طريق الحرير
طريق الحرير (بالصينية التقليدية: 絲綢之路، بالصينية المبسطة: 丝绸之路) هي مجموعة من الطرق المترابطة كانت تسلكها القوافل والسفن وتمرّ عبر جنوب آسيا رابطةً تشآن (والتي كانت تعرف بتشانغ آن) في الصين مع أنطاكية في تركيا بالإضافة إلى مواقع أخرى. كان تأثيرها يمتد حتى كوريا واليابان. أخذ مصطلح طريق الحرير من الألمانية (زايدنشتراسه Seidenstraße)، حيث أطلقه عليه الجغرافي الألماني فريديناند فون ريتشتهوفن في القرن التاسع عشر.
كان لطريق الحرير تأثير كبير على ازدهار كثير من الحضارات القديمة مثل الصينية والحضارة المصرية والهندية والرومانية حتى أنها أرست القواعد للعصر الحديث. يمتد طريق الحرير من المراكز التجارية في شمال الصين حيث ينقسم إلى فرعين شمالي وجنوبي. يمرّ الفرع الشمالي من منطقة بلغار-كيبتشاك وعبر شرق أوروبا وشبه جزيرة القرم وحتى البحر الأسود وبحر مرمرة والبلقان ووصولاً بالبندقية. أمّا الفرع الجنوبي فيمرّ من تركستان وخراسان وعبر بلاد ما بين النهرين وكردستان والأناضول وسوريا عبر تدمروأنطاكية إلى البحر الأبيض المتوسط أو عبر دمشق وبلاد الشام إلى مصر وشمال أفريقيا.
الاكتشاف
اكتشف الصينيون صناعة الحرير حوالي سنة 3000 قبل الميلاد، وعرفوا في هذا الوقت المبكر فنوناً مبهرة لإتقان صنعته وتطريزه. وقد أذهلت هذه الصناعة الناس قديماً، فسعوا لاقتناء الحرير بشتى السبل، حتى أنهم كانوا يحصلون عليه مقابل وزنه بالأحجار الكريمة. وقبل خمسة آلاف سنة، بدأ الحرير يأخذ طريقه من الصين إلى أرجاء العالم. ليس الحرير وحده بالطبع، وإنما انسربت معه بضائع كثيرة، مالبث انتقالها من الصين وأقاصي آسيا، إلى أواسط آسيا وشمال أفريقيا ووسط أوروبا؛ أن اتخذ مسارات محددة، عرفت منذ الزمن القديم باسم طريق الحرير في واقع الأمر، فإن طريق الحرير لم يكن طريقاً واحداً، وإنما شبكة من الطرق الفرعية التي تصب في طرق أكبر أو بالأحرى في طريقين كبيرين، أحدهما شمالي (صيفي) والآخر شتوي كانوا يسلكونه في زمن الشتاء. والذي يجمع بين هذه السبل والمسارات جميعاً، هو أنها مسالك للقوافل المتجهة من الشرق إلى جهة الغرب، لتمر في طريقها ببلدان ما لبثت أن ازدهرت مع ازدهار هذا الطريق التجاري الأكثر شهرة في العالم القديم. وقد انتظمت مسارات طريق الحرير منذ القرن الخامس قبل الميلاد، وظلت منتظمةً لألف وخمسمائة سنة تالية، كان طريق الحرير خلالها معبراً ثقافياً واجتماعياً ذا أثر عميق في المناطق التي يمر بها. لم يتوقف شأن طريق الحرير على كونه سبيل تجارة بين الأمم والشعوب القديمة، وإنما تجاوز (الاقتصاد العالمي) إلى آفاق إنسانية أخرى، فانتقلت عبره (الديانات) فعرف العالم البوذية وعرفت آسيا الإسلام وانتقل عبره (البارود) فعرفت الأمم الحروب المحتدمة المدمرة، وانتقل عبره (الورق) فحدثت طفرة كبرى في تراث الإنسانية مع النشاط التدويني الواسع الذي سَهَّل الورقُ أمره، وانتقلت عبره أنماط من (النظم الاجتماعية) التي كانت ستظل، لولاه، مدفونة في حواضر وسط آسيا.. غير أن النشاط الاقتصادي، ظل دوماً هو العاملُ الأهم، الأظهر أثراً. ويكفى لبيان أثره وأهميته، أن طريق الحرير أدَّى إلى تراكم المخزون العالمي للذهب، في الصين، حتى أنه