نسب ابن الشجري
هو الشريف ضياء الدين أبو السعادات هبة الله بن علي بن محمد بن حمزة، ينتهي نسبه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، ويُعرف بابن الشجري، وقد اختلف في هذه النسبة؛ فقال ياقوت: "نسبةً إلى بيت الشجري من قِبَلِ أُمِّه". وقال ابن خلكان: "هذه النسبة إلى شجرة، وهي قريةٌ من أعمال المدينة، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، وشجرة -أيضًا-: اسم رجل، وقد سمَّت به العرب ومن بعدها، وقد انتسب إليه خلقٌ كثيرٌ من العلماء وغيرهم، ولا أدري إلى من ينتسب الشريف المذكور منهما، هل هو نسبةً إلى القرية، أم إلى أحد أجداده، كان اسمه شجرة، والله أعلم".
ونقل الصفدي عن بعضهم أنَّه كانت في دارهم شجرة ليس في البصرة غيرها، ومثل هذا حكى السيوطي، لكن عنده: "ليس في البلد غيرها". وجاء بهامش مطبوع عمدة الطالب، نقلًا عن مخطوطته: "الشجري منسوبٌ إلى شجرة، وهي قريةٌ مشرفةٌ على الوادي، على سبعة أميالٍ من المدينة".
مولد ابن الشجري وأسرته
وُلِد ابن الشجري ببغداد في شهر رمضان، سنة (450هـ=1058م)، ولم تذكر كتب التراجم شيئًا عن أسرة ابن الشجري سوى أنَّ والده كان نقيبًا للطالبيِّين بالكرخ، ثم ذكر ابن عنبة في "عمدة الطالب" أنَّ عَقِب ابن الشجري انقرض، وأنَّ لأخيه بقيَّةً بالنيل والحلَّة.
عصر ابن الشجري
عاصر ابن الشجري من خلفاء بني العباس: القائم بأمر الله، والمقتدي بأمر الله، والمستظهر بالله، والمسترشد بالله، والراشد بالله، والمقتفي لأمر الله.
وقد وُلِد ابن الشجري ومات ببغداد، وكانت يومئذٍ تحت سلطان السلاجقة، الذين دخلوها عام 447هـ بقيادة محمد بن ميكائيل ابن سلجوق المعروف بـ طغرلبك، الذي عمل مع جنده على إعادة الخليفة العباسي القائم بأمر الله من الحديثة إلى بغداد، ورجَّع الخطبة باسمه، ثم أزال مُلْكَ بني بويه من العراق وغيره.
وقد أفاض المؤرِّخون في الحديث عن التحوُّلات السياسيَّة والاجتماعيَّة التي طرأت على المجتمع البغدادي في ظلِّ الدولة السلجوقيَّة، والذي يعنينا فى هذا المجال حركة الفكر والثقافة، وأودُّ أن أُشير إلى أمرٍ هام، يغفل عنه كثيرٌ من الدراسين حين يسرفون في تقسيم العصور إلى عصور علوٍّ وعصور انحطاط؛ فالمتتبع لحركة الفكر العربي في عصوره المختلفة يروعه هذا الحشد الكبير من العلماء وطلَّاب المعرفة؛ فلم يكد ينتصف القرن الثاني الهجري حتى اندفع العلماء في الجمع والتصنيف، فعمرت حلقات الدرس بالطلاب، وزخرت المكتبات بالتآليف في شتى فروع الثقافة، وقد شمل هذا النشاط العالم الإسلامي كلَّه؛ مشرقة ومغربه، ولم يفضل عصر أو مَصْر سواهما إلَّا ما يكون من بعض الفروق اليسيرة التى تفرضها طبائع الزمان والمكان، أمَّا حركة العقل العربي من حيث هي فلم تخمد جذوتها، ولم تسكن حدَّتها، بتغيُّر الحكام أو تبدُّل الأيَّام.
وإن أردت أن تعرف صدق ما أقول فانظر إلى ما اشتمل عليه القرنان السادس والسابع من كبار المفكرين والعلماء، مع أنَّ هذين القرنين قد شهدا أعنف هجومٍ تعرَّضت له الأمَّة الإسلاميَّة؛ الحروب الصليبيَّة والغزوة التتريَّة، وقد كان هذا الهجوم الكاسح كفيلًا بالقضاء على الأمَّة الإسلامية، لولا دفعُ الله وصيانته بما أودعه في روح العقيدة الإسلامية من عوامل النَّماء والبقاء والازدهار.
