مأساة عائلة..
بقلمي/ وهيبه خالد
كل تفاصيل قصتي حقيقية تحكي مأساة عائلة أعرفها جيداً.. بكيت لحالها حين حدثتني..فأحببت نقل أنينها بين سطور كلماتي.
ماذنب ُ أبٍ يُسرقُ منا برصاصٍ غدار بدون سبب ؟!
وماذنب ُ أمٍ تُؤخذُ منا بإهمالِ طبيب ؟!
كنا ثلاثة أطفال..
وأختٌ متزوجة..وأخٌ مسافر..
نقطنُ في بيتٍ بسيط مع شمعدانِ حياتِنا-أبي وأمي- كانت أمي ربة بيت وهي روسية الأصل..
بينما أبي كان منشغلا بإكتسابِ لقمةِ عيشنا.. ولم يكن سوى عاملٍ في الدفاعِ المدني..
كنتُ يومها في المرحلة المتوسطة الأخيرة-أي أن عمري لم يتجاوز الخامسة عشر-
و أخي الأصغر في المرحلة الأبتدائية..في حين أن أختي الصغرى لم تتجاوز السنة ونصف..
ما زلتُ أذكرُ ذاكَ الشهرَ
و اليومَ جيداً.. كيف لا.. وهم حرمونا لذةَ الإفطارِ معه.. وحرمونا سماعَ صوتِه يوقظنا قبل السحور..
صفعوني و إخوتي بأخذهِ منا بلا سبب..
أوجعونا وأبكونا دماً..ولم يحرك أحدٌ ساكناً..
سأخبركم قصتَهُ بحذافيرها..لكن رجاءً أخبروني إن كان حقاً قد اقترف ذنباً..
أنتم أكثر من تعلمون مامرت به مدينتنا من أحداثِ الرصاصِ الغدار الذي كان يُقذفُ من دراجاتٍ ناريةٍ بلا هوية..بلا ضمير وبوجوه ملثمة..
إعتاد أبي أن يأخذ ريماس-أختي الصغرى- بالدراجة عصرَ كل يوم في رمضان..
حتى يتيح لنا التفرغ لإعدادِ الفطور..ويأتينا قبل أذان المغرب بنصفِ ساعة..
لم يعدْ أبي ذاك اليوم قبل موعده..
كنا نتصل به ولا يرد..
لم نكن نعلم أن بتأخره كان يصارعُ الموتَ هناك بأحد الشوارع..
ولكن أحقاً فعلوها أمام عيني ريماس..
أجل..
فعلوها بوحشية..
حين لمحهم ولمح المسدس موجه إليه..
ماكان منه إلاّ أن يُنْزل ريماس من الدراجة بسرعةِ البرق..
خوفاً أن يصيبها شظايا رصاص..
ما إن أوصلها للأرض..
حتى اخترقت رصاصتهم جسده..
تركوه يموتُ بين يديها..
لازلت أذكرُ فستانها الذي كانت ترتديه..
فأنا من أَلبستُها إياه..ولكنها أتتني به مضرجٌ بدماءِ أبي.. يمر ذلك المشهد أمامي كلما رأيتُ ذاك الفستان..
فقد احتفظتُ به في خزانةِ ملابسي..
وهكذا كان أبي أحد ضحاياهم..
والفاجعة الكبرى هي أن ..
أبي لم يكن ضحية ككلِ ضحاياهم..
بل كان الضحية الخطأ..
لم يكن هو المستهدف..
بل إخوته..
كانوا يستهدفون كُل من له نصيب بالأمن السياسي..وهو لم يكن كذلك..
لم نكن حينها في مدينةِ المكلا..كنا في إحدى المدنِ القريبةِ منها..
ولكن بعد تلكَ الحادثة انتقلنا للمكلا لنكون بالقربِ من أعمامنا.. ليتحسسوا أخبارنا..
ونعم الأعمامِ هم.. كانوا كالأبِ الحنون علينا..
سمعت ريماس مرة تقول لأحدى أعمامي.. سأدعوك بابا لأنك تشبهه كثيراً.. إنهرت أبكي خفيةً.. وماذا عساي أن أفعل سوى ذرف الدموع؟!!
بعدها بسنة تقدمَ ابن خالتي من روسيا لخطبتي..
وافقتُ بموافقةِ أمي لي..على أن يكون العرس بعد إكمالي الإعدادية..
وبدأ الفرح يلوحُ لنا شيئاً فشيئاً..
أكملتُ دراستي.. وتم تحديدُ عُرسي في شهرِ ثمانية سنة 2018..
كنا نرتب ونجهز أنا وامي.. تبقت لنا بعضُ الأشياء..
أردنا شراءَها برمضان أو بشوال لأنهُ لايزال معنا وقت..
كنتُ أُريد..
وكانتَ تُريد..والله يفعلُ مايريد..
في أحد الأيام سقطت أمي بالخلاء..
كانت تعاني من إرتفاعِ الضغط..
سقطت وكان سقوطها كنيزك أحدث هزة أثارت براكين قلبي فجعلهُ هشاً لايقدرُ على شي..
أسعفناها للمستشفى..و أي مستشفى..
ذاك كان قبر أمي..
هي بغيبوبة..
ادخلوها غرفة العناية المركزة..
وأي عناية..
كانت تلك غرفة الإنعاش..لا ليس هكذا تُكتب.. هي من المفترض أن تُكتب عندنا (إن-عاش) حتى يُوقن من يدخلها أن فرصتهُ بالعيشِ دون الصفر..
لم أتذمر من قدرِ الله..وأنه ربما كان يومها.. ولكن لا أحد يعلم كميةَ الإهمال الذي يُكابِدُه من يدخل تلك الغرفة..
لا أحدَ يعلم سوى أنا ومن ظل بجانب عزيزٍ له هناك.. وحدنا نعلم أن لو كان هناك ذرةَ اهتمام.. ذرةَ إِنسانية.. لعاش الكثيرون..
ولكنكم سَلبتم الأرواح بإهمالكم..
قبل أن يسلِبها ربها منهم..
وهكذا فاضت روحها هي الاخرى قبل أن نبلغ رمضان هذا العام بأيامٍ معدودة..
ذهبَ الإِثْنَان..
وتركوا لي طفلتهما التي لم يتجاوز عمرها اليوم الخمس سنوات..
ماذا عن موعدِ عُرسي؟!
كيف لي أن ارحل بعيداً هناك..
واتركهم هنا يقاسون فراقي أنا الاخرى..
أختي تخبرني بأن أتزوج..
ولكن أي زواجٍ هذا..زواجٌ سيحمِلُنِي بعيداً عنكم..
لا أستطيعُ فعلها..ولا أستطيعُ إخبارَ خالتي بأني لم أعدْ أريدُ الزواج..
حيرتي تكادُ تقتلني..
و أدمعي تكادُ تُعمي عينيّ..
وقلبي يكادُ ينفطر..
ماذا أفعل يا الله؟!
أرجوكَ خُذْ بيدي واكتبْ لي قدرك وارضِني به.. فأنا إلى هذهِ الساعة تائهة ..
لدى موقع سما نيوز
https://smanews.org/news/90021
لدى موقع اليوم الرابع
http://alyoumalrabeanews.net/2018/07...به-خالد/
لدى موقع 21حضرموت
https://www.hadramout21.com/2018/07/11/82315