TODAY - August 19, 2010
القوات العراقيّة بحاجة إلى الأميركيّة حتى عام 2020
مخاوف من عودة القاعدة والمليشيات وملء إيران للفراغ
أسامة مهدي من لندن
مع إنسحاب آخر كتيبة قتالية اميركية من العراق اليوم بعد 7 سنوات من الحرب فإن تساؤلات ملحة تثار حول جهوزية القوات العراقية واستعدادها لحفظ الامن وحماية ارواح المواطنين وسط تناحر القوى السياسية وما تمثله من اصطفافات طائفية تتوغل الى عمق المؤسسة العسكرية ومخاوف من تنشيط التنطيمات المسلحة لعملياتها في وقت تتصاعد فيه اعتداءات المسلحين وتفجيراتهم التي تضرب في عموم البلاد بالرغم من ان الرئيس الاميركي باراك اوباما قد رحب بانتهاء المهام القتالية لقوات بلاده في العراق وسط صمت عراقي تام حيث لم يصدر عن السلطات العراقية اي تعليق بعد على هذا الانسحاب.
انسحبت فجر اليوم الخميس آخر كتيبة مقاتلة اميركية من العراق حيث بقي هناك 56 الف جندي اميركي مكلفين تأهيل الجيش العراقي في حدث وصفته واشنطن ب"اللحظة التاريخية" بعد ان عبر آخر العناصر الحدود الكويتية وهي آخر كتيبة قتالية لكن هذا لا يعني انه لم تعد هناك قوات قتالية في العراق بحسب الجيش الاميركي.
ويشكل هذا الانسحاب مرحلة اولى حيث يستمر بقاء قوات من المدربين والاستشاريين العسكريين وهؤلاء سينسحبون كلهم كما هو مفترض لحد الان بنهاية العام المقبل 2011 ولن يكون هناك اي عسكري اميركي في العراق بعد هذا الموعد الا باتفاقية أمنية جديدة تعقد بين الحكومتين العراقية والاميركية.. وتوقيع هذه الاتفاقية رهن بالتطورات الامنية على الارض والتي لها علاقة بتطورات الوضع السياسي.
والادارة الاميركية والرئيس اوباما مصرون على الانسحاب من العراق بناء على وعود قطعها الرئيس للناخبين الاميركيين في تنفيذ للاتفاقية الامنية الاستراتيجية التي وقعها الرئيس الاميركي بوش ورئيس الوزراء العراق نوري المالكي اواخر عام 2008.
وتؤكد مصادر عراقية تحدثت معها "ايلاف" اليوم ان الانسحاب الاميركي هذا يأتي في وقت لم يكتمل فيه بعد بناء وتجهيز القوات العراقية بشكل يمكنها مثلا من حماية حدود العراق بشكل كامل.
وترى المصادر أن خطر تهديدات القاعدة لا يزال قائما وأن الولايات المتحدة الأميركية نفسها وبكل نفوذها وقوتها لم تتمكن من القضاء على الإرهاب بعد.
ويشيرون بهذا الخصوص إلى ضعف تعاون دول الجوار مع العراق في ملف مكافحة الإرهاب. وتؤشر المصادر الى ضعف قدرات القوات الجوية العراقية وعدم امتلاكها ولحد الان اي طائرات مقاتلة او قاصفة او اجهزة رادار متطورة قادرة على رصد التحركات على طول حدود العراق البالغة حوالي 3500 كيلومترا مع دول الجوار الست.
وبناء على ذلك فانهم يتوقعون ان يتم الاتفاق في النهاية بين واشنطن وبغداد على بقاء وحدات عسكرية اميركية في العراق لفترة اخرى يتم الاتفاق على عددها ومهامها بين الطرفين.
