في جزيرة تاروت الواقعة في الخليج العربي وعلى بعد 6 كيلو مترات شرق مدينة القطيف تقع قلعة قديمة على قمة تل أثري تسمى (قلعة تاروت). وتاروت من المواقع القديمة التي يعتقد انها موطن للفينيقيين الاوائل قبل نزوحهم الى شواطئ البحر المتوسط. عثر في أسفل القلعة على آثار هامة يصل تاريخها الى 5000 سنة لتصبح بذلك أقدم مركز حضاري عرف في المملكة، حيث قامت بعثة دانماركية بالتنقيب عن آثار في هذا التل وكشفت عن أبنية ذات أربع طبقات سكنية شيدت بالحجارة المربعة الشكل وعثرت على بئر عميقة بجانبها حوض من الحجارة كما تم التقاط كسر فخارية على سطح التل وبعد الدراسة تبين انها تعود الى 3000 سنة قبل الميلاد تقريبا.
وعثرت كذلك على رؤوس وكسر فخارية قامت البعثة بدراستها وتصنيفها الى عصر حضارة العبيد حوالى 4500 سنة قبل الميلاد ومع مرور العصور واختلافها أصبحت المنشآت التي كانت قائمة على التل تتهاوى طبقة طبقة، مكونة بذلك فترات تاريخية متسلسلة وآخر تلك المنشآت القلعة التي وجدت من يساعدها على الصمود كالترميمات المختلفة وقد رممت القلعة من قبل البرتغاليين اثناء احتلالهم للمنطقة خلال بضع سنوات، وذلك لما تكتسبه القلعة من موقع حربي ذي استراتيجية هامة تشرف على منطقة تاروت وما حولها بمسافات بعيدة والقلعة كانت تحتوي على أربعة أبراج منها اثنان في الجهة الشرقية وقد سقطا منذ زمن بعيد اما البرجان الغربيان فهما ما زالا محتفظين بشكلهما القديم ويتوسط القلعة قضبان من الحديد مما يساعد على بقائهما حتى اليوم واستخدم في بنائها الحجارة المحلية وقد قامت الادارة العامة للآثار والمتاحف بمشروع الانقاذ وترميمها لتصبح معلما اثريا بارزا في المنطقة.
يرجح ان فترة بناء القلعة كانت في القرن السادس عشر الميلادي بين عامي 1515 - 1521 والشائع انها تعود الى زمن البرتغاليين اثناء تواجدهم في منطقة الخليج حيث حكم البرتغاليون منطقة الخليج مايقرب من 150 سنة.
وفي سبيل السيطرة على المنافذ التجارية قرر البرتغاليون السيطرة على مضيق هرمز لمنع التجارة بين العرب وبين بقية البلدان ولاسيما الهند. ففي عام 1507 م قام القائد البرتغالي الفونسو تسانده سبع سفن حربية وأكثر من 500 عسكري بالسيطرة على مسقط وخورفكان وصور متجها الى قلعة هرمز القوية والحصينة.. قام الاسطول البرتغالي بترسية سفنه قبالة قلعة هرمز وبعد ثلاثة ايام من المداولات بين البرتغاليين وملك هرمز قرر القائد البرتغالي مهاجمة مدينة هرمز وانتهت المواجهة باستسلام هرمز ودخولها في التاج الملكي البرتغالي وفي سبتمبر 1507م تعهد ملك هرمز على دفع ضريبة لملك البرتغال في سبيل بقائه ملكا على منطقة هرمز عندها بدأ القائد البرتغالي في بناء الحصن المنيع المسمى Nossa Senhora da Victoria وذلك في 24 اكتوبر 1507م.
ولكن اثناء العمل في بناء القلعة، حدث تمرد على القائد البرتغالي بمساعدة ملك هرمز وبعض القادة البرتغاليين مما حدا بالقائد البرتغالي الى ترك المدينة. وفي مارس 1515م، عاد القائد البرتغالي الفونسو مرة أخرى ولكن هذه المرة جاء بقوة عسكرية تبلغ 27 سفينة حربية واكثر من 1500 مقاتل برتغالي و700 من المرتزقة. ونجح القائد البرتغالي في السيطرة على مدينة هرمز في اوائل ابريل 1515م وبذلك تمكن من السيطرة على جميع القلاع والحصون على الخليج العربي مثل جلفار والبحرين والقطيف وخورفكان لانها كانت تتبع ملك هرمز واستمر حكم البرتغاليين لمنطقة الخليج حتى عام 1650م.
وفي بداية القرن السادس عشر، قام البرتغاليون ببناء قلعة تاروت الشهيرة وهي من القلاع العديدة التي بناها البرتغاليون للسيطرة على الخليج العربي ومساندة قلعة هرمز على مدخل الخليج. كما تم بناء عدة قلاع في عمان وخورفكان وجلفار. وفي عام 1551 و1552م هاجمت القوات التركية قلعة القطيف ونجحوا في طرد البرتغاليين. كما قامت القوات التركية بمهاجمة قلعة مسقط ودمروها ثم اتجهت القوات التركية الى البحرين وقامت بمحاصرتها لعدة اشهر ولكنهم لم يتمكنوا من السيطرة عليها فعادوا ادراجهم. ولكن في عام 1602م نجح الشاه عباس من طرد البرتغاليين من البحرين وانحسر المد البرتغالي على منطقة الخليج بتوقيع المعاهدة بين ايران والانجليز في عام 1635م وكذلك بوفاة القائد البرتغالي الذي عجّل بخروج البرتغاليين من منطقة الخليج.
