السيد مقتدى الصدر : قراءةٌ في المشهد السياسيّ الراهن
مشكلة السيد مقتدى الصدر أنَّ الأطراف السياسية الأخرى لا تريد أن تفهم أنَّ الرجل يحمل مشروعاً وطنياً صادقاً، وهم يعاملونه كما لو أنه طامعٌ في السلطة أو راغبٌ في احتكار القرار السياسيّ في العراق، أو كما لو أنه يريد أن يطبق مشروعاً إسلامياً رجعياً متطرفاً شبيهاً بما تنادي به الحركات التكفيرية في العالم الإسلاميّ، بعد أن يتجاهلوا عمداً كلَّ الفوارق الواقعية والمحتملة بين مفهومي الإرهاب والمقاومة.
هذا هو الشقّ الأهمّ من المعضل السياسيّ في التعامل مع السيد مقتدى الصدر، كما تشير إليه مختلف الوقائع الإعلامية والصحافية خلال الأعوام السبعة الماضية، وليس من همنا أن نستعرضها من الناحية التوثيقية والتأريخية في هذا الصدد، لكننا نكتفي بالإشارة الإجمالية إليها، معتمدين على ذاكرة القارئ نفسه ليستحضر في ذهنه الوقائع والأحداث التي تبرهن على هذا الإدعاء.
أما الشقّ الثاني، فهو انَّ هناك سباقاً منقطع النظير بين الأطراف السياسية الآن من أجل السيطرة على الوضع العراقيّ في المرحلة المقبلة، وهم جميعاً لا يريدون أن يكون السيد مقتدى الصدر عاملاً أساسياً في رسم اتجاه العملية السياسية في مستقبل العراق، بل يريدون أن يحتلَّ التيار الصدريّ مركزاً يتناسب مع النظرة الإزدرائية التي يوجهونها إليه، وليس بالضرورة أن يتناسب مع الوزن السياسيِّ الواقعيّ الذي يتمتع به بين ميزان القوى حالياً في العملية السياسية الجارية في العراق.
إذن هناك شقان للمعضل السياسيّ في التعامل مع التيار الصدريّ:
الأول: هو أنَّ القائمتين الكبيرتين الفائزتين تتربَّصان بالتيار الصدريّ، وتشاءان العبور على ظهره إلى ضفة الرئاسة، ثمَّ الإنقلاب عليه، وتوجيه الضربات العنيفة ضدَّه بأكثر مما حصل في الفترة السابقة.
الثاني: إنَّ هذه القوى تنظر إلى التيار الصدريّ نظرةً ازدرائيةً واضحة، فلا تعتبره خليقاً بملء المناصب الحكومية الحساسة، وقيادة الدولة من أعلى الهرم، بل تعتبر وجوده طارئاً من الناحية السياسية، إلا أنه يتمتع بوجودٍ قويٍّ كأمرٍ واقع، ويجب استغلال هذا الوجود، ثمَّ إنَّ المستقبل كفيلٌ بإيجاد الوسائل المناسبة لإزعاج الصدريين وإجبارهم على الإنسحاب من الحكومة، وخوض المواجهات التي تحدُّ من فاعليته السياسية في المستقبل.
أما السيد مقتدى الصدر نفسه، فإنه ملتفتٌ إلى هذا الطراز من التفكير في رؤوس الساسة الموجودين في القائمتين الفائزتين، وهو يفكر بالطريقة التي تجنب التيار الصدريّ خوض هذه الأزمات مستقبلاً، هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى، فإنَّ السيد مقتدى الصدر ملتفتٌ إلى أنَّ هناك برنامجاً سياسياً لدى التيار الصدريّ مختلفاً في الكثير من تفاصيله عن برامج القوى السياسية الأخرى، أقول هذا ليس على أساس الأحاديث الدوبلماسية التي تجري بين التيار الصدريّ والأطراف الأخرى أثناء المفاوضات، فتلك الأحاديث ذات طابعٍ دوبلماسيٍّ، ولا تعكس الواقع الحقيقيّ للأزمة الخلافية بين القوى السياسية المتصارعة في المشهد العراقيّ الآن.
ليس هناك من رغبةٍ في أن يتولى المالكيّ رئاسة الوزراء، كما أنَّ الرغبة مفقودةٌ في أن يتولى أياد علاوي رئاسة الوزراء كذلك، وللصدريين فلسفتهم حول هذا الرفض، وليس هو رفضاً جزافياً، أو رفضاً نابعاً من إصرارٍ على أن يكون رئيس الوزراء من اختيار الصدريين بالذات، لكنَّ المهمَّ هو أن تتوفر حماية المشروع الصدريّ من النسف على أيدي هذين الرجلين وأشخاصٍ آخرين موجودين في قائمتيهما، فمن يكون المقصر في إيجاد الحلّ للأزمة السياسية العراقية الحالية على هذا الأساس.
لا يوجد شخصٌ عاقلٌ في الدنيا يستطيع أن يطالب قائداً لتيارٍ مقاومٍ أن يقدم من التنازلات أكثر مما يقدم السيد مقتدى الصدر على الدوام، وحتى في خيار تشكيل الحكومة الحالية فإنَّ السيد مقتدى الصدر هو المبادر الأول للتنازل عن الكثير من السقف الأعلى لاشتراطاته من أجل أن تجد الأزمة السياسية الحالية طريقها إلى الحلّ، لكن ماذا قدَّم الطرفان الآخران من التنازل من أجل الوصول إلى حلِّ الأزمة؟
الجواب: لا شيء على الإطلاق.