بحلول القرن العاشر الميلادي، صارت الصين وحدها، تمتلك من مخزون الذهب قدراً أكبر مما تمتلكه الدول الأوروبية مجتمعة. ومن اليابسة إلى البحر، انتقل الاقتصاد العالمي نقلةً كبيرة مع اكتشاف التجار أن المسارات البحرية أكثر أمناً من الطرق البرية. وقد تزامن ذلك مع اشتعال الحروب المغولية/ الإسلامية بقلب آسيا، وشيئاً فشيئاً، اندثرت معالم طريق الحرير وصارت البضائع، والثقافات الإنسانية، تنتقل في مسارات بحرية منتظمة، تتجه عبر المحيط الهندي من حران آسيا الجنوبية، إلى شمال أفريقيا مروراً من البحر الأحمر، لتستلم القوافلُ البرية البضائع من آخر نقطة في خليج السويس، لتنقلها إلى المراكب الراسية في ثغر دمياط وما حوله من موانئ وفى هذا الزمان، كان مماليك مصر يتقاضون رسوماً عالية مقابل هذه (الوصلة) حتى أنهم كانوا، مثلاً يحصِّلون على الفلفل الأسود وزنه ذهباً. وازدهرت مصر المملوكية حيناً من الدهر، حتى اكتشف طريق رأس الرجاء الصالح، فصارت السفن تحفُّ جنوب أسيا، لتمر بحواف أفريقيا، فترسو على موانئ شبه جزيرة أيبيريا.. فازدهرت البرتغال وإسبانيا، وانطفأت مصر أواخر عصرها المملوكي وخلال عصرها العثماني. ولما افتتحت قناة السويس، واتصل المسارُ البحري الآتي من آسيا إلى أوروبا، تغيَّر الحال.. وانتظمت التجارة واستولدت قناةُ السويس مدناً مصرية من الصحراء فكانت السويس وكثيراً من نقاط أخرى موزعة على الحافة الغربية لمجرى القناة.
نشأة طريق الحرير
في عام 1877، أطلق العالم الجغرافي الألماني F.Von Richthofen على طريق المواصلات لتجارة الحرير بشكل رئيسي فيما بين الصين في أسرة هان وبين الجزء الجنوبي والغربي لآسيا الوسطى والهند اسم "طريق الحرير". ويقصد بـ" طريق الحرير" هو خط المواصلات البرية القديمة الممتد من الصين وعبر مناطق غرب وشمال الصين وآسيا كلها إلى المناطق القريبة من إفريقيا وأوروبا، وبواسطة هذا الطريق، كانت تجري التبادلات الواسعة النطاق من حيث السياسة والاقتصاد والثقافة بين مختلف المناطق والقوميات. انتقال الحضارة المادية عبر طريق الحرير إلى الخارج: بدأ الغرب يعرف الصين من انتقال الحرير الصيني عبر "طريق الحرير" إلى الخارج. في عهد أسرة تانغ، بلغت صناعة الحرير الصينية الذروة، وازدادت أساليب نسجه وزخرفته. وقد ورثت المنسوجات الحريرية في عهد أسرة مينغ تقاليد كثرة أنواعها وجمالها الزاهي منذ عهد أسرة تانغ، فاجتذبت تجار مختلف بلدان العالم بنوعيتها الممتازة. وعندما وصل الحرير الممتاز النوعية والزاهي الألوان إلى الغرب أعجب به الغربيون شديد الإعجاب، فقد مدح الشاعر الروماني ويجير الحرير الصيني بأنه أجمل من الزهور وأدق من نسج العنكبوت. ومع انتقال الحرير الصيني إلى الخارج، عرف الغربيون الحرير كما عرف الصين. وفي العصور القديمة أصبح الحرير الصيني بضاعة انتقلت وبيعت إلى مكان أبعد ووصل حجمها التجاري إلى الأعلى وبلغ سعرها الأغلى وربحها الأكثر تدريجيا في التجارة العالمية. وإلى جانب الحرير، أعجبت بلدان الغرب بخزفيات الصين ومنتجاتها اللكية ذات الجاذبية الشرقية. وفي "طريق الحرير"، كانت الثقافة المادية متبادلة، فقد حمل شعوب مختلف بلدان أوروبا وآسيا منتجاتهم المتنوعة إلى الصين أيضا. ان طريق