قطرات من بحار فضائل ومعاجز نبينا محمد
(صلوات الله عليه وآله)
*
عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ آبَائِهِ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمُ) قَالَ :
إِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ) كَانُوا جُلُوساً يَتَذَاكَرُونَ وَفِيهِمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (صلوات الله عليه) إِذْ أَتَاهُمْ يَهُودِيٌّ فَقَالَ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مَا تَرَكْتُمْ لِلْأَنْبِيَاءِ دَرَجَةً إِلَّا نَحَلْتُمُوهَا لِنَبِيِّكُمْ !
فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : إِنْ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) كَلَّمَهُ رَبُّهُ عَلَى طُورِ سَيْنَاءَ ، فَإِنَّ اللَّهَ كَلَّمَ مُحَمَّداً فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ .
وَ إِنْ زَعَمَتِ النَّصَارَى أَنَّ عِيسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَبْرَأَ الْأَكْمَهَ وَأَحْيَا الْمَوْتَى ، فَإِنَّ مُحَمَّداً (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ) سَأَلَتْهُ قُرَيْشٌ أَنْ يُحْيِيَ مَيِّتاً فَدَعَانِي وَبَعَثَنِي مَعَهُمْ إِلَى الْمَقَابِرِ ، فَدَعَوْتُ اللَّهَ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ فَقَامُوا مِنْ قُبُورِهِمْ يَنْفُضُونَ التُّرَابَ عَنْ رُءُوسِهِمْ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
وَ إِنَّ أَبَا قَتَادَةَ بْنَ رِبْعِيٍّ الْأَنْصَارِيَّ شَهِدَ وَقْعَةَ أُحُدٍ ، فَأَصَابَتْهُ طَعْنَةٌ فِي عَيْنِهِ فَبَدَتْ حَدَقَتُهُ ، فَأَخَذَهَا بِيَدِهِ ثُمَّ أَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فَقَالَ : امْرَأَتِي الْآنَ تُبْغِضُنِي .! فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ) مِنْ يَدِهِ ثُمَّ وَضَعَهَا مَكَانَهَا فَلَمْ يَكُ يُعْرَفُ إِلَّا بِفَضْلِ حُسْنِهَا وَضَوْئِهَا عَلَى الْعَيْنِ الْأُخْرَى .
وَ لَقَدْ بَارَزَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ ، فَأُبِينَ يَدُهُ فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ) لَيْلًا وَمَعَهُ الْيَدُ الْمَقْطُوعَةُ ، فَمَسَحَ عَلَيْهَا فَاسْتَوَتْ يَدُهُ .
المصدر : (بحار الأنوار : ج17، ص249.)
*
وَرَوَى حَمْزَةُ بْنُ عُمَرَ الْأَسْلَمِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) قَالَ :
نَفَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ ، فَأَضَاءَتْ أَصَابِعُهُ لَنَا فَانْكَشَفَتِ الظُّلْمَةُ ، وَهَذَا أَعْجَبُ مِمَّا كَانَ لِمُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَأَمَّا الْيَدُ الْبَيْضَاءُ لِمُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَقَدْ أَعْطَى مُحَمَّداً أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ ، وَهُوَ أَنَّ نُوراً كَانَ يُضِيءُ لَهُ أَبَداً عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَيْثُمَا جَلَسَ وَقَامَ ، يَرَاهُ النَّاسُ وَقَدْ بَقِيَ ذَلِكَ النُّورُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ يَسْطَعُ مِنْ قَبْرِهِ ، وَكَذَا كَانَ مَعَ وَصِيِّهِ وَأَوْلَادِهِ الْمَعْصُومِينَ فِي حَيَاتِهِمْ وَالْآنَ يَكُونُ يَسْطَعُ مِنْ قُبُورِهِمْ وَفِي كُلِّ بُقْعَةٍ مَرَّ بِهَا الْمَهْدِيُّ ، يُرَى نُورٌ سَاطِعٌ .
