بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
في بيت طاهر ضم الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) وزوجته الطاهرة تكتم، ولدت سليلة الطهر والعفاف فاطمة المعصومة(عليها السلام).
فتحت هذه السيدة عينيها على الدنيا في أيام محنة أبيها، فارتسمت حياتها بالحزن، ولكنها(عليها السلام) وإن فقدت أباها وهي في مقتبل العمر، إلا أنها ما كانت لتبقى بلا كفيل، فقد عاشت في كنف شقيقها الرضا(عليه السلام) الذي أولاها العناية الخاصة في تربيتها ورعايتها. فغدت أفضل بنات الإمام موسى بن جعفر(عليهما السلام) حتى قال عنها جدها الصادق(عليه السلام): (تدخل بشفاعتها شيعتنا الجنة بأجمعهم) بحار الأنوار ج60 ص 228.
كانت الظروف التي ألمت بأهل البيت(عليهم السلام) آنذاك عصيبة جدا إلى حد غاب فيه عن المؤرخين والرواة تسجيل أحداث ولادة السيدة فاطمة المعصومة(عليها السلام) وتأريخها، لذلك فقد غاب عنا كثير من الحقائق وخفيت علينا وقائع كثيرة، وذهبت في طي النسيان، ومنها تاريخ ولادة السيدة المعصومة ( عليها السلام )، فلم يرد في شيء من الروايات ذكر السنة التي ولدت فيها فضلا عن اليوم أو الشهر. وما بأيدينا من المصادر التي ذكرت تاريخ ولادتها(عليها السلام) هي في الحساب متأخرة جدا، ولم تذكر مستندا لذلك، بل ذكر بعض الكتاب أن ذلك أمر مجهول، فتبقى هذه حلقة مفقودة تضاف إلى كثير من الحلقات الضائعة من تاريخ أهل البيت(عليهم السلام).
ونحن ننقل ما ذكره المؤلفون في تاريخ ولادتها، فقد ذكر عمر رضا كحالة أن ولادتها(عليها السلام) كانت سنة 183 ه، وهي السنة التي استشهد فيها والدها الإمام الكاظم(عليه السلام) في قول أكثر المؤرخين(أعلام النساء ص 576). وعلى هذا فلم تحظ السيدة المعصومة بلقاء أبيها ( عليه السلام ) ورعايته، وعاشت في كنف أخيها الإمام الرضا ( عليه السلام ) وصي أبيه والقائم مقامه.
ولكن الشيخ علي أكبر مهدي بور استبعد أن تكون ولادتها (عليها السلام) في تلك السنة لأن السنوات الأربع الأخيرة من عمره (عليه السلام) – في أقل التقادير – كان فيها رهين السجون العباسية، ولذا فلا بد أن تكون ولادتها قبل سنة 179 ه، وهي السنة التي قبض فيها على الإمام (عليه السلام) وأودع السجن، على أنه يمكن القول بأنه قد قبض على الإمام (عليه السلام) وأمها حامل بها، وكانت ولادتها في سنة 179 ه. (كريمة أهل البيت عليهم السلام ص103)
وذهب الشيخ علي النمازي الشاهرودي إلى أن ولادتها (عليها السلام) كانت في غرة شهر ذي القعدة سنة 173 هـ (مستدرك سفينة البحار ج 8 ص 261)، وبناء على هذا التاريخ تكون السيدة فاطمة قد عاصرت من حياة أبيها عشر سنوات، غير أن السنين الأربع الأخيرة من عمره (عليه السلام) كان فيها رهين السجون العباسية كما ذكرنا، فلم تحظ منه إلا بست سنوات. هذه هي الاقوال في تحديد سنة ولادتها (عليها السلام).
السيدة المعصومة:
يقترن اسم فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر(عليهم السلام) بلقب (المعصومة)، فيقال في الأغلب: فاطمة المعصومة، كما يقال عند ذكر أمها الكبرى: فاطمة الزهراء (عليها السلام). وقد ورد هذا الاسم في رواية عن الرضا (عليه السلام) حيث قال: ((من زار المعصومة بقم كمن زارني)) (رياحين الشريعة ج 5 ص 35).
