مرحبا
يعدّ تاريخ الكتب والمكتبات جانباً مهماً في علم المكتبات، وهو تاريخ طويل مع بداية الحضارة الإنسانية، وواسع لأنه يسير مع مراكز هذه الحضارة ويتنقل معها، ولهذا ليس من السهل تحديد الزمان والمكان الذي بدأت فيه الكتب والمكتبات بالظهور، ولكن ما كشف عنه التاريخ الإنساني حتى اليوم وأكدته الحفريات الأثرية يدل على أن أولى المكتبات قد ظهرت في العالم العربي وبالتحديد في بلاد مابين النهرين ووادي النيل.
اختلف مفهوم المكتبة library، وتطوَّر مدلولها عبر العصور، وذلك لأن المكتبات القديمة لم تكن كالتي تنتشر هذه الأيام من حيث تعدد أنواعها ومقتنياتها وطرق تنظيمها وخدماتها، فالسومريون سموها بيت اللوحات الكبير لأنها كانت مليئة بالألواح الطينية،أما الفراعنة فقد أطلقوا عليها قاعة كتابات مصر ومكان إنعاش الروح، واستعمل الرومان كلمة Libri وتعني الكتاب نفسه، ومنها جاءت كلمة Library، والتي تعني مكتبة للبحث والمطالعة.
كلمة المكتبة كلمة حديثة في العالم العربي، ولم تستخدم إلا في القرن التاسع عشر، فقد استخدم العرب كلمة دار وكلمة خزانة للدلالة على المكتبة، ويمكن القول: إن أعظم ثلاثة إنجازات حضارية كان لها أكبر الأثر في تطور الكتب والمكتبات هي:
- اختراع الحروف الهجائية ومن ثم الكتابة. ويعد اختراع الكتابة أعظم اختراع في تاريخ البشرية، فالتاريخ يبدأ بالكتابة.... إلخ.
- اختراع أدوات الكتابة خاصة الورق، حيث اخترع الصينيون الورق، وعنهم انتقلت صناعته إلى سمرقند، وإلى بغداد، وعن طريق العرب انتقلت صناعته إلى أوربا.
- اختراع الطباعة على يد الألماني غوتنبرغ في القرن الخامس