قدرة القوات العراقية على استلام المهام الامنية وحفظ الامن
وتتوقع المصادر ان تواجه القوات العراقية صعوبات كبيرة في فرض الامن بعد الانسحاب الاميركي لانها تدار بطريقة بدائية تعتمد على الكم الهائل في عدد العسكريين الذي وصل الى حوالي المليون شخص من جنود وشرطة الذين انخرطوا في صفوف القوات لتأمين مصدر رزق مقابل عدد قليل منظم ومدرب من عناصر المنظمات المسلحة..
وتقول ان ما يؤكد ضعف قدرات القوات العراقية انها لم تقم لحد الان ومنذ عام 2003 بتنفيذ اي عملية عسكرية نوعية لوحدها وهي ظلت تعتمد في جميع تحركاتها على القوات الاميركية استخباريا ولوجستيا.. وحتى العمليات العسكرية الاخيرة التي تم فيها قتل قادة القاعدة في العراق فأنها تمت بواسطة القوات الاميركية ولم يكن للقوات العراقية اي دور فيها اضافة الى ان التحسن النوعي الذي شهده الوضع الامني خلال السنتين الاخيرتين قد تم بفضل قوات الصحوات التي شكلتها القوات الاميركية لمواجهة تنظيم القاعدة ونجحت في طرده من معظم المناطق وخاصة السنية منها في غرب العراق ووسطه.
التدخل الإيراني المحتمل لملئ الفراغ
الإعلام يؤكّد الانسحاب والبنتاغون يتحدّث عن خفض للقوّات:
تضارب الأنباء حول خروج آخر كتيبة أميركيّة مقاتلة من العراق وحول التوقعات بتحرك المليشيات المسلحة لملء فراغ الانسحاب الاميركي تشير المصادر خاصة الى جيش المهدي حيث انه مازال يحافظ على هيكليته وقياداته وارتباطاته وهو مستمر بنشاطاته ضد القوات الاميركية وقبلها الى وقت قصير ضد القوات البريطانية في الجنوب ولذلك فأن امر تنشيطه مجددا ودفعه الى الشارع ممكن الحصول بسرعة. وتقول ان هذا التنشيط يعتمد على الوضع السياسي في العراق بعد تشكيل الحكومة والشخصية التي تتراسها وعلاقتها بإيران المحرك الاساس لجيش المهدي والداعمه له بالسلاح والمال والتدريب والتخطيط.. اضافة الى التوجه الإيراني المرتبط بعلاقات طهران مع واشنطن على ضوء الملف النووي الإيراني.
وتتوقع المصادر ان يكون هناك تدخل مباشر لإيران من خلال تعزيز التواجد الاستخباري الإيراني في العراق.. وتدخل غير مباشر عن طريق تعزيز عملائها واصدقائها في العراق والتشكيلات المسلحة التي لها علاقة معها.. وهناك مؤشرات بان إيران ستتوجه الى التزام التيار الصدري وجيشه بشكل اوسع وتحويله الى مشروع سياسي امني عسكري اجتماعي يتغلغل في فصائل المجتمع المدني والهيمنة على مرافق الحياة الاجتماعية على غرار حزب الله في لبنان.
وتوضح المصادر بهذا الخصوص ان من بين المظاهر عن الوجود الإيراني التي بدات تتعزز في العراق حاليا هو السيطرة الكاملة على المدن التي تضم المراقد الشيعية (المقدسة) وخاصة في النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء حيث يلاحظ ان جميع عمليات الاعمار والاشراف التي تقوم بها مؤسسات إيرانية هي مدنية رسميا لكن جميع مسؤوليها هم من ضباط وعناصر المخابرات الإيرانية وحتى اللغة المستخدمة في مقرات هذه المؤسسات تجري بالفارسية.. كما ان إيران بدأت تفتح فروعا لمصرف ميليت الإيراني في عدد من المدن العراقية بدءا من بغداد ثم كربلاء والنجف وحتى اربيل.. والغريب ان معظم المسؤولين العراقيين الكبار لايعرفون (او انهم يعرفون وينكرون) وجود فروع لهذا المصرف في بلدهم لانه موضوع على قائمة الارهاب وممنوع التعامل معه دوليا.. لكنه يستخدم الان لايصال اموال إيرانية وانفاقها في العراق على احزاب وشخصيات مؤيدة لإيران وتأمين نفقات عناصر مخابراتها في العراق.