وَ إِنَّ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أُرْسِلَ إِلَى فِرْعَوْنَ فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى وَنَبِيَّنَا أُرْسِلَ إِلَى فَرَاعِنَةٍ شَتَّى ! كَأَبِي لَهَبٍ وَأَبِي جَهْلٍ وَشَيْبَةَ وَعُتْبَةَ ابْنَيْ أَبِي رَبِيعَةَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ وَالْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَالْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ وَالنَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ وَغَيْرِهِمْ ، فَأَرَاهُمُ الْآيَاتِ فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ وَلَمْ يُؤْمِنُوا .
وَ إِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى انْتَقَمَ لِمُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مِنْ فِرْعَوْنَ فَقَدِ انْتَقَمَ لِمُحَمَّدٍ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ) يَوْمَ بَدْرٍ فَقُتِلُوا بِأَجْمَعِهِمْ وَأُلْقُوا فِي الْقَلِيبِ وَانْتَقَمَ لَهُ مِنَ الْمُسْتَهْزِءِينَ ، فَأَخَذَهُمْ بِأَنْوَاعِ الْبَلَاءِ ...
وَ إِنْ كَانَ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) صَارَ عَصَاهُ ثُعْبَاناً فَاسْتَغَاثَ فِرْعَوْنُ مِنْهُ رَهْبَةً ، فَقَدْ أَعْطَى مُحَمَّداً مِثْلَهُ لَمَّا جَاءَ إِلَى أَبِي جَهْلٍ شَفِيعاً لِصَاحِبِ الدَّيْنِ فَخَافَ أَبُو جَهْلٍ وَقَضَى دَيْنَ الْغَرِيبِ ثُمَّ إِنَّهُ عُتِبَ عَلَيْهِ فَقَالَ رَأَيْتُ عَنْ يَمِينِ مُحَمَّدٍ وَيَسَارِهِ ثُعْبَانَيْنِ ، تَصْطَكُّ أَسْنَانُهُمَا وَتَلْمَعُ النِّيرَانُ مِنْ أَبْصَارِهِمَا لَوِ امْتَنَعْتُ لَمْ آمَنْ أَنْ يَبْتَلِعَنِي الثُّعْبَانُ ، وَقَالَ تَعَالَى لِمُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي﴾ . وَقَالَ فِي وَصِيِّهِ وَأَوْلَادِهِ : ﴿سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا﴾ .
وَإِنْ كَانَ دَاوُدُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) سُخِّرَ لَهُ الْجِبَالُ وَالطَّيْرُ يُسَبِّحْنَ وَسَارَتْ بِأَمْرِهِ ، فَالْجَبَلُ نَطَقَ لِمُحَمَّدٍ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ) إِذْ جَادَلَهُ الْيَهُودُ وَشَهِدَ لَهُ بِالنُّبُوَّةِ ، ثُمَّ سَأَلُوهُ أَنْ يَسِيرَ الْجَبَلُ فَدَعَا فَسَارَ الْجَبَلُ إِلَى فَضَاءٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَسَبَّحَ الْحَصَى فِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ) ، وَسُخِّرَتْ لَهُ الْحَيَوَانَاتُ كَمَا ذَكَرْنَا .
وَإِنْ لَانَ الْحَدِيدُ لِدَاوُدَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَقَدْ لَيَّنَ لِرَسُولِنَا الْحِجَارَةَ الَّتِي لَا تَلِينُ بِالنَّارِ وَالْحَدِيدُ ، وَقَدْ لَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى الْعَمُودَ الَّذِي جَعَلَهُ وَصِيُّهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي عُنُقِ خَالِدِ بْنِ وَلِيدٍ ، فَلَمَّا اسْتَشْفَعَ إِلَيْهِ أَخَذَهُ مِنْ عُنُقِهِ .
وَإِنَّ مُحَمَّداً لَمَّا اسْتَتَرَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ ، مَالَ بِرَأْسِهِ نَحْوَ الْجَبَلِ حَتَّى خَرَقَهُ بِمِقْدَارِ رَأْسِهِ وَهُوَ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ مَقْصُودٌ فِي شِعْبٍ ، وَأَثَّرَ سَاعِدَا مُحَمَّدٍ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي جَبَلٍ أَصَمَّ مِنْ جِبَالِ مَكَّةَ ، لَمَّا اسْتَرْوَحَ فِي صَلَاتِهِ فَلَانَ لَهُ الْحَجَرُ حَتَّى ظَهَرَ أَثَرُ ذِرَاعَيْهِ فِيهِ ، كَمَا أَثَّرَ قَدَمَا إِبْرَاهِيمَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي الْمَقَامِ وَلَانَتِ الصَّخْرَةُ تَحْتَ يَدِ مُحَمَّدٍ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ) بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ حَتَّى صَارَ كَالْعَجِينِ ، وَرُئِيَ ذَلِكَ مِنْ مَقَامِ دَابَّتِهِ وَالنَّاسُ يَلْمَسُونَهُ بِأَيْدِيهِمْ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا .
وَإِنَّ الرِّضَا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مِنْ وُلْدِهِ دَعَا فِي خُرَاسَانَ فَلَيَّنَ اللَّهُ لَهُ جَبَلًا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْقُدُورُ وَغَيْرُهَا ، وَاحْتَاجَ الرِّضَا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) هُنَاكَ إِلَى الطَّهُورِ فَمَسَّ بِيَدِهِ الْأَرْضَ فَنَبَعَ لَهُ عَيْنٌ وَكِلَاهُمَا مَعْرُوفٌ .
وَآثَارُ وَصِيِّ مُحَمَّدٍ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي الْأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى ، مِنْهَا بِئْرُ عَبَّادَانَ ، فَإِنَ الْمُخَالِفَ وَالْمُؤَالِفَ يَرْوِي أَنَّ مَنْ قَالَ عِنْدَهَا بِحَقِّ عَلِيٍّ يَفُورُ الْمَاءُ مِنْ قَعْرِهَا إِلَى رَأْسِهَا ، وَلَا يَفُورُ بِذِكْرِ غَيْرِهِ وَبِحَقِّ غَيْرِهِ .
وَإِنَّ سُورَ حَلَبَ مِنْ أَصْلَبِ الْحِجَارَةِ ، فَضَرَبَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِسَيْفِهِ فَأَثَرُهُ مِنْ فَوْقِهِ إِلَى الْأَرْضِ ظَاهِرٌ .
وَإِنَّهُ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ) لَمَّا خَرَجَ إِلَى صِفِّينَ ، كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ دِمَشْقَ مِائَةُ فَرْسَخٍ وَأَكْثَرُ ، وَقَدْ نَزَلَ بِبَرِّيَّةٍ فَكَانَ يُصَلِّي فِيهَا فَلَمَّا فَرَغَ وَرَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ سَجْدَةِ الشُّكْرِ قَالَ أَسْمَعُ صَوْتَ بُوقِ التَّبْرِيزِ لِمُعَاوِيَةَ مِنْ دِمَشْقَ ، فَكَتَبُوا التَّارِيخَ فَكَانَ كَمَا قَالَ وَقَدْ بُنِيَ هُنَاكَ مَشْهَدٌ يُقَالُ لَهُ مَشْهَدُ الْبُوقِ ، وَبَكَى دَاوُدُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عَلَى خَطِيئَتِهِ حَتَّى سَارَتِ الْجِبَالُ مَعَهُ وَمُحَمَّدٌ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ) قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ فَسُمِعَ لِجَوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ عَلَى الْأَثَافِيِ مِنْ شِدَّةِ الْبُكَاءِ ، وَقَدْ آمَنَهُ اللَّهُ مِنْ عِقَابِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَتَخَشَّعَ وَقَامَ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ عَشْرَ سِنِينَ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ وَاصْفَرَّ وَجْهُهُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : ﴿طه * مَا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾ . وَكَانَ يَبْكِي حَتَّى يُغْشَى عَلَيْهِ فَقِيلَ لَهُ أَلَيْسَ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ؟ فَقَالَ أَفَلَا أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً !. وَكَذَلِكَ كَانَتْ غَشَيَاتُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَصِيِّهِ فِي مَقَامَاتِهِ .
