إن كانت أفلام الخيال العلمي عرضت بعض القرود متكلمة وقادرة على التواصل مع البشر عبر التحدث مثلهم، فيبدو أن هذه الأفلام لم تبتعد كثيرًا عن الواقع!لماذا لا تستطيع القرود الكلام وهي تمتلك أحبال صوتية كالإنسان ؟
إذ بيَّنت دراسة نُشرت في مجلة العلوم المتقدمة أن القرود قادرة على التحدث مثل الإنسان تمامًا بفضل امتلاكها أحبالًا صوتية مشابهة في تشريحها للأحبال الصوتية التي يمتلكها البشر.
هذا الاكتشاف الكبير سيقلب القاعدة التي ميَّزت الإنسان في عالم الثدييات، فيبدو أن ما يُميِّزه هو قدرته على التحدث وليس امتلاكه أجهزة داخلية تسمح له بالكلام!
ما الذي يُعيق القرود عن التحدث كالبشر ؟
إن كانت القرود تمتلك أحبالًا صوتية كالبشر، فماذا يمنعها من الكلام ؟ هذا ما وضَّحه باحثون في الدراسة وذلك أن شكل وحجم وبنية الجهاز الصوتي في أدمغة الحيوانات هي ما تُعيق الكلام وإخراج الأصوات تمامًا كالبشر.
ومن أجل إثبات هذه النظرية، قام علماء بدراسة وتشريح النظام الصوتي للقرد منذ سنوات طويلة.
ففي عام 1960م، قام عالم الإدرك واللغة الدكتور “فيليب ليبرمان” بإجراء دراسة على قرد من فصيلة المكاك الريسوسي. تبيَّن خلال الدراسة وبعد تشريح الجهاز الصوتي للقرد وتصميم نموذج حاسوبي للحركات التي يستعملها في إخراج الصوت، أنه قادر على إصدار عدد محدود من الأصوات مقارنةً بالإنسان.
وعلى الرغم من أن الدراسة أجابت على جزء كبير من الأسئلة، لكن العلماء أرادوا اختبار الفرضية على حيوان حي وليس ميت كتجربة ليبرمان.
من هنا تم إعادة التجربة على قرد مكاك حي عبر تصوير فيديو بالأشعة السينية له خلال إصداره أصواتًا أو تناوله الطعام أو الصراخ وتغيير ملامح وجهه. ثم تم إعادة تصميم الحركات على شكل نموذج حاسوبي للكشف عن حركات الجهاز الصوتي والتي أعطت نتائج مشابهة لنتائج دراسة الدكتور ليبرمان.
وبحسب آراء خُبراء، أمثال الدكتور ماركوس بيرلمان، عالم الإدراك في معهد ماكس بلانك اللغوي في هولندا، فإن هذه الدراسة تُقدِّم دليلًا قويًا بأن القردة لديها جهاز صوتي قادر على التحدث كالبشر تمامًا.
ويتفق العلماء على أن دراسة ليبرمان التي قدَّم نتائجها في عام 1969م قد أعطت شرحًا وافيًا لطبيعة عمل الجهاز الصوتي للقردة. وأوضحت الدراسة أن القرود قادرة على إصدار أصوات تُشبه أصوات الإنسان والخطاب البشري، لكنها تفتقر لأهم صوت في الخطاب البشري وهو صوت حرف الألف “أ”.
حيث أن التحدث دون استعمال هذا الصوت سيجعل الخطاب خالٍ من المعنى التفاعلي ولن يكون وسيلة اتصال فعالة.
كما أن علماء الأعصاب يعتقدون أن سببًا وجيهًا آخر يمنع القرود من الحديث والكلام مثلنا على الرغم من امتلاكها لجهاز صوتي، وهو افتقاد المسارات العصبية اللازمة للنطق. فقد توَّصل العلماء خلال دراساتهم إلى أن بعض القيود العصبية تمنع القرود من النطق.
وحيث أن هذه الدراسات لا تزال مستمرة والعلم في تطورٍ كبير، فمن يعلم، رُبما تُصادف في أحد الأيام قردًا يُشاركك حديثك الصباحي أو يُلقي عليك التحية!