مستقبل الفصائل المسلحة بعد الانسحاب
وعن مستقبل المقاومة العراقية ونشاطها في العراق تؤكد المصادر ان هذا الامر يعتمد على عاملين الاول : تطور قدرات القوات العراقية والموقف الاقليمي من الاوضاع السياسية في العراق وخاصة سوريا وإيران.. ووتوقع ان تحاول المقاومة تنشيط عملياتها بعد الانسحاب لاختبار مدى قدرة القوات العراقية على مواجهتها.. واذا ما تطورت الاوضاع السياسية في العراق بالشكل الذي لم يرض الدول الاقليمية التي احتضنت فصائل المعارضة وساعدتها خلال السنوات السبع الماضية فانها فان نشاط المسلحين سيتسع مجددا كما ان توحيد فصائل حزب البعث الذي يتوقع له ان يكون قريبا سيشكل خطرا على الوضع الامني اضافة الى امكانية تحريك إيران للفصائل المسلحة المرتبطة بها اذا تشكلت حكومة عراقية مؤيدة لاميركا ولها مواقف ضد إيران وتدخلها في العراق.
قائد عراقي: العراق بحاجة للقوات الاميركية حتى 2020
وازاء هذه التطورات فقد كشف رئيس أركان الجيش العراقي الفريق بابكر زيباري عن أن الجيش والقوات الأمنية العراقية يمكنها أن تحفظ الأمن الداخلي كما بامكانها ان تتحمل مسؤولية حماية البر إضافة الى الحدود بعد انسحاب القوات الاميركية الذي جرى اليوم لكن ذلك سيكون على اساس برنامج يمر بمراحل تستمر حتى العام 2020 اذ سيتم بموجبها تسلم ملفي االامن الجوي والبحري من الأميركيين مشيراً الى انه لهذا الغرض سيبقى قسم من القوات الأميرية في العراق.
ويوضح زيباري وهو ضابط كردي إن مهمة القوة المؤلفة من 56 ألف جندي والتي ستبقى في العراق ستنحصر مهمتها بتدريب ومعاونة وتوجيه الجيش والقوات الداخلية العراقية وتزويدها بالمعلومات اللازمة وإن هذه المساعدة ستشمل قوات إقليم كردستان أيضا مؤكداً على ان اقليم كردستان ستكون له حصته من الأسلحة والمعدات العسكرية التي تشتريها وزارة الدفاع العراقية.
واشار زيباري في تصريحات نقلتها اليوم وكالة "اكانيوز" الكردية الى ان العراق بحاجة الى بقاء القوات الأميركية حتى العام 2020 لذا سيبقى جزء قليل من تلك القوات في العراق لكن مهمته ليست دفاعية لتوفير معلومات وتمرين وتدريب الشرطة والقوات الداخلية. واوضح أن السيطرة على الأمن في الداخل ليست ممكنة بدون تعاون المواطنين فهناك جماعات إرهابية وتخريبية متخفية وتحتاج الشرطة الى عون ومعلومات أبناء المناطق للكشف عنها.
وعن النقاط الحدودية والمجالات الجوية والبحرية مازالت تحت السيطرة الأميركية ولم تسلم الى العراقيين يقول زيباري "نحن نخطط وستجري الأمور وفق برنامج خاضع لبنود الاتفاقية الامنية بين أميركا والعراق وبدأ تنفيذ البرنامج في العام 2008 وسيستمر حتى 2020 ويجب أن تسلم تلك المجالات على مراحل الى العراقيين.. وفي الحقيقة نتولى نحن العراقيين الآن الملف الأمني البري بالكامل عدا النقاط الحدودية التي تدار بالاشتراك مع الأميركيين الذين يتولون تزويد العراقيين بالتوجيهات والمساعدات بينما يتولى الأميركيون ملفي الامن الجوي والبحري ولو توفرت لنا الطائرات فإننا مستعدون لتسلم الملف الجوي إلا أن هذين الملفين سيسلمان الى الجيش العراقي على مراحل تنتهي في العام "2020.