الحرير ممر كانت الصين تمر به في تبادلها التجارى البرى مع جنوب آسيا وغرب آسيا واوربا وشمال أفريقيا ويسمى بطريق الحرير بسبب نقل حجم كبير من الحرير والمنسوجات الحريرية الصينية إلى الغرب عبر هذا الطريق. واكتشف علماء الاثار ان طريق الحرير تشكل اساسا في اسرة هان الصينية في القرن الأول قبل الميلاد وحينئذ اتجه طريق الحرير الجنوبى إلى أفغانستان واوزبكستان وايران غربا والطريق الاخر مر بباكستان وكابول الأفغانية حتى رأس الخليج ويمكن الوصول منه إلى إيران وروما عن وفى الفترة ما بين القرن الثاني قبل الميلاد والقرن الثاني الميلادى كان على طول طريق الحرير اربع دول امبراطورية كبرى وهى روما في أوروبا وبارثيا في غرب آسيا (إيران القديمة ذات النظام العبودى) وكوشان في آسيا الوسطى (الدولة تسيطر على آسيا الوسطى وشمال الهند) واسرة هان الصينية في شرق آسيا. وان تشكيل طريق الحرير جعل هذه الحضارات العريقة تتبادل وتتاثر بعضها بالبعض وبعد ذلك تتطور اية حضارة بصورة منعزلة. تكثفت الاتصالات بين الشرق والغرب عبر طريق الحرير المكون من شبكة طرق معقدة. وتقول سجلات تاريخية صينية ان الجوز والخيار والفلفل الاسود جلبت من الغرب. وفى فترة اسرة تانغ ما بين القرن السابع والقرن التاسع الميلادى ازدهر طريق الحرير أكثر حيث جلبت إلى الصين الطيور والحيوانات النادرة والمجوهرات والتوابل والاوانى الزجاجية والعملات الذهبية والفضية من الغرب والموسيقى والرقص والاطعمة والازياء وزخارفها من غرب آسيا وآسيا الوسطى وفى نفس الوقت صدرت المحصولات والمنتجات والتكنولوجيا الصينية مثل الحرير وصناعة الورق وفن الطباعة والاوانى المطلية باللك والاوانى الخزفية والديناميت والبوصلة إلى الخارج عبر طريق الحرير مما قدم مساهمة هامة للحضارة العالمية. بينما تطورت التجارة الصينية نشط التبادل الثقافى عبر طريق الحرير ودخلت البوذية كاحدى الأديان الثلاثة الكبرى في العالم إلى الصين في اواخر اسرة هان الغربية (عام 206 –عام 220 ق م) وان مسار دخول البوذية من الهند إلى الصين سجل في رسوم حائطية تبلغ مساحتها حوالى عشرة آلاف متر مربع وما زالت موجودة في معبد الكهف الحجرى الذي بنى في القرن الثالث الميلادى بقيزر في شينجيانغ.وعبر طريق الحرير دخلت البوذية من الهند إلى قيزر بشينجيانغ ودون هوانغ بقانسو ثم إلى المناطق الداخلية بالصين وان الكهوف الحجرية البوذية المتبقية عبر طريق الحرير مثل كهوف موقاو بدون هوانغ وكهوف لونغ مين الحجرية بلويانغ تتميز باساليب الفنون الشرقية والغربية دلالة على التبادل الثقافى بين الصين والغرب عبر طريق الحرير وتعتبر كلها من التراث الثقافى العالمى. ومع تغير الخارطة السياسية والاقتصادية في أوروبا وآسيا بعد القرن التاسع الميلادى وخاصة تقدم تكنولوجيا الملاحة برز دور النقل البحرى في التبادل التجارى اضمحل دور طريق الحرير البرى التقليدى هذا وفي القرن العاشر قلما اعتبر طريق الحرير هذا طريقا تجاريا. وخلال السنوات الأخيرة بدأت منظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة للامم المتحدة اليونيسكو تنفذ برنامج بحوث جديدة لطريق الحرير وتسمى طريق الحرير طريق الحوار لدفع الحوار والتبادل بين الشرق والغرب.