فهذا العصر السلجوقي الذي عاش فيه ابن الشجري لم يتميَّز على غيره من العصور، من حيث وفرة العلماء وكثرة التصنيف، إلا ما كان من التوسّع في إنشاء المدارس، فلم يعد المسجد هو المكان الوحيد الذي يتحلّق فيه التلاميذ وطلاب المعرفة، بل ظهر إلى جواره المدارس التي تنافس سلاطين السلاجقة ووزراؤها في بنائها، ويبرز من بين رجالات هذا العصر وزير كبير، هو نظام الملك الحسن بن على بن إسحاق الطوسي، المولود في سنة 408هـ، والمقتول بيد الباطنية سنة 485هـ، وهذا الرجل كان من جلّة الوزراء. "وكانت مجالسه معمورة بالعلماء، مأهولة بالأئمة والزهاد، لم يتَّفق لغيره ما اتَّفق له من ازدحام العلماء عليه، وتردادهم إلى بابه، وثنائهم على عدله، وتصنيفهم الكتب باسمه".
وقد بنى نظام الملك أشهر مدرسة في تاريخ المدارس الإسلاميَّة، وهي المدرسة النظامية ببغداد، سنة 457هـ، ثم بنى مدارس أخرى في عواصم كثيرة، فيقال: إنَّ له في كلِّ مدينةٍ بالعراق وخراسان مدرسة. وقد أقام نظام الملك هذه المدارس على أسس مذهب السنة، ليحارب المذاهب الأخرى كالشيعة والباطنية، ثم وقف عليها ضياعًا وحمامات ودكاكين للإنفاق عليها، ويقال: إنَّ نظام الملك هو أول من قدَّر المعاليم للطلبة. ثم تنافس وزراء السلاجقة بعد ذلك في تأسيس المدارس وجلب العلماء إليها.
وقد شهد هذا العصر كوكبةٌ من أفذاذ الفقهاء والعلماء في مختلف فروع الفكر الإسلامي، أذكر منهم إمام الحرمين الجويني، وأبا إسحاق الشيرازي، والقشيري، وأبا حامد الغزالي، وأبا الوفاء بن عقيل، والدامغاني، والزوزني، وعبد القاهر الجرجاني، والخطيب البغدادي، وأبا سعد السمعاني، والميداني، والتبريزي، والزمخشري، والجواليقي، وابن الخشاب، وأبا البركات الأنباري.
وقد كان لابن الشجري خصوصيَّةٌ ببعض هؤلاء الأعلام؛ فقد تلمذ للتبريزي وأخذ عنه اللغة والأدب، ثم كان شيخًا لابن الخشَّاب وأبي البركات الأنباري، وحكى ابن خلِّكان في ترجمة ابن الشجري، قال: "وذكره الحافظ أبو سعد السمعاني في كتاب الذيل، وقال: اجتمعنا في دار الوزير أبي القاسم علي بن طراد الزينبي وقت قراءتي عليه الحديث، وعلقت عنه شيئًا من الشعر في المدرسة، ثم مضيت إليه وقرأت عليه جزءًا من أمالي أبي العباس ثعلب النحوي".
أمَّا الإمام الزمخشري؛ فقد ذكر أبو البركات الأنباري في ترجمته، قال: "وقَدِمَ إلى بغداد للحج، فجاءه شيخنا الشريف ابن الشجري، مهنِّئًا له بقدومه، فلمَّا جالسه أنشده الشريف، فقال:
كَانَـــتْ مُسَــاءَلَةُ الرُّكْـــبَانِ تُخْبِرُنِي *** عَنْ أَحَمْدَ بْنِ دُوَادٍ أَطْيَبَ الْخَبَرِ [1]
حَتَّى الْتَقَيْنَا فَلَا وَاللهِ مَا سَمِعَتْ *** أُذُنِي بِأَحْسَنَ مِمَّا قَدْ رَأَى بَصَرِي
وأنشده -أيضًا-:
وَأَسْتَكْثِرُ الْأَخْبَارَ قَبْلَ لِقَائِهِ *** فَلَمَّا الْتَقَيْنَا صَغَّرَ الْخَبْرُ الْخَبَرَ
وأثنى عليه، ولم ينطق الزمخشري حتى فرغ الشريف من كلامه، فلمَّا فرغ شكر الشريف وعظَّمه وتصاغر له، ودعا له وأثنى عليه. قال: فتعجَّب الحاضرون من كلامهما؛ لأنَّ الخبر كان أليق بالشريف، والشعر أليق بالزمخشري".
شيوخ ابن الشجري
تتلمذ ابن الشجري لمشيخة جليلة من علماء عصره، وأنا ذاكرهم بترتيب وفياتهم:
1- الشريف أبو المعمَّر يحيى بن محمد بن طباطبا العلوي: كان عالما بالشعر والأدب، وإليه انتهت معرفة نسب الطالبيِّين في وقته، تُوفِّي سنة 478هـ.
