عملاق يقف بين مؤرخي مصر لا يدانيه أي عملاق آخر، هو بلا منازع عمدة المؤرخين وعين المحدثين ومؤرخ الدولة المصرية، وإمام المؤرخين الموسوعيين، وأحد مشاهير مؤرخي المدن والخطط، وواحد من العلماء البارزين الذين أنجبتهم المائة التاسعة للهجرة، إذ بلغ بعلمه وذكائه وجده منزلة فريدة ومكانة محسودة .. إنه الإمام تقي الدين المقريزي.
المقريزي.. اسمه ونسبه
الشيخ الإمام الأوحد البارع، عمدة المؤرخين وعين المحدثين، العالم والمؤرخ واللغوي والأديب والمحدث والمحتسب، تقي الدين أبو العباس أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن تميم بن عبد الصمد بن أبي الحسن بن عبد الصمد بن تميم، ابن علاء الدين بن محيي الدين الحسيني العبيدي، البعلبكي الأصل المصري المولد والدار والوفاة، المقريزي الحنفي ثم الشافعي.
ذهب البعض أن نسب المقريزي ينتهي إلى العبيديين الفاطميين ثم إلى الإمام علي رضي الله عنه، قال تلميذه ابن تغري بردي في كتابه النجوم الزاهرة: "وأملى عليَّ نسبه الناصري محمد ابن أخيه بعد وفاته، إلى أن رفعه إلى علي بن أبي طالب من طريق الخلفاء الفاطميين"، وقال ابن حجر في إنباء الغمر: "وذكر لي ناصر الدين أخوه أنه بحث عن مستند أخيه تقي الدين في الانتساب إلى العبيديين، ذكر له أنه دخل مع والده جامع الحاكم فقال له وهو معه في وسط الجامع: يا ولدي! هذا جامع جدك". وهذا يفسر سر الدفاع الشديد من المقريزي عن نسب الفاطميين ويصحح نسبهم. وإن كان المقريزي نفسه لم يذكر ذلك في تصانيفه، قال ابن حجر: "كان في تصانيفه لا يتجاوز في نسبه عبد الصمد بن تميم".
مولد المقريزي
ولد المقريزي في حارة برجوان بحي الجمالية في القاهرة، واختلف المؤرخون حول تعيين تاريخ ميلاد المقريزي، فقال ابن تغري بردي: "سألت الشيخ تقي الدين رحمه الله عن مولده فقال: بعد الستين وسبعمائة بسنيَّات. وكان مولده بالقاهرة"، وقد عيَّنه ابن حجر بقوله: "وكان مولد تقي الدين في سنة 766هـ / 1366م"، وذهب السيوطي مذهبا ثالثا، فقال: "ولد سنة 769هـ". غير أن تلميذه السخاوي قال: "كَانَ مولده حَسْبَمَا كَانَ يخبر بِهِ ويكتبه بعد السِّتين يعْنى وَسَبْعمائة" وأشار إلى أن ابن حجر: "رأى بِخَطِّهِ (المقريزي) مَا يدل على تَعْيِينه فِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَذَلِكَ بِالْقَاهِرَة". وعليه يكون ما ذكره المقريزي هو الصواب فهو أعلم بذلك من غيره، كما أنه حدد موضع ميلاده في القاهرة [1].
أسرة المقريزي ونشأته
والمقريزي هي نسبة إلى حارة المقارزة في بعلبك بلبنان، فأصل أسرته ينحدر إلى مدينة بعلبك اللبنانية الشامية، من أسرة اشتهرت بالعلم والحديث، غير أنه ضاق بهم الحال فتحولوا إلى القاهرة طلبا للرزق وسعة العيش، فقد كانت القاهرة مقصد كل معسر أو طموح، فضلا عما كانت تشتهر به القاهرة من العلم والفضل، وولي بها والده بعض الوظائف المتعلقة بالقضاء، وكتابة التوقيع في ديوان الإنشاء، وفي القاهرة أنجب ولده أحمد.
شيوخ المقريزي
نشأ المقريزي نشأة علمية دينية حسنة، وكانت لأسرته عظيم الأثر في ذلك، فقد كفل تعليمه جده لأمه وهو ابن الصائغ الحنفي المحدث المشهور (ت: 776هـ)، الذي قام بتعليمه وتحفيظه القران الكريم وتدريسه أصول المذهب الحنفي، فلما بدت عليه علامة النجابة والذكاء أرسله إلى كبار شيوخ عصره فأخذ العلوم التي كانت سائرة في عصره، ومنها علوم القرآن والحديث والفقه والأنساب والتاريخ واللغة والنحو والأدب.
