّه رأى سائلاً يسأل الناس يوم عرفة، فقال: «يا عاجز، في هذا اليوم يُسْأَل غير الله عز وجل!» [20].
- ومن البدع: الصعود إلى جبل الرحمة في عرفات [21].
- وكان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الموقف العظيم: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» [22].
- فإن تعب وأراد أن يستجمَّ بالتحدُّث مع أصحابه بالأحاديث النافعة وقراءة ما تيسَّر من الكتب المفيدة، خصوصًا فيما يتعلَّق بكرم الله وجزيل هباته؛ ليُقَوِّيَ جانب الرجاء في ذلك اليوم كان ذلك حسنًا.
- ثم يعود إلى التضرُّع إلى الله ودعائه، ويحرص على اغتنام آخر النهار بالدعاء؛ فإن خير الدعاء دعاء يوم عرفة.
- فإذا غربت الشمس سار إلى مزدلفة.
نصيحة:
- على الحاج أن يُقَلِّل من الطعام والشراب في عرفة؛ فهذا التقليل يُورث الحاج:
1- زهدًا في الدنيا ورِقَّة في النفس.
2- الحفاظ على الوقت، وحُسن استخدامه فيما يُفيد وما هو أَوْلى.
3- القدرة على أداء المناسك في اليوم التالي بدون الحاجة إلى دخول الخلاء.
- ينبغي للحاج دخول الحمام في عرفة لقضاء الحاجة، والوضوء قبل الانطلاق إلى مزدلفة؛ لأنَّ الازدحام يكون في العادة شديدًا، وقد لا يتيسر له أن يجد مكانًا يقضي فيه حاجته.
- حمل ما تيسَّر من الطعام؛ لعدم توفره في الغالب في المزدلفة.
! فتوى:
ماذا لو نفر قبل الغروب؟
البعض يقول: عليه دمٌ، والأقرب لا شيء عليه [23].
ففعن عن عروة بن مُضَرِّسٍ الطَّائِيُّ، قال: أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِالمَوْقِفِ -يَعْنِي بِجَمْعٍ [24]- قُلْتُ: جِئْتُ يَا رَسُولَ اللهِ مِنْ جَبَلِ طَيِّئٍ، أَكْلَلْتُ مَطِيَّتِي، وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي، وَاللهِ! مَا تَرَكْتُ مِنْ حَبْلٍ إِلاَّ وَقَفْتُ عَلَيْهِ، فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلاَةَ وَأَتَى عَرَفَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ» [25].
تنبيه:
التوجُّه بعد غروب الشمس إلى مزدلفة بسكينة وهدوء، لا تُزاحم الناس بالنفس أو الدابة أو السيارة، فإذا وجدت خلوة فلا بأس بالإسراع.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه دفع مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم وراءه زَجْرًا شَدِيدًا وَضَرْبًا وَصَوْتًا للإبل، فأشار بسوطه إليهم، وقال: «أَيُّهَا النَّاسُ؛ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالإِيضَاعِ». أَوْضَعُوا: أَسْرَعُوا [26].
د. راغب السرجاني
[1] البخاري: كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، 6840 ، ومسلم: كتاب التفسير، 3017..
[2] البخاري: كتاب الصوم، باب صوم يوم عرفة، 1887 ، ومسلم: كتاب الصيام، باب استحباب الفطر للحاج يوم عرفة، 1123.
[3] أبو داود: كتاب الصيام، باب في صوم يوم عرفة بعرفة 2440 ، والنسائي 2830 ، وابن ماجه 1732 ، وأحمد 8018 ، والبيهقي: السنن الكبرى، 8172 ، والطبراني: المعجم الأوسط، 2556 ، والحاكم 1587 ، وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه.
[4] البغوي: شرح السنة، 6/345، 346، 1791.
[5] الترمذي: كتاب الدعوات، باب في دعاء يوم عرفة 3585 ، وقال: هذا حديث غريب. وقال الصنعاني: وروى صاحب «الخلاصة» عن الترمذي أنه حسَّن حديث عمرو بن شعيب، وهو كما قال ذكره الترمذي في كتاب الدعوات من طريق محمد بن أبي حميد لقبه حماد، وقال: حديث حسن غريب، ومحمد بن أبي حميد ليس بالقوي عند أهل الحديث. فتح الغفار الجامع لأحكام سنة نبينا المختار، 2/1046.
