مرحبا
هل من العدالة ان تنتهي حياة الآثمين وفق الرؤية الدينية و الظالمين وفق منظور العدالة الإنساني الى الموت لأسباب طبيعية دون تلقيهم عقابا مناسبا على ما اقترفوه طول حياتهم ؟ هذا هو السؤال الذي كان وراء فكرة ظهور العقاب في المدارس الدينية المختلفة , وهو الذي كان وراء ظهور حتمية جهنم او الجحيم الازلي في تأريخ الانسان ... نحن نتخيل جهنم مظلمة و شديدة الحرارة تغلفها السنة اللهب من جميع جهاتها ... لكن هذه ليست الصورة التي تراها عليها العديد من الأديان القديمة و المعاصرة ... فلم تكن جهنم مرتبطة بالمعاناة و الألم .
تظهر في اقدم المخطوطات ... في اوائل المفاهيم الدينية في التاريخ ... و في كل الحقب التي وجد بها الانسان لدرجة انه من الصعب تحديد نقطة نشوئها ... انها المكان التي لا يرغب احد بدخوله ... لأننا نتخيله كمكان تسوده العتمة و لا يسمع به سوى الصراخ و تأوهات الألآم التي يشعر بها من تمت معاقبته بإدخاله هناك و من يفترض ان يكون ظالما او مجرما في حياتنا هذه .
التصور الإسلامي و المسيحي يتلخص في عالم من النيران و العذاب الأبدي ( مؤقت في بعض الحالات و المذاهب ) ينتظر كل من لم يؤمن بالدين او من خالف تعاليمه و معتقداته ... لكن رواية الجحيم نشأت قبل ظهور الدينين المذكورين اذ وصلتنا معلومات من حضارات من الماضي كان لها تصورها عن المكان المخصص للعذاب .
اصل كلمة جهنم
باللغة العبرية ... الكلمة المذكورة في العهد القديم هي ( جهينوم ) و هي عبارة عن موقع جغرافي محدد يعتقد انه قرب القدس وهو وادي هينوم ... و لا يرتبط الاسم بالمفهوم المعروف و الخاص بموقع العقاب في الحياة الأخرة , بل هو مذكور للمكان الذي قام به المرتدون من الإسرائيليين و اتباع بعل و الآلهة الكنعانية بالتضحية بأطفالهم بحرقهم بالنار .
اما بالنسبة للكلمة الإنكليزية ( هيل Hell ) فمن الممكن ان تكون مقتبسة من اسم اله الشمس الإغريقي هليوس Helios .
جهنم في بعض الحضارات
في اليونان القديمة
وصف الشاعر هسيود جهنم على انها جرة كبيرة او مغارة يفصلها نهر اوشينوس ( المحيط ) بروافده عن عالم الأحياء ... توجد بها رطوبة عالية وتنتشر بها رائحة العفونة ... الجحيم الحقيقي يوجد ضمن ما يسمى بـ ( تارتاروس ) الذي هو عبارة عن قلعة حديدية تحيط بها نهر من النيران اسمه ( فليجيثون ) .
بعض العقوبات هناك ان تكون مثلا قرب طعام تحبه لكن ترغم على اكل طعام مقرف !
يوجد لكل ذنب مدة عقوبة محددة يقضيها الشخص ... لكنهم بالنهاية ينقلون الى مكان افضل .
السنغال
شعب سيرير Serer في السنغال لا يؤمن بمفهومي الجنة و النار كما في الديانات السماوية , اذ ان نوعا ما من الاشخاص او الأرواح المبجلة او المقدسة تشكل الوسيط بين الأحياء و الكينونة الإلهية . فيعد قبول روح المتوفي من قبل اجداده الذين قضوا من قبله شيئا مماثلا للجنة . في حين رفضهم له يؤدي الى هيام روحه الى الأبد في مكان في مركز الأرض .
