توت عنخ امون واحد من الفراعنة الأكثر شهرة على الاطلاق ، برغم كونه شخصية ثانوية في التاريخ المصري القديم ، إلا ان شهرته لا تتعلق بانجازات حققها أو حروب انتصر فيها كما هو الحال مع الكثير من الفراعنة؛ وإنما لأسباب أخرى تعتبر مهمة من الناحية التاريخية , ومن أبرزها اكتشاف مقبرته وكنوزه بالكامل دون أي تلف او سرقة ، إضافة الى اللغز الذي أحاط بظروف وفاته , إذ اعتبر الكثير وفاة فرعون في سن مبكرة جدًا أمرًا غير طبيعي وخاصة مع وجود آثار لكسور في عظمي الفخذ والجمجمة، وزواج وزيره من أرملته من بعد وفاته وتنصيب نفسه فرعونًا. كل هذه الأحداث الغامضة بالأضافة الى الاستعمال الكثيف لأسطورة لعنة الفراعنة المرتبطة بمقبرة توت عنخ أمون التي استخدمت في الأفلام وألعاب الفيديو جعلت من توت عنخ أمون أشهر الفراعنة لألغاز وأسئلة لا تزال بلا جواب ، واليوم نبحر معاً في رحلة سريعة في حياة الفرعون الصغير
ولد الملك توت فى عام 1341 قبل الميلاد ، وسمى بـ اسم توتانخاتن ، وهو ما يعنى “الصورة الحية لأمون” وبعد توليه السلطة ، غير الملك الصبي اسمه إلى توت عنخ امون ، وكان ابن أخناتن (المعروف أيضا باسم أمنحوتب الرابع) ، ووالدته هى كيا الزوجة الثانوية لأخناتون وفي وقت ولادته ، كانت مصر القديمة تمر باضطرابات اجتماعية وسياسية كبيرة ، وقد منع والده عبادة العديد من الآلهة الوثنية لصالح عبادة إله واحد ، وهو ( أتون ) أله الشمس
وألقى هذا التحول الديني المجتمع إلى حالة من الفوضى ، ومع تصاعد الصراع على السلطة بين القديم والجديد ، وبعد حكم دام 17 عاماً ، اضطر إخناتون الى التنازل عن الحكم , وبعد فترة وجيزة تولى ابن اخناتون ( توت عنخ امون ) البالغ من العمر تسع سنوات الحكم بعد وفاة أخيه سمنخ كا رع ، ولم يكن معه أياً من أفراد أسرته لقد اختفوا بشكل غريب ولم يبق منهم سوى أخته ، ولأن توت عنخ امون كان عمره تسع سنوات كان يسيطر على السنوات الاولى من حكمه أحد الشيوخ المعروفين باسم آي والذي حمل لقب الوزير ، وقد ساعده حورمحب وكان اكبر قائد عسكري في مصر في ذلك الوقت، ولصغر سن الصبي كان من المستحيل قبول إنقلاب الملك الصغير بشكل مفاجىء على الديانة التى أسسها والده أخناتون ويبدوا أنه أجبر على ذلك من قبل كهنة أمون , وقد ساعد وزيره في الانقلاب على معتقد الملك السابق اخناتون ، وقام بتغير اسم توت عنخ آتون الي توت عنخ آمون، والذي يعني “الصورة الحية لآمون” ، ووقتها انتقل الديوان الملكي ليعود إلى طيبة
تزوّج توت عنخ آمون بعد تولّيه الحكم في مصر، وكان زواجه من أخته غير الشقيقة وهي ابنة الملكة نفرتيتي، وزواج الملك من أخته لم يكن بالأمر الغريب عند الملوك في مصر القديمة، فقد كان من المعتاد أن يتزوج الملك من أخته؛ حفاظاً على عرش الملك وحفاظاً على الدم الملكي، إضافة إلى اعتقادهم بأن الملك والملكة هما من الآلهة، وكان من الطّبيعي أن يتزوج الإله بأخته، إلا أن هذه العادة لم تكن منتشرةً عند عامة الشعب كما إن المُتتبع لكنوز توت عنخ آمون يلاحظ حياة الرفاهية والحب التي كان يعيشها مع زوجته، كما أظهرت بعض الأدلّة أن علاقته بزوجته كانت علاقة حب منذ أن كانا صغيرين
ويقال ان الزوجين الشابين انجبوا ابنتان ومن المحتمل أنهم قد ولدوا ميتتان وعلي عكس ما تم من إهمال سياسي خارجي في عهد إخناتون ، سعى توت عنخ امون لاستعادة العلاقات وجعلها أفضل مع الجيران ، وهناك بعض الأدلة التي تشير إلى أن دبلوماسية توت عنخ امون كانت ناجحة ، وخلال فترة حكمه، وقعت معارك بين مصر والنوبيين والآسيويين وقام هذا الملك الصبي في السيطرة على طرق التجارة ، وتم تدريب توت عنخ امون علي امور الجيش كلها ، وهناك بعض الأدلة على أنه كان جيداً في الرماية ، كما سعى لاستعادة النظام القديم، على أمل أن الآلهة سوف تكون مرة أخرى بجانبه