[6] أبو داود: كتاب الصيام، باب صيام أيام التشريق 2419 ، والترمذي 773 ، وقال: وحديث عقبة بن عامر حديث حسن صحيح. والنسائي 3995 ، وأحمد 17417 ، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح على شرط مسلم. وابن حبان 3603 ، والحاكم 1586 ، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وصححه الألباني، انظر: صحيح أبي داود 7/178.
[7] أحمد 8033 ، وقال شعيب الأرناءوط: صحيح وهذا إسناد حسن. وابن حبان 3852 ، والحاكم 1708 ، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال الهيثمي: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. انظر: مجمع الزوائد، 3/252. وصححه الألباني، انظر: التعليقات الحسان، 6/60، 3841.
[8] أبدُّه؛ أي: أُقَدِّمُهُ.
[9] عالِج: موضع بالبادية بها رَمْل، والعالِج ما ترَاكَم من الرمل.
[10] الطبراني: المعجم الكبير، 13600 ، ومصنف عبد الرزاق، 8830 ، وقال الهيثمي: ورجال البزار مُوَثَّقُون، وقال البزار: قد رُوِيَ هذا الحديث من وجوه، ولا نعلم له أحسن من هذا الطريق. انظر: مجمع الفوائد، 3/275.
[11] الترمذي: كتاب الصوم، باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج، 889 ، وكتاب تفسير القرآن، 2975 ، وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي 4050 ، وابن ماجه 3015 ، وأحمد 18796 ، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح. وابن حبان 3892 ، والحاكم 3100 ، وقال: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه.
[12] مسلم: كتاب الحج، باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة، 1348 ، والنسائي 3996 ، وابن ماجه 3014.
[13] يَزَعُ الملائكةَ؛ أي: يُرتِّبُهم ويُسَوِّيهِم ويَصُفُّهم للحربِ؛ فكأَنه يَكُفُّهم عن التفَرُّقِ والانْتِشارِ. ابن منظور: لسان العرب، 8/390.
[14] الموطأ - برواية يحيى الليثي 944 ، وعبد الرزاق في مصنفه 8832 ، وقال ابن عبد البر: هذا حديث حسن. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، 1/115، 116.
[15] النووي: المنهاج، 8/182.
[16] مجموع فتاوى ورسائل العثيمين، 23/28.
[17] عيناه تهملان: تفيضان بالدموع.
[18] ابن أبي الدنيا: حسن الظن بالله ص92.
[19] أبو نعيم الأصبهاني: حلية الأولياء، 8/88.
[20] النووي: الأذكار، ص174.
[21] انظر: فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ، 6/8.
[22] الترمذي: كتاب الدعوات، باب في دعاء يوم عرفة 3585 ، وأحمد 6961 ، وقال شعيب الأرناءوط: حسن لغيره. والبيهقي: السنن الكبرى، 9745. وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله مُوَثَّقُونَ. انظر: مجمع الزوائد، 3/252، 5547.
[23] سلمان بن فهد العودة: افعل ولا حرج، ص78.
[24] جَمْع: المزدلفة.
[25] أبو داود: كتاب المناسك، باب من لم يدرك عرفة 1950 ، والترمذي 891 وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي 4045 ، وأحمد 16253 ، وقال شعيب الأرناءوط: حديث صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير أن صحابيه لم يخرج له سوى أصحاب السنن. والحاكم 1702. وقال الهيثمي تعليقًا على الحديث: ورجال أحمد رجال الصحيح. انظر: مجمع الزوائد، 3/254، 5557 ، وصححه الألباني، انظر: صحيح أبي داود، 6/196.
[26] البخاري: كتاب الحج، باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسكينة عند الإفاضة وإشارته، 1587 واللفظ له، ومسلم: كتاب الحج، باب استحباب إدامة الحاج التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة يوم، 1282.