وَإِنَّ سُلَيْمَانَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) سَأَلَ اللَّهَ فَأُعْطِيَ مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ وَمُحَمَّدٌ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ) عُرِضَتْ عَلَيْهِ مَفَاتِيحُ خَزَائِنِ كُنُوزِ الْأَرْضِ فَأَبَى اسْتِحْقَاراً لَهَا فَاخْتَارَ التَّقَلُّلَ وَالْقُرْبَى فَآتَاهُ اللَّهُ الشَّفَاعَةَ وَالْكَوْثَرَ ، وَهِيَ أَعْظَمُ مِنْ مُلْكِ الدُّنْيَا مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا سَبْعِينَ مَرَّةً ، فَوَعَدَ اللَّهُ لَهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ الَّذِي يَغْبِطُهُ بِهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ وَسَارَ فِي لَيْلَةٍ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمِنْهُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ، وَسُخِّرَ لَهُ الرِّيحُ حَتَّى حَمَلَتْ بِسَاطَهُ بِأَصْحَابِهِ إِلَى غَارِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ .
وَإِنْ كَانَ لِسُلَيْمَانَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ فَكَذَلِكَ كَانَتْ لِأَوْصِيَاءِ مُحَمَّدٍ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ) ، وَسُخِّرَتْ لَهُ الْجِنُّ وَآمَنَتْ بِهِ مُنْقَادَةً طَائِعَةً فِي قَوْلِهِ : ﴿وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِ﴾ . وَقَبَضَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ) عَلَى حَلْقِ جِنِّيٍّ فَخَنَقَهُ وَمُحَارَبَةُ وَصِيِّهِ مِنَ الْجِنِّ وَقَتْلُهُ إِيَّاهُمْ مَعْرُوفَةٌ ، وَكَذَلِكَ إِتْيَانُهُمْ إِلَيْهِ وَإِلَى أَوْلَادِهِ الْمَعْصُومِينَ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) لِأَخْذِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ مَشْهُورٌ وَإِنَّ سُلَيْمَانَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) سَخَّرَهُمْ لِلْأَبْنِيَةِ وَالصَّنَائِعِ وَاسْتِنْبَاطِ الْقَنَى مَا عَجَزَ عَنْهُ جَمِيعُ النَّاسِ ، وَمُحَمَّدٌ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَوْ أَرَادَ مِنْهُمْ ذَلِكَ لَفَعَلُوا عَلَى أَنَّ مُؤْمِنِي الْجِنِّ يَخْدُمُونَ الْأَئِمَّةَ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) ، وَأَنَّهُمْ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) كَانُوا يَبْعَثُونَهُمْ فِي أَمْرٍ يُرِيدُونَهُ عَلَى الْعَجَلَةِ.
وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَخَّرَ الْمَلَائِكَةَ الْمُقَرَّبِينَ لِمُحَمَّدٍ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ) وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَذُرِّيَّتِهِ الطَّاهِرِينَ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) . فَقَدْ كَانُوا يَنْصُرُونَ مُحَمَّداً وَيُقَاتِلُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ كِفَاحاً وَيَمْنَعُونَ مِنْهُ وَيَدْفَعُونَ وَكَذَلِكَ كَانُوا مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَيَكُونُونَ مَعَ بَقِيَّةِ آلِ مُحَمَّدٍ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) عَلَى مَا رُوِيَ .
وَإِنْ سُلَيْمَانُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) كَانَ يَفْهَمُ كَلَامَ الطَّيْرِ وَمَنْطِقَهَا ، فَكَذَلِكَ نَبِيُّنَا كَانَ يَفْهَمُ مَنْطِقَ الطَّيْرِ فَقَدْ كَانَ فِي بَرِّيَّةٍ وَرَأَى طَيْراً أَعْمَى عَلَى شَجَرَةٍ فَقَالَ لِلنَّاسِ إِنَّهُ قَالَ يَا رَبِّي ، إِنَّنِي جَائِعٌ لَا يُمْكِنُنِي أَنْ أَطْلُبَ الرِّزْقَ ، فَوَقَعَ جَرَادَةٌ عَلَى مِنْقَارِهِ فَأَكَلَهَا . وَكَذَا فَهِمَ مَنْطِقَهَا أَهْلُ بَيْتِهِ .