أما المالكيّ، فإنه يصرُّ من جانبه على أن يكون المرشح الوحيد لقائمته، ولو كان وطنياً بما يكفي لما تردد في أن يطرح ثقته برجلٍ آخر من قائمته البالغ عديدها 89 برلمانياً، بل بإمكانه أن يستقدم مرشحاً من خارج القائمة كذلك ليكون مرشحه لرئاسة الوزراء، لكنه يبدي تمسكاً غريباً بأن يكون هو المرشح الوحيد، الأمر الذي لا يمكن تفسيره إلا على أساس الرغبة بالإستحواذ على منصب الرئيس بوصفه منصباً يحوز من خلاله المنافع الخاصة، وليس مهمّاً أن يحقق من خلاله برنامجاً وطنياً متوقفاً عليه كما يزعم، نظراً للمؤشرات التالية:
المؤشر الأول: لا أعتقد أنَّ أحداً يستطيع أن يزعم أنَّ المالكيّ استطاع أن يبلور تجربةً سياسيةً عبقريةً خلال المرحلة السابقة، بحيث لا يمكن التعويض عنه بمرشحٍ آخر للرئاسة، بل إنَّ إخفاقاته حتى في نظر مريديه تجاوزت الحدَّ المعقول في الكثير من المفاصل على صعيد إدارة الدولة.
المؤشر الثاني: إنَّ موقفه يتضمن معنى الإهانة لرفاقه في القائمة، فإذا كان مستقبل القائمة في الحصول على منصب رئاسة الوزراء متوقفاً على تقديم شخصٍ آخر من القائمة، فماذا يكون للتمسك بترشيح نفسه من معنىً سوى تقديم مصلحته الخاصة على المشروع الوطنيّ المزعوم للقائمة ككلّ، إلا أنَّ الغريب أنَّ رفاقه في القائمة راضون بهذه الإهانة، ومستمتعون بها في نفس الوقت.
المؤشر الثالث: إنَّ المالكيّ معروفٌ بأنانيته المفرطة وبدكتاتوريته، ولا يتردد بالغدر برفاق دربه ومسيرته السياسية، وقد ظهر هذا المعنى واضحاً من خلال تصرفه العاقّ مع الدكتور إبراهيم الجعفريّ من جهة، ومن خلال انقلابه على التيار الصدريّ في الفترة السابقة على الرغم من أنَّ التيار الصدريّ كان حليفه المهمّ، بحيث أنه ما كان له أن يكون رئيساً للوزراء لولا عاملان، الأول: تنازل الجعفريّ له عن منصب رئيس الوزراء، والثاني: مساندة التيار الصدريّ له في تشكيل الحكومة.
أما أياد علاوي
فإنه يحاول أن يبدو متزناً من الناحية السياسية أكثر من المالكيّ، فهو يريد أن يظهر أمام الشعب العراقيّ كما لو أنه زاهدٌ بالسلطة، وهذا موقفٌ غريبٌ بالفعل، إلا أنه يعبر عن ذكاءٍ سياسيٍّ حادٍّ أيضاً، لكنَّ الإستمرار في التمسك بترشيح نفسه من شأنه أن يعرض هذه الصورة الجميلة التي يشاؤها لنفسه للزوال طبعاً.
الحقيقة أنَّ موقف السيد أياد علاويّ لا يختلف في مضمونه السياسيّ عن موقف السيد المالكيّ في كلِّ الحالات، لا سيما إذا أخذنا في نظر الإعتبار الإنتباه إلى النقاط التالية:
النقطة الأولى: إنَّ علاوي يزعم على طول الخطّ أنَّ قائمته وطنية، وأنها تثق بكلِّ الأطراف والشخصيات التي تتكون منها القائمة، وعلى هذا الأساس، كيف يمكن لعلاوي وحاشيته الزعم بأنه المرشح الوحيد الكفؤ في القائمة.
النقطة الثانية: إنَّ علاوي لم يقدم تنازلاً بسيطاً حتى الآن، بل هو مشغولٌ بمناكدة المالكيّ أكثر مما هو مشغولٌ بالمشروع الوطنيّ الذي ينقذ العراق من أزمته السياسية الراهنة، وهذا واضحٌ من تمسكه الغريب بسقف مطالبه التي من بينها إصراره على تشكيل الحكومة برئاسته هو على وجه التحديد.
النقطة الثالثة: يتضمن موقف علاوي بالإصرار على ترشيح نفسه للرئاسة معنىً مشابهاً لما أشرنا إليه في المؤشر الثاني بخصوص إصرار المالكيّ على ترشيح نفسه للرئاسة.
أما التيار الصدريّ، فإنه لا يضع قيوداً على القائمتين في تشكيل الحكومة سوى قيدٍ واحدٍ لا غير: وهو أن يرشِّحا بدلاً منهما شخصين آخرين لتولي الحكومة، وسيكون التيار الصدريّ ومعه كلُّ قوى الإئتلاف مستعداً للتحالف معه من أجل تشكيل الحكومة، وأعتقد أنَّ هذا مطلبٌ يسيرٌ للغاية لولا أنَّ الغاية شخصيةٌ وانتهازيةٌ في نظر المالكيّ وعلاوي على السواء، إذ ينظر كلٌّ منهما إلى نفسه كما لو أنَّ البطون قد عقمت عن أن تلد عبقرياً مثله في إدارة الحكومة.
د. إبراهيم ضيف الله