أصبحت تلك الرسومات البسيطة الملونة التي تعرف بـ “الإيموجي Emoji ” من أبرز وسائل التواصل حول العالم، بل أنّها أصبحت لغة تواصل قائمة بذاتها، ويستخدمها الملايين حول العالم، ومنهم أنت وأنا في تطبيقات الدردشة والتواصل والمراسلات المتنوعة، فلا يخلو تطبيق أو لوحة مفاتيح لا تدعم هذه التقنية، وأصبحت من الوسائل الرئيسية في التواصل بين مستخدمي هذه التطبيقات.
فيكفي أن ترسل رمز أو مجموعة رموز ضمن سياق الرسالة ليفهم الطرف المستقبل مضمون الرسالة بشكل تام، وتشمل هذه الرموز أشكال مختلفة من الرموز الحزينة والمعبرة إلى الابتسامات والمشاعر والوجوه الضاحكة.
ولكن من أين أتت هذه الرموز ومن ساهم في انتشارها ليتم استخدامها بمثل هذه الكثافة في حياتنا اليومية؟، والأهم هل ستؤثر في تواصلنا مع بعضنا البعض؟!
الظهور الأول للإيموجي… من اليابان
الإيموجي
بالإنجليزية “Emoji” مصطلح ياباني الأصل مكون من مقطعين هما
كلمتي e والتي تعني صورة، و moji التي تعني حرف أو رمز، تم دمجهما لتصبح معاً كلمة واحدة هي Emoji بالإنجليزية، وتعني الصورة الرمزية، ونظراً للإقبال على استخدامها في كتابة الرسائل الإلكترونية اليابانية وصفحات الويب، ونسبة لاستخدامها الكثيف والتأثير على الثقافة الشعبية العامة، فقد تم تسجيلها في قاموس أوكسفورد الإنكليزي عام 2013.
إذاً كيف نشأت؟ ومن هو رائد الإيموجي؟!
مع بدايات العام 1995 كانت أجهزة النداء الآلي “pagers” خاصة تلك التي تحتوي على خاصية إرسال الرسائل النصية القصيرة تشق طريقها نحو أيدي المراهقين في اليابان، ووجدت ازدهاراً منقطع النظير وسط هذه الفئة من المستخدمين، وقررت شركة “NTT DoCoMo” المصنعة لهذه الأجهزة تحديث أجهزتها لمستوى آخر بإضافة مجموعة من الرموز التي يمكن إرسالها لتعني شيء معيناً لدي المستقبل، ومن أهم هذه الرموز رمز القلب الذي يعني “أحبك”، وجد هذا التحديث رواجاً كبيراً وسط المراهقين، جعلت شركة “NTT DoCoMo” تسيطر على 40% من سوق الهواتف المحمولة في ذلك الزمن.
وكان الياباني Shigetaka Kurita موظفاً في شركة “NTT DoCoMo” وضمن فريق يعمل على مشروع اسمه “i-mode”، والذي يهدف لتقديم خدمة الإنترنت على الهواتف المحمولة في اليابان، وقد وجد “KURITA” التفاعل الشديد من قِبل المستخدمين لاستخدام الرموز التي تم إطلاقها في أجهزة النداء الآلي.
وكان الاتجاه السائد في الخطابات اليابانية يميل كثيراً إلى استخدام عبارات اصطلاحية لجمل التحية والتهنئة بالفصول المختلفة وغيرها، والتي كانت طويلة جداً، ومن هنا أتت فكرة “KURITA” في عمل رموز الايموجي لتكون أيقونات تعبّر بطريقة مباشرة عن هذه الجُمل ببساطة، وتظهر المشاعر وتظهر المشاعر الكامنة خلفها.
وكان أول نموذج صنعه “KURITA” لصور الرموز التعبيرية ”إيموجي“ الحالية عبارة عن مجموعة تتكون من 180 صورة بأبعاد ١٢x١٢ بكسل خاصة لاستخدامات الهاتف المحمول والإنترنت.
الخروج من اليابان والانتشار في العالم
وقد تقدمت “DoCoMo” حينها لتسجيل الإيموجي من أجل الحصول على حقوق الطبع والنشر، ولكن لم تحصل عليها حيث قيل إنها إذا كانت مجرد صور لا تتعدى أبعادها ١٢x١٢ بكسل فيمكن لأي شخص عمل مثل تلك التعبيرات.