2- أبو الحسن علي بن فضَّال المجاشعي القيرواني: صاحب المصنَّفات في العربية والتفسير، تُوفِّي سنة 479هـ.
3- أبو الحسين المبارك بن عبد الجبَّار بن أحمد بن القاسم الصيرفي: من كبار الحفَّاظ، يقال: كان عنده ألف جزءٍ بخطِّ الدارقطني، تُوفِّي سنة 500هـ، وقد روى ابن الشجري عنه كتاب "المغازي" لسعيد بن يحيى الأموي، كما ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء.
4- أبو زكريا يحيى بن علي الخطيب التبريزي: من أئمَّة النحو واللغة والأدب والعروض، تُوفِّي سنة 502هـ، وقد ذكر صاحب كتاب "نضرة الإغريض" شيئًا من مرويَّات ابن الشجري عن شيخه التبريزي، قال: "وروى لي الغزنوي عن هبة الله المعروف بابن الشجري، قال: حدثني أبو زكريا التبريزي، قال: كنت أسأل المعرِّي عن شعر أقرؤه عليه، فيقول لي: هذا نظمٌ جيِّد، فإذا مرَّ به بيتٌ جيِّد، قال: يا أبا زكريا هذا هو الشعر".
5- أبو علي محمد بن سعيد بن نبهان الكرخي الكاتب: مسند العراق، وهو صاحب شعر وأدب، وكان فيه تشيُّع، تُوفِّي سنة 511هـ.
6- أبو البركات عمر بن إبراهيم بن محمد العلوي الزيدي الكوفي: من أئمَّة النحو واللغة والفقه والحديث، تُوفِّي سنة 539هـ، قال القفطي في ترجمته: "وسافر إلى الشام وأقام بدمشق مدَّة، ثم بحلب مدَّة، وقرأ بها "الإيضاح" لأبي علي الفارسي في سنة خمس وخمسين وأربعمائة على رجلٍ يُقال له: أبو القاسم زيد ابن علي الفارسي، عن خاله أبي علي الفارسي، وروى هذا الشريف الكتاب -أعني الإيضاح- بهذا الطريق بالكوفة المدَّة الطويلة، وأخذه عنه بهذا السبيل الجمُّ الغفير من علماء الرواة والنحاة".
7- أبو الفرج سعيد بن علي السَّلالي الكوفي: ذكر تلمذة ابن الشجري له ياقوت والصفدي والسيوطي، ولم أقف له على ترجمة، وقد ذكره ابن الشجري في المجلس السادس والستين من الأمالي، ونقل من خطِّه فائدة عن أبي العلاء المعرِّي.
هؤلاء هم شيوخ ابن الشجري الذين ذكرهم مترجموه، ولم يُصرِّح ابن الشجري في "أماليه" بأيٍّ منهم، إلَّا بأبي الفرج السَّلالي وأبي المعمر بن طباطبا، والتبريزي، أمَّا ابن طباطبا فقد كان يفتخر به، وقد ذكره مرَّةً واحدةً في الأمالي، في إنشاد شعرٍ لحاجب بن زرارة، وأمَّا التبريزي فقد صرَّح بالنقل عنه في غير موضعٍ من الأمالي، ثم تعقَّبه في بعض شروحه على شعر المتنبي، وقد أنشد ابن الشجري عن الطغرائي شيئًا من شعره، والطغرائي هو إسماعيل بن علي، وهو صاحب "لاميَّة العجم" الشهيرة (تُوفِّي سنة 513هـ)، هذا وقد ذكر محقِّقا كتاب "الجمان في تشبيهات القرآن" لابن ناقيا البغدادي، ذكرا أنَّ ابن الشجري قد تلمذ لابن ناقيا، وأنَّه أثنى على مصنَّفاته، وأنَّه سمع منه كتابه "الجمان"، ثم نقلا عن ابن الشجري قوله في وصف ابن ناقيا: "شاعر مطبوع". ثم قوله في وصف الكتاب: "سمعته منه ولم يسبق إلى مثله". ولست أعرف من أين جاء المحقِّقان بهذا الكلام، فقد تتبَّعت ترجمة ابن الشجري ثم ترجمة ابن ناقيا، فلم أجد أحدًا ذكر علاقة بين الرجلين، ثم رأيت الدكتور مصطفى الصاوي الجويني قد نبَّه على هذا الوهم، وذكر أنَّ قائل هذا الكلام في وصف ابن ناقيا وفي وصف كتابه هو أبو نصر هبة الله بن علي بن المجلي.