وقد ذكر السخاوي أن جملة شيوخ المقريزي ستمائة نفس، منهم: جده لأمه شمس الدين ابن الصايغ الحنفي، والشيخ برهان الدين الآمدي، وشيخ الإسلام سراج الدين البلقيني، والحافظ زين الدين العراقي، وابن حجر الهيثمي، وابن دقماق، والنجم بن رزين، وابن أبي الشيخة، وحُبِّب إلى أحمد بن علي المقريزي الرحلة إلى بعض العواصم العربية والإسلامية من أجل التزوُّد من العلم كما هي عادة خيرة العلماء، فرحل إلى مكة، وحج واعتمر، وسمع بها من الشمس ابن سكر، والنشاوري، وسعد الدين الاسفرايني، وأجاز له الأذرعي والإسنوي، وسمع ببلاد الشام من الحافظ أبي بكر بن المحب وناصر الدين بن محمد بن داوود وطائفة، واشتغل كثيرا بالعلم والتعلم وطاف على الشيوخ ولقي الكبار وجالس الأئمة فأخذ عنهم.
وكان من أشهر من أخذ عنهم المقريزي علامة عصره ابن خلدون (ت: 808هـ)، عندما جاء إلى القاهرة (784هـ) في أواخر القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي، وهناك عقد ابن خلدون حلقاته الدراسية التي طرح فيها آراءه وأفكاره حول التاريخ، والتي جمعها في مقدمته الشهيرة، لقد تأثر المقريزي بآراء ابن خلدون، ووصفه بأنه أستاذه، ويكرر ذلك كثيرا في كتابيه الخطط والسلوك: "قال شيخنا الأستاذ أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون .."، ويتضح هذا التأثير في كتابات مؤرخنا التي تعلو فيها النغمة الاقتصادية والاجتماعية، كما تتجلى فيها الرؤية التحليلية الناقدة للأحداث التاريخية.
مذهب المقريزي
نشأ المقريزي في أول أمره وتفقه على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة، وهو مذهب جده لأمه الشيخ شمس الدين ابن الصائغ الحنفي، وحفظ فيه كتبا، ثم لما ترعرع وجاوز العشرين ومات أبوه سنة 786هـ/ 1383م تحول إلى المذهب الشافعي وتعمق فيه وصار من كبار الشافعية متعصبا لهم، ويظهر ذلك ي تحامله على الحنفية في ترجمته لهم، وكانت ظاهرة التحول من مذهب إلى آخر منتشرة بين المعاصرين. كما يبدو أن المقريزي كان ظاهريا مائلا إلى مذهب الظاهر، مع أن والده وجده كانا حنبليين، قال ابن حجر: "وأحب إتباع الحديث فواظب على ذلك حتى كان يتهم بمذهب ابن حزم، ولكنه كان لا يعرف به"
وكان رحمه الله سلفيِّ العقيدة، أثريًّا على الجادة، محبًا للسلف رحمهم الله، يثني على مذهبهم وعقيدتهم و يدافع عنه في وقت انتشار العقائد المخالفة [2].
تلاميذ المقريزي
أصبح المقريزي علما من أعلام عصره بعد أن جمع من الفنون والعلوم الكثير، فقصده طلبة العلم من الآفاق، وتتلمذ عليه عدد من فطاحل العلماء والمؤرخين الكثير والكثير، منهم: يوسف بن تغري بردى (ت: 874هـ) صاحب النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة والمنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي ومورد اللطافة في من ولي السلطنة والخلافة وحوادث الدهور في مدى الأيام والشهور.
ومنهم: الحافظ السخاوي (ت: 902هـ) صاحب الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع والمقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة والإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ.
ومنهم: أبو الفداء قاسم بن قُطلُوبغا الحنفي (879هـ)، صاحب كتاب تاج التراجم، جمعه من تذكرة شيخه المقريزي، وأول ما طُبع من طبقات الحنفية.