آخر كتيبة مقاتلة اميركية غادرت العراق
وانسحبت اليوم آخر كتيبة مقاتلة اميركية من العراق حيث بقي 56 الف جندي اميركي مكلفين تأهيل الجيش العراقي في حدث وصفته واشنطن ب"اللحظة التاريخية". وقال ناطق باسم الجيش الاميركي اللفتنانت كولونيل اريك بلوم ان "آخر العناصر عبروا الحدود الكويتية عند الساعة الثالثة فجرا موضحا انها آخر كتيبة قتالية لكن هذا لا يعني انه لم تعد هناك قوات قتالية في العراق والوحدات التي انسحبت هي كتيبة سترايكر الرابعة من فرقة المشاة الثانية وكانت متمركزة في ابو غريب (25 كلم غرب بغداد) احدى اكثر المناطق خطورة في العراق.
وقال اللفتنانت كولونيل بلوم ان نصف الجنود غادروا جوا والنصف الآخر برا وبقي امامهم بضعة ايام لتنظيف التجهيزات واعدادها ليتمكنوا من ارسالها ثم يرحل آخر الجنود. واشار الى انه بقي في العراق 56 الف جندي اميركي بعد انسحاب هذه الكتيبة. ويفترض ان تغادر كل القوات الاميركية العراق قبل نهاية 2011 بموجب الاتفاقية الامنية العراقية الاميركية في الوقت الذي يصر فيه الرئيس الاميركي باراك اوباما على احترام هذا الجدول الزمني.
واكد الناطق باسم وزارة الخارجية فيليب كراولي ان الالتزام الاميركي في العراق ثابت وطويل الامد. واضاف ان "آخر ما نريده هو مناسبة جديدة لارسال جنود الى العراق وان يكون علينا انهاء مرحلة القتال مجددا". وقال "نحن لا نضع حدا لالتزامنا في العراق وسيكون امامنا عمل كبير لانجازه لان هذه ليست نهاية امر بل انتقال نحو شيء مختلف فلدينا التزام طويل الامد في العراق". واشار الى ان النزاع العراقي الذي ادى الى مقتل 4400 اميركي وكلف واشنطن الف مليار دولار، كان له "ثمن باهظ".
واضاف كراولي "قمنا باستثمارات هائلة في العراق وعلينا القيام بكل ما في وسعنا للحفاظ على هذا الاستثمار وليدخل العراق وجيرانه في وضع اكثر سلمية بكثير يخدم مصالحهم ومصالحنا". وفي رسالة له اليوم رحب الرئيس الاميركي باراك اوباما بانتهاء المهام القتالية للقوات الاميركية في العراق من دون الاشارة الى انسحاب آخر الفرق القتالية الاميركية ليل الاربعاء الخميس. وقال اوباما في الرسالة "اليوم اعلن بسعادة انه بفضل الخدمة المذهلة لجنودنا ومدنيينا في العراق ستنتهي مهمتنا القتالية هذا الشهر وسننجز انسحابا مهما لقواتنا".
ويأتي انسحاب الكتيبة الرابعة هذا غداة تفجير انتحاري استهدف الثلاثاء مركزا لتجنيد المتطوعين في الجيش في بغداد وادى الى سقوط 59 قتيلا وجرح مئة آخرين على الاقل.. كما انه يأتي بينما يشهد العراق ازمة سياسية عميقة عجزت فيها الاحزاب السياسية العراقية الكبرى عن الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة بعد خمسة اشهر من الانتخابات التشريعية التي جرت في السابع من آذار (مارس) الماضي.
elaph