نحن في زمن السباع والذئاب البشرية ...
من خطب آخر الزمان لأمير المؤمنين علي (عليه السلام)
وهي من خطب الملاحم :

..... فَهُمْ فِي ذَلِكَ كَالْأَنْعَامِ السَّائِمَةِ وَالصُّخُورِ الْقَاسِيَةِ ، قَدِ انْجَابَتِ السَّرَائِرُ لِأَهْلِ الْبَصَائِرِ ، وَوَضَحَتْ مَحَجَّةُ الْحَقِّ لِخَابِطِهَا ، وَأَسْفَرَتِ السَّاعَةُ عَنْ وَجْهِهَا ، وَظَهَرَتِ الْعَلَامَةُ لِمُتَوَسِّمِهَا .
مَا لِي أَرَاكُمْ أَشْبَاحاً بِلَا أَرْوَاحٍ وَأَرْوَاحاً بِلَا أَشْبَاحٍ ، وَنُسَّاكاً بِلَا صَلَاحٍ وَتُجَّاراً بِلَا أَرْبَاحٍ ، وَأَيْقَاظاً نُوَّماً وَشُهُوداً غُيَّباً ، وَنَاظِرَةً عَمْيَاءَ وَسَامِعَةً صَمَّاءَ ، وَنَاطِقَةً بَكْمَاءَ .
رَايَةُ ضَلَالٍ قَدْ قَامَتْ عَلَى قُطْبِهَا وَتَفَرَّقَتْ بِشُعَبِهَا ، تَكِيلُكُمْ بِصَاعِهَا وَتَخْبِطُكُمْ بِبَاعِهَا ، قَائِدُهَا خَارِجٌ مِنَ الْمِلَّةِ ، قَائِمٌ عَلَى الضِّلَّةِ .
فَلَا يَبْقَى يَوْمَئِذٍ مِنْكُمْ إِلَّا ثُفَالَةٌ كَثُفَالَةِ الْقِدْرِ ، أَوْ نُفَاضَةٌ كَنُفَاضَةِ الْعِكْمِ تَعْرُكُكُمْ عَرْكَ الْأَدِيمِ ، وَتَدُوسُكُمْ دَوْسَ الْحَصِيدِ ، وَتَسْتَخْلِصُ الْمُؤْمِنَ مِنْ بَيْنِكُمُ اسْتِخْلَاصَ الطَّيْرِ الْحَبَّةَ الْبَطِينَةَ مِنْ بَيْنِ هَزِيلِ الْحَبِّ .
أَيْنَ تَذْهَبُ بِكُمُ الْمَذَاهِبُ ، وَتَتِيهُ بِكُمُ الْغَيَاهِبُ ، وَتَخْدَعُكُمُ الْكَوَاذِبُ .
وَمِنْ أَيْنَ تُؤْتَوْنَ وَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ، فَلِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ وَلِكُلِّ غَيْبَةٍ إِيَابٌ ، فَاسْتَمِعُوا مِنْ رَبَّانِيِّكُمْ وَأَحْضِرُوهُ قُلُوبَكُمْ ، وَاسْتَيْقِظُوا إِنْ هَتَفَ بِكُمْ ، وَلْيَصْدُقْ رَائِدٌ أَهْلَهُ وَلْيَجْمَعْ شَمْلَهُ وَلْيُحْضِرْ ذِهْنَهُ ، فَلَقَدْ فَلَقَ لَكُمُ الْأَمْرَ فَلْقَ الْخَرَزَةِ ، وَقَرَفَهُ قَرْفَ الصَّمْغَةِ .
فَعِنْدَ ذَلِكَ أَخَذَ الْبَاطِلُ مَآخِذَهُ وَرَكِبَ الْجَهْلُ مَرَاكِبَهُ ، وَعَظُمَتِ الطَّاغِيَةُ وَقَلَّتِ الدَّاعِيَةُ ، وَصَالَ الدَّهْرُ صِيَالَ السَّبُعِ الْعَقُورِ ، وَهَدَرَ فَنِيقُ الْبَاطِلِ بَعْدَ كُظُومٍ ، وَتَوَاخَى النَّاسُ عَلَى الْفُجُورِ ، وَتَهَاجَرُوا عَلَى الدِّينِ وَتَحَابُّوا عَلَى الْكَذِبِ ، وَتَبَاغَضُوا عَلَى الصِّدْقِ .
فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ ، كَانَ الْوَلَدُ غَيْظاً وَالْمَطَرُ قَيْظاً ، وَتَفِيضُ اللِّئَامُ فَيْضاً وَتَغِيضُ الْكِرَامُ غَيْضاً .
وَكَانَ أَهْلُ ذَلِكَ الزَّمَانِ ذِئَاباً ، وَسَلَاطِينُهُ سِبَاعاً ، وَأَوْسَاطُهُ أُكَّالًا ، وَفُقَرَاؤُهُ أَمْوَاتاً ، وَغَارَ الصِّدْقُ وَفَاضَ الْكَذِبُ ، وَاسْتُعْمِلَتِ الْمَوَدَّةُ بِاللِّسَانِ ، وَتَشَاجَرَ النَّاسُ بِالْقُلُوبِ ، وَصَارَ الْفُسُوقُ نَسَباً وَالْعَفَافُ عَجَباً ، وَلُبِسَ الْإِسْلَامُ لُبْسَ الْفَرْوِ مَقْلُوباً .

*
المصدر : (نهج البلاغة : ص156، طبعة صبحي الصالح.)