مناصب المقريزي
عاصر المقريزي دولة المماليك البحرية ودولة المماليك البرجية، وشغل العديد من الوظائف في عصره قاضيا وإماما، وقد التحق المقريزي بالعمل في الأعمال الديوانية، بعد أن أصبح بحكم تعليمه من أهل العلم والمعرفة, وأول عمل تقلده هو العمل بديوان الإنشاء في القلعة وهذا العمل يقابله الآن وزارة الخارجية وهي وظيفة لا يبلغها إلا من كان له مؤهلات عالية من الموهبة والتفوق في اللغة والأدب والتاريخ ومعرفة أحوال البلاد المجاورة لهم، ثم عين المقريزي بعدها نائبا من نواب الحكم أي قاضيا عند قاضي القضاة الشافعي.
ثم أصبح المقريزي إماما بجامع الحاكم وهي وظيفة كبيرة في ذلك الوقت، واشتغل بعد ذلك مدرسا لعلم الحديث في المدرسة المؤيدية، وربما كان ذلك بتوصية من أستاذه عبد الرحمن بن خلدون الذي كان له منزلة عند السلطان برقوق، وتولى الخطابة أيضا بجامع عمرو بن العاص والإمامة بمدرسة السلطان حسن.
إلا أن النقلة النوعية المهمة في حياته تمثلت بتوليه وظيفة المحتسب، إذ عينه السلطان برقوق محتسبا للقاهرة والوجه البحري في رجب سنة 801 هـ/ 1398م، وهذا العمل كان من الأعمال المهمة في ذلك الوقت والتي من خلالها اطلع على أحوال مصر الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتي سطرها في كتبه مثل الأسعار، والضرائب، والإجراءات الرسمية المتخذة بشان تلك القضايا.
ويبدو أن المقريزي ضاق ذرعا بمسئوليات هذا المنصب التي شغلت وقته ليلا ونهارا عن وصرفته عن القراءة، وفي ذلك الوقت تزوج المقريزي وأنجب ابنته التي ماتت بالطاعون الذي اجتاح مصر سنة 806هـ / 1403م، وهذا الطاعون هو الذي أوحى إليه بتأليف كتابه "إغاثة الأمة بكشف الغمة".
وسافر مع السلطان الناصر فرج بن برقوق في سنة 810هـ / 1407م إلى دمشق ثم ما لبث أن عاد إلى القاهرة بعد مكوثه بها فترة من الزمن، وتردد بعد ذلك على دمشق مرات عديدة وتولى فيها أعمال عدة، منها النظر في الوقف القلانسي والبيمارستان النوري وباشر أيضا بتدريس الحديث الشريف في مدرستي الإقبالية والأشرفية بدمشق، وعرض عليها قضاء دمشق من قبل الناصر فرج فرفض ذلك مرارا.
ثم عاد المقريزي إلى القاهرة بعد مكوثه في دمشق عشر سنوات، وآثر التفرغ للعلم والدرس حتى اشتهر ذكره وبعد صيته، بعد أن سئم الوظائف الحكومية. ولكن بعد ذلك ترك القاهرة إلى مكة لغرض الحج سنة 834هـ/1431م, ومكث هناك خمس سنوات، ظل فيها يدرس ويصنف الكتب، حيث كان يحب أن يكتب بمكة ويحدث بها، ثم رجع بعدها إلى القاهرة سنة 839هـ / 1435م وسكن في حارته وهي حارة برجوان التي نشأ وترعرع فيها، وأضحت داره ندوة للعلم ومقصد الطلاب والعلماء، وقضى فيها بقية حياته [3].
مدرسة المقريزي التاريخية
كان المقريزي يتمتع بشخصية مرموقة بين سائر المؤرخين الإسلاميين المصريين من حيث دقته في الرواية ونشاطه الواسع وعمله الدءوب وسعة دائرة أبحاثه ودراساته واهتمامه الفائق بالجانب الاجتماعي والإحصائيات السكانية التاريخية، ويمكن عده إلى حد ما مؤسسا لمدرسة تاريخية كان لها ازدهارها في مصر آنذاك وبزغت منها أسماء مشرقة كالعيني وابن حجر من معاصري المقريزي، وأبي المحاسن ابن تغري بردي، تلميذه ونده بعد ذلك، ثم السيوطي، وابن إياس الذي شهد الفتح العثماني.