تلاميذ ابن الشجري
جلس ابن الشجري للناس جلوسًا عامًّا حين أملى "الأمالي"، وقد أقرأ -أيضًا- كتابه "الانتصار" الذي ردَّ به على انتقادات ابن الخشَّاب، ثم كانت له حلقةٌ بجامع المنصور يوم الجمعة، يُقرئ الناس فيها الأدب والنحو، فكثر تلاميذه والآخذون عنه، على أن كتب التراجم قد أفردت بعض هؤلاء التلاميذ بالذكر في ترجمة ابن الشجري، ثم في تراجم هؤلاء التلاميذ أنفسهم، وأنا ذاكرهم -كما صنعت في ذكر شيوخه- بحسب وفياتهم:
1- أبو منصور محمد بن إبراهيم بن زبرج العتَّابي: له معرفة بالنحو واللغة وفنون الأدب، تُوفِّي سنة 556هـ.
2- أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني: الحافظ الكبير، صاحب كتاب "الأنساب" وغيره، تُوفِّي سنة 562هـ، وقد قرأ على ابن الشجري جزءًا من "أمالي ثعلب" كما سبق.
3- أبو الغنائم حبشي بن محمد بن شعيب الواسطي الضرير: النحوي المقرئ، تُوفِّي سنة 565هـ، وقد ذكره ابن الشجري في المجلس الحادي والثلاثين من "الأمالي" مجيبًا له عن بعض مسائل من الإعراب، وقد رأيت سماعًا لحبشي هذا على ابن الشجري بآخر نسخة الرباط من "الأمالي"، وتاريخ هذا السماع سنة 539هـ.
4- أبو محمد عبد الله بن أحمد، المعروف بابن الخشاب النحوي البغدادي: من كبار النحاة المعاصرين لابن الشجري، وهو صاحب كتاب "المرتجل في شرح الجمل" لعبد القاهر الجرجاني، أخذ عن ابن الشجري، ثم أورد عليه بعض الانتقادات، يأتي ذكرها في حديثي عن "الأمالي"، توفي سنة 567هـ.
5- أبو الحسن علي بن أحمد بن بكري -ويقال: علي بن عمر بن أحمد ابن عبد الباقي بن بكري. خازن كتب المدرسة النظاميَّة، توفي سنة 575هـ.
6- أبو الحسن علي بن عبد الرحيم بن الحسن السلمي الرقي البغدادي المعروف بابن العصار: من علماء النحو واللغة، تُوفِّي سنة 576هـ.
7- أبو البركات عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله الأنباري: صاحب "الإنصاف في مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيِّين"، ومن كبار علماء العربية في القرن السادس، ومن أنبه تلاميذ ابن الشجري، تُوفِّي سنة 577هـ.
8- أبو الفرج محمد بن أحمد بن حمزة بن جيا: الشاعر الأديب، تُوفِّي سنة 579هـ.
9 - أبو العباس الخضر بن ثروان بن أحمد الثعلبي الضرير: تُوفِّي سنة 580هـ.
10 - أبو محمد الحسن بن علي بن بركة النحوي المقرئ الفرضي: المعروف بابن عَبِيدَة-بفتح العين-تُوفِّي سنة 582هـ.
11 - أبو الفرج محمد بن الحسين بن علي الجفني: النحوي اللغوي، المعروف بابن الدبَّاغ، تُوفِّي سنة 584هـ.
علم ابن الشجري وخلقه
استفاضت كتب التراجم بالثناء على ابن الشجري، ووصفه بالجلالة وغزارة العلم، فيصفه تلميذه أبو البركات الأنباري بأنَّه "كان فريد عصره ووحيد دهره في علم النحو، وكان تامَّ المعرفة باللغة، وكان فصيحًا حلو الكلام حسن البيان والإفهام". ثم قال في آخر الترجمة: "وكان الشريف ابن الشجري أنحى من رأينا من علماء العربيَّة، وآخر من شاهدنا من حذَّاقهم وأكابرهم".
وقال ياقوت عنه: "كان أوحد زمانه وفرد أوانه في علم العربيَّة، ومعرفة اللغة وأشعار العرب وأيَّامها وأحوالها، متضلِّعًا من الأدب، كامل الفضل ... وأقرأ النحو سبعين سنة". ويقول ابن النجار -فيما حكى عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء-: "ابن الشجري شيخ وقته في معرفة النحو، درس الأدب طول عمره، وكثر تلامذته وطال عمره". وقال الذهبي في "تاريخ الإسلام": "أحد الأئمَّة الأعلام في علم اللسان ... وطال عمره، وانتهى إليه علم النحو، ومتع بحواسِّه وجوارحه".
وبمثل هذه الأقوال قال كلُّ من ترجم لابن الشجري، ثم امتدحوا "أماليه"، وقد تجلَّى علم ابن الشجري في هذه المعارف التي ملأ بها كتابه "الأمالي"، التي تدلُّ على تبحُّره وعلوِّ مقامه.
