الحضارات الإنسانية عادة ما تتطور حتى تصل إلى قمة الازدهار ثما تبدأ في الانحدار حتى تنفي الحضارة . وهذا قانون يسرى على كل الحضارات الإنسانية في كل مكان , وقد تفنى حضارة ما يشكل غامض يجعل المؤرخون عاجزون عن فهم ما الأسباب التي أدت إلى فناءها المفاجيء ، دعونا نتعرف على أشهر 10 حضارات إنسانية مفقودة لم يتم تفسير اختفائها حتى اليوم :
1- حضارة وادي السند :
نشأت هذه الحضارة قبل ظهور المسيح بآلاف السنين ، حيث كانت في المنطقة المعروفة اليوم باسم باكستان أو الهند الشمالية ، وقد إزدهرت هذه الحضارة بشكل واسع وسريع ، كما قاموا ببناء الكثير من المدن والقرى التي كانت متطورة جداً وقتها ، وقد كانت هذه الحضارة تزدهر بشكل ملحوظ لدرجة انها نافست الحضارة السومرية في الشرق الأدنى ، ولكننا لا نعرف أي شيء عن هذه الحضارة غير إزدهارها التجاري مع حضارة العراق القديم . فما من رسومات أو منحوتات خلدت قادتهم أو كتابات ذكروا فيها تاريخهم أو دينهم الذي كانوا يعتنقونه ، وفى ليلة وضحاها أصبحت مدنهم العظيمة مثل موهينجو – دارو و هارابا مدناً مهجورة غير مأهولة بالسكان. ويفسر المؤرخون ذلك ، بإعتقادهم أن سكان هذه المدن قد أُجبروا بطريقة ما على التخلي عن المدينة وهجرها بسبب الجفاف ، بينما يظن البعض الآخر أن أهالي هذه المدن قد عانوا من الفيضانات الكبيرة التي أغرقتهم جميعاً ، بينما يظن بعض عشاق نظرية المؤامرة ، ان اهالي هذه المدن قد تم سحقهم بسلاح قديم غامض وقوي قد يكون أصحابه سكان فضائيين جاءوا إلى الأرض ، ولكن كل هذه النظريات لا تبدو واقعية في الحقيقة.
2- الحضارة المينوسية :
إزدهرت الحضارة المينوسية التي سكنت جزيرة كريت ، لمدة زمنية تربو عن الألفي عام ، وكانت تعتبر مركزاً لإمبراطورية كبيرة إمتدت وإتسعت لتشمل مساحات واسعة من البلاد حتى وصلت إلى الشرق الأوسط ، وكان أبرز حكامها على الإطلاق والذي سميت بإسمه الملك مينوس ، والذي كان يعتبر ملكاً إسطورياً ولذلك إستوحت هذه الحضارة إسمها من عظمته وسميت بالحضارة المينوسية ، وقد إشتهرت هذه الحضارة بقصورها الفخمة ومدنها العظيمة الواسعة ، وخاصة مدينة كنوسوس ، والتي إشتهرت بتصميمها الهندسي المشيد كالمتاهة والذي استوحاه كاتب الملحمة الأسطورية الشهيرة التي خلدت الصراع بين ثيسيوس ضد المينوتوروس , وهو الكائن الذى كان نصفه رجل ونصفه ثور , بدأت الحضارة المينوسية في الإنحدار شيئاً فشيئاً ، حيث توالت الحروب والغزوات من الخارج ومن الحضارات المجاورة لهم ومن الميسينيون بالتحديد الذين إزدهرت حضارتهم في اليونان على مقربة من حضارة المينوسيين .
3- حضارة المايا :
إزدهرت حضارة المايا في القرن السادس الميلادي في مدينة جواتمالا في وسط أمريكا . وقد برع سكانها في الأنظمة الحسابية والرياضية الذين عملوا على إستغلال براعتهم الرياضية تلك في تشييد مدن معمارية مذهلة وعظيمة وفي تطوير تقنيات زراعية متطورة. كما مارس سكانها تقديم القرابين البشرية لآلهتهم ، وذلك بالتضحية بالسجناء و العبيد الذين ياخذونهم أسرى. وبالرغم من عدم توافر سبب معين ، ففي عام 900 ميلادية إختفت كل المدن التي شيدتها حضارة المايا . بينما إزدهرت في المناطق الشمالية مدناً قليلة جداً هي التي بقيت من آثار هذه الحضارة العريقة . كما إنسحب أغلب شعوب المايا للعيش في القرى الصغيرة ، حيث إزدهرت الزراعة في الغابات المطيرة . وبعد وصول الغزو الأسباني لأمريكا ، بدأت حضارة شعب المايا في الإنحدار والزوال .