كان المقريزي ولعًا بالتاريخ، واشتهر ذكره في حياته وبعد موته في التاريخ، حتى صار يضرب به المثل، قال ابن تغري بردي: "وفى الجملة هو أعظم من رأيناه وأدركناه في علم التاريخ وضروبه، مع معرفتي لمن عاصره من علماء المؤرخين، والفرق بينهم ظاهر؛ وليس في التعصب فائدة".
وأهم ما يميز المقريزي عن معاصريه، وعمن جاءوا بعده هو منهجه في عرض الأحداث التاريخية وقدرته التحليلية الرائعة: فقد وصف لنا الحوادث التي عاصرها بعبارة حية، وأسلوب بديع زاده جمالا إدراكه للعلاقة السببية بين الظواهر التاريخية. فقد كانت ملاحظاته الذكية على الحياة اليومية في القاهرة زمن سلاطين المماليك، وموقفه المنحاز إلى الناس -صناع الحياة الحقيقيين- سابقة بعدة قرون على ما نسميه اليوم التاريخ الاجتماعي.
لقد كان المقريزي مثالًا متكررًا للمثقف الموسوعي الذي أنجبت الحضارة العربية الإسلامية المئات من أمثاله، وهو جدير بحق أن يكون كما قال الدكتور محمد مصطفى زيادة: "إن المقريزي عميد المؤرخين السالفين جميعا من ابن عبد الحكم إلى الجبرتي"[4].
المقريزي مؤرخ مصر الإسلامية
يعد المقريزي مؤرخ مصر بلا منازع، فقد شمل في مؤلفاته تاريخ مصر السياسي والحضاري منذ عهد الفتح الإسلامي وإلى عصر دولة المماليك البحرية والمماليك البرجية، وقد نعته بذلك الحافظ السيوطي بقوله: "المقريزي تقي الدين .. مؤرخ الديار المصرية"، وذلك في مصنفات عدة، وهي:
الأول: البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب: تحقيق المستشرق الألماني فردناد واسطون فيلد، وهو الحلقة الأولى من تاريخ مصر التي سجلها المقريزي، تناول فيه مَن بأرض مصر مِن القبائل العربية، ومواطن سكناهم بها.
الثاني: عقد جواهر الأسفاط من أخبار مدينة الفسطاط: وتناول فيه تاريخ مصر الإسلامية منذ الفتح الإسلامي وتاريخ الدولة الطولونية والإخشيدية حتى قيام الدولة العبيدية الفاطمية. ولم يكن من هذا الكتاب سوى نسخة يتيمة في مكتبة برلين برقم (9845) فضاع أثناء الحرب العالمية الأولى، ولم يعرف مصيره حتى اليوم.
الثالث: كتاب اتعاظ الحنفا بإخبار الأئمة الفاطميين الخلفا: وتحدث فيه عن تاريخ مصر في العصر العبيدي الفاطمي، وكان من المؤرخين القلائل الذين تعصبوا للعبيديين الفاطميين، وأورد فيه معلومات عن الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
الرابع: كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك: أرخ فيه تاريخ مصر منذ بداية الدولة الأيوبية ودولة المماليك، وانتهى فيه إلى أواخر سنة 844هـ/1440م، أي قبيل وفاته. قال ابن تغري بردي: "وأجل تحفة اخترعها وعمدة ابتدعها كتابه المسمى بالسلوك".
الخامس: المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار ويعرف بالخطط المقريزية: كتاب يعنى بالتاريخ والجغرافيا التاريخية، تناول فيه المدن والآثار المصرية، جعله في سبعة أجزاء، نقله من الكتب المصنفة في العلوم والرواية عمن أدرك من الشيوخ وجلة الناس، والمشاهدة لما عاين ورأى.
السادس: إغاثة الأمة بكشف الغمة: تناول فيه تاريخ المجاعات في مصر وأسبابها، والأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي عاشتها مصر منذ أقديم الزمان وحتى سنة 808هـ.
السابع: المقفى الكبير أو التاريخ الكبير المقفى: في تراجم أهل مصر والواردين إليها، أراده المقريزي أن يكون قاموسا للرجال، وأعرض فيه عن ذكر تراجم النساء، وهو ليس لأعلام مصر فقط، بل ذكر المقريزي فيه رجالات مصر المقيمين في خارجها، ومن مر بها من الرجال الذين كانوا في طريقها إلى بلدان أخرى أو جاءوها لسماع حديث أو نسخ كتاب. قال ابن تغري بردي: "ذكره لي رحمه الله قال: لو كمل هذا التاريخ على ما أختاره لجاوز الثمانين مجلدا".
