العودة إلى النفس !
رحلة الحياة ، يالها من رحلة شقاء ! ولا خلاص من شقائها إلا من يستطيع أن تصفو روحه شيئا فشيئا لتحلق فوق حدود المادة وزهو الحياة وزخرفها ومفاتنها التى لاتعد ولاتحصى ، قد يكون بعضنا في هذه الرحلة أدرك حقيقة الحياة ، لكن الأكثر ضلوا الطريق ، فضاعوا وتاهوا وسط هذا الزخم المتشبع بكل أنواع المادة .
لو أدرك الناس الحقيقة التى تكمن فى نفوسهم بإن كل أنسان يعرف تمام المعرفة مايدور فى أعما
قه وبإنه ليس راض عن نفسه ، سيكتشف أنه على أول الطريق الصحيح لتعديل مساره وسلوكه نحو العودة إلى النفس بفطرتها السليمة التى فطره الله عليها . فأحيانا يدرك الأنسان أخطاءه ويرى قدره بوضح ويحاول أن يتعلم ويلقن نفسه بأن يحسن التصرف ويقوم بالأشياء التى يتوقعها منه الآخرين ليمنحهم السعادة ويلبى توقعاتهم ، لكن شيئاٌ ما يحول دون أن يفعل ذلك ، ليضل الطريق من جديد .
لقد أصبح الهروب بعيدا من مواجهة النفس ، سمة غالبة عند الكثيرين ، فيختبئوا وراء ستار العمل أو قضاء الوقت فى أشياء تافهة ، أو الأهتمام بملابسهم ومظهرهم ، لتبقى نفوسهم فى حالة من الضياع .. إلى أن تأتى لحظة في حياتهم تحمل أزمات فتهتز الأرض تحت أقدامهم ، فما يحملونه بداخلهم من أدوات لاتؤهلهم لتجاوز المحن .. وسيحاولون بشتى الطرق شفاء جروحهم والعودة إلى النفس والإتصال بجوهرهم الذى إنفصلوا عنه بفعل سلوكهم وتوجهاتهم الحياتية التى تتمركز فى مظاهر الحياة بمادياتها الطاغية .
إن رحلة العودة إلى النفس هى رحلة روحانية ، والقفز من الظلام إلى النور وتجاوز كل ماهو مادى وإعادة النظر إلى مشاعرنا والسماح لها بأن تخرج حتى نشفى تماما من داخل أعماقنا . إن البشر جميعاٌ لديهم جوانب مظلمة في حياتهم و جروح تحتاج إلى الشفاء ومهما كان سببها ، فإنه بالأمكان أن تشفى بالنور الساكن فى داخلهم ، لكن يجب أن يلتزموا من خلال إحداث تناغم بين أجسادهم وأروحاهم .. ويجب أن يلتزموا حتى يستطيعوا أن يأصلوا الجانب الروحى الذى يكمن فيه العلاج الحقيقى لكل مايعانون، وينبغى أن يعرفوا ماذا يفعلوا حتى تتسع بصيرتهم ويعرفوا نتائج أفعالهم ، وهذا هوالحل الأمثل فى خياراتهم اليومية .. وحينها سوف سيحدث تغيير جذرى فى حياتهم.. بعيداٌ عن ألقاء اللوم على الآخرين والظروف والأحداث ، فالأنسان هو السائل والمسؤول عن أختياراته .
وأخيرا علينا أن نكون أكثر رفقا مع أنفسنا وعلينا أن نتصالح معها أولاٌ ومن ثم مع الآخرين حتى نعود إلى أنسانيتنا التى فقدناها وسط زحام الحياة المادية ، فما أجمل العودة إلى النفس !