«الطوّاش» مهنة قطيفية سادت ثم بادت
الطواش حجي علي بن عبدالله الحبيب
الطواشة أو استخراج اللؤلؤ أو الغوص على اللؤلؤ هي مهنة المتاجرة باللؤلؤ، وهي مهنة تقليدية اختصت بها دول الخليج. وَالطّواش هو تاجر اللؤلؤ الذي يتنقل بين سفن الغوص في مواقع صيد الأسماك لاستخراج اللؤلؤ من أعماق البحار، أو بين نواخذة الغوص بعد عودتهم.
مهنة الطواشة امتهنها العديد من أهل الخليج العربي كمصدر رزق خلال القرون الماضية و البحرين خاصة حيث كانت منذ القرن الأول الميلادي، كما تشير مخطوطة أشورية تعود إلى أربعين قرناً خلت إشارة إلى لآلئ البحرين، وانتهت المهنة تقريباً في منتصف القرن العشرين مع ظهور اللؤلؤ الصناعي الياباني. كان تطوير صناعة اللؤلؤ المصنع في اليابان ضربة شديدة لصناعة الغوص في الخليج، حيث نقص عدد القوارب التي تتمركز في البحرين في سنة 1948 إلى 80 قارباً مقارناً بالعدد 1500 في سنة 1833 . وكانت تعد الصناعة الأولى في الخليج العربي إلى جوار كونها المهنة الأكثر اقتراناً بالمنطقة. وكانت القوة الشرائية لسكان الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية تعتمد إلى حد كبير على مغاصات اللؤلؤ. كانت البحرين مركزاً مهماً لتجارة اللؤلؤ، حيث كان يباع للأسواق العالمية منها خاصة الهند. وقد كانت تجارة اللؤلؤ واحتكاره سبباً رئيساً في العديد من الحروب منها الحرب بين البرتغاليين و الجبريين.
عرف الخليجيون اللؤلؤ قبل الإسلام بقرون عدّة، فعند ظهور الإسلام كانت حرفة الغوص صناعة الغوص- التي عُرفت في تلك المنطقة لأكثر من أربعة آلاف سنة، قد اكتسبت أهمية بالغة في الاقتصاد المحلي، وشكلت بجانب التجارة وصيد الأسماك مصدرًا للرزق على امتداد الشريط الساحليّ.
ذكر لوريمر أن عدد سفن الغوص على اللؤلؤ التابعة لساحل عمان كان يبلغ في صدر القرن العشرين 1200 سفينة تقل كل سفينة طاقماً يضم في المتوسط 18 رجلاً. وكانت القيمة السنوية في المتوسط للؤلؤ المصدر من الخليج تقدر بـ 1434399 جنيهاً استرلينياً.طاقم الغوص
العمل الجماعي، التنظيم، الإدارة الفاعلة، تقسيم المهام، تحمل المسؤولية كلها مهارات تظهر واضحة جلية في رحلة الغوص على اللؤلؤ، يقوم مجموعة من الرجال بالكثير من المهام المتكاملة المنسجمة التي تؤدي في نهاية المطاف إلى رحلة غوص ناجحة، من هؤلاء الرجال:
النوخذة: ربان السفينة والمسؤول الأول والمباشر عن رحلة الغوص، وقد يكون في الغالب مالكًا لسفينة الغوص. ومن أهم السمات التي يجب أن يتمتع بها النوخذة: أن يكون صاحب خبرة كبيرة في مجال عمله، كأن يكون قد عمل لفترة طويلة في مجال الغوص.
أن يكون على علم ودراية بالأماكن التي يتواجد فيها اللؤلؤ (الهيرات).
أن تتوافر لديه معرفة كافية بعلم الفلك؛ فعن طريق النجوم يعرف اتجاه السير؛ فيقود سفينته بنجاح.
أن يمتلك شخصية قوية؛ ليستطيع إدارة العمل، والسيطرة على جميع العاملين في السفينة.
أن يكون على علم بكل الأدوات الموجودة على ظهر السفينة، وطرق استخدامها.
أن يمتلك أمر بيع اللؤلؤ المستخرج للتجار (الطواشين)، ولديه مصادره التي تعينه على البيع.
المقدمي (المجدمي): رئيس البحارة، والمسؤول عن العمل في السفينة، والأمين على حاجاتها.
الغيص (الغواص): يغوص في البحر لجمع المحار.
السيب: يقوم بسحب الغيص من قاع البحر.
الجلّاس (اليلاّس) أو الفليج: يقوم بفتح المحار.
السكوني: يمسك بدفّة السفينة ويستجيب لأوامر النوخذة في توجيه السفينة.