وكان الحدث الأبرز في تعريف العالم برموز الإيموجي عند إطلاق نظام تشغيل أبل iOS 2.2 في اليابان، عندما قام رئيس شركة “SoftBank” اليابانية للهواتف والإنترنت “سون ماسايوشي” عام 2008 بالتفاوض مباشرة مع “ستيف جوبز” من أجل إمكانية استخدام الإيموجي في أجهزة الآيفون.
ونتيجة لهذا الاتفاق تم إدراج الإيموجي في نظام تشغيل آبل المشغلة لهواتف الآيفون، مما كان له صدى واسع في جميع أنحاء العالم، واليابان بشكل أكثر خصوصية، وقد أصبحت صور التعبيرات الرمزية التي كانت في بداية الأمر خدمة مقدمة فقط لليابان لغةً عالميةً يستخدمها الملايين من جميع أنحاء العالم، وعلى مختلف المنصات.
ونسبة للانتشار الكثيف للإيموجي في العالم وبفضل تحركات من شركات مثل “Apple” و “Google” فقد تم إدراجها في العام 2010 في نظم الحروف الدولية الموحدة يونِكود (Unicode 6.0) وأصبحت تستخدم اليوم في الهواتف الذكية، وخدمات البريد الإلكتروني، والشبكات الاجتماعية مثل “Facebook” و “Twitter” و “Tumblr”وغيرها.
وفي العام 2013 استخدمت المغنية الأمريكية كاتي بيري “Katy Perry” في الفيديو الغنائي لأغنيتها ”Roar“ رموز الإيموجي للتعبير على كلمات الأغنية ليجذب إليها الكثير من الأنظار، والإشادات خاصة وسط المراهقين مما ساعد على انتشارها بشكل أكثر كثافة.
2015 عام الرموز التعبيرية
نتيجة للاستخدام المكثف والانتشار الواسع للرموز التعبيرية عند المستخدمين بجميع أعمارهم، فقد كان عام 2015 بلا شك عام الرموز التعبيرية بلا منازع، ففيها حدثت الكثير من الأحداث فيما يخص الرموز التعبيرية ومن أهمها:
-
أول فيلم رموز تعبيرية Emoji the movie
نعم العنوان صحيح 100%، قطاع الرسوم المتحركة في شركة سوني فاز بأول مزايدة على إنتاج فلم سينمائي بالرموز التعبيرية، وحتى الآن لم يتضح الأمر بشكل كامل، ولكن من المتوقع أن يصدر الفيلم في وقت قريب خاصة وأن شركة سوني تريد أن تسبق الجميع في هذا الأمر.
-
أمريكا تريد رموزها التعبيرية الخاصة
نسبة لطغيان وتأثير اللون الياباني على الرموز التعبيرية، نُشر مقالة في جريدة “NYT” الأمريكية بعنوان ”America Needs Its Own Emojis“ لإظهار نوع من الاستياء والرجاء بطريقة طريفة عن أنه بالرغم من وجود صور رمزية خاصة باليابان مثل: صورة رمز الأونيغيري، وشكل شخص يرتدي قناع، إلاّ أنّه لا توجد صور رمزية خاصة بثقافة الأمريكيين كالديك الرومي، أو الفراخ المحمرة، أو حتى البوريتو.
-
رموز تعبيرية في جميع المجالات
وظهرت هذه الرموز التعبيرية أيضاً في مجال المكياج والتجميل، من خلال إطلاق طابعة ثلاثية الأبعاد تستطيع طباعة الرمز التعبيري الذي تختاره على الأظافر خلال 30 ثانية فقط.
كما أدخل فندق Aloft في مدينة مانهاتن الأمريكية خدمة الطلب بالرموز التعبيرية، من خلال إرسال رسالة نصية متضمنة عدد من الرموز التعبيرية المتفق عليها مسبقاً.
وشركة Uber أيضاً دخلت على الخط بإطلاق خدمة التقييم بالرموز التعبيرية بدلاً عن النجوم المتعارف عليه.