طريق الحرير و شبة الجزيرة العربية
كان الصينيون يجوبون مياه المحيط الهندي منذ العصور القديمة السابقة للميلاد، وكانت سفنهم تقوم برحلات طويلة فيما بين الموانئ الصينية وموانئ الهند الغربية، ومثل ذلك كان يفعل العرب فقد كانت سفنهم تبحر من موانئ الخليج العربي وساحل اليمن إلى موانئ الهند الغربية وإلى ساحل جنوب الهند حيث يلتقون هناك بالتجار الصينيين ويحصلون منهم ومن التجار الهنود على بضائع الصين والهند ويبيعونهم بضائع الجزيرة العربية الثمينة التي كان من أهمها البخور والعطور والنحاس واللبان والؤلؤ، وبوصول البضائع الصينية والهندية إلى موانئ الجزيرة العربية كان التجار العرب ينقلونها على متن سفنهم وعلى ظهور قوافلهم عبر شبكة من الطرق البرية والبحرية إلى بلاد فارس وبلاد ما بين النهرين والشام ومصر وساحل الحبشة وكثر ثراء العرب من التجارة بالمواد الناتجة عن جزيرتهم وتلك المستوردة من الهند والصين، وقد جلب هذا الثراء على العرب نقمة القوى والشعوب المحيطة بجزيرتهم الذين كانوا يتبايعون معهم بتجارة الشرق الأقصى، فمنذ نهايات الألف الثالث قبل الميلاد حاول الاشوريون فرض سيطرتهم على تجارة الشرق التي يقوم العرب فيها بدور الوسطاء فقد عبرت إحدى الوثائق الاكادية القديمة عن نجاح الامبراطور سرجون ملك اكاد (2300ق م) في جلب مراكب مجان ودلمون وملوخه إلى ميناء اكاد والمعروف أن مجان هي عمان ودلمون هي البحرين وملوخه هي بلاد السند، وقد حاول الفرس أيضا منذ عصورهم القديمة مزاحمة العرب على منافع هذه التجارة فقد جهزوا حملة في عهد امبراطورهم دارا الكبير (521-485ق م) نجحت في الدوران حول شبه الجزيرة العربية من الخليج العربي إلى خليج السويس ووصلت مساري طريق الحرير البحري: مسار الخليج العربي ومسار البحر الأحمر والبتالي احتكار تجارة الشرق الأقصى واقصاء عرب الجزيرة العربية عن الميدان ولكن حملة الملك دارا لم يدم نجاحها ولم تتكرر مرة أخرى في التاريخ ولذلك فهي لا تعدوا كونها مغامرة كما حاول اليونانيون أيضا فرض سيطرتهم على الملاحة في البحر الأحمر وفي الخليج العربي وكانت لهم مستوطنة في جزيرة فيلكة الواقعة حاليا بدولة الكويت، كما أن الفرس في العصور التالية استطاعوا فرض سيطرتهم على تجارة الصين والهند المارة بالخليج العربي ولكن سيطرتهم لم تحرم العرب من المشاركة الفاعلة في حركة هذه التجارة نظرا لخبرتهم الطويلة ومعرفتهم الواسعة ببناء السفن والأبحار في مياه المحيط الهندي. ولحاجة الفرس إلى موانئهم التي كانت تمثل نقطة الانطلاقة لمراكب الصين والهند. ويستمر التنافس بين العرب والفرس على تجارة الشرق في مد وجزر في العصور التالية ففي أيام الفرثيين الذين سقطت دولتهم في فارس في أوائل القرن الثالث الميلادي أصيبت تجارة الخليج القادمة من الهند والصين بنوع من النكماش نتيجة تشجيع الفرثيين لنقل تجارة الصين على الطريق البري الذي يمر عبر