النهّام (النهيم): يُغنّي لطاقم السفينة؛ فيخفف عنهم رحلة غربتهم، ويحفزهم على العمل.الأدوات
الفطام: مشبك يضعه الغواص على أنفه أثناء الغوص؛ حتى لا تتسرب المياه إلى جوفه.
الحصاة (الحجر- الثقل- البلد): يربط في رِجْل الغواص ؛ ليساعده على النزول إلى العمق المطلوب.
الشمشول: رداء أسود سميك يلبسه الغواص.
الخبط: قفاز جلدي لحماية أيدي الغواص.
الديين : كيس مغزول من خيوط غليظة، يعلقه الغواص في رقبته؛ ليضع فيه المحار الذي جمعه.
اليدا: الحبل المتصل بين الغواص والسيب.
المفلقة: الأداة التي يفتح بها المحار.الجغرافيا
توجد العديد من الأماكن التي يكثر بها اللؤلؤ في الخليج العربي خاصة حول البحرين وقطر. بلغ دخل الساحل المتصالح وحده من صادرات اللؤلؤ في سنة 1925 عشرة ملايين روبية هندية، كما توجد الهيرات (أماكن اللؤلؤ) أيضاً أمام ساحل البصرة المطل على الخليج العربي.
تعتبر مهنة الغوص من الأعمال الرئيسية، التي يمارسها ابناء الخليج منذ القدم واشتهروا بها، حتى كانوا إلى عهد متأخر ينتجون نصف محصول العالم من اللؤلؤ، وتدر عليهم أرباحاً تقارب تسعين مليون روبيه، ومما يذكر أن عائدات الغوص في القطيف كانت تقدر بأربعة ملايين وستمائة الف روبية هندية، وهو مبلغ طائل بالنسبة لذلك الوقت، وهذه الثروة التي يحصل عليها السكان أسالت لعاب الأوربيين، فحاولوا في فترات عديدة أن يحصلوا على امتياز صيد اللؤلؤ في الخليج باستخدام الوسائل الحديثة في الغوص، فبأت محاولاتهم بالفشل، حيث لقيت معارضة من الأهالي ومن السلطات المهيمنة على مياه الخليج.مواسم الغوص
وكان للغوص ثلاثة مواسم :
1- غوص البرد:
ويبدأ من منتصف إبريل، ويستمر أربعين يوماً، وكان العمل فيه قاصراً على المغاصات الضحلى، فإذا غاب الغواصون يومين، سموه ( عزاب ) وإذا غابو أسبوعين، سموه ( خانجيه ).
2- الغوص الكبير:
ويبدأ من منتصف مايو، ويبدأ من منتصف مايو، ويستمر إلى منتصف شهر سبتمبر، وأوله يسمى الركبة ( أي ركوب السفينه ومغادرة البلد ) ونهايته يسمى القفال ( أي العودة من السفر ).
3- الردة:
ومدته ثلاثة أسابيع من 20 سبتمبر إلى 14 اكتوبر وهناك موسم رابع في الشتاء أو الربيع، يسمى المجني حيث يلفظ البحر عدداً من القواقع قرب الساحل، فيذهب النساء ويلتقطونه اثناء الجزر.السفن المستخدمة
وتستخدم جميع أنواع السفن في أعمال الغوص، وأغلبها من نوع السنبوك والبتيل والبقارة والبغلة، ويتراوح عدد البحارة في كل سفينة من عشرة إلى ستين بحار، وقد بلغ عدد السفن التابعة للقطيف في وقت ما 400 سفينة، وتمول السفن العاملة في الغوص في الغالب من المسقمين ( الممولين ) أو تجار اللؤلؤ، ليحصلوا على حق الإمتياز في شراء المحصول بنسبة خصم تساوي 20 % عن القيمة السوقية .عملية الغوص
وعملية الغوص في البحر عملية صعبة محفوفة بالمخاطر، وتقع كلها على عاتق الغواص، لا سيما اذا زاد عمق البحر على نحو من 20 متراً واخطر ما يواجهه من الحيوانات البحرية حيوان يسمى ( الدول ) يبلغ حجمه قدر الكف، وهو هلامي الشكل، له خيوط طوال، وكأنه كتلة من حرير أبيض، فإذا لامس جسم الإنسا ن سبب له التهاباً وحرقة شديدة، ومثله حيوان ( اللّويبي ) بالتصغير وهو ذو لون أحمر وخطره أقل من السابق، كما يوجد أحياناً سمك القرش ويسمى باللهجة العامية ( الجرجور ) أو كلب البحر فيهاجم الغواص ويقضي عليه، أو يلحق به أضراراً بالغة.