4- حضارة جزيرة القيامة :
قد يتعرف الكثير من الناس الآن على الجزر الشرقية من خلال تماثيل المواي المثيرة . حيث يصل عدد تماثيل المواي هذه الى حوالي 900 تمثال ضخم عملاق . فقد تطلب الأمر في كل مرة مجموعة من خمسة او ست رجال لكي يعملوا على نحت تمثال من هذه التماثيل سنوياً . وقد بلغ طول أضخم تماثيلهم لحوالي عشرة امتار ، وبلغ وزن أحدهم إلى حوالي ثمانية وستون طناً . ومن المعتقد ان هذه التماثيل تخلد زعماء حضارة الرابا نوي ، وفي قمة إزدهار هذه الحضارة ، كان عدد سكانها يقدر بحوالي 15 ألف شخص يسكن هذه الجزيرة ، ولكن عندما بدأ المستكشفون الأوروبيون في الوفود إليهم بعد قرن من الزمان ، كان هناك حوالي 2000 شخص فقط يحاولون النجاة للعيش على الجزيرة , إذ يبدو ان شيئاً ما قد حدث لهم ودمر بقية السكان . وقد اعقب ذلك الأمراض التي إنتشرت مع قدوم الأوروبيون وكذلك مع غزوات الإستعمار المتتالية التي قادها الاوربيون ضد هذا الشعب ، إنخفض عدد السكان إلى حوالي 111 شخص فقط ! وبحلول عام 1888 سيطرت مدينة شيلي على هذه الجزيرة وسقطت كل تماثيل المواي العظيمة مما تسبب في إنهيار حضارة الرابا نوي .
5- حضارة الأنباط :
قام المستكشف جوهان بردكهارت في عام 1812 بتعريف العالم كله بمدينة بترا في الأردن . التي تقبع في الجدران الصخرية في وادي عميق في الصحراء الجدباء . شيدت هذه المدينة على يد الأنباط ، الذين كانوا يخططون لبناء إمبراطورية عظيمة في الصحراء الشاسعة الخالية من السكان والتي تقع في شمال الجزيرة العربية , وقد عرف الأنباط بذكاءهم وفطنتهم الشديدة وذلك بالإضافة إلى براعتهم الحرفية في عالم البناء ، حيث تحلى الأنباط ببراعة فائقة في استغلال مياة الواحات في الزراعة والري .
6- إمبراطورية الخمير بكمبوديا :
ظهرت إمبراطوية الخمير حوالي عام 802 ، حينما أعلن الإمبراطور جايابفارمان الثاني أنه حاكم العالم أجمع ، وقد بدا أن الإمبراطور على حق في ذلك الوقت ، حيث إمتدت إمبراطورية الخمير من كمبوديا حتى فرضت سيطرتها على كل أراضي جنوب شرق آسيا , وكانت مدينة أنجكور العظيمة هي عاصمة هذه الإمبراطورية الكبيرة ، وكانت هذه المدينة هي أكبر مدينة في العالم أجمع وقتها ، وقد بلغ عدد سكانها حوالي مليون شخص ، فيما تشهد الأبنية المعمارية على هذا التراث الزاخر الذي تمتعت به هذه الإمبراطورية , وقد بلغت الإمبراطورية ذروة نجاحها حتى القرن الخامس عشر ، حيث بدأت في الإنهيار . فبعد أن سادت الديانة البوذية ، لم يعد الناس يرون الحكام بنفس الألوهية والتبجيل السابقين ، وهو ما ساعد في سقوط سيطرتهم على الناس واستهانتهم بهم ، كما فشل الحكام في إعادة إصلاح أنظمة الري والزراعة ، مما عرض هذه المدينة الزراعية للجفاف ، ولكن ما يزال المؤرخون وعلماء الآثار والعلماء مختلفون حول كيفية تأثير كل تلك الأمور على إنهيار الإمبراطورية.
7- حضارة الموكناى :
سيطرت حضارة موكناي على اليونان القديمة من حوالي عام 1600 إلى عام 1100 قبل الميلاد . إمتلكت هذه الحضارة جيشاً قوياً وصل عدده إلى 30 ألف شخص ، وهو ما يعتبر رقماً ضخماً بالنسبة للعصر البرونزي الذي تنتمي إليه هذه الحضارة . كما تمتعت ديانتهم وهيكلهم السياسي بتأثيراً عظيماً إستطاع ان يفرض سيطرته على كل الأراضي اليونانية ، حيث كانوا يعبدون معظم الآلهة التي ورد ذكرها في الأساطير اليونانية ، كالإله زيوس ، ومن المثير للعجب تعرض كل المدن في حضارة الموكناي للحرق والتدمير حوالي عام 1200 قبل الميلاد ، ومن الغريب حقاً هو تدمير كل المدن في نفس الوقت تقريباً . وقد إنهارت هذه الإمبراطورية بشكل سريع بعد ذلك بوقت قليل . من بعض التفسيرات التي قد توضح أسباب سقوط هذه الإمبراطورية هي حدوث غزوات من مدن آخرى ومن القراصنة ، أو حدوث بعض الثورات الإجتماعية.
