من أهل الدار
تاريخ التسجيل: September-2016
الجنس: أنثى
المشاركات: 9,329 المواضيع: 2,713
صوتيات:
4
سوالف عراقية:
0
مزاجي: مُمتاز
آخر نشاط: 16/August/2022
« كيم فيلبي » وصمة عار المخابرات البريطانية.. قصة أشهر عميل روسي في الغرب !
الجاسوس السوفيتي الشهير كيم فيلبي، الذي كان انكشاف أمره في الستينيات بمثابة صفعة مدوية للمخابرات البريطانية , ولكن مكمن الغرابة والخطورة في سيرة فيلبي هو كونه جاسوس من طراز شديد الخصوصية ، إذ لم يكن مواطنًا بريطانيًا عاديًا جندته المخابرات السوفيتية , وإنما كان مسئولًا رفيع المستوى بالمخابرات البريطانية , بل الأكثر من ذلك كان مكلفًا من قيادته البريطانية بمكافحة نشاط المخابرات السوفيتية، التي كان يعمل فعليًا لحسابها، كما كان مرشحا لتولي إدارة المخابرات البريطانية.وهنا كانت المفارقة .
فيلبي اختار طوعا التعاون مع المخابرات السوفيتية، استنادا إلى معتقدات يسارية مناهضة للفاشية، ولم يشعر بالأسف على ذلك أبدا، ولا حتى مرة واحدة كما أن فيلبي يُعتبر بحق “أخطر رجل مخابرات عرفته البشرية في القرن العشرين” هو كيم فليبي واسمه الحقيقي هارولد أدريان راسل، ولد في مدينة أمبالا بولاية أريانا الهندية في 1 يناير 1912، لأب كان ضابطًا بالجيش البريطاني ثم دبلوماسيًا ومؤلفًا استشراقيًا اعتنق الإسلام، واتخذ اسم “الشيخ عبد الله” وكان قد لعب دوراً محورياً فى الثورة العربية ثم عمل مستشاراً للملك عبد العزيز أل سعود 67 ، وكتب من موسكو مذكراته في كتابه الشهير “حربي الصامتة” , فهو جاسوس ابن جاسوس .
فيلبي مثل الكثير من الجواسيس في الاستخبارات البريطانية لم يكن عليه أن يبذل جهودا كبيرة لينجح في عمله، فقد ولد في الهند البريطانية لأسرة تنتمي للطبقة العليا وكان والده ضابطاً مدنياً ذا رتبة عالية ، عام 32 ذهب إلى ألمانيا ليشهد الانقلاب المفاجئ الناتج عن انتخاب فرانز فون بابن كمستشار لألمانيا وانتخاب النازيين للرايخ. وكما يذكر فيلبي في مذكراته فقد حرص على دراسة الوضع السياسي هناك , حيث شارك في حروب شوارع دارت في ألمانيا وانضم إلى الشيوعيين في صراعهم ضد أصحاب القمصان البنية (النازيين) وعاد إلى كليته بجرح غائر في رأسه
في هذا الوقت ارتبط فيلبي وأصدقاؤه بشكل عميق بالشيوعية وجندهم الحزب الشيوعي على يد رؤسائه , ومن الواضح انهم كانوا مستعدين للتجسس على إنجلترا البلد الذي تخلوا سرا عنه في سنواتهم الأولى في الجامعة. وعند تخرجه عمل فليبي في الصحافة وبحث عن وظيفة في صحف سياسية معتدلة واخفى معتقداته الشيوعية.
