من البصرة الى بغداد، تركت منزلها هربًا من القصف لتهاجر في ما بعد الى خارج الوطن ساعيةً وراء تحقيق طموحها. لكن عقارب الوقت لم تمحُ آثار الحرب التي بقيت مطبوعة في وجدانها، لتتحول الى شخصيات ترويها مخيلة إبداعية اسمها "فاتن الصراف".
هذه الكاتبة العراقية تكتب "دون أية قيود"، تصرخ "في وجه الظلم" وتختصر الرواية بكلمتين "أدب وفن ابداعي".
جمعت صفحات حياتها في "شجرة البمبر"
بدأت بكتابة يوميّاتها وأبرز الأحداث التي عاشتها في العراق وخارجه لنقل تجربتها التي أثّرت على شخصيتها. فجمعت صفحات حياتها في أول كتاب لها تحت عنوان "شجرة البمبر/ يوميات امرأة عراقية".
في مقابلة مع موقع السومرية، قالت الكاتبة العراقية فاتن الصراف: "حاولت من خلال الكتاب نقل تجربتي لتشجيع الشباب على تحدّي العراقيل والمضي في أحلامهم، رغم الظروف الصعبة التي يمرّ بها العراق والتي رسمت حياتنا بشكل مغاير لتوقّعاتنا وأهدافنا."
اتّبعتُ فاتن في كتابة يومياتها الأسلوب الزمني في تسلسل الأحداث (كرونولوجيا)، بدءاً من طفولتها التي كتبت عنها في الصفحات الأولى للكتاب، انتقالا الى فترة تقدّمها في العمر وصولاً الى الصفحة الأخيرة حيث أصبحت في سنّ الخمسين.
وأشارت في حديثها مع السومرية الى أن "الكتاب فيه رسالة للشباب وخاصة الفتيات والنساء اللواتي يواجهن الظروف الصعبة كالحروب والحصار والنزوح إلى جانب الظروف الإجتماعية التي يفرضها عليهن المجتمع الذكوري الذي يعشن فيه".
"الكتابة تُشعرني بالرضا وتمنحني نوعاً من الحرية"
الصرّاف مهندسة معمارية، تقطن في دولة الإمارات العربية المتحدة وتمارس مهنتها منذ العام ١٩٨٩. وعلى الرغم من انها تملك شركتها الخاصة في حقل التصميم المعماري والداخلي، تجد حرّيتها في الكتابة، وتقول: "الكتابة تُشعرني بالرضا وتمنحني نوعاً من الحرية".
وبين إبداع التصميم وفنّ الكتابة تعتبر فاتن ان "التصميم المعماري يقيّد المصمّم من الناحية الهندسية، لهذا السبب وجدتُ نفسي ألجأ إلى الكتابة حيث الحرية المطلقة وحيث يمكنني أن أصمّم وأُشكّل ما أريد وأن أعبّر عنه دون قيد أو شرط".
"كوخ العم نجم" يجمع التعذيب الحب والهجرة
إنتقالا الى "كوخ العم نجم"، تداخلت الرواية الثانية لفاتن الصراف مع الفنّ التشكيلي لرسم شخصياتها بكل متناقضاتها وحالاتها الإنسانية، في زمن امتد لثلاثة عقود بين العام ١٩٧٩ والعام ٢٠٠٩.
وتحدّثت الكاتبة العراقية عن العمّ نجم، أحد أبرز شخصيات الرواية، قائلةً: "انه رسام ونجّار يعيش في كوخه الصغير في قرية تقع جنوب العراق، يتعرض للتعذيب في السجون سنين طويلة، ثم يتم قطع أذنه في العام ١٩٩٤، ليهرب بعدها إلى هولندا".
وأضافت: "يكتشف هناك الشبه الكبير في شكله وأسلوبه الفني مع الفنان الهولندي فان كوخ، ويتحول شكل الرواية إلى محاكاة فنية وإنسانية بينهما تنتهي نهاية غير محسوبة".
خديجة... و"زنا المحارم"
اللافت في هذه الرواية، انها تتطرق إلى الحروب والصراعات التي حدثت في العراق وأثّرت على الشخصيات بشكل مختلف، كما تتناول موضوع "زنا المحارم" من خلال شخصية الفتاة "خديجة".
وبالتالي، تكون قد جمعت الكاتبة العراقية المبدعة في روايتها الجديدة ردود أفعال الشخصيات تجاه الحرب، التعذيب، الحب، الإغتصاب، الهجرة، الظلم والخوف.
وتقول: "رواية كوخ العم نجم هي صرخة في وجه الظلم ومحاولة لإلقاء الضوء على المجتمع العراقي وتأثير الأحداث السياسية والإجتماعية على سلوك أبنائه ومصائرهم".
وقد جمعت الصراف في الرواية بين أسلوب الزمن الإسترجاعي "Flash Back " والزمن المتقطع، حيث تتقدم الأحداث أحياناً وتتراجع أحياناً أخرى أثناء السرد.
الروائي الناجح... من يترك العنان لقلمه
تعتبر فاتن أن الرواية أدب وفنّ إبداعي لاحدود له، وعلى الروائي أن يكتب دون أية قيود محاولاً إيصال فكرته. وتقول: "ليس بالضرورة أن يميل الروائي إلى نوع من الرواية دون غيره، عليه أن يكون متجدداً ويجمع بين الخيال والواقع، أنا لم أدرس الأدب لكنني أقرأ ولديّ اطلاع لابأس به على مختلف أساليب الكتابة سواءً كانت باللغة العربية أو الإنجليزية."
وترى الصراف أنّ الروائي الناجح لا يلتزم بأسلوب معين، بل يترك العنان لقلمه للتعبير عن الفكرة التي تراوده، دون أن يضع لنفسه محدّدات قد تقيد إبداعه.
"شخصيات "كوخ العم نجم" فرضت رأيها... فلم أتمكن من التدخل!"
الى ذلك، تحدّثت فاتن الصراف عن العلاقة الخاصة التي تتشكل بين الكاتب وشخصياته، قائلةً: "الصراع الذي ينشأ بينه وبينها لا ينتهي حتى بعد أن يفرغ الكاتب من كتابة روايته، والرائع في الأمر عندما تستقل الشخصيات عن كاتبها وتقرر أن تحدد مسارها لوحدها بعيداً عن رغبته، وهذا ماحدث معي في رواية كوخ العم نجم حين فرضت بعض الشخصيات رأيها ولم أتمكن من التدخّل!"
أخيرا، تحدّثت فاتن الصراف، وهي أمّ لإبنتين، عن مشاريعها المستقبلية كاشفةً عن رواية جديدة بصدد تحضيرها: "أعمل حالياً على رواية ذات فكرة وأسلوب مختلف نوعاً ما عن الروايات العاديّة، هي رواية غرائبية تحتاج إلى جهد خاص وتركيز كبير".
أما على صعيد عملها الهندسي، فهي منشغلة حاليا بتصميم أحد المشاريع المهمة في دولة الإمارات العربية المتحدة، متمنيةً أن تتمكن من التوفيق بين مشاريعها الهندسية وكتاباتها.