بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته


قال الله سبحانه وتعالى : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلاً مِن رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا آللهَ عِنْدَ آلْمَشْعَرِ آلْحَرَامِ وَآذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنْتُمْ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ آلضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ آلنَّاسُ وَآسْتَغْفِرُوا آللهَ إِنَّ آللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )[1] .



() 1 ـ من المشاعر الحرام عرفات وهي بقعة وسيعة تقع بين مكّة ومنى بحدود 22 كيلومتر في الجنوب الشرقي من مكّة بسعة 18 كيلومتر مربع تقريباً يجتمع فيها الحجّاج في اليوم التاسع من ذي الحجّة من الظهر الشرعي إلى الغروب الشرعي ، ويسمّى بوقوف عرفات ، وانّه من أركان الحجّ .

() 2 ـ ورد في الحديث المعتبر عن النبي 6: «الحجّ عرفة ليدلّ على عظمة يوم عرفة وكأنّه هو الحجّ بتمامه ، فمن تركه متعمّداً بطل حجّه .

() 3 ـ سمّي بعرفة لكون أرضها أعلى من غيرها من المشاعر الاُخرى ، أي مزدلفة ومنى والحرم الشريف .

() 4 ـ سمّي بذلک لقول جبرئيل لآدم ولابراهيم وللرسول الأعظم محمّد6 (إعرف مناسكک ).

() 5 ـ في عرفات جبل عرف بجبل الرحمة وجبل عرفات ، وفي قمّته (نصب أبيض) ليرمز إلى ما ورد في بعض الأخبار من لقاء آدم وحوّاء بعد هبوطهما على الأرض ، وافتراقهما زمناً طويلاً يسيحان في الأرض يبكيان على خطيئتهما، فاستجاب الله وغفر لهما، فالتقيا في هذه البقعة المبارک ، فسمّي بذلک ، والله العالم .

() 6 ـ صحراء عرفات يرمز في يوم عرفة إلى الوحدة والمحبّة تحت خيمة الله، وإلى صحراء يوم القيامة ، وحشر الناس وخروجهم من الأجداث إلى ربّهم ينسلون بدعاء ونحيب وبكاء والتجاء إلى الله عزّوجلّ .

() 7 ـ عرفة أرض الغفران ، فانّه كثير من الذنوب لا تغفر إلّا في عرفة ، كما ورد في فضيلة شهر رمضان إنه شهر الغفران ، فمن حرم من غفرانه ، لا يغفر له إلّا في قابل ـأي شهر رمضان من السنة القابلة ـ أو يدرک عرفة وأعظم ذنب لأهل عرفة من يخرج منها وهو آيس من رحمة الله في غفران ذنوبه ، فلا يوم كيوم عرفة في النجاة من الذنوب ، ومن نار الله المؤصدة ، فيغفر لمن وقف في عرفة ، بل ولأهله ومن يلوذ به في بلده .

() 8 ـ عرفة ليعرف الحاج إن الله أحاط به علماً، وإن تجهر بالقول فانه يعلم السرّ وأخفى ، فعرف ان الله يرى ويسمع ويعلم وقادر على كلّ شيء (وعرفت قبض الله على صحيفتک وإطلاعه على سريرتک وقلبک )[2] .



() 9 ـ في عرفة يذلّ الشيطان إذلالاً، لما يرى من سعة رحمة الله لمن حجّ وإعتمر، وانّه لا تشمله هذه الرحمة لكونه لعن إلى يوم القيامة .

() 10 ـ في عرفة يتكامل الانسان في معارفه وعلومه ، ويكسب الكمال من جوار الكمّلين الحاضرين في عرفة ، لاسيّما من أمير الحاج صاحب العصر والزمان الامام المهدي الموعود المنتظر 7، الذي بوجوده ثبت الأرض والسماء، وبوجوده رزق الورى ، وأي رزق أعظم من أن يكون في بقعة طاهرة يتنفس فيها سيّد الطاهرين في عصره ، فتكون صلاته ودعائه وأعماله قرين صلاة مولاه ودعائه وأعماله ، فيكون شفيعه في عروجه وبلوغه قمّة الكمال من الجلال والجمال .