وَإِنَّ عِيسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مَرَّ بِكَرْبَلَاءَ فَرَأَى ظِبَاءً فَدَعَاهَا فَقَالَ هَاهُنَا لَا مَاءَ وَلَا مَرْعَى ، فَلِمَ مَقَامُكُنَّ فِيهَا قَالَتْ يَا رُوحَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ أَلْهَمَنَا أَنَّ هَذِهِ الْبُقْعَةَ حَرَمُ الْحُسَيْنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَأَوَيْنَا إِلَيْهَا ؟ فَدَعَا اللَّهَ عِيسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنْ يَبْقَى أَثَرٌ يَعْلَمُ بِهِ آلُ مُحَمَّدٍ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) . أَنَّ عِيسَى كَانَ مُسَاعِداً لَهُمْ فِي مُصِيبَتِهِمْ ، فَلَمَّا مَرَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِهَا جَعَلَ يَقُولُ هَاهُنَا مُنَاخُ رِكَابِهِمْ وَهَاهُنَا مُهَرَاقُ دِمَائِهِمْ ... فَسَأَلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْهُ فَأَخْبَرَهُ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِيهَا . وَأَنَّ عِيسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) كَانَ هَاهُنَا وَدَعَا وَمِنْ قِصَّتِهِ كَيْتَ وَكَيْتَ فَاطْلُبْ بَعَرَاتِ تِلْكَ الظِّبَاءِ فَإِنَّهَا بَاقِيَةٌ ، فَوَجَدُوا كَثِيراً مِنَ الْبَعَرِ قَدْ صَارَ مِثْلَ الزَّعْفَرَانِ . وَإِنَّ الظِّبَاءَ نَطَقَتْ مَعَ مُحَمَّدٍ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ) وَعِتْرَتِهِ فِي مَوَاضِعَ شَتَّى .
وَإِنَّ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا أُوتِيَ الْحُكْمَ صَبِيّاً وَكَانَ يَبْكِي مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ وَيُوَاصِلُ الصَّوْمَ وَلَمْ يَتَزَوَّجْ ، وَإِنَّمَا اخْتَارَ نَبِيُّنَا التَّزَوُّجَ لِأَنَّهُ كَانَ قُدْوَةً فِي فِعْلِهِ وَقَوْلِهِ وَالنِّكَاحُ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ آدَمَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لِلتَّنَاسُلِ ، وَكَانَ لِسُلَيْمَانَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مِنَ النِّسَاءِ وَالْجَوَارِي مَا لَا يُحْصَى . وَقَالَ النَّبِيُّ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ) تَنَاكَحُوا تَكْثُرُوا فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمُ الْأُمَمَ ، وَقَالَ مُبَاضَعَتُكَ أَهْلَكَ صَدَقَةٌ . فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَأْتِي شَهْوَتَنَا وَنَفْرَحُ أَفَنُؤْجَرُ ؟ فَقَالَ أَرَأَيْتَ لَوْ جَعَلْتَهَا فِي بَاطِلٍ أَفَكُنْتَ تَأْثَمُ ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَ أَفَتُحَاسَبُونَ بِالشَّرِّ وَلَا تُحَاسَبُونَ بِالْخَيْرِ ! وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنْ يَكُونُ لَهُ ذُرِّيَّةٌ طَيِّبَةٌ بَاقِيَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ عِيسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِمَا لَمْ يَصِفْ بِهِ أَحَداً مِنْ أَنْبِيَائِهِ فَقَالَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ، وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ ، وَرَسُولُنَا وَأَهْلُ بَيْتِهِ وَعِتْرَتُهُ وَسِيلَةُ آدَمَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَدَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَبُشْرَى عِيسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَإِنْ قَدَّرَ عِيسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ طَيْراً ، فَإِنَّ اللَّهَ أَحْيَا الْمَوْتَى لِمُحَمَّدٍ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ) وَعِتْرَتِهِ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) وَإِنْ كَانَ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِ اللَّهِ فَكَذَا كَانَ مِنْهُمْ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) . وَالْآنَ رُبَّمَا يَدْخُلُ الْعُمْيَانُ وَمَنْ بِهِ بَرَصٌ مَشَاهِدَهُمْ فَيَهَبُ اللَّهُ لَهُمْ نُورَ أَعْيُنِهِمْ وَيُذْهِبُ الْبَرَصَ عَنْهُمْ بِبَرَكَةِ تُرْبَتِهِمْ وَهَذَا مَعْرُوفٌ مَا بَيْنَ خُرَاسَانَ إِلَى بَغْدَادَ إِلَى الْكُوفَةِ إِلَى الْحِجَازِ .
المصدر : (بحار الأنوار : ج17، ص255 - 259.)