إلا أن بعض الباحثين يرجحون بأن اهالي الجزيرة هم الذين شيدوها لتحميهم من هجمات البرتغاليين، وبعد ذلك اعيد بناؤها من قبل الاتراك عندما سلمت لهم، ولا تزال الى يومنا هذا شامخة في وسط جزيرة تاروت.
ومن الثابت تاريخياً ان هذه القلعة شيدت على اساسات انقاض مستوطنة سابقة تعود الى خمسة آلاف سنة تظهر بقاياها الى يومنا هذا وهي عبارة عن احجار ضخمة منحوتة بشكل مكعبات من المحتمل انها تمثل بقايا لبناء له اهميته نظراً لضخامة البناء، كما اظهرت نتائج الحفريات التي عملت من قبل البعثات الدنماركية وجود عدة طبقات عثر فيها على كسر فخارية تتزامن مع حضارات باربار حوالى 3000 سنة قبل الميلاد، كما اكتشفت طبقات فيها فخار يعود الى فترة حضارة العبيد حوالى 4500 قبل الميلاد.
والقلعة محاطة بسور عريض مشيد بخامات من المواد الأولية كالطين والجص وحجارة الفروش ويشبه في تصميمه شكل حيوان السرطان ويتراوح سمك هذا السور من اسفل الى الأعلى ما بين مترين ونصف الى متر ونصف اما ارتفاعه فيصل الى تسعة امتار اما في جوانبه وزواياه فيشاهد بروز أحد عشر برجاً عالياً تتصل بجسور ممتدة وهي ممرات سرية كانت تستخدم أثناء الحروب إلا أنه ومع مرور الوقت تقلصت هذه الأبراج ولم يتبق منها سوى ثلاثة أبراج وقد قامت الادارة العامة للآثار والمتاحف بعمل ترميم وتدعيم للقلعة قبل 23 سنة.
وتسعى الهيئة العليا للسياحة بالتعاون مع المجلس البلدي بمحافظة القطيف إلى استعادة آثار البلدة القديمة بجزيرة تاروت عبر جمع المقتنيات الأثرية من الأشخاص والجمعيات والجهات الحكومية لتوثيق تاريخ المنطقة بالصور والخرائط والمخططات والمسوحات الميدانية. وقد طرح المجلس البلدي في القطيف مشروعاً لإنشاء متحف وبانوراما بمساحة 2900 متر مربع بالقرب من القلعة إضافة إلى إعادة بناء قلعة تاروت الأثرية وحمامها الشهير في محيط يصل إلى 2500 متر مربع.
حيث قدم المجلس البلدي بالقطيف دراسة للمشروع الذي يهدف إلى إبراز الجانب التاريخي للمكان. بالإضافة الى الجذب السياحي وتنمية المنطقة الحاضنة للأثر التاريخي، واستثمار المنطقة سياحيا، كما سيقدم المتعة لأبناء المنطقة وزائريها.
إضافة إلى أن أهم عناصر المشروع يكمن في القلعة والمباني الأثرية وحمامها التي جميعها تقع في محيط يصل إلى 2500 متر مربع، خاصة وأن جميع المباني الأثرية الطينية تستحق إعادة تأهيل لتكون عناصر جذب سياحية كبيرة لأنها تبرز الطراز المعماري للمنطقة بحيث يمكن الاستفادة منها لعمل فعاليات اجتماعية أو ثقافية بل يمكن أن تكون اقتصادية عبر استثمارها في مطاعم وغير ذلك.. كما ان المشروع المخطط له يشمل متحفا وبانوراما بمساحة 2900 متر مربع بالقرب من القلعة حتى يتيح للزائر التعرف على تراث وحضارة هذا المكان اما البانوراما فيمكن ان تعرض مراحل تطور المنطقة.
خاصة وان وجود بستان بمساحة 5000 متر مربع مجاور للقلعة يعتبر عنصرا اساسيا للمكون الجمالي للموقع اذا ما استغل بشكل جيد من خلال شرائه او استئجاره لعمل حديقة لتعزيز موقعه السياحي. وهناك مواقع استثمارية بمساحة 2000 متر مربع بالامكان أن يعمل بها مطاعم واسواق شعبية تحوي مشغولات شعبية ويمكن استغلال الارض المحيطة بالقلعة لعمل مواقف تخدم المشروع كما يحوي المخطط بركة مائية بمساحة 656 مترا مربعا.
كل هذه الدلائل تشير الى اهمية الجزيرة والقلعة تحديدا من الناحية التراثية والانسانية. وقد ظلت القلعة طوال هذه السنين صامدة في شموخ وقوة رغم العواصف العديدة التي مرت بها سواء من حيث عوامل التعرية أو من الحروب والصدامات الانسانية في سبيل الظفر بها، وفي صمودها دليل آخر على روعة الصنع ومتانته رغم أنها مبنية من الطين الفخاري وبعض الحجارة، وحاليا تقف القلعة في مقدمة مستقبلي، القادمين إلى تاروت وقد احيطت بعناية تامة من قبل الجهات الحكومية المسؤولة في سبيل المحافظة عليها باعتبارها إرثا إنسانيا يصعب التفريط به رغم حالة القلق الكبيرة التي تعتري أهالي تاروت خوفاً من سقوطها بعد أن بدت عليها مؤخراً عوامل الشيخوخة جراء تسرب المياه الجوفية أسفلها ممتدة الى الحمام البخاري القابع بجوارها الذي يستخدمه أطفال وشباب تاروت في الاستحمام.