أراضيهم، ولكن سياسة خلفائهم الساسانيون جاءت معاكسة فعملوا على تشجيع التجارة على طريق الحرير البحري وانتقل الاهتمام إلى موانئ شمال عمان والبحرين وساحل هجر، وقد لعب ميناء أبو لوكس (الابله)"تقع في مدينة البصره" دورا مهما في التجارة مع الصين والهند حيث كان من أهم موانئ أعالي الخليج العربي ومنه كانت تصدر حاصلات الشام وبلاد ما بين النهرين وفارس إلى الهند والصين واليه كانت تصل أخشاب الصندل والابنوس والحرير الصيني وكان به مراكز جمركية تجبي الضرائب لكسرى. ولا نجد فيما أطلعنا عليه من مصادر تاريخية وأدلة أثرية ما يشير إلى وصول سفن العرب إلى سواحل الصين أو وصول سفن الصينيين إلى موانئ الجزيرة العربية في الحقب التاريخية السابقة للميلاد أو في القرون الأولى الميلادية ولكن المصادر تشير إلى أن البضائع الصينية المنقولة على طريق الحرير البحري كانت تصل إلى الهند على السفن الصينية والهندية ثم تجلب إلى موانئ الجزيرة العربية من أسواق الهند وسيلان على سفن عربية وفارسية وهندية، فقد كانت السفن الهندية تبحر في عصور ما قبل الإسلام في المياه العربية وتصل إلى جزيرة سقطري وإلى ساحل عدن وإلى موانئ صحار والبحرين والابله التي كانت بها جاليات من الهند في تلك الفترة، ودامت شهرت السفن الهندية التي تجوب مياه الخليج وبلغت حدا جعلت أحد شعراء العرب قبل الإسلام وهو لبيد بن ربيعه يضرب بها المثل في طولها وعرضها وفي أحكام عملها.
طريق الحرير البحري
الفرع الآخر لطريق الحرير البحري هو الفرع الذي يصعد البحر الأحمر حتى يصل إلى مصر وحوض البحر الأبيض وهنا نجد أيضا أن الممالك العربية التي نشأت في جنوب الجزيرة العربية وفي الشمال على امتداد الطرق البرية المحاذية لسواحل البحر الأحمر فرضت سيطرتها على الملاحة وعلى تجارة الشرق السائرة في البحر الأحمر وساعدهم في ذلك خطورة الملاحة في هذا البحر نتيجة لكثرة الشعاب المرجانية فيه وما يتطلبه من خبرة بالممرات المائية العميقة ومداخل موانيه ومخارجها وهي معلومات حرصوا على بالاحتفاظ بها لأنفسهم. وخلال القرن الأول قبل الميلاد ازدهرت تجارة الشرق المارة عبر الموانئ اليمنية والعمانية، وانشأ أحد ملوك شبوة الذي فرض سيطرته على جنوب عمان ميناء في منطقة ظفار عرف باسم يمهرم سرعان ما أخذت تؤمه السفن المتجهة إلى الشرق. وتصف كتابات الرحالة اليونانيين الذين زاروا المنطقة في تلك الفترة نشاط حركة التجارة في موانئ البحر الأحمر الجنوبية والشمالية، فعن ميناء Muza وهو ميناء المخا يذكر صاحب كتاب الطواف حول البحر الارتيري أنه وجده مزدحما بالمراكب وأصحاب السفن والملاحين العرب والناس فيه في شغل شاغل بأمور التجارة وهي تابعة للملك الحميري كربئيل. وفي شمال البحر الأحمر شاركت ممالك ديدان ولحيان في التجارة البحرية المارة بموانئهم، ويصف سترابون الذي عاش في القرن الأول قبل الميلاد تجارة حلفائهم الأنباط وهم المسيطرون