() 11 ـ عرفة تذكار ليوم الحشر في يوم القيامة ، فالكلّ في خضوع وخشوع وبكاء والتجاء إلى الله سبحانه .

() 12 ـ في عرفة حضور أولياء الله جلّ جلاله ، وكما في القوس النزولي الأولياء هم واسطة في الفيض الالهي ونزوله ، كذا واسطة فيض وفي القوس الصعودي والعروج إلى الله سبحانه وتعالى .

() 13 ـ الوقوف القصير في عرفة تذكرنا وقفتنا في الدنيا الدنيّة ، فما أقصرها، إن هي إلّا لحظة واحدة من العمر الأبدي .

() 14 ـ عرفة موقف الإنتظار للدخول في الحرم الالهي ، ولطواف الزيارة والحبّ والشوق ، فإنّ من يريد أن يدخل البيت والدار يقف على بابيهما منتظراً إذن الدخول .

والدار ما يعم الغرف والحجرات ، وانه مشتق من الدائرة ، والاحاطة ما عليه الحائط ، والبيت مشتق من البيتوتة فيطلق في الروايات على الغرفة والحجرة التي يبييت فيها المرء.

() 15 ـ عرفة أرض الطهارة والقداسة ، عن الامام الصادق 7: «لا يصلح الوقوف بعرفة على غير طهارة » فيستحب فيها ليوم عرفة الغسل كما يستحب الوضوء، فينبغي أن يطهر ظاهره بالغسل والوضوء، وباطنه بدموع التوبة والندم والاستغفار والدعاء، فان أفضل الأعمال في عرفة الدعاء.

() 16 ـ عرفة موضع الولاية ، فان آية إكمال الدين والولاية لأميرالمؤمنين علي 7 (آليَوم أكمَلْتُ لَكُمْ دينَكُم )[3] نزلت بعد أن نزل قوله

تعالى : (يَا أَيُّهَا آلرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْکَ مِن رَبِّکَ وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَآللهُ يَعْصِمُکَ مِنَ آلنَّاسِ )[4] التي نزلت في يوم عرفة .



وفي عرفة في كلّ سنة يحضر الامام المعصوم صاحب الزمان 7، عن الامام الصادق 7 قال : «يفقد الناس إمامهم ، يشهد الموسم فيراهم ولا يرونه »[5] .



وعن السفير الخاص بالامام 7 محمّد بن عثمان العمري قال : والله انّ صاحب هذا الأمر ليحضر كلّ سنة يرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه[6] .



() 17 ـ عرفة أرض الدعاء والانقطاع إلى الله، فانّه من أفضل الأعمال في عرفة وما أكثر الأدعية المأثورة في مدرسة أهل البيت : كدعاء الامام السجّاد في الصحيفة السجّاديّة ، ودعاء الامام الحسين 7 في يوم عرفة ـ في مفاتيح الجنان ـ وغيرهما الكثير.

() 18 ـ عرفة من أجمل وأروع صور الوحدة الاسلاميّة ففي مكان واحد وفي زمان واحد بكلّ الأطياف والطوائف والشعوب والجماهير والعرقيات واللغات والألوان والهويّات الشخصيّة والبلدان القاصية والدانية ، وهذا ما يبهر المشاهد المعتبر والمتأمل ، ثمّ بعد الاجتماع الحركة العامّة المليونيّة إلى المشعر الحرام .

------------------------


[1] () البقرة : 198 ـ 199.

[2] () أسرار ومعارف حج : 198.

[3] () المائدة : 3.

[4] () المائدة : 67.

[5] () الكافي : :1 327.

[6] () الفقيه : :2 520.