8- مملكة اكسوم بالحبشة :
إعتبرت مملكة أكسوم واحدة من ضمن أربعة قوى عالمية تسيطر على العالم أجمع خلال القرن الثالث الميلادي ، وهي القوة الرابعة بعد روما ، و بلاد فارس ، والصين . تقع مملكة اكسوم فيما يعرف اليوم بإسم دولة أريتريا واثيوبيا ، كانت المدينة مركزاً للتجارة ، وللثقافات المختلفة ، كما يعتقد أن ملكة حضارة سبأ التي ورد ذكرها في العهد القديم كانت من سكان مدينة اكسوم ، كذلك يعتقد أن إبنها قد شيد تابوت العهد الذي يعتقد انه مازال حتى يومنا هذا محفوظاً داخل كنيسة السيدة زيون ، وهو المكان الذي يتجمع فيه آلاف المسيحيين سنوياً . من المثير للجدل هي العوامل التي ساعدت على إنهيار هذه الإمبراطورية. حيث تظهر من آثارهم انه قد تم نقل العاصمة من مكان إلى آخر غير معروف بالنسبة لنا . والرواية التي يتباها المؤرخون تفترض أن المدينة قد تعرضت للدمار من غزو إحدى الملكات ، سواء كانت ملكة يهودية من الشمال أو ملكة وثنية من الجنوب .
9- حضارة الشعب الملون في اسكتلندا :
تعتبر هذه الحضارة لغزاً محيراً لنا ، فبالرغم من كونها حضارة مسيحية ، وكونها حضارة معروفة لدى الثقافة اللاتينية ، إلا أن الكتابات الوحيدة التي وصلت إلينا من هذه الحضارة هي عبارة عن مجموعة من الكتابات الغير مفهومة المرسومة على الصخور ، كانت معظم أبنية هؤلاء السكان مصممة من الخشب ، ولهذا فقد تم تدميرها بسبب تقلب المناخ هناك . لقد عاش الشعب الملون في شمال وشرق اسكتلندا في إتحاد شامل يجمع بين ممالكهم . وقد كانوا يعتقدون بأن أحقية ملوكهم في الحكم تنحدر إليهم من امهاتهم . كما كانوا يلبسون لباساً مصنوعاً من نبات ورق النيل ، والذي أعطى لهم إسمهم المعروف لدينا اليوم ” الملونيين , وبحلول منتصف القرن التاسع الميلادي ، أختفت هذه اللغة ، كما إختفت فجأة قوانين وعادات وتقاليد هذه الحضارة . تقول الخرافات أن هذا الشعب قد تعرض للإبادة على يد الملك كينيث مكلفين وهو ملك الشعب الغيلي الذي كان يسكن في مرتفعات سكتلندا ، والذي إستطاع أحفاده أن يأسسوا سكتلندا الحديثة .
10- حضارة الموتشى في بيرو :
إزدهرت حضارة الموتشي في شمال دولة بيرو منذ حوالي 600 عام مضى . وقد وصلنا عن هذه الحضارة الكثير من الفنون التي انتجوها وكذلك الكثير من تماثيل الطمي العظيمة التي تشابه في ضخامتها الجبال . ومن المؤسف حقاً ، ان شعب الموتشي لم يطور لديه نظام للكتابة ، ولذلك فنحن نكاد لا نعرف أي شيء عن حضارتهم تلك . ما يمكننا أن نفعله فقط هو إستنتاج المعلومات من أعمالهم الفنية ومن قبورهم . وهو الامر الذي إستنتجنا منه قيامهم بعمل بعض الطقوس الدينية ظناً منهم انهم سوف يتحكمون في الطقس ، وقد إستخدموا هذه الطقوس بشكل خاص لجلب المطر . وقد كان على الخاسرين في معركة التحكم في الطقس أن تقطع حناجرهم وأن يتم دفنهم في الطين وكأنهم قرابين بشرية ، كما يمكننا معرفة ذلك من الجثماين التي وجدت فعلاً مدفونة في الطين . وعلى حين فجأة ، إختفت حضارة الموتشي حوالي عام 650 بعد الميلاد . حيث وجدت مدناً بأكملها مدفونة في الرمال . فيما يظن بعض خبراء الطقس أن إختفاء هذه الحضارة كان بسبب هبوب العواصف الثلجية التي جاءت إليهم من جبال الإنديز ، كما إكتشفوا أنه في القرن السادس ، واجهت بيرو عاصفة ضخمة تسمى النينو ، والتي تسببت في حدوث 30 عام من الفياضانات المستمرة والتي تبعتها 30 عاماً آخرى من الجفاف ، وقد إقترح خبراء المناخ ان هذا التغير المناخي قد تسبب في فناء شعب الموتشي ، بينما إكتشف علماء الآثار بعدها أن بعض المدن قد تم بناؤها فيما بعد عام 650 الذي يقال أنه عام إنهيار الحضارة كلها . وعلى عكس الهيكل الهندسي للمدن التي سبق وتم بناؤها ، كانت هذه الأبنية تمثل قلاعاً وحصوناً أكثر من كونها تمثل هياكل لمدن تصلح للعيش فيها ، ولكن ما من دليل واضح على حدوث اي غزوات خارجية قد واجهت حضارة الموتشي في ذلك الوقت . ما يظهر جلياً لنا هو إستمرار حدوث كوارث طبيعية لمدة 60 عاماً كاملة والتي أجبرت شعب الموتشي على الدخول في حروب أهلية طويلة ، مما تسبب في فناء الشعب كله على يد بعضهم البعض
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جنة الروح
