الدم ...... ودورهُ الحيوي
عندما يرى الإنسان ظاهرةً كونية فإنه يسارع إلى تفسيرها بما لديه من أدواتٍ علمية ومن معرفةٍ قد تم تحصيلها وكلما تنامت هذه الأدوات وازدادت هذه المعرفة وجد أن ما يعلمه من تفسيرٍ لهذه الظاهرة أو تلك كان علماً قاصراً مع أن آياتها القرآنية تتلى منذ قرون .
واليوم يجد الإنسان نفسه أمام حقائق عن الدم لم يكن ليعلمها لولا التطور العلمي الذي وصل إليه .
( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ )
البقرة 30
يشير القرآن الكريم في أكثر من موضع إلى حفظ الدم وتحريم سفكه بغيرِ الحق ، فيقولُ سبحانه وتعالى :
( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ )
البقرة 84
لقد اختار الله سبحانه وتعالى أن يكون التواصل الداخلي بين مختلف الأجهزة والأعضاء في جسم الإنسان عن طريق سائلٍ أحمر يتدفق خلاله , وقد ملأه الله بالأسرار .
الدم سائلٌ خلقه الله ليمنح أجسامنا الحياة ، ومادام هذا السائلُ مستمراً بالدوران داخل الجسم فهو يحافظ عليه ويمنحه الغذاء ويضبط حرارته ويساعده في التخلص من الفضلات والمواد السامة ، إضافةً إلى أنه يقوم بالترميمات اللازمة لجدران الأوعية الدموية ، إذاً فهو نظامٌ يتجدد باستمرار .
* * * * * * * * * * * * * * *
الدم
- يتكون الدم من : ( الخلايا الحمراء - الخلايا البيضاء - البلازما - الصفائح الدموية )
- وهو ضروريٌ جداً للكثيرٍ من الكائنات الحية وعلى رأسها الإنسان لم له من وظائف حيوية هي نقل الغذاء والأكسجين والمواد التي يحتاج إليها الجسم إلى سائر أنحاءه
- وكذلك مساعدة عضلات الجسم وخلاياه على طرح الفضلات من ثاني أكسيد الكربون والهرمونات وغيرها
- درجة حرارة الدم الطبيعية هي 37 درجة مئوية
يحمل جسم الإنسان الطبيعي الذي يزن 60 كيلوغراماً ما يقارب 5 ليترات من الدم تدور في أنحاء الجسم خلال دقيقة واحدة ، ولكن في حالة ممارسة الركض أو التمرينات الرياضية فإن نسبة الدوران هذه ترتفع إلى خمسة أضعافها .
يصل الدم إلى كل مكان في الجسم ابتداءاً من جذور الشعر حتى أصابع القدم
يتدفق الدم داخل أوعية مختلف الأحجام تتمتع ببنية لا تسمح بتشكل العوائق أو الترسبات
الهواء الذي نتنفسه هو أهم مقومات الحياة بالنسبة الينا ، فالأكسجين عنصرٌ ضروري لعملية الاستقلاب في الخلايا فبدونه لا يمكن حرق السكر اللازم لإنتاج الطاقة ، وهذا ما يتطلب ضرورة نقل الأكسجين من الرئتين إلى جميع خلايا الجسم عن طريق جهاز الدوران الذي يشبه شبكةً معقدةً من الأنابيب لتحقيق هذا الغرض .
إن السائل الأحمر ( الدم ) هو الوعاء الرئيسي الذي يحمل الأكسجين الضروري للحياة . والسؤال :
كيف يتم حمل الأكسجين في الدم ؟؟؟
ما يقوم بهذه المهمة هي جزيئات خضاب الدم والتي تسمى " الهيموغلوبين " والموجودة داخل الكريات الدموية الحمراء .