على عدد من موانئ شمال البحر الأحمر مثل لوكي كوفي (ميناء الخريبه الواقع شمال ضباء) واكرا كومي (مرسي كركمه الواقع جنوب الوجه) ويذكر أن سلع التجارة تنقل من لوكي كومي إلى البتراء ومنها إلى فينيقيه ومنها إلى أمم أخرى، ويصف النبطيين بأنهم قوم حرصاء مولعون بجمع الثروة وأن البضائع التي يتاجرون بها بعضها مستجلب استجلابا كليا وبعضها ليس مستجلب كله ويقدم قائمة بالسلع المستجلبة شملت بالإضافة إلى أشياء أخرى الثياب الأرجوانية والاصطرك والزعفران والقرفة والتماثيل والصور والقطع المنحوتة، ويحتمل أن بعض سلع هذه القائمة مستورد من الشرق. على أن السيطرة على تجارة الشرق العابرة للبحر الأحمر لم تكن للعرب على الدوام في القرون السابقة للميلاد فقد جرتهم منافع هذه التجارة وجرت بلادهم إلى حلبة الصراع والتنافس الدولي وادخلتهم في مواجهة مباشرة مع القوى الأوروبية القابعة في حوض البحر الأبيض: اليونان ثم حلفائهم الرومان ثم البيزنطيين فلم يكن الحال في البحر الأحمر بأفضل مما كان عليه في الخليج العربي فما ان سيطر اليونانيون على المناطق المحيطة بالجزيرة العربية الشام والعراق حتى سارعوا إلى فرض سيطرتهم الكاملة على طريق الحرير البحري ولم يكن يضايقهم في ذلك الا التجار والملاحون العرب. وفي عهد خلفاء الاسكندر المقدوني عمل البطالمة على إعادة القناة القديمة التي كانت تربط بين النيل والبحر المتوسط والبحر الأحمر فأمر بطليموس الثاني 185-146 ق م بإعادتها وسير السفن البحرية إلى الهند ولحماية تجارة الشرق المحمولة على سفنهم أسكن البطالمة جاليات يونانية في بعض موانئ البحر الأحمر وأطلقوا أسماء يونانية على مستوطناتهم ومنها ميناء امبلوني الذي كان يعتقد وقوعه في ميناء الوجه بشمال غرب المملكة العربية السعودية، غير أن الأبحاث الأثرية التي أجريتها في سواحل البحر الأحمر أثبتت أن امبلوني تقع في جزيرة فرسان حيث يوجد بالفعل في الجزيرة بقايا مبني يوناني الطراز ونقوش يونانية.
الطريق في العهد الروماني
في العهد الروماني عمل الامبراطور أغسطس (اوكتافيوس) على الاستيلاء على جزيرة العرب وعلى البحار المحيطة بها ولكنه فشل في تحقيق ذلك الحلم، ويذكر المؤرخ اليوناني (سترابو) أن القيصر لعبت في نفسه الشائعات التي تتردد منذ القدم بأن العرب قوم واسعوا الثراء وانهم يستبدلون الفضة والذهب بعطرهم وحجارتهم الكريمة دون أن ينفقوا على الغرباء ما يحصلون عليه، ولذلك جهز القيصر في عام 25-24 ق م حملة بقيادة ايليوس قالوس دخلت الجزيرة العربية من شماليها الغربي وسارت برا حتى سواحل البحر الأحمر الجنوبية وكان نصيبها في نهاية المطاف الفشل، ولكن هذا الفشل دفع القيصر إلى تشجيع الملاحين الرومان على ارتياد البحر العربية والوصول إلى الهند مباشرة واستبعاد الوساطة العربية في تجارة الهند والصين فزاد عدد السفن التي تسافر سنويا إلى الهند في عهده إلى مائة وعشرين سفينة.
