لين عضايلة
ما زلتُ عالقاً بين الأمسِ والحاضرِ، بين الحب ِوالكُره، بين الحزنِ والفرحِ، بين وطني القديمِ والحاضر، ما زلتُ معلقاً في قلوبِ الأمواتِ والأحياء.. هل أنا ميت أم حي؟
ما زالتْ تلك الفكرة تراودني رويداً رويداً على غفلةٍ تصبح في عقلي..
أيعقلُ أنني بدأتُ أبرمجُ نفسي على أنني لا أنتمي لذلك الوطن البعيد؟!
أم أنني حقاً بدأتُ أستوعب فكرة أنني لاجئ على حدودِ الوطنِ!
حاولتُ جاهداً معرفة تلك الحروب والثورات بحثتُ في أساطيرِ التاريخِ وبين أوراقِ الجغرافيا هل من سبب؟
بدأتُ أزف جروحي وجروح وطني البعيد.. هل من مجيب؟ ولكنني لم أجد سوى مفاهيم وسياسات خاطئة سيطرتْ على الوطن..
طفل جريح يصرخ لولادة طفلٍ جريح آخر، و أمٌ تبحث عن أبنائها لتلحقها ابنة تركض من العدو، فيتبعها صوت أبٍ ينادي الرب بعودة منزله ...
آه وكم من آه ! هل تصدق لم أجد في تلك الأساطير إلا عن عظمة بلادي، وفي الأوراق أيضاً لم أجد سوى أن حدود الوطن أغلى ما يكون..
عن أي عظمة أتحدث وعن أي حدود؟ لقد أصبحنا لاجئينَ على الحدودِ نتجه للشرق.. للغرب.. للجنوب.. للشمال.. وحقائبنا على أكتافنا، لكن أعيننا تناظر خلفنا، تناظر وطناً حروفه اسمي وأسم كل لاجئ، إلى مسقط رؤوسنا، وإلى أول حب، أول حضن، أول شهادة، أول حلمٍ إلى كل شيء وأغلى شيءٍ هناك في وطني .
لقد سئمتْ الحروب والثورات منا، وسئمنا نحنُ فراق الأوطان، وبكتْ الأساطير، وبكى الخلفاء على حضاراتٍ بنوها وقد أصبحت " هباءً منثوراً "، وتعالتْ أصواتنا تصرخ وتبحث عن مجيب . . !
لم يَعدْ بإمكاني أن أرسم مدينة وردية كتلك التي في التاريخ، ولا أن أعرف حدود وطني كتلك التي في الجغرافيا.
هل هذا الوطن الذي ولدتُ فيه والذي تغربتُ عنه بليلة صماء خوفاً من البقاء فيه ؟!
العظمةُ لجميع الأوطانِ التي تحدثتْ بلغة الحبِ والكره، بلغة الفرحِ والحزنِ، بلغة الحياةِ و الموتِ، بلغة الأملِ في العودة للوطن والألم لفراقه.
ما زالتْ السماءُ تخبرني كل يوم عن تفاصيلِ اللاجئين، عن حزنهم، شوقهم، آهاتهم، وصراخهم.
في كل يوم تتغلب السماءُ على جميع الأشياء، تجذبُ جميع اللاجئين لينظروا إليها ويناجوا الرب أن يمد يديه لهم ويأخذهم إلى هناك حيث الملجأ، حيث الأمان، حيث الوطن الذي أنجبهم.
وأنا لا زلتُ أؤمن أن السماء تسمعني وتنقل صوتي وأفكاري للمحيط حولي، وأنا على يقين أنها ستنقل صوتهم إلى الله .