وتبدأ أعمال الغوص من أول الصباح حتى نهاية النهار، وبعد أن يخلع الغواص ثيابه يضع في أنفه الفطام، وهو شبيه بالملقط يضغط على أنفه فيمنعه من التنفس، ويحشو أذنه بقطع من الصوف المنذوفه أو شمع العسل، ويستعين على النزول إلى القاع بقطعة من الرصاص أو الحجر، يتراوح ثقلها ما ين 10 إلى 14 رطلاً يثبت في حبل له عروة يضع فيها الغواص رجله، ليسرع إلى القعر، ويأخد معه زبيلاً يسمى ( دين) مصنوع من حبل القنب له فتحات وعروة كبيرة، ليجمع فيه المحار ويعلقه في عنقه، ويضغ في يديه قفازات، تسمى ( خبط ) وحبلاً في وسطه، يسمى ( أيد ) متصلاً بالسفينة، وحين ينزل إلى البحر يضع كفيه على وجهه، فيصل إلى القعر بسرعة، ثم يفتح عينيه، حيث تبقى رجلاه معلقه إلى أعلا ويداه إلى أسفل، وهو يجمع المحار ويضعه في الزنبيل، فإذا انتهى أرسل إشارة بهزّ الحبل، فيقوم السيب بسحبه فوراً إلى سطح الماء، وتتراوح مدة كل غطسه وتسمى ( تبَّه) من 40 ثانية إلى دقيقة واحدة، يجمع فيها عدداً من القواقع من 3 إلى 20، ويبلغ عدد غطسات الغواص في اليوم الواحد نحو الخمسين، أما اذا كان الطقس بارداً فتتراوح من عشر إلى عشرين غطسه.
وحين يجمعون حصيلة اليوم، يقومون بفتح المحار تحت اشراف النوخذة شخصياً، وهو المسؤول عن حفظ اللئالي، وهو الذي يتولى بيعه بنفسه، فيسدد للمموّل دينه، ويعطي مالك السفينة 20 % من المحصول، ويختص لنفسه بنسبة 20 % ويقسم الباقي فيعطي الغواص 60 % والسيب 30 %، أما التباب فلا يعطى شئء وليس له فائدة سوى نفقات أكله والتمرن على أعمال الغوص.
أنواع اللؤلؤ
ويبع اليتم في الأغلب على الطواش، ويراعى فيه الحجم فاللؤلؤة الكبيرة تسمى ( جوهرة ) والوسطى تسمى ( دانة ) والصغيرة تسمى ( قماشة ) وتخضع أيضاً إلى عملية الفرز، حيث تبوب إلى رأس وبطن وديل، وأجمل اللئالي تسمى ( لقوة )، ويعمد الطواش أحياناً إلى شراء اللؤلؤ من السفن أثناء الغوص، فيدفع الثمن أو يقايضهم بمواد التموين كالرز والتمر والقهوة والسكر وغيرها، ثم تنتقل اللئالي بين تجار اللؤلؤ ويتبايعونه فيما بينهم، إلى أن ينحصر في فئة من كبار التجار، فيصدرونه إلى البحرين أو الهند، حيث يتخد طريقه إلى الأسواق العالمية.
وكانت أعمال الغوص نشطة وتجارتها مزدهرة منذ اقدم العصور إلى حين ظهور اللؤلؤ الصناعي الياباني، الذي لا يختلف عن اللؤلؤ الطبيعي في الشكل أو اللون، ولا يمكن التمييز بينهما إلا بالأشعة السينية أو بعض الأجهزة الدقيقة كالإندوسكوب حتى أصبح ينافس اللؤلؤ الطبيعي في الأسواق، وأدت كثرة إنتاجه إلى انخفاض قيمته، كأي سلعه تجارية تخضع لقاعدة العرض والطلب، هذا بالإضافة إلى أن كثيراً من البلدان التي تستورده والتي استقلت حديثاً بعد الحرب العالمية الثانية، كالهند التي كانت السوق الرئيسية للخليج، والتي قضت على بذخ المهراجات " بلغ الأمر من بذخ المهراجات أن يصنعوا من اللئالي قلائد لكلابهم "، ومنعت استيراد اللؤلؤ وأخدت بمبدأ الإقتصاد الموجه، ففرضت قيوداً على التحويل الخارجي، وقد أدت هذه الأسباب إلى تدهور أسعاره، حتى مُني أغلب التجار بخسائر فادحة وأدى فقدان رؤوس الأموال المموّله لأعمال الغوص إلى شل نشاطه، هذا بالإضافة إلى قيام صناعة الزيت في دول الخليج، التي امتصت الأيدي العاملة، وأصبحت المخاطرة في أعمال الغوص غير مرغوب فيها بعد أت توفر للعاملين الرزق المضمون والعمل المريح.الطواويش
ينقسم تجار اللؤلؤ إلى فئتين: فئة التجار, وفئة الطواويش, أما التجار فهم الذين يتعاملون بالجملة أو الذين تأتيهم بضاعتهم حتى محلاتهم التجارية, وهم يشترونها نقداً ولهم صلة بأسواق بمباي والكويت والبحرين.
