بجداتنا سرٌ عجيبٌ كأنّه
حجابٌ إلهيٌ وحِرزٌ مُحرّزُ
يحيرني اطمئنانهنّ كأنّما
تفهمنَّ حل اللغز والدهرُ يُلغزُ
ترى امرأةً في كفّها و جبينها
من الشعرِ و التاريخِ نصٌ مُرَمَّزُ
تتالى عليها الحاكمونَ كأنهم
هم الخرزُ المنظوم والعمرُ مِخرَزُ
و يشرحُ ميزانَ القوى كلُّ حاكمٍ
لها منذ آلاف السنينِ فيعجَزُ
تهدُّ اعتباراتِ السياسَةِ كلّها
إذا ذهبت تحتَ القنابل تخبزُ
وقد وضعت حُكّامَها في مناخلٍ
وقامت تُنَقّي ما تشاءُ و تفرزُ
لها دولةٌ في باحة البيت، شعبها
دخانٌ وجيرانٌ وبُنٌّ مُركّزُ
تجّمِعُ أشتاتَ الضيوف لأنّها
ترى الناسَ كنزاً من كرامٍ فتكنزُ
و تبصِرُها في زحمة الجسرِ وحدها
على اللّطف من ربِ السما تتعكَّزُ
وجنديَّةٌ من روسيا و رفاقها
إذا ما رأوها أوجسوا و تحرّزوا
يظّنون تحتَ الثوبِ منها عساكراً
بأفتك أنواعِ السلاح ستبرزُ
فسلّم على جيشِ الدفاع فإنه
يُهدّدُهُ شالٌ وثوبٌ مُطرّزُ
...
بشالٍ و ثوبٍ تمرُّ على الجسرِ
مبروكة الصدر و الخصرِ
لا بدّ يؤلُمها حين تُحشر في الشِعرِ
مقعدها في القصيدةِ مثل مقاعد حافلة الجسر غير مريحْ
فمعنى الأمومةِ والأرضِ والوطنيةِ أصغر مِنها
و إغداق شاعرها بالرموز عليها و ذكر الأساطير أمر قبيحْ
أنا لن أُشبّهُ وجهَكِ بالنحت في الصخرِ
أو جود كفيّك بالحقلِ والنهرِ
أو بنساءِ آشور وبابلَ أو ظبية البرِّ
لا في الطبيعةِ أنتِ ولا في الخيالِ
تعاريج كفّكِ مخطوطةٌ كُتبت كالوصيّةِ
فهي وثيقةُ ملكيّة للبلاد و تاريخ أنسابنا العربيّةِ
أنتِ براءةُ هذهِ الجبال الخصيبةِ من تهمة الحجريّةِ
يا جدّة التين والبرتقال
كأنكِ أنتِ اخترعتِ الجبال
أقول اخترعتِ الجبال اختراعاً
ولم تتشكل بمر العصور
و لكن دعوتِ فجاءت تباعاً
كأن الجبالَ كلامٌ يدور
كلامٌ نطقتِ بهِ أولاً
ثم صارَ صداهُ جِبالاً
صدىً من صدى، تتكرر أقواسها في المدى
ليس تعيَ البلادُ بإنشادها
وكأن الجبال إليكِ ومنكِ
أحاديثُ تُروى بإسنادها
...
و يا جدّة التينِ والزعترين
المجففِ والأخضرِ الجبليّ
و يا جدّة الحربِ والهجرتينِ،
سلامٌ على طِبِّكِ المنزليّ
إذا أنتِ دلّكتِ بالزيتِ صدر الزمان،
كما تفعلين مع الطفلِ حينَ يُحمّ
سلامٌ عليكِ،
تُغنينَ صوتَ العتابا،
فتستأنسينَ الألم
و دوماً تُصرّينَ أنكِ لا تُكملينَ القصص
فإنَ النهايةَ عندكِ معدومةٌ و العدمُ
وأنتِ نقلتِ الحديقةَ حينَ ارتحلتِ إلى شُرفةٍ في المخيمِ
شتلة صبرٍ و ريحانةً
فالعشيرةُ لاجئةٌ في الخِيم
والحديقةُ لاجئةٌ في الأُصص
ثم بالملجئينِ صنعتِ بيوتاً يُؤهلُ فيها بقصّادِها
و فيك ركانةُ قاضيةٍ، و فصاحةُ طالبةٍ للحقوق
و في اللهجة القُروية، أعشق تصغيركِ الوقتَ، حين تُسمينه بالوُقيتِ
كأنّ الزمان صغيرٌ تُربّينهُ
و إذا ما تهددهُ عارضٌ ما، سَتحمينهُ
و هو غولٌ، و لكن طبعكِ لا يرتضي أن في الأرضِ شيئاً يُسمّى العقوق
و يا جدتي أنتِ طيبةٌ، غير أنكِ لستِ ملاكاً
و فيكِ من الخُبث شيءٌ مليح
كذبتِ على الحاكم العسكريّ
و زوّرتِ في سن طفلكِ كي يدخلوه صغيراً إلى صفّه المدرسيّ
و تُعطين بعض القريباتِ من عِنب الدار ما يشتهين
ويعلمنَّ أنكِ لستِ تحبينهنَّ كما تعلمين
وقد يبتسمنَ فتبتسمين
و عندكِ خُبثُ الطيور تحاول أن تتفادى الحِبال
و لكنّ خُبثكِ خبثٌ بريءٌ على أيّ حال
جمعتِ الصفاتِ بأضدادها
تمرّ على الجسرِ
تحمل ما لا يُطاق من الأمر
هَمّ البلادِ ؟ نعم
و كذلك زيتاً لأحفادها
و صُنوفاً من الجُبنِ و المَريَمِيَّةِ
أو قُل صُنوفاً من الحِكمةِ الأبديّةِ
مخبوزةً في الطوابينِ
مفروشةً كالبساتينِ
مقطوفةً من على شجر التينِ
أو كُتب الشعرِ و النثرِ و الدِّينِ
رأساً إلى قاع زُوّادِها
و ما كنتُ أدري
لماذا تُصمم دوماً على حمل كل صنوف الثمار
التي خلق الله في زحمة الجسر
حتّى رأيتُ مجنّدةً عندها تسعتان من العمرِ
وهي تفتّشها
وتُفتّح كل حقائبها
ثم تفرُشُها
لأرى بلداً كاملاً فوق مِنضدة الفحص يُنشر مثل العلم
فقل للعساكر في الجسر يا أمةً من غبار الأمم
و يا من تهينون أهل الكرامة للعنصرية أو للسأم
إلى أن تكونَ لكم جدّةٌ مِثلَنا
إلى أن يدور الزمانُ و أن تحمِلوا حِملنا
إلى أن تروا أن قتل سِوانا لكم لا يُحِلّ لكم قتلنا
إلى أن يكون لكم مثلُ هذا
تنحّوا
و خلّوا الطريق لجداتنا أن تَمُرَّ
لتجعلكم قصّةً
عِبرةً
مثل كل من احتلّنا
هكذا ببراءة حجيّةٍ
لا بقصدٍ ولا نيّةٍ
و بعفويّةٍ
و هي تصنع شاياً لنا