الطريق في العهد البيزنطي
في العهد البيزنطي استفادت الموانئ المطلة على الخليج العربي وساحل اليمن من الصراع الاقتصادي بين الساسلنيين والبيزنطيين، حيث عمل الساسلنيون على تقليص تجارة البيزنطيين البحرية المباشرة مع الهند فقلت بذلك سفن البيزنطيين المبحرة في المحيط الهندي والخليج العربي، واكتفت سفنهم بالوصول إلى باب المندب والسواحل الأفريقية للتزند منها بيضائع الشرق ونجح الساسلنيون في نقل تجارة الهند وسيلان والصين البحرية إلى الخليج العربي حيث لا يزاحمهم أحد فكانت بضائع الشرق تمر بموانئ صحار والبحرين حتى تصل إلى الابله بالعراق. ويذكر المسعودي أن سفن الصين والهند كانت ترد إلى ملوك الحيرة الموالين للساسانيين وتدخل في القرات وترسوا في ميناء الابله وكانت بضائع الصين تنقل إلى سوريا حيث تباع على البيزنطيين بالشام وكان أهم مواد تلك التجارة الحرير الصيني الذي اشتد عليه الطلب عند البيزنطيين، ولكن البيزنطيين حاولوا بدورهم ضرب احتكار الساسانيين لتجارة الشرق البحرية وحرمانهم من الأموال التي تعود عليهم من تجارة الحرير الصيني واستعانوان في ذلك بالأحباش ووضعوا لذلك خطة استراتيجية تهدف إلى سيطرة الأحباش على سواحل البحر الأحمر واليمن التي تفصل بين أراضيهم في بلاد الشام وموانئ تجارة الشرق في المحيط الهندي، فساعدوا الأحباش في الاستيلاء على اليمن، حيث ذكر أن السفن التي نقلت جنود الأحباش التي نقلت جنود الأحباش التي استولت على اليمن سنة 525 م كانت سفنا بيزنطية أمر القيصر بإرسالها إلى الحبشة. وفي عام 531 م أرسل الامبراطور جوستنيان وفدا إلى اكسوم ليفاوض الأحباش في شراء الحرير الصيني والبضائع الأخرى من الهند مباشرة وبيعه للبيزنطيين وقد وافق الأحباش على ذلك، ولاكمال الخطة الموضوعة عمل الأحباش بعد أن استقروا في اليمن على مد نفوذهم على الحجاز والسيطرة على سواحل البحر الأحمر العربية والاتصال أرضا بالبيزنطيين في بلاد الشام فجهز ابرهة الحبشي حاكم اليمن حملة سنة 571 م للاستيلاء على مكة وضم الحجاز وضرب نشاط قريش التجاري المتمثل في رحلة الشتاء والصيف حيث كان تجار مكة يتجهون في فصل الشتاء إلى اليمن ويشترون بضائع الشرق القادمة إليها ليبيعونها في فصل الصيف في بلاد الشام. ولكن حملة ابرهة لم تحقق أي نصر ولم تخضع مكة لسلطة الأحباش. ومن جهة أخرى لم ينجح التجار الأحباش في منافسة تجار الخليج من العرب والفرس على تجارة الشرق، فقد كان هؤلاء قد استقروا في سيلان والهند ولعبوا لفترات طويلة دور الوسطاء في هذه التجارة فسقطت بذلك المخططات البيزنطية الحبشية ومما قضى على هذه الأحلام نهائيا تمكن الجيش الساساني الذي وصل إلى اليمن بحرا من طرد الأحباش وبمساعدة اليمنيين الذين كانوا قد اعلنوا ثورة عامة على الأحباش في بلادهم، وهكذا يتضح أن السيطرة على ارباح التجارة الصينية والهندية كانت السبب الرئيس المحرك للأحداث التي شهدتها جزيرة العرب في القرن السادس الهجري. ويرى الدكتور جواد على أن حملة ابرهة على مكة لم تكن غايتها هدم الكعب وحسب وانما لدوافع اقتصادية وسياسية ويبدو أن هدم الكعبة والذي لم يتم كان مجرد تكتيك ورمز للسيطرة على القرشيين والعرب.
منقول