انتقل فيلبي بعد تخرجه للعمل في فيينا بمنظمة لإغاثة الضحايا الفارين من ألمانيا النازية، وهناك وقع في حب الشابة النمساوية ليتزي فريدمان، ذات الأصول اليهودية ، وتزوجها، بحث فيلبي عن عمل بمجال الصحافة، وعندما اندلعت الحرب الأهلية الإسبانية حصل فيلبي على عمل كمراسل لصحيفة لندن وهي وكالة صحافة صغيرة لتغطية الحرب، ولكنه في الواقع كان قد أرسل إلى إسبانيا من قبل السوفييت للتجسس على الثوار ضد الجمهوريين
فى عام 40 عاد فيلبي إلى بريطانيا وعرض خدماته على المخابرات البريطانية، حيث أدهشته سرعة قبوله في صفوفها وقلة التحريات التي أجرتها عنه , فقد تمكن ببراعة لا توصف من الانضمام إلى الاستخبارات السرية ، أبدى فيلبي كفاءة ملحوظة في عمله، لفتت نظر رؤسائه الغافلين عن حقيقة أمره، وتمكن فيلبي أثناء عمله من أن يمنح المراقبين السوفييت كل جزء من المعلومات السرية التي تمكن من الحصول عليها. وكانت أخطر مهمة أوكلت إلى فيلبي في الاستخبارات البريطانية هي وضع عملاء ال MI5 في اتصال مباشر مع شبكة السوفييت
ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية، اقترح فيلبي إنشاء مكتب مقاومة للشيوعية داخل المخابرات البريطانية، تمت الموافقة على خطة فيلبي , ويقول فيلبي عن القسم الجديد الذي أنشأه انه أصبح القسم 5 حيث شعر برغبة عارمة في الاستهزاء بال MI5، وكان مكتبه مكوناً من طابق واحد فوق مكتب خدمات العمليات السرية الأمريكية الذي ضم كل من ويليام دونوفان وألين دالس أشهر رجال الاستخبارات الأمريكية في الحرب العالمية الثانية , والذين كان يراهما باستمرار وهما يأتيان للمبني حتى أصبحا أصدقاء له , وفي 49 أصبح فيلبي ضابط الاتصال بين المخابرات البريطانية والأمريكية
قرر فليبي التوقف لفترة عن العمل لمصلحة موسكو ولكن ال KGB تمكن مرة أخرى من الاتصال به , وسرعان ما قام مرة أخرى بإرسال الأسرار إلى موسكو ومنها بيانات غاية في السرية عن الأبحاث النووية التي يقوم بها حلف الناتو ، وفي عام 1951 كان فيلبي أرهق تماماً من العمل كعميل مزدوج وبدأ يرتكب الأخطاء الفادحة ويفشل في إرسال المعلومات المهمة إلى السوفييت بسبب إسرافه في الشراب وعلاقاته النسائية ، وظل فيلبي لفترة آمناً الى أن نجح جاسوس تركي يُدعى أحمدوف أغا في تقديم معلومات للمخابرات الأمريكية أثارت الشكوك حول عمالة فيلبي للسوفيت، وعندما عاد فيلبي إلى إنجلترا واجهته المخابرات البريطانية بالمعلومات، وقرر في النهاية أن يخضع لاستجواب طويل ودقيق اضطر فيه إلى إنكار أي اتصالات له مع السوفييت، وكبادرة حسن نية لإبعاد الشبهات، قدم فيلبي استقالته من المخابرات البريطانية وعمل لفترة بالأعمال الحرة، إلا أن دفاع عدد من كبار المسئولين عنه ومنهم رئيس الوزراء البريطاني هالود مكملين الذي قال رسميا ً انه مواطن بريطاني صالح خدم بلده ببطولة. أدى هذا إلى قيام ال MI6 بإعادته إلى العمل مرة أخرى ويفسر فيلبي الأمر بأن المجتمعات الاستخبارية البريطانية أخفت هويته حتى لا تكشف عن مدى سذاجة أعضائها الذين تم خداعهم من قبل عميل سوفييتي مزدوج قاموا هم أنفسهم بتنشئته وترقيته والتودد إليه.
إلا أن عميلا سوفيتيًا آخر يُدعى أناتولي جوليستن اعتقلته المخابرات البريطانية اعترف على فيلبي، الذى سارع بالهرب في 23 يناير 63 حيث ترك أسرته وهرب إلى الاتحاد السوفييتي , وقد لقي حفاوة وتكريمًا كبيرًا هناك، فمُنح لقب جنرال وتقلد وسام لينين، الذي كان يظهره بكل فخر لأصدقائه البريطانيين الذين كانوا يزورون موسكو. وظل حتى النهاية يسخر من بلده الأم إنجلترا ولم يعتبر نفسه أبدا خائناً لبلده حيث كتب قائلاً : حتى تخون يجب أن تكون منتمياً أولا وأنا لم انتم أبدا لهذا النظام المنافق”.
توفي في 11 مايو عام 88 ومن بين المفارقات الأخرى المثيرة، أن خبراء شؤون الاستخبارات الغربيين كانوا يعتقدون أنه لو لم يتم الكشف عن اختراقات فيلبي وتجسسه لصالح السوفيت، فإنه كان سيتولى منصب مدير جهاز المخابرات البريطانية الخارجية , وهو ما كان من شأنه أن ينزل ضربة قاصمة بالعمليات الاستخباراتية البريطانية والغربية في دول المعسكر الشيوعي .