تمشي وكأنك غريب عن هذا المكان،
لاشيء يعرفك، ولاتعرف شيئاً،
رغم أنك بينهم منذ سنين،
ولا حاجة لك في ذلك إلا أن تمشي في طريقٍ،
لاتخاف الضلال بعدها.
تهترئ من الشوق، وتتعرى من الحكمة،
ولاتجدُ في روحك إلا صخباً،
أي ألمٍ ذاك الذي يصنعُ في الروح ضجيجاً ...!!
من ذا الذي يحرق بقايا نبوءات الفرح بداخلك،
ويصنعُ بدلاً منها، ترانيم الحزن والأوجاع،
تلك التي ترسمك في غيابها وتماديها،
فلا تجد نفسك إلا وأنت منصهراً في تفاصيلها السامجة،
ومن منا لم يغرق يوماً في تفاصيل وجعه حتى ذاب فيها كالشمع المنصهر .
تسمع أصواتاً غريبة، تتحرك في داخلك، تظنه التغريد التي يرنو،
وتظنه عبثاً أنشودة الفرح، ولكنك في نهاية المطاف
تدرك أن قلبك لم يعد يحتمل كل هذا الكذب،
فأنت امرء موجوع، سرقتك الألام من لياليك الحالمة،
وزرعتك في صحرائها،
فتبدو كالحادي الذي ضل عن الركب،
وظل يغني وحده .
يا ضجيج الروح مهلاً
رفقاً بنا، وبقلوبنا الصغيرة،
فلا تحمّلنا فوق إرادتنا المهترئة، ولا تجزعنا بغربتنا،
ولا وحدتنا، ولاصمتنا الطويل، ولا حتى ابتساماتنا المؤقتة،
تلك التي نصنعها أمام الملأ، ونحن لاندرك
حجم الوجع الذي يتربع تحت ثغورنا الملتهبة
ملحاً من فيض الدموع التي أحرقت عيوننا وشفاهنا،
وبررت حضورها بفرحٍ كاذب .
لا تسكن الروح إلا في حضرة خالقها،
ولا تنم إلا بين كفي رحمانها،
لكنها روحٌ تشف عن الصمت والصوت،
وتميل مع القلب، وتحيا مع حياته، وتجزع من الفرقة والحرقة،
وتخاف من وحدتها وصمتها وصهيل حزنها الليلي،
ودوامات الشوق، ومحطات الانتظار، وبطاقات العيد التي لم تصل .
إنها النفس التي تموت ألف مرة،
احتراقاً من المكان والزمان، ورغبة في اختراق الحدود والسدود،
والبحث عن حقيقة الوجود، ومآثر الخلود .
لم تكفني صفحة البوح القصير!
*فكان لا بد لها من بوحٍ اطول
هو الوجع الذي يسرق ايامنا ويخز ظهورنا
كلما اردنا النوم هو السكين الذي يجرح جلدنا
فيخترق قلبنا دون ان نراه
ذلك الوجع لو كان رجلاً لقتلته