شاعر بغداد المتشائم
ابن الرومي
أبو الحسن على بن العباس بن جريج الرومى، وقد ولد فى بغداد سنة221 من الهجرة والموافق 835 وعاش بها طوال حياته، وهو شاعر مطبوع ينتمى الى الروم
من ناحية أبيه، فى حين أنه ينتمى الى الفرس من ناحية أمه ، وكانت ثقافته عربية اسلامية ، وقد اضاف اليها كثيرا من الثقافات الأجنبية التى تركت أثرها فى أدبه
،وقد اشتهر بالتشاؤم والقلق النفسى ، والشك فى الناس ، وكان اذا جاءه زائر سأله عن اسمه قبل أن يفتح له الباب ، فان كان اسمه يوحى بالشر لم يفتح له ، وان
كان اسم الزائر يوحى بالخير استقبله وفرح به ، وأحيانا كان يجد فى الاسم الجميل مثل (حسن ) ما يجعله ينفر ويتشاءم ، فان تغيير الحروف فى الكلمة السابقة
يجعلها ( نحس) وهكذا أرهق نفسه وأعصابه بهذه الخرافة ، وعرف الناس منه هذا الاتجاه ؛ فكانوا يغيظونه ، ويعكّرون صفو حياته ، اذ يسلّطون عليه كل حين من
يثير فيه روح التشاؤم فضاق بالناس ، وأكثر من هجائه لهم ، وبرع فى تصوير معايبهم كقوله يصف أحدب راّه فتشاءم منه قائلا :-
قصرت أخادعه وطال قذاله....فكأنه متوقع أن يصفعا
وكأنما صفعت قفاه مرة......وأحسّ ثانية لها فتجمّعا
وان شعر ابن الرومى مطبوع فى ديوان يحمل اسمه ، ولقد الّف عنه الأديب المصرى الراحل (عباس محمود العقاد) كتابا ضخما ....ولقد توفى ابن الرومى سنة
284 من الهجرة ، والموافق 987 ميلادية ، متأثرا بالسم الذى دسّه (القاسم بن عبد الله )وزير الخليفة (المعتز)وذلك عندما خاف أن يهجوه ، ويعدّ ابن الرومى من
أعظم شعراء العصر العباسىّ ، ويمتاز شعره بالسهولة والوضوح ، وروعة التصوير ، ودقة الوصف ، وعمق المعنى والميل الى وصف الحياة الاجتماعية
والشعبية ....ومثال ذلك وصفه للخباز فى قوله :-
ان أنس لا أنسى خبازا مررت به
يدحو الرقاقة مثل اللمح بالبصر
ومن أهم القصائد التى كتبها ابن الرومى هى قصيدته فى رثاء ابنه الأوسط محمد والتى منها قوله :-
توخّى حمام الموت أوسط صبيتى
فلله كيف اختار واسطة العقد؟!
طواه الردى عنى فأصبح مزاره
بعيدا على قرب قريبا على بعد
ألام لما أبدى عليك من الأسى
وانى لأخفى منك أضعاف ما أبدى
محمد ما شئ توهم سلوة
لقلبى الا زاد قلبى من الوجد
وأنت وان أفردت فى دار وحشة
فانى بدار الأنس فى وحشة الفرد
وله
يا حبّذا النرجسُ ريحانة ً
لأنفِ مغبوقٍ ومصبوحِ
كأنه مِنْ طِيبِ أرْوَاحِهِ
رُكّب من رَوْحٍ ومن روح
يا حسنهُ العين يا حسنه!
من لامحٍ للشَّرْب ملموح
كأنَّمَا الطَّلُّ عَلى نَوْرِهِ
ماءُ عُيُونٍ غيْرُ مَطْرُوحِ
واخيرا....فسيبقى شعر ابن الرومى الجميل المفعم بالسخرية تارة ، والشجن الجميل شاهدا على عبقرية هذا الشاعر