مرحبا
يعزو معظم الباحثين في الأدب ظهور الرواية ورواجها في أوربا اجتماعياً وتاريخياً إلى بروز الطبقة البرجوازية المدينية اقتصادياً وسياسياً في أواخر عصر النهضة ونجاحها في الإمساك بمقاليد الحكم، بصورة غير مباشرة، وفرض إرادتها ومُثُلها في معظم الدول الأوربية، وهذه الطبقة المتعلمة والمنتجة هي التي أنجبت أكبر عدد من القراء، ولاسيما القارئات، وأكبر عدد من الكتاب الروائيين أيضاً. كما يرى الباحثون أن الرواية تجمع في وقت واحد بين عدة عناصر، مع اختلافها في الأهمية نسبياً باختلاف أنواعها التي ظهرت في سياق تطورها تاريخياً في أوربا، وهذه العناصر هي:
1ـ الحدث event، وهو الذي تزداد أهميته في رواية المغامرات adventure، والرواية البوليسـية detective story، ورواية الرعب gothic novel، ورواية العجائب fantasy.
2ـ التحليل النفسي psychoanalysis ويسود في الرواية التحليلية psychological novel، ورواية السيرة الذاتية autobiographical novel، التي تسير في صيغة اعترافات من المؤلف، والرواية التي تكتب في صورة رسائل متبادلة epistolary novel.
3ـ تصوير المجتمع sociological-panoramic، الذي يسيطر على الرواية التاريخية historical novel، ورواية المغامرات التي يقوم بها الهائمون على وجوههم، والروايات التي تصور حياة الفلاحين أو أي طبقة أخرى من الناس sociological novel، والرواية التي تصف عادات الأسرة أو العادات والتقاليد في أحد العصور novels of manners.
4ـ تصوير العالم الخارجي، ويُهتَم به أكثر في الروايات التي تدور حوادثها في بيئات غريبة عن القارئ العادي، أو تلك التي تجري حوادثها عبر الكرة الأرضية.
5ـ الأفكار، ويبرز هذا العنصر في الروايات ذات الهدف التعليمي Bildungsroman التي ازدهرت في ألمانيا القرن التاسع عشر، عن طريق القصص الأمثولية parabolic أو تمثيل الحقائق العلمية في رواية الخيال العلمي science fiction أو الدفاع عن أفكار أخلاقية أو فلسفية أو نقد المجتمع.
6ـ العنصر الشاعري lyrical ويسود الروايات العاطفية sentimental novel.
--------------------------------------------------------------------------------------
وللرواية أربع سمات رئيسية تميزها من الأجناس الأدبية الأخرى، وهي:
1ـ شكل أدبي سردي يحكيه راو أو رواية أو مجموعة رواة، فقد يكون الراوي هو المؤلف نفسه، أو شخصية تنوب عنه في تصوير الأحداث والشخصيات، من دون أن تتدخل في السياق، أو قد تكون الشخصية الرئيسية الفاعلة. وقد تتناوب شخصيات الرواية على القيام بدور الراوي، مما يعدد زوايا رؤية حدث بعينه ويغني إسهام القارئ في التوصل إلى الحقيقة التي ينشدها.
2ـ الرواية أطول من القصة والأقصوصة وتغطي مدة زمنية أطول ويشارك في أحداثها عدد أكبر من الشخصيات، حسب النوع الروائي.
3ـ الرواية تعتمد على السرد نثراً، لا شعراً، علماً بأن العمل الروائي الواحد قد يتضمن عدة مستويات لغوية، ما بين الوصف والتحليل على لسان أحد الرواة وما بين اللغة المستخدمة في الحوار بين الشخصيات التي قد تنتمي إلى خلفيات اجتماعية وثقافية ومهنية مختلفة.
4ـ الرواية عمل تخييلي بأحداثه وشخصياته، فهي تختلف بذلك عن التأريخ والسيرة الذاتية اللذين يستعرضان شخصيات وأحداثاً حقيقية.
ثمة روائيون يبنون رواياتهم على أحداث وشخصيات حقيقية من الماضي غالباً، أو الحاضر القريب، كما في الرواية التاريخية، لكن إبداعهم يكمن في تفسير الحدث وسلوك الشخصيات الفاعلة وفي أسلوب ربط العلاقات وتحليلها، بحيث يقدم صورة موازية للواقع التاريخي من دون أن تتطابق معه بالضرورة، فالروائي ليس مؤرخاً، ولذا فإن الرواية عمل أدبي من نسج خيال المؤلف، سواء جزئياً أو كلياً.