وكما أثنى المترجمون على علمه أثنوا على خُلُقِه، فيقول أبو البركات الأنباري: "وكان وقورًا في مجلسه، ذا سمتٍ حسن، لا يكاد يتكلَّم في مجلسه بكلمة إلَّا وتتضمن أدب نفسٍ أو أدب درس، ولقد اختصم إليه يومًا رجلان من العلويِّين، فجعل أحدهما يشكو ويقول عن الآخر: إنَّه قال فيَّ كذا وكذا، فقال له الشريف: "يا بني احتمل، فإنَّ الاحتمال قبر المعايب". قال الأنباري: "وهذه كلمةٌ حسنةٌ نافعة؛ فإنَّ كثيرًا من الناس تكون لهم عيوب فيغضُّون عن عيوب الناس ويسكتون عنها، فتذهب عيوبٌ لهم كانت فيهم، وكثيرٌ من الناس يتعرَّضون لعيوب الناس فتصير لهم عيوبٌ لم تكن فيهم". ويقول عنه ابن النجَّار: "وكان حسن الخلق رفيقًا".
ولن يغضَّ مِن هذا الوصف الكريم الذي وصف به ابن الشجري ما تراه في "الأمالي" من هجومه الحادِّ وتجريحه العنيف لمن خالفهم أو خالفوه؛ صنيعه مع مكي بن أبي طالب، ثم مع تلميذه ابن الخشَّاب، ومعاصره أبي نزار الحسن بن صافي المعروف بملك النحاة، وقد استعمل ابن الشجري في هجومه هذا ألفاظًا كان الأولى به الإمساك عنها، ولكنَّها غضبة العالم حين يرى حدًّا من حدود العلم قد انتُهِك.
مذهب ابن الشجري
ابن الشجري من ذريَّة جعفر بن الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم؛ فهو حسنيٌّ علوي، وقد عدَّه مؤرِّخو الشيعة من مشايخ الإماميَّة وأكابر علمائهم، وقد تولَّى ابن الشجري نقابة الطالبيِّين بالكرخ نيابةً عن والده الطاهر، وهو منصبٌ دينيٌّ رفيع، يكون لمن يتولَّاه رعاية شئون أتباعه وتفقُّد أحوالهم، وتقسيم الأموال عليهم، وإليه معرفة أنسابهم وحفظها.
ومع انتماء ابن الشجري للعلويَّة، وكونه من أكابر علماء الإماميَّة، لم يؤثَرْ عنه أنَّه ألَّف أو كتب شيئًا عن عقيدة القوم وأصول مذهبهم، بل دارت تصانيفه في فلك النحو واللغة والأدب، ولم يظهر في شيءٍ من تصانيفه -وبخاصَّةٍ الأمالي وهي أعظم تصانيفه- شيءٌ من عقائد الشيعة أو أصول الإماميَّة، إلَّا ما كان من حكاية أقوال سيِّدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكلامه رضي الله عنه في الذروة من الفصاحة والبلاغة؛ إذ كان مشتملًا على كريم الألفاظ وشريف المعاني، والاستشهاد بكلام الإمام علي ليس وقفًا على الشيعة، فأنت تراه في كتبهم وكتب مخالفيهم من علماء اللغة والأدب والبلاغة.
على أنَّ استشهاد ابن الشجري بكلام الإمام لم يأتِ مفتعلًا متكلَّفًا؛ بل جاء في حاقِّ موضعه من الاستشهاد على مسائل النحو واللغة، ثم إنَّ ابن الشجري قد استشهد -أيضًا- بكلام سيِّدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، على خروج النداء إلى الاستغاثة، ثم ترضَّى عليه، وعلى سيِّدنا أبي بكر الصديق، وسيدنا عثمان بن عفان، رضي الله عنهم أجمعين.
وليس من التشيُّع -أيضًا- استشهاده بشعر الشريف الرضي، وشرحه المستفيض لقصيدة من قصائده الجياد؛ فالشريف الرضي من فحول شعراء العربيَّة، وتأمُّل شعره وشرحه حقٌّ على كلِّ ذي بيان، ثم ليس من التشيُّع الخالص أخيرًا ما حكاه ابن الشجري من قول الإمام الحسن البصري، في وصف سيِّدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: "وقال رجلٌ للحسن البصري: يا أبا سعيد إنَّ العامة تزعم أنَّك تبغض عليًّا، فأكبَّ يبكي طويلًا، ثم رفع رأسه، وقال: والله لقد فارقكم بالأمس رجلٌ كان سهمًا من مرامي الله على أعدائه، ربَّانيُّ هذه الأمة، ذو شرفها وفضلها، وذو قرابةٍ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قريبة، لم يكن بالنَّومة عن حقِّ الله، ولا بالغافل عن أمر الله، ولا بالسَّروقة من مال الله، أعطى القرآن عزائمه في ماله وعليه، فأشرف منها على رياض مؤنقة وأعلام بيّنة، ذلك علي بن أبي طالب يا لكع". فلو لم يكن في هذا الكلام إلَّا ما تراه من حلاوة اللفظ وكمال المعنى، لكان ذلك من أقوى الأسباب إلى نشره وإذاعته.
