لباس أهل النَّار
وكما في النَّار طعام وشراب ففيها أيضاً اللباس، وليس اللباس لوقايتهم من الحرِّ، وإنَّما هو زيادة في العذاب، قال تعالى: "فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ"(الحج: 19)، فهي ثياب من نار.
وقال تعالى: "وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ"(إبراهيم:49-50)، والقطران هو النحاس العذاب.
بعض أنواع عذاب أهل النَّار
يتعرض أهل النَّار لأنواع أليمة من العذاب الإلهيّ، وسنتحدث عن بعض ما جاءت به آيات الكتاب العزيز عن هذه الأنواع من العذاب:
1- إنضاج الجلود
إنَّ نار الجبَّار سبحانه وتعالى تحرق جلود أهل النَّار، والجلد موضع الإحساس بألم الإحتراق، ولذلك فإنَّ الله يبدِّل لهم جلودا أخرى غيرها، "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا"(النساء:56).
2- الصهر
من ألوان العذاب صبُّ الحميم فوق رؤوسهم، والحميم هو ذلك الماء الذي لا يُتصوَّر مقدار حرارته، فلشدة حرارته تذوب أمعاؤهم وما حوته بطونهم: "فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ"(الحج:19-20).
3- اللفح
إنَّ النَّار تلفح وجوههم وتغشاها أبداً لا يجدون حائلاً يحول بينهم وبينها "لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ"(الأنبياء:39). وقال "تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ"(المؤمنون:104).
4- السحب
ومن أنواع العذاب الأليم سحبُ الكفار على وجوههم في النَّار، يقول تعالى واصفاً هذه الحالة: "إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ"(القمر:47-48).
من ألوان العذاب الروحيِّ
يتعرض أهل النَّار لعذاب من نوع آخر، غير العذاب الجسديّ، وهو العذاب الروحيّ وقد ذكر القرآن الكريم بعض الأمثال لهذا العذاب منها:
1- المهانة
"وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ"(الحج:57). تـدل هذه الآيات وغيرها أنَّ عذاب الجحيم مـقـرون بأنواع الإهانة والتحقير والاستهانة والغم والحزن الذي يعاني منه أصحاب جهنَّم وهو ما يعكس آلامهم النفسية: "كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ"(الحج:22)، فيقوم خزنتها بإرجاعهم إليها ليذوقوا العذاب.
2- كثرة اللوم والتقريع
وتقول الآية المباركة: "رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ"(المؤمنون:107)، فيقال لهم من قبل اللّه تعالى: "قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ"(المؤمنون:108).
وقـد صـرح أصحاب اللغة والمفسِّرون بأنَّ كلمة (إخسأ) تعبير يستخدم لطرد الكلب، وأنَّ استخدامه هنا فيه دلالة على احتقار هؤلاء الظلمة والمستكبرين.
3- الحسرة
قال تعالى "وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"(سبأ:33).
وقال عزَّ من قائل "وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا"(الفرقان:27-29).
عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
قلت له: يا ابن رسول الله خوّفني فإنَّ قلبي قد قسا
فقال: يا أبا محمّد استعدَّ للحياة الطويلة، فإنَّ جبرائيل عليه السلام جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو قاطب، وقد كان قبل ذلك يجيء وهو مبتسم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا جبرائيل جئتني اليوم قاطباً؟
فقال: يا محمّد قد وُضعت منافخ النَّار.
فقال: وما منافخ النَّار يا جبرائيل؟
فقال: يا محمّد إنَّ الله عزَّ وجلّ أمر بالنَّار فنفخ عليها ألف عام حتّى اسودت فهي سوداء مظلمة.
لو أنَّ قطرةً من الضريع قَطَرت في شراب أهل الدنيا لمات أهلها من نتنها، ولو أنَّ حلقةً واحدة ًمن السلسلة التي طولها سبعون ذراعاً وضعت على الدنيا لذابت الدنيا من حرّها،
ولو أنَّ سربالاًَ من سرابيل أهل النَّار علّق بين السماء والأرض لمات أهل الدنيا من ريحه.
قال: فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبكى جبرائيل عليه السلام، فبعث الله إليهما ملكاً، فقال لهما: إنَّ ربَّكما يقرؤكما السلام ويقول: قد أمنتكما أن تذنبا ذنباً أعذبكما عليه.
فقال أبو عبد الله عليه السلام: فما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جبرائيل عليه السلام مبتسماً بعد ذلك ثمَّ قال: إنَّ أهل النار يعظمون النار وإنَّ أهل الجنَّة يعظمون الجنَّة والنعيم، وإنَّ جهنَّم إذا دخلوها هووا فيها مسيرة سبعين عاماً، فإذا بلغوا أعلاها قمعوا بمقامع الحديد، وأعيدوا في دركها، فهذا حالهم، وهو قول الله عزّ وجلّ: "كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غمّ أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق"(الحجّ:22)
ثمَّ تبدَّل جلودهم غير الجلود التي كانت عليهم.
قال: أبو عبد الله عليه السلام حسبك؟
قلت: حسبي، حسبي1.
--------------------------------------------------------------------------------
الهوامش:
1- تفسير علي بن إبراهيم القمّي ج 2 ص81.