ولهذه التسمية من الدلالة ما لا يخفى، فإنها تدل على أنها(عليها السلام) قد بلغت من الكمال والنزاهة والفضل مرتبة شامخة حيث سماها الإمام(عليه السلام) بالمعصومة، فإن الإمام(عليه السلام) لا يلقي الكلام جزافا، وهي وإن لم تكن معصومة بالمعنى الخاص لعصمة الأنبياء والأئمة(عليهم السلام) والصديقة الزهراء(عليها السلام) فان عصمتهم(عليهم السلام) أمر لازم لا بد منه، إلا أن فيه إشعاراً ببلوغها مرتبة عالية من الطهارة والعفة والنزاهة والقداسة، ولا غرو فإنها تنحدر من بيت العصمة وتربت على يد المعصوم، وكانت ابنة معصوم وأخت معصوم وعمة معصوم.
في رحاب العلم والمعرفة:
عاشت فاطمة المعصومة مع أخيها الإمام الرضا(عليه السلام) أكثر من عشرين عاما في أقل التقادير، إذا ما استبعدنا أن تكون ولادتها في سنة 183 ه، لأنها السنة التي استشهد فيها أبوها الإمام الكاظم(عليه السلام) في قول أكثر المؤرخين، وإلا فتكون المدة التي عاشتها السيدة فاطمة مع أخيها سبعة عشر عاما، وذلك لأن انتقال الإمام الرضا(عليه السلام) من المدينة إلى خراسان كان سنة 200هـ وكانت ولادته(عليه السلام) سنة 148 هـ كما هو المشهور، وقيل في سنة 153هـ، فعلى القول بأن ولادتها(عليها السلام) كانت سنة 179هـ يكون عمرها الشريف يوم رحلة أخيها من المدينة واحدا وعشرين عاما، وعلى القول بأن ولادتها كانت سنة 173ه كما رجحه بعضهم يكون عمرها آنذاك سبعة وعشرين عاما.
وعلى أي تقدير فقد عاشت السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) في كنف أخيها الرضا (عليه السلام) ورعايته مدة من الزمن تمكنها من تلقي التربية والتعليم اللائقين بمقامها على يد أخ شقيق لم يكن في علمه ومقامه كسائر الناس، فهو الإمام المعصوم وهو المربي والمعلم والكفيل، فأخذت عنه العلم والمعرفة والفضائل والمناقب.
سفرها إلى الرضا(عليه السلام):
بعد مضي عام على رحيل أخيها عنها، هاجت بها لواعج الحنين والشوق إلى أخيها الغريب، وقد علم الإمام(عليه السلام) بحال أخته، إذ إنها لم تغب عن قلبه، وهو يعلم شدة تعلقها به، فكتب إليها كتابا يطلب منها القدوم عليه وأعطاه لأحد غلمانه، ولما وصل الى المدينة وسلّم الكتاب إلى فاطمة المعصومة(عليها السلام) تذكرت ما كان لها مع أخيها من شأن، وكأنه لم يمض عام واحد فحسب، وإنما عشرات الأعوام، ولمّا قرأت الكتاب أذعنت لما فيه وعزمت على السفر إلى أخيها في طوس، وأعدت للسفر عدته، وتهيأ ركب قوامه اثنان وعشرون شخصا ضم بعض إخوتها، وبعض أبنائهم وغلمانهم، فساروا وهم يقطعون البيد والقفار واتخذوا من الطريق المؤدي إلى قم مسارا لهم إلى طوس.
ولكن الأجل لم يمهلها ومكثت في قم في منزل موسى بن خزرج الأشعري سبعة عشر يوما ثم ماتت وآذنت شمسها بالمغيب، وقد اختلفت الأقوال في تحديد تاريخ وفاتها، ولكن رجّح بعض الباحثين أنها في العاشر من ربيع الثاني سنة 201هـ فقد شاءت المقادير الإلهية أن ترحل عن هذه الدنيا في بلدة نائية عن موطن الآباء والأجداد لتكون بابا من أبواب الرحمة للعباد، وملاذا يؤمّه ذوو الحاجة والاضطرار، وسببا من أسباب اللطف الإلهي للمؤمنين والأخيار، وأسلمت روحها إلى بارئها راضية مرضية، ولم يتجاوز عمرها الشريف -في أقصى التقادير- الثلاثين ربيعا، وكان ليوم موتها شأن عظيم .