مؤلفات المقريزي الأخرى
كان المقريزي تجسيدًا لنمط من المفكرين الموسوعيين الذين أنجبتهم الحضارة العربية الإسلامية، شملت مصنفاته جميع المجالات الشرعية والتاريخية والأدبية، حتى قال السخاوي: "وَقد قَرَأت بِخَطِّه أَن تصانيفه زَادَت على مِائَتي مجلدة كبار"، تنوعت ما بين الكتب التاريخية الشاملة، وكتب البلدان والخطط، والكتب التي خصصها لدراسة دولة بعينها، والرسائل ذات الموضوع الواحد، وكتب التاريخ الإسلامي العام، ومن يتصفح مؤلفات الإمام المقريزي فإنه يستطيع الحكم بأنها تتسم بسمتين لا ثالث لهما: الأولى: سمة الموسوعية، والثانية: سمة التخصصية، ومنها:
إمتاع الأسماع بما للرسول من الأبناء والأموال والحفدة والمتاع - منتخب التذكرة - ضوء الساري في معرفة خبر تميم الداري – الأخبار عن الإعذار والإشارة والكلام ببناء الكعبة بيت الحرام - تاريخ الأقباط - التنازع والتخاصم في ما بين بني أمية وبني هاشم - تاريخ الحبش - شذور العقود في ذكر النقود - تجريد التوحيد المفيد - نحل عبر النحل - مجمع الفرائد ومنبع الفوائد - المقاصد السنية في معرفة الأجسام المعدنية - الأوزان والأكيال الشرعية - الخبر عن البشر (ذكر فيه القبائل لأجل نسب النبي صلى الله عليه وسلم) - درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة (ذكر فيه من مات بعد مولده إلى يوم وفاته) - الإلمام بأخبار من بأرض الحبشة من ملوك الإسلام - الطرفة الغريبة في أخبار حضرموت العجيبة - مختصر الكامل لعبد الله بن عدي - في معرفة ما يجب لآل البيت من الحق على من عداهم - في ذكر من حج من الخلفاء والملوك – الدرر المضية في تاريخ الدولة الإسلامية (تاريخ عام يختص بتاريخ الخلفاء حتى نهاية الدولة العباسية) [5].
آراء العلماء في المقريزي
قال ابن حجر العسقلاني رحمه الله (ت: 852هـ): "كان إمامًا بارعًا مفننًا متقنًا ضابطًا دينًا خيرًا، محبًا لأهل السنة يميل إلى الحديث والعمل به ..، حسن الصحبة، حلو المحاضرة". وقال: "ولَهُ النظم الْفَائِق والنثر الرَّائِق والتصانيف الباهرة خُصُوصا في تَارِيخ الْقَاهِرَة فإنه أَحْيَا معالمها وأوضح مجاهلها وجدد مآثرها وَترْجم أعيانها".
وقال تلميذه ابن تغري بردي (ت: 874هــ): "الشيخ الإمام العالم المحدث المفنن، عمدة المؤرخين، ورأس المحدثين، تقىّ الدين". وقال في المنهل الصافي: "صنف التصانيف المفيدة النافعة الجامعة لكل علم، وكان ضابطًا مؤرخًا، مفننًا، محدثًا، معظمًا في الدول ..، كتب الكثير بخطه، وانتقى أشياء، وحصل الفوائد، واشتهر ذكره في حياته وبعد موته في التاريخ وغيره، حتى صار به يضرب المثل.
وكان له محاسن شتى، ومحاضرة جيدة إلى الغاية لا سيما في ذكر السلف من العلماء والملوك وغير ذلك، وكان منقطعًا في داره، ملازمًا للعبادة والخلوة، قل أن يتردد إلى أحد إلا لضرورة ..، وقرأت عليه كثيرًا من مصنفاته، وكان يرجع إلى قولي فيما أذكره له من الصواب، ويغير ما كتبه أولًا في مصنفاته، وأجاز لي جميع ما يجوز له وعنه روايته من إجازة وتصنيف وغير ذلك".