التبت
لا يوجد مفهوم واضح لجهنم و الجنة لدى بعض شعوب التبت ... اذ انهم يؤمنون ان روح الميت يجب ان تصحب من قبل كاهن في رحلة قد تستمر لمدة ثلاث ايام , تهدف الى تطهير روح الفقيد .
وفق هذه الرؤية .. فأن جهنم ليست مكان عقاب , بل مسيرة اختبار تتخللها عثرات و اختبارات يجب عبورها للوصول الى الشجرة التي تحتوي على دواء الخلود , و هناك كائنات يمكننا وصفها بالعفاريت موجودة لتعذيب كل من لا يمكنه تجاوز تلك العقبات بغض النظر ان كان جيدا او سيئا خلال حياته , فالمهم فقط ان يكون مرشده ( الكاهن ) جيدا ! .
شعب الأزتيك
بالنسبة للأزتيك ... فان الجحيم السفلي المسمى ميكتلان و الذي يحكمه اله الموتى ميكتلانتيكوهتلي Mictlantecuhtli ( في الصورة ) بمشاركة زوجته ميكتيكايسهواتي Mictecacihuati , ميكتلان لم تكم مكان عقاب . الا ان الوصول اليه يتم اثر رحلة طويلة و شاقة .
مصر الفرعونية
من اوائل الحضارات التي اظهرت فكرة العقاب و الحساب ... حيث كانوا يؤمنون بأن الأشرار سيكونون مضغوطين في حيز ضيق جدا و قد يأكلون برازهم و يشربون بولهم او يتم التهامهم من قبل عاميت ( حيوان بجسم اسد و رأس تمساح ظاهر بوسط الصورة مع انوبيس اله الموتى و اوزيرس اله العالم السفلي ) .
العالم البوذي
في بوذية الاراضي المقدسة .. نجد ان هناك عذاب افيتشي Avici ( في الصورة ) الذي يعد من اسوأ انواع الجحيم ويكون مخصصا لمن يرتكب احد الذنوب الخمسة الكبرى كقتل الوالدين او راهبا بوذيا ... العذاب ليس ابديا لكنه يدوم لما قد يصل الى ملايين السنين ( ليس بعيدا جدا عن مفهوم الأزلية :) )
في جزء اخر من العالم البوذي نجد نوعا مختلفا يسمى بجحيم الخط الأسود الذي يكون خاصا بالكذابين و النمامين و المسيئين لوالديهم ... حيث انه يوجد عذاب خاص لكل خطيئة , مثلا ان جحيم الدمار معد لمن يعاملون الحيوانات بقسوة , و جحيم الصراخ معد للسارقين .
اليابان
في ديانة الشنتو ( التي يعني اسمها الطريق الى الاله ) المنتشرة في شمالي اليابان حاليا , الكاهنات الضريرات ايتاكو هن سيدات الواقع المظلم لعالم الموت كما يتخيله المؤمنون , وهن قادرات على ربط الأحياء بعالم من الجحيم لم يحدد ماهيته , حيث انه عالم تحتشد به ارواح من انتهت حياتهم بموت من عمل عنيف او من اطفال لم يولدوا ابدا .
اسكندنافيا
في الحضارة النوردية يمكننا وصف الجحيم بإشارة سالبة لمفهوم جهنم الحالي , حيث انه مع انتهاء مآل الفايكنغ الذين يموتون بصورة بطولية هو البقاء مع اودين كبير الآلهة في ( فالهالا ) .
تنتهي حياة من لم يمت بشكل مشرف بالذهاب الى ( هيلهايم ) وهو جحيم متجمد شديد البرودة يحرسه كلب بأربع عيون يسمى ( غارمير ) , و كذلك يوجد نسر عملاق يسمى ( اكل الجثث ) تسبب رفرفة اجنحته برياح باردة جدا . اما من تنتهي حياته بشكل سيء للغاية ( بطريقة جلبت العار له ) فمصيره بمكان اسفل هيلهايم يسمى ( نيفلهيل ) وهو اشد ظلمة و اكثر برودة .
المصدر
\