كل خليةٍ من خلايا الدم الحمراء والتي تشبه شكل القرص تحمل نحو 300 مليون جزيء هيموغلوبين ، تُظهر خلايا الدم الحمراء نظاماً متقناً من العمل فهي لا تحمل الأكسجين فحسب بل تحرره أيضاً كلما كان ذلك ضرورياً ، وبذلك فإن خلايا الدم مجرد شاحنات لبضاعة الأكسجين بل إنها في الوقت نفسه مصافٍ لتكرير الأكسجين وإعادة تأهيله ليقوم بدوره في استمرار الحياة وحمايتها في جسم ابن آدم
* * * * * * * * * * * * * * *
كريات الدم الحمراء
- خلايا قرصية الشكل ، صغيرة الحجم ، مقعرة الوجهين ، لا تحتوي على نواة فهي غير قادرةٍ على الإنقسام أو التكاثر
- تنشأ من النخاع الاسفنجي في العظام الكبيرة وتتجدد كل 120 يوماً ثم تتكسر في الكبد والطحال ثم تذهب إلى العصارة الصفراوية لتشارك في محتوياتها
- لونها أحمر لوجود مادة الهيموغلوبين والمكونة من بروتين وحديد
- تشكل الكريات الحمراء حوالي 45 % من حجم الدم
- يبلغ عددها عند الرجل البالغ بين ( 4 - 5 ) ملايين كرية حمراء في الميليمتر المكعب الواحد من الدم
- وعند المرأة بين ( 4 - 4.5 ) ملايين كرية حمراء في الميليمتر المكعب الواحد من الدم
- تقتصر مهمة الكريات الحمراء على حمل ثاني أكسيد الكربون إلى الرئتين واستبدال غاز الأكسجين بها
- تتحكم الكليتان في عملية بناء الكريات الحمراء عن طريق هرمون يدعى " الإريتروبويتين " ويعتمد إفراز هذا الهرمون على الضغط الجزئي للأكسجين في الدم ، ففي الإرتفاعات العالية يكون الضغط الجزئي للأكسجين منخفضاً لذا ينشط إفراز هرمون
الإريتروبويتين ما يرفع تركيز كريات الدم الحمراء وهذا ما يلاحظ عند سكان المناطق الجبلية
( وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ )
الذاريات 20-21
تبدو الخلايا الحمراء مثل الأقراص وبسبب مرونتها الفائقة يمكنها أن تنضغط داخل الأوعية الشعرية والفتحات الدقيقة .
يبلغ قطر الوعاء الشعري نحو 5 ميكرومتر . ويبلغ قطر الكرية الحمراء حوالي 7.5 من الميكرومتر .
نلاحظ من هذه المعلومة أنه لولا هذه المرونة لما استطاعت الكرية الحمراء المرور عبر الأوعية الشعرية .
ماذا يحدث لو لم تكن الخلايا الحمراء بهذه المرونة ؟؟؟
أعطى الباحثون في مرض السكري بعض الإجابات عن هذا السؤال ... حيث تفقد بعض خلايا الدم الحمراء عند مرضى السكري مرونتها ، هذه الحالة تعطي الفرصة لحدوث التخثرات الدموية في الأنسجة الرقيقة مثل أنسجة العين وهذا قد يؤدي إلى العمى
* * * * * * * * * * * * * * *
داء السكري
- تصل نسبة الإصابة بداءِ السكري إلى 7 % من عدد السكان في كندا
- ويقدر انتشاره بين ( 2 - 4 ) % في الولايات المتحدة الأميريكية
- ويتوقع أن نسبة الإصابة في الخليج العربي تصل إلى 10 % من عدد السكان
- ما يزيد على 25 % من حالات الإصابة بالقصور الكلوي ، وما يزيد على 50 % من حالات بتر الأطراف سببها مضاعفات داء السكري
- كما يعتبر داء السكري السبب الرئيسي للعمى بما يقدر بحوالي 5 آلاف حالةٍ جديدة كل عام
- ويشغل مرضى السكري 10 % من أيام المكوث في المستشفيات للسيطرة على الحالات الحادة منه
تقوم خلايا الدم الحمراء بتقديم الأكسجين إلى الأنسجة وتحمل ثاني أكسيد الكربون الذي ينتج من احتراق السكر عائدةً به إلى الرئتين وتتركه هناك ثم تعيد ارتباطها من جديد بالأكسجين ، وتقوده ثانيةً إلى الأنسجة .... وهكذا .
تحمل جزيئات خضاب الدم إضافةً إلى الأكسجين غاز أحادي أكسيد النتروجين ( NO ) ، فإذا لم يتوافر هذا الغاز في الدم فإن ضغط الدم سيصبح متغيراً باستمرار ، كما يساعد هذا الغاز خضاب الدم على تنظيم كمية الدم الواصلة إلى الأنسجة .
إن هذا التنظيم الدقيق وهذا الفريق المكلف بحماية نظام الحياة داخل جسم ابن آدم ليس إلا عدداً من الجزيئات ، أي مجموعة من الذرات التي لا أعين لها ولا دماغ ولا عقلاً واعياً مفكراً . إنه آية الحكمة الإلهية المطلقة للخالق الذي خلق أجسامنا بهذا الإتقان .
( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ )
الروم 8
* * * * * * * * * * * * * * *
تلعب الكريات البيض دوراً هاماً في الدفاع عن الجسم ، حيث تكون المحببات والوحيدات الجدار الدفاعي الأول ضد الجراثيم بينما تتدخل اللمفاويات في مجال الدفاع المناعي
كريات الدم البيضاء
- يبلغ عددها 7000 كرية بيضاء في الميليمتر المكعب الواحد من الدم
- تنقسم إلى 3 أصناف :
1- المحببات : ونسبتها من ( 45 - 75 ) % من الكريات البيض
2- اللمفاويات : ونسبتها من ( 20 - 45 ) % من الكريات البيض
3- الوحيدات : ونسبتها من ( 2 - 8 ) % من الكريات البيض
( وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ )
الذاريات 20-21
الأجسام السيتوبلازمية ( الصفائح الدموية )
- أجسامٌ هلامية ليس لها شكلٌ محدد ، تتكسر عند ملامستها للهواء فتتسبب بتجلط الدم حتى لا يستمر بالنزيف
- يبلغ عددها في الشخص الطبيعي ربع مليون جسيم في الميليمتر المكعب الواحد من الدم
- دورها الأساسي هو تحويل المادة البروتينية السائلة الموجودة في الدم وهي " الفبيرونجين " إلى مادةٍ صلبة تسمى " الفبيرين " وهي خيوطٌ متصلبة تتجمع حول السطح لتمنع خروج الدم من الجلد
* * * * * * * * * * * * * * *
بعد أن عرفنا وظيفة الأجسام السيتوبلازمية في إيقاف نزيف الدم خارج الجسم يقفز إلى أذهاننا سؤالٌ منطقي
لماذا لا يتجلط الدم داخل الأوعية الدموية وفق الطريقة ذاتها ؟؟؟
الجواب هو : أن الكبد يفرز مادة الهيرابين التي تعطل عمل الأجسام السيتوبلازمية داخل الجسم ما يمنعها من التجلط مادام الدم يجري داخل الجسم .
تتكسر الصفائح الدموية في الكبد والطحال كل عشرة أيام وتتجدد باستمرار .
يحافظ النظام الدموي على توازنه فهو ينتج من الخلايا الدموية الجديدة ما يقابل الخلايا التي تتكسر في الطحال ، وعلى الرغم من هذا الضبط الدقيق لدور الخلايا الدموية فقد تم تجهيزها بنظام طوارئ فريد لا يمكن تصوره وهو قادرٌ على العمل تلقائياً عند الحاجة .
لكن عندما تتطلب الحاجة إلى أكثر من هذا الإنتاج بسبب نزيفٍ طارئٍ أو رعاف فإن معامل إنتاج هذه الكريات تضاعف طاقتها وفق نظامٍ هرموني خاص يطلق عليه "اثروبيوتين " والذي يحدد مستوى إنتاج الكريات الحمراء , حيث يتم تعويض كمية الدم المفقود في الحالات الطارئة ، كما يزداد معدل إنتاج الكريات الحمراء إذا ما نقص معدل الأكسجين اللازم في الهواء . فالذين يتسلقون الجبال الشاهقة يعانون نقص نسبة الأكسجين في الهواء ما يجعل الجسم يتخذ الإجراءات اللازمة تلقائياً للإستفادة من الكسجين المتوافر بأقصى حدوده .
البلازما
- سائلٌ أصفر نقي يشكل 5 % من وزن الجسم العادي
- يحتوي هذا السائل الذي يشكل الماء 90 % من وزنه على : أملاح - معادن - سكريات - دهون - ومئات الأنواع من البروتينات المختلفة
- تلعب البلازما دوراً هاماً في تسهيل انتقال الماء والأملاح والمواد الغذائية بين الدم والخلايا كالسكريات والفيتامينات والهرمونات وغيرها
- تؤدي الهرمونات في البلازما دور الحامل الخاص فهي تقوم بتسهيل الاتصال بين الأعضاء والخلايا عن طريق الرسائل الكيميائية ، وأكثر الهرمونات ازدحاماً في البلازما هو " الألبومين " .
- يلعب الألبومين دور الناقل حيث يتعامل مع الدهون مثل " الكوليسترول " والأدوية مثل " البنسلين " والمواد السامة ، يترك الأبومين المواد السامة في الكبد ويأخذ المواد الغذائية إلى الأمكنة التي يحتاج إليها
لقد خلق الله سبحانه وتعالى جسم الإنسان بتفاصيل مذهلة . إن مقدرة البروتين الواحد على التمييز بين الدهون والهرمونات والأدوية وتحديد المكان والكمية التي يجب أن يتم تقديمها لهو إشارة واضحة إلى التصميم المتقن لهذا النظام .
كيف يمكن لنا أن نفهم هذا الإنسجام والتكامل بين عمل خلايا يبلغ تعدداها تريليونات تتبدل وتموت منها يومياً مليارات الخلايا وذلك على مستوى جسمٍ إنساني واحد ؟؟؟ وما الذي يمكننا أن نجده في خلق الله من الكائنات في البر والبحر والسماء ؟؟؟
( لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ )
غافر 57
* * * * * * * * * * * * * * *
فوائد وعبر
- الدم وعاءُ الحياة
- تتفانى مكوناتُ أجسامنا في الدفاع عنا وفي الحفاظ علينا سالمين
- من يرعاكَ وانتَ تجهل لا أقل من أن تشكرهُ وانت تعلم
فسبحان الله عما يشركون