ومَضتْ سريعاتِ الخُطى
كالعــاديــاتِ
تلكَ الثلاثونَ التي
مَرّتْ عجافاً يابساتِ
وأنا الذي يا سادتي يا سيداتي
لم ألقَ فيها قَطُّ أبقاري السمانَ
ولا اخضرارَ السنبلاتِ
لم ألق يعقوبَ البصيرَ
ولا القميصَ ولا البشيرَ
ولم أرَ الذئبَ البريئ
ولا أخا السجنِ الطليقَ
ولم أجد عاماً يغاثُ الناسُ فيهِ
ولم أجد ريحاً ليوسفَ أو أخيهِ
ولم أرَ امرأةَ العزيزِ ولا العزيزَ
ولا سمُوَّ السيداتِ
لم ألقَ غيرَ الطيرِ صفاً
فوقَ رأسي
باسطاتٍ قابضاتٍ
حائماتٍ جائعاتِ
تقتاتني خُبزاً
وتسرقُ من فمي
قُوتي وقاتي !!
لم ألقَ إلا إخوتي
الــ قتلوا أبي
وتوضؤوا بدمائهِ جهراً
وقاموا للصلاةِ !!
يا أيها الأمواتُ قوموا
واسمعوا لي ما تيسَّرَ
من نحيبيَ واعلموا
أن الكلامَ محرمٌ
حالَ المماتِ
فأنا الذي مازلتُ مذ
أسريتُ بي منِّي إليَّ
وطيَّ أعماقي رُفاتي
عبثاً افتشُ ِفيّ
عن نفسي وذاتي
وأعودُ ليسَ معي سوى
جمعٍ غفيرٍ من شتاتي
يا قومِ إني
منذُ يومِ ولادتي
حتى وفاتي..
وأنا أعيشُ العمرَ
موتاً في حياتي
متناثراً كخريطةٍ
فيها الجهاتُ بلا جهاتِ
في موطنٍ ....
فيهِ التعايشُ والحياةُ
من الكبائرِ ،
والجنائزُ والمقابرُ
من أهمِّ المنجزاتِ..!!
في موطنٍ ...
من لم يَمُتْ
بالقصفِ
أو بالجوعِ
أو بالظلمِ فيه
فتلكَ إحدى المعجزاتِ !!
في موطنٍ ....
أمطارُهُ من أدمعي
ورُعودُهُ من حشرجاتِي !
ورياحُـهُ من زَفرتي
ونسيمُهُ من ذكرياتي !
يا أيها الأمواتُ
لا تتعجبوا .....
إنْ قلتُ إنَّ العُربَ
أسخفُ كَذبةٍ نَطَقتْ
بها كتبُ اللغاتِ
فسماؤنا حُبلى
بآلافِ النجومِ المومساتِ
وحياتُنا ولَّادَةٌ للنائباتِ
ودروبُنا مفروشةٌ بالجمجماتِ
وخيامُنا مكتظةٌ
بالنازحينَ الجائعينَ
وباليتامى القاصرينَ
وبالأراملِ والثكالى النازحاتِ
ودموعُنا مُمْتدةٌ
من سدِّ مأربَ
باتجاهِ النيلِ والزرقاءِ
واليرموكِ والعاصيِ
إلى عفرينَ حتى
نهرِ دجلةَ والفراتِ
والحاكمونَ العُربَ إما
تحتَ أقدامِ العِدا
أو بين أقدام اللواتي
ياااااا أيها الأمواتُ
قوموا - واقرءُوا - ياسينَ
إنّا أُمَّـةٌ مَـوتَـى
ولكنَّا على قيدِ الحياةِ !!!
عيسى_العزب