وقال تلميذه الحافظ السخاوي (902هـ): "نظر فِي عدَّة فنون وشارك فِي الْفَضَائِل وَخط بِخَطِّهِ الْكثير وانتقى وَقَالَ الشّعْر والنثر وَحصل وَأفَاد"، إلا أنه ذمه في موضع آخر فقال: " وَكَانَ حسن المذاكرة بالتاريخ لكنه قَلِيل الْمعرفَة بالمتقدمين وَلذَلِك يكثر لَهُ فيهم وُقُوع التحريف والسقط وَرُبمَا صحف فِي الْمُتُون".
بل واتهم المقريزي بسرقة كتاب الأوحدي المؤرخ، فقال عن كتاب الخطط: "وَهُوَ مُفِيد لكَونه ظفر بمسودة الأوحدي فَأَخذهَا وزادها زَوَائِد غير طائلة". وقد علق الشوكاني على ذلك بقوله: "وَالرجل غير مَدْفُوع عَن فضل، لَا سِيمَا فِي التَّارِيخ وَمَا يتَعَلَّق بِه".
غير أن السخاوي مع شدته كان يقول إن المقريزي كان على جانب عظيم من "حسن الخلق وكرم العهد، وكثرة التواضع وعلو الهمة لمن قصد، والمحبة في المذاكرة، والمداومة على التهجد والأوراد، وحسن الصلاة ومزيد الطمأنينة، والملازمة لبيته" [6].
وفاة المقريزي
قال ابن تغري بردي: "ولم يزل (شيخه المقريزي) ضابطًا حافظًا للوقائع والتاريخ إلى أن توفي يوم الخميس سادس عشر شهر رمضان سنة 845هـ / 1441م، ودفن من الغد بمقبرة الصوفية (البيبرسية) خارج باب النصر من القاهرة، رحمه الله تعالى"[7].
فرحم الله المقريزي وجزاه عن الإسلام والمسلمين وتاريخ الأمة خير الجزاء
ولله در القائل:
ما زال يلهج بالتاريخ يكتبه *** حتى رأيناه في التاريخ مكتوبا
[1] ابن حجر: إنباء الغمر ، 4/ 187 - 188. ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة، 15/ 490، المنهل الصافي، 1/ 415. ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب في أخبار من ذهب، 9/ 370. سبط ابن العجمي: كنوز الذهب في تاريخ حلب، 2/ 267. السخاوي: الضوء اللامع، 2/ 21، التبر المسبوك، 1/ 70 – 71. الشوكاني: البدر الطالع، 1/ 79.
[2] ابن حجر: إنباء الغمر ، 4/ 187. ابن تغري بردي: المنهل الصافي، 1/ 416. السخاوي: الضوء اللامع، 2/ 21 – 23، التبر المسبوك، 1/ 71 – 72. الشوكاني: البدر الطالع، 1/ 79.
[3] ابن تغري بردي: المنهل الصافي، 1/ 416 - 417. السخاوي: الضوء اللامع، 2/ 22. الإمام تقي الدين المقريزي - موقع التوحيد.
[4] ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة، 15/ 491. السخاوي: الضوء اللامع، 2/ 22. مقدمة تحقيق كتاب المقريزي: المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1418هـ.
[5] ابن تغري بردي: المنهل الصافي، 1/ 418 – 419. السخاوي: الضوء اللامع، 2/ 22 – 23، التبر المسبوك، 1/ 73 – 75. السيوطي: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، 1/ 557. الشوكاني: البدر الطالع، 1/ 80 – 81. الزركلي: الأعلام، 1/ 177 – 178.
[6] ابن حجر: إنباء الغمر ، 4/ 188. ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة، 15/ 490، المنهل الصافي، 1/ 416 – 417. السخاوي: الضوء اللامع، 2/ 21 – 23، التبر المسبوك، 1/ 76 - 77. السيوطي: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، 1/ 557. الشوكاني: البدر الطالع، 1/ 80. كرم حلمي فرحات: مقدمة كتاب إغاثة الأمة بكشف الغمة، ص17 – 20.
[7] ابن تغري بردي: المنهل الصافي، 1/ 420. سبط ابن العجمي: كنوز الذهب في تاريخ حلب، 2/ 268. الشوكاني: البدر الطالع، 1/ 81.
- قصة الإسلام