هل كان ابن الشجري معتزليًّا؟
العلاقة وثيقة بين التشيُّع والاعتزال؛ فقد ذكر كثير من الباحثين قديمًا وحديثًا أنَّ الشيعة وافقوا المعتزلة في كثيرٍ من أصولهم، وذكروا -أيضًا- أنَّ زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب -وهو رأس الشيعة والزيدية- قد تلمذ في الأصول لواصل بن عطاء رأس المعتزلة، واقتبس منه علم الاعتزال.
ولم يذكر أحد من مترجمي ابن الشجري أنَّه معتزلي، لكنَّك تجد في "الأمالي" شيئًا من مصطلحات المعتزلة وأفكارهم؛ فمن ذلك استعمال ابن الشجري تعبير "المنزلة بين المنزلتين"، وهو من مبادئ المعتزلة الخمسة المشهورة، قال في ردِّه على معاصره ملك النحاة: "وقد كان شافهني هذا المتعدِّي طوره بهذا الهراء الذي ابتدعه، والهذاء الذي اختلفه واخترعه، فقلت له: إنَّ ضمَّة المنادَى لها منزلةٌ بين منزلتين، فقال منكرًا لذلك: وما معنى المنزلة بين المنزلتين؟ فجهل معنى هذا القول، ولم يحس أنَّ هذا الوصف يتناول أشياء كثيرة من العربيَّة، كهمزة بين بين، التي هي بين الهمزة والألف، أو الهمزة والياء، أو الهمزة والواو، وكألف الإمالة التي هي بين ألف التفخيم والياء، وكالصاد المشرَّبة صوت الزاي، وكالقاف التي بين القاف الخالصة والكاف".
على أنَّ استعمال ابن الشجري لذلك المصطلح المعتزلي في هذا السياق يؤذن بأنَّه استعمال لغوي، بمعنى التوسُّط، ليس غير. وأصرح من ذلك ما ذكره ابن الشجري في تأويل قوله تعالى: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا}، قال: "ومعنى أغفلنا قلبه: وجدناه غافلًا، كقولك: لقيت فلانًا فأحمدته؛ أي وجدته محمودًا". وقد وجدت بهامش أصل الأمالي حاشية، تعليقًا على هذا الذي ذكره ابن الشجري، قال كاتب الحاشية: "قال شيخنا الإمام العلَّامة جمال الدين بن هشام، أبقاه الله سبحانه: هذه المقالة -أعني كون "أغفلنا" بمعنى وجدناه غافلًا، تقدَّمه إليها ابن جني، نصَّ عليها في "المحتسب" وغيره، وحامله عليها الاعتزال". وابن هشام يُشير إلى قاعدة المعتزلة المعروفة: أنَّ الله لا يخلق فعل الضلال والمعصية، وإنَّما ذلك من فعل العبد.
شعر ابن الشجري
نَظَم ابن الشجري الشعر كما ينظم العلماء، فجاء خاليًا من النَّفس الشعري الذي يسري في قصيد الشعراء، وقد نبَّه على هذا الأقدمون، فيقول العماد الأصفهاني "وفضله أعلى من شعره"، وقال في موضعٍ آخر: "وكان له شعرٌ مقارب". ويقول الأدفوي: "وله نظمٌ غير طائل". وقد حكم عليه معاصره أبو محمد الحسن بن أحمد بن حكينا، الشاعر، فكتب إليه:
يَا سَيِّدِي وَالَّذِي يُعِيذُكَ مِنْ *** نَظْمٍ قَرِيضٍ يَصْدَا بِهِ الْفِكْرُ
مَا فِيكَ مِنْ جَدِّكَ النَّبِيِّ سِوَى *** أَنَّكَ مَا يَنْبَغِي لَكَ الشِّعْرُ
ومِنْ شعر ابن الشجري الذي أورده مترجموه، قوله:
لَا تَمْزَحَنَّ فَإِنْ مَزَحْتَ فَلَا يَكُنْ *** مَزْحًا تُضَافُ بِهِ إِلَى سُوءِ الْأَدَبِ
وَاحْذَرْ مُمَازَحَةً تَعُودُ عَدَاوَةً *** إِنَّ الْمُزَاحَ عَلَـى مُقَدِّمَةِ الْغَضَـبِ
وقوله:
وَتَجَنَّبِ الظُّلْمَ الَّذِي هَلَكَتْ بِهِ *** أُمَمٌ تَوَدُّ لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَظْلِمِ
إِيَّاكَ وَالدُّنْيَا الدَّنِيَّةَ إِنَّهَا *** دَارٌ إِذَا سَالَمْتَهَا لَــمْ تَسْلَـمِ
وهذا شعرٌ كما ترى.