- منصة الفيسبوك تقود المسيرة بكل قوة
بالرغم من أنّ هذه الرموز منتشرة بصورة أكبر في يومنا هذا، إلاّ أنّ النقلة الكبرى لها كان في العام 2015 من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، وأقواها بالطبع منصة الفيسبوك التي أطلقت ستة 6 رموز تعبيرية تفاعلية بصورة أكثر حيوية تظهر أسفل خانة التعليق مباشرة.
أكبر الانتصارات … الإيموجي كلمة العام 2015 في Oxford
كان العام 2015 من أكثر الأعوام نشاطاً و استخداماً للرموز التعبيرية خاصة في أمريكا وبريطانيا، ونسبة لهذا الانتشار الكبير للأيقونات والتعابير المختلفة فقد أُختير مصطلح ”Face with Tears of Joy’ emoji“ أي ”الوجه الضاحك حتى البكاء“ ليكون كلمة العام لقاموس أكسفورد الإنكليزي 2015.
خطورة فهم الرموز التعبيرية
نجد أنّ فهم الرموز التعبيرية محل جدال بين الكثيرين من المستخدمين، و قراءة وفهم الرموز التعبيرية يختلف اختلافاً جذرياً بين الكثير من الثقافات المتنوعة، فالكثير من الرموز عند استخدامها في ثقافتنا العربية نجدها تختلف كلياً عن استخدامها في ثقافة أخرى.
في الثقافة الغربية تدل حركة اليدين المتطابقتين “Folded Hands “ إلى الصلاة لكن معظم الناس يستخدمون هذا الرمز عندما يتوسلون لشخص ما، أو عندما يعبرون عن رغبتهم في شيء معين.
رمز الفتاة أو الاستعلامات ”Information Desk“معظم الناس يسمون هذا الرمز ب “hair flip” من طريقة وضع الفتاة ليدها حيث يستخدمونه للتعبير عن الوقاحة أو الصفاقة.
ولكن هذا الرمز في الحقيقة يستخدم للمودة كما لو أن هذه الفتاة تقول “كيف لي أن أساعدك”، حيث أنّ هذا الرمز يوحي للشخص بالتوجه إلى مكتب المعلومات أو الاستعلامات لتلقي المساعدة.
والكثير من الرموز الأخرى التي تختلف في معناها من ثقافة لأخرى، لذلك يجب علينا أخذ الحيطة والحذر عن استخدامنا لهذه الرموز التعبيرية مع الآخرين، فاستخدام اليد وإبراز الإبهام في كثير من الثقافات تعني “Ok”، في الوقت الذي تُعد الحركة ذاتها في البرازيل إهانة.
هل تدمر الرموز التعبيرية طريقتنا في التواصل؟!
حسناً إجابة هذا السؤال ربما لن تكون قاطعة، فمع المدافعين بشدة عن طريقة التواصل بالرموز التعبيرية خاصة المراهقين والشباب، نجد أن هنالك فئة خاصة علماء اللغة يحذرون بشدة من أن الإدمان على التواصل عن طريق الرموز التعبيرية ربما يؤدى في المستقبل إلى قصور بالغ في التواصل مع بعضنا البعض بشكل طبيعي.
فهنالك من يستخدمها كي يهرب من الاستمرار بالحديث، وآخر يحاول إخفاء ضعفه أمام الشخص الذي يتحدّث معه، ويحذر علماء النفس من خطورة الإفراط في استخدام هذه الرموز أو إدمانها، لما لها من تأثيرات سلبية في التواصل الاجتماعي إذ تفتقر إلى المواجهة المباشرة، والتحدّث بشكل صريح، كما أنّها تدفع بالأشخاص إلى الإنطواء وتقلل من فعاليتهم في التواصل وتجاذب الكلمات مع الآخرين.
ختاماً نجد أنّ استخدام الرموز التعبيرية هو تطور طبيعي للتواصل بين البشر منذ القِدم، ويعتبر نوع من أنواع الفنون الثورية مثلها مثل:
الرسم على جدران الكهوف والتواصل بالدخان، وغيرها من أشكال التواصل التي اندثرت، وأخرى التي تطورت حتى وصلنا لما نحن فيه الآن.
منقول