بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته


إنّما يعيش الإنسان بآماله ، وأكثر الناس احتياجاً إلى أمل الحياة هم المرضى ، فعلى الطبيب المسلم أن يزرع الأمل في قلب مريضه ، ولا يخلق فيه روح اليأس من حياته ، فإنّ الأعمار بيد الله سبحانه ، وما أكثر الشواهد العينية ، كما تطلعنا الصحف والمجلات المحلّية والعالمية بين آونة واُخرى ، أنّ مريضاً كان على شرف الموت ، وأيس أهله من برئه وشفائه واستعدّوا لتجهيزه وموته ، ولكن شاءت الإرادة الإلهية أن يبقى حيّاً ، ويبرأ من مرضه ، وينجو من الحتف المحتوم عليه ؟ !

فالطبيب الناجح يزرع الأمل في قلب مريضه ، وكثيراً ما تعالج الأمراض ، لا سيّما الروحية بمثل هذا الخلق الحسن ، فطمأنة المريض على صحّته وسلامته وبرئه من المرض سريعاً ، يؤثّر غاية التأثير في زوال السقم والمرض.

وما كلّ ما يعلم يقال ، ولا يجب على الطبيب أن يقول لمريضه كلّ ما كان صادقاً في مرضه ، بل يحرم الكذب عليه ، ولا يجب الصدق ، فإذا كان حال المريض خطراً فيمكن للطبيب أن يعلمه بذلك بلطائف الكلام للوقاية والعلاج ، ولا يخبره مباشرة حتّى يفقد المريض أمل الحياة ، ويكون إخبار الدكتور موجباً لسرعة حتفه ، وفقدان الأمل ، وربما نتيجته الانتحار ، فيكون الطبيب شريكاً في موته.

قال الله تعالى:

( إنَّهُ مِنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْس أوْ فَساد في الأرْضِ فَكَأ نَّما قَتَلَ النَّاسَ جَميعاً )[1].

(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزائُهُ جَهَنَّمُ خالِدينَ فيها)[2].

فيجب على الطبيب حدّ الإمكان وحسب الطاقة البشرية أن يسعى في نجاة مريضه ، ولو كانت حياته ساعات ودقائق ، وإن كان يستوجب ذلك إرهاق الطبيب.

فالطبيب رفيق المريض كما ورد هذا المعنى في الروايات الشريفة عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : « كن كالطبيب الرفيق الذي يدع الدواء بحيث ينفع »[3].

وفي نصٍّ : « إنّ الله عزّ وجلّ الطبيب ولكنّك رجل رفيق » ، وفي نصٍّ آخر : « أنت الرفيق والله الطبيب »[4].

فمن أولى من المريض بالعناية والرفق والمداراة ولا سيّما من قِبل طبيبه ، فلا بدّ من رفع معنوياته والتغلّب على أمراضه وآلامه وأوجاعه ، بزرع الأمل والثقة في قلبه ، حتّى يقاوم المرض ولا ينهزم أمامه ، فدور الطبيب في المفهوم الإسلامي هو التطبّب والتلطّف وبعث الأمل في نفس المريض ، فإنّ الله هو الشافي وهو الطبيب الواقعي ، وإنّ المعالج يسمّى بالطبيب لأ نّه يطيب بذلك نفس المريض ـ كما ورد في الخبر الشريف ـ حتّى أنّ من يزور المريض عليه أن يبعث فيه الأمل والحياة.

وخلاصة القول : إنّ المريض حينما يشتدّ به المرض لا يعلّق آماله فيما هو فيه على أحد ، حتّى أقرب الناس إليه حتّى ولده وأبويه ، إلاّ الله ومن أمره أن يرجع إليه ، ألا وهو الطبيب الحاذق البصير ، فهو الذي يمكنه أن يقدّم له يد المعونة ، ويخفّف عنه آلامه وينقذه ممّـا هو فيه ، فالطبيب يتحمّل أكبر مسؤولية في هذا المجال سواء على الصعيد المادّي بتقديم الأدوية ، أو المعنوي بالملاطفة الروحية والنفسية وزرع الأمل في قلب مريضه ، ويبعث البهجة في نفسه ، ويعيد إليه الثقة بالحياة وبالمستقبل.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

« الأمل رحمة لاُمّتي ، ولولا الأمل ما رضعت والدة ولدها ، ولا غرس غارس شجراً ».

ولا تأمل إلاّ الله ، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

« يقول الله تعالى : لأقطعنّ أمل كلّ مؤمن أمل دوني الاُناس ».

قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام):

« الأمل رفيق مؤنس ».

« انقطع إلى الله سبحانه ، فإنّه يقول : وعزّتي وجلالي لأقطعنّ أمل كلّ من يؤمل غير بالبأس ».

« من أمّل إنساناً فقد هابه ».

بينما عيسى (عليه السلام) جالس وشيخ يعمل بمسحاة يثير الأرض ، قال (عليه السلام) : اللّهم انزع منه الأمل فوضع الشيخ المسحاة واضطجع ، فلبث ساعة . فقال عيسى : اللّهم اردد إليه الأمل ، فقام فجعل يعمل »[5].

وعلى الطبيب أن يزرع الأمل في قلب مريضه.
------------------------
[1] المائدة : 32.

[2] النساء : 93.

[3] البحار 2 : 53.

[4] كنز العمّـال 8 : 360.

[5] ميزان الحكمة 1 : 140.