أما الطواويش فهم صغار التجار, وعلى هؤلاء أن يبحثوا عن اللآلي في مناطق استخراجهم, فيذهبون إلى السفن والمراكب ويشترون ما يجدونه منها نقداً أو يبادلونه بالمواد التموينية مما يحتاج إليه الغواصون ثم يبيعون ما يجمعونه إلى التجار, وهناك فئة أخرى من الطواويش ينتظرون البحارة على السواحل ليشترون اللؤلؤ ويبيعونها بالطريقة التي تناسبهم وهي فئة قليلة.
وتسمى اللؤلؤة الواحدة (حصبات) والجمع (حصابي), وللحصبات أسماء مختلفة تعرف بواسطة غرابيل أعدت لذلك وتسمى (طوس) والواحدة (طاسة) وتركب الواحدة داخل الأخرى فما لا يسقط من الغربال الأول يسمى (رأساً) ومايمسكة الثاني يسمى(بطناً) وما يبقى في الثالث يسمى(ذيلاً) والباقي يسمى (سحتيتاً), كما أن هناك دلال للؤلؤ وهو الذي يقوم بدور الوسط بين الطواش وبين التاجر وله عمولة من كلا الطرفين, ويكون في العادة أقرب إلى جانب التاجر منه إلى جانب الطواش.
يعرف الكثير اللؤلؤ على انه حجر كريم غالي الثمن وجميل الشكل، ويجهل الغالبية كيفية تكوين اللؤلؤ، والذي يتكون نتيجة دخول جسم غريب مثل ذرة رمل أو كائن دقيق داخل المحارة (الصدفة) فيتأذي الحيوان الرخو الذي يسكن داخل الصدفة فيدافع عن نفسه بأن يفرز مادة لؤلؤية تجعل ذلك الجسم الغريب أملس ناعما مستديرا تقريبا حتى لا يؤذيه، حيث يكسوه بطبقات من إفرازه، فتتكون من جراء ذلك اللؤلؤة، وتكون جودتها على قدر قوة إفراز الحيوان، والحيوان نفسه بواسطة إفرازاته يجعل داخل المحارة لامعا أملس وهذا السطح اللامع هو الذي يساعد على تكون اللؤلؤة فيعطيها الضوء البراق. ويصنف اللؤلؤ حسب الحجم والجودة والوزن، ويكسب سعره من خلال هذا التصنيف.
ولقياس وزن اللؤلؤ يستعمل عدد من الطاسات النحاسية المثقوبة والمعدة لهذا الغرض. ويسمى اللؤلؤ حسب الحجم، فالكبيرة الحجم منه يطلق عليها «رأس» وهي التي تحتجز في الطاسة الأولى، يليها «بطن» ثم «الذيل» و«السحتيت» وهو من أصغر الأنواع. ويصنف اللؤلؤ حسب الجمال والجودة، فتسمى اللؤلؤة الجميلة «جيون» وهي كلمة هندية وتعني الجميل، و«خشن» و«جولواه» و«بدله» و« ناعم» وأخيراً «بوكه».
ويصنف اهل الخليج اللؤلؤ من حيث اللون إلى المجموعات التالية: المشير الأبيض المشرب بحمرة وردية وهو أحسنها وأندرها، وإذا كانت اللآلئ بهذا اللون وكانت كاملة التكوين ملساء براقة، فهي أجودها قاطبة. والنباتي وهو الأبيض المشرب بحمرة أقل، غير ناصع البياض، وبه صفرة مثل لون السكر نبات. يليه الزجاجي وهو أبيض ناصع البياض زجاجي براق لامع كأنه شفاف، ثم السماوي وهو ما كان لونه سماويا مائلا للزرقة الخفيفة بلون زرقة السماء الصافية. ثم السنقباسي، وهي لفظة هندية، وهو اللون الذي يشتد فيه الأزرق أكثر من السماوي ويميل إلى الرمادي أكثر. والقلابي وهو اللؤلؤ ذو اللون الأبيض الممزوج بألوان الطيف الشمسي حيث يتقلب لونه بحسب الضوء. والخضراء وهي التي يميل لونها إلى الاخضرار، وهذا أردأ أنواع اللؤلؤ وأقله قيمة.