ويستمد معظم ما هو معروف عن توت عنخ امون اليوم من اكتشاف مقبرته عام 1922 علي يد عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر ، وهناك اعتقاد سائد أن وفاة توت عنخ آمون لم يكن لأسباب مرضية وانما قد يكون من جراء عملية اغتيال قام الوزير بتدبيرها , وهناك العديد من الأدلة التي يوردها المؤمنون بهذه النظرية منها على سبيل المثال زواج الوزير من ارملة توت عنخ أمون , حيث عثر على ختم فرعوني يحمل اسم آي وعنخ سون أمون أرملة توت عنخ أمون وأيضا يوجد رسالة بعثتها الارملة إلى ملك الحيثيين تطلب منه إرسال أحد ابنائه بغرض الزواج بها بعد موت زوجها , وقام ملك الحيثيين بارسال أحد أبناءه كي يتزوج من أرملة توت عنخ أمون ولكنه مات قبل أن يدخل أرض مصر , وهناك اعتقاد انه تم اغتياله على الأرجح بتدبير من الوزير الذي فيما يبدو كان يخطط للاستيلاء على عرش مصر , فقام بقتل الملك توت عنخ أمون وقتل ابن ملك الحيثيين , وتشير الأدلة ايضا إلى أن عنخ إسن آمون تزوجت لاحقا من آي، قبل أن يختفي من التاريخ ولكن هذه فرضيات ولا يوجد دليل قاطع لإثبات كل هذه النظريات خاصة أن هناك ادلة أثرية تؤكد انه بعد وفاة توت عنخ أمون أستلم الوزير آي مقاليد الحكم لفترة قصيرة ليحل محله الوزير الثاني حورمحب الذي تم في عهده إتلاف معظم الأدلة على فترة حكم توت عنخ أمون والوزير آي
فيما تشير الأبحاث إلى أن الملك توت مات من عدوى الغرغرينا الناتجة عن ساق مكسورة ، وأشارت التحقيقات المبكرة إلى أن شظايا العظام في جمجمة توت عنخ آمون تدل على أنه توفي من ضربة على الرأس عن طريق منافسين سياسيين ، ولكن في عام 2006 اكتشف العلماء أن الأضرار التي لحقت جمجمة الملك توت عنخ امون وقعت بعد وفاته بسبب سوء التعامل مع المومياء ، ووجدت دراسة أخرى أجريت عام 2010 عن سبب وفاة توت عنخ امون أنه يعاني من الملاريا ، وجعل هذا المرض اصابته بالساق اسوأ ، وسرع من وفاته .
أهم بند عٌثر عليه في قبر الملك توت عنخ امون هو التابوت الحجري الذي يحتوي على ثلاثة توابيت ، واحدة داخل الأخرى ، مع نعش نهائي مصنوع من الذهب ، وعندما تم رفع غطاء التابوت الثالث ، تم الكشف عن مومياء الملك توت عنخ امون ، وهى محفوظة منذ أكثر من 3000 سنة ، كما فحص علماء الآثار المومياء ، ووجدوا القطع الأثرية الأخرى ، بما في ذلك الأساور والخواتم كما تم العثور على مومياء توت عنخ أمون بكامل زينته من قلائد وخواتم والتاج والعصى وكانت كلها من الذهب الخالص .
ترجع أهمية مجموعة الملك توت عنخ آمون إلى العديد من الأسباب؛ أولها أن كنز الملك توت عنخ أمون هو أكمل كنز ملكي عُثر عليه ولا نظير له ، إذ يتكون من ثلاثمائة وثمان وخمسين قطعة تشمل القناع الذهبي الرائع وثلاثة توابيت على هيئة الإنسان، أحدها من الذهب الخالص والآخران من خشب مذهب , بالإضافة لكرسي العرش الوحيد الذي وصل لنا من حضارة المصريين القدماء
ولسنوات عديدة بعد اكتشاف كارتر لم يحظَ أي حاكم بالشهرةِ التي نالها الفرعون المصري الشاب. وانتقل توت عنخ آمون من كونه مذكورًا كملاحظةٍ هامشية في كتب التاريخ المصري، ليصبحَ حديث العالم بأسره ، ارتدت النساء أساور بِهيئة ثعبان وفساتين مستوحاةٍ من قناع دفنه الذهبي الأيقوني؛ وطالما عُرضت وضربت هذه الموجة التي سُمِّيت “توتمانيا” العالم , هي اللفظة التي تعنى الهوس بتوت عنخ امون , فصنع أفلام سينمائية واغانى وازياء كلها مستوحاه من شخصية الفرعون المصري الصغير ومحتويات مقبرته فائقة الروعة .