هذا وقد ذكر الأستاذ الزركلي أنَّ لابن الشجري ديوانَ شعرٍ مطبوعًا، وهذا ما لم أعرفه، ولا ذكره أحدٌ من مترجمي ابن الشجري.
مصنفات ابن الشجري
طال عمر ابن الشجري، وتُوفِّي عن اثنين وتسعين عامًا، ومع ذلك لم تكثر تصانيفه؛ لاشتغاله بالتدريس والإقراء منذ صباه، فقد ذكر ياقوت أنَّه أقرأ النحو سبعين سنة، وقد دارت تآليفه في فلك النحو واللغة والأدب، وهذا بيانها:
1- الأمالي: وهو أكثر مصنَّفاته شهرةً وذيوعًا.
2- الانتصار: وهو ردُّه على انتقادات ابن الخشَّاب على الأمالي. قال القفطي: "وهو كتابٌ على صغر جرمه في غاية الإفادة، وملكته والحمد لله بخطِّه رحمه الله، وقد قرأه عليه الناس". وهذا الانتصار من الكتب المفقودة.
3- الحماسة: وهي مجموعة قصائد ومقطوعات وأبيات اختارها ابن الشجري على غرار ما في الحماسات الأخرى، ولاسيَّما حماسة أبي تمام لشعراء الجاهليَّة وصدر الإسلام والعصرين الأموي والعباسي. وقد أثنى العلماء على كتاب الحماسة، فيقول ابن خلِّكان عنه: "ضاهى به حماسة أبي تمام الطائي، وهو كتابٌ غريبٌ مليحٌ أحسن فيه". وقد نقل العلَّامة البغدادي في موسوعته "الخزانة" عن حماسة ابن الشجري، وامتدحها، قال في شرح قول مضرَّس بن ربعي:
وَلَيْلٌ يَقُولُ النَّاسُ مِنْ ظُلُمَاتِهِ *** سَوَاءٌ صَحِيحَاتِ الْعُيُونِ وَعُورِهَا
كَأَنَّ لَنَا مِنْهُ بِيُوتًا حَصِينَةً *** مَسُوحًا أَعَالِيهَا وَسَاجًا كُسُورهَا
"قال غلام ثعلب في كتاب اليوم والليلة: يقال: إنَّ أشعر ما قيل في الظلمة قول مضرس... وكذلك قال الشريف ضياء الدين هبة الله بن علي بن محمد ابن حمزة الحسني، في حماسته التي صنفها كحماسة أبي تمام، وزاد عليه أبوابًا كثيرة، وأورد فيها أشعارًا جيِّدة، وقد أجاد في الاختيار والنقد عند ما أورد هذا الشعر فيها".
وقد طبع كتاب الحماسة طبعةً حجريَّةً في مصر سنة 1306هـ، ثم طُبِع بمصر -أيضًا- سنة 1326هـ، وفي حيدرآباد الدكن بالهند سنة 1345هـ بتصحيح المستشرق الألماني كرنكو، وآخر طبعاته الطبعة التي أصدرتها وزارة الثقافة بدمشق سنة 1970م، وهي طبعة جيِّدة، قام على تحقيقها عبد المعين الملوحي وأسماء الحمصي.
4- الردُّ على أبي الكرم بن الدبَّاس في كتابه الذي سمَّاه "المعلم" وهذا الكتاب لم يذكره أحدٌ ممَّن ترجموا لابن الشجري، أو كتبوا عنه، قديمًا وحديثًا، وقد ذكره هو في المجلس الثاني والثمانين من "الأمالي". وهذا "الردُّ" من الكتب المفقودة، وهو الكتاب الوحيد من بين مصنَّفات ابن الشجري الذي أشار إليه في "الأمالي".
5 - شرح التصريف الملوكي لابن جني، وهو والذي بعده من الكتب المفقودة.
6 - شرح اللمع، لابن جني -أيضًا-.
7 - ما اتَّفق لفظه واختلف معناه، ومنه نسخة خطِّيَّة ببرلين، برقم (3142) باسم: معجم للمشترك اللفظي، وقد وجدت في دفاتري القديمة اسم كتابٍ مخطوطٍ لابن الشجري، بعنوان "كتاب في اللغة" محفوظ بمكتبة إسماعيل صائب بأنقرة، ويحمل هذا المخطوط رقم (2459) فلعلَّه هو كتاب "ما اتَّفق لفظه واختلف معناه".
8 - مختارات أشعار العرب، ويُسمَّى ديوان مختارات الشعراء، ويُعرف عند المحقِّقين باسم مختارات ابن الشجري، وقد طُبِع هذا الكتاب بمصر سنة 1306هـ طبعةً حجريَّة، ثم في سنة (1344هـ=1926م) بمصر أيضًا، بإشراف محمود حسن زناتي، ثم أعاد نشره علي محمد البجاوي بالقاهرة سنة (1394هـ=1974م)، ومن هذا الكتاب نسخةٌ بخط ابن الشجري نفسه، وخطه نسخي نفيس، يجري على نمط خطوط القرن السادس الجيِّدة المضبوطة.
9 - شرح لاميَّة العرب للشَّنفري، وهذا الشرح لم يذكره أحدٌ من الذين ترجموا لابن الشجري، قديمًا وحديثًا، وقد ذكره العلَّامة البغدادي في حديثه عن اللَّاميَّة، لكنَّه ذكر أنَّه لم يره، وقد وقفت على نقلٍ عنه في كتاب "الإكسير في علم التفسير" لنجم الدين الطوفي الحنبلي، المتوفَّى سنة (716هـ)، قال: "وابن الشجري من أعيان أهل الأدب، حكى عن شرحه لاميَّة العرب، أنَّه قال فيه في قوله: "وأستفُّ ترب الأرض" إنَّ أصله استفعل. وقد عِيبَ [عليه] لأنَّه وهمٌ قبيح ... ووزن أستف: أفتعل. والسِّين أصل". وهناك ملاحظةٌ عامَّةٌ على كتب ابن الشجري المطبوعة: الأمالي والحماسة والمختارات؛ وهي أنَّها كلَّها خَلَت من مقدِّمة كالتي نراها في أوَّل المصنَّفات، تُبيِّن عن منهج المؤلِّف، والدافع له إلى تأليف كتابه، وقد يدلُّ هذا على أنَّ ابن الشجري كان يُملي مصنفاته إملاء.
وفاة ابن الشجري
تُوفِّي ابن الشجري ببغداد في شهر رمضان سنة (542هـ=1147م)، ودُفِنَ من الغد في داره بالكرخ، وأمَّ الناس في الصلاة عليه أبو الحسن علي بن الحسين الغزنوي الواعظ.
___________________
المصادر:
- ابن الشجري: أمالي ابن الشجري، مقدمة التحقيق للمحقق الدكتور محمود محمد الطناحي، الناشر: مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة: الأولى، 1413هـ=1991م.
وانظر ترجمته في: نزهة الألباء ص404-406، و-أيضًا- ص392 (في أثناء ترجمة الزمخشري)، وخريدة القصر (قسم العراق) الجزء الثالث - المجلد الأول ص52-54، والمنتظم 10/130، ومعجم الأدباء 19/282-284، وإنباه الرواة 3/356،357، وتهذيب الأسماء واللغات، الجزء الثاني من القسم الثاني، ص132 (فصل "ما" من حرف الميم)، ووفيات الأعيان 5/96-100، والعبر 4/116، والمشتبه ص354، وتاريخ الإسلام 13/115، وسير أعلام النبلاء 20/194، والبدر السافر، ورقة 219، والوافي بالوفيات 27/122-124، وفوات الوفيات 2/610-614، والترجمة فيه منتزعة من وفيات الأعيان ومرآة الجنان 3/275،276، والبداية والنهاية 12/223، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد ص248، والبلغة في تاريخ أئمَّة اللغة ص278، وعمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ص188، والنجوم الزاهرة 5/281، وبغية الوعاة 2/324، والمزهر 2/468، وشذرات الذهب 4/132-134، وكشف الظنون صفحات 162،174،413،692،1563،1573، والدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة ص516-519، وتاج العروس (شجر) 12/138، وأعيان الشيعة 51/48.
الهوامش:
[1] البيتان يُنسبان لابن هانئ الأندلسي، يقولهما في جعفر بن فلاح. راجع وفيات الأعيان 1/362، 5/97، وأنشدهما من غير نسبة ابن الشجري في حماسته ص406، والرواية عنده وعند ابن خلكان: "عن جعفر بن فلاح أطيب الخبر". ورواه شارح شواهد الكشاف 4/341: "عن أحمد بن سعيد". وذكر القصَّة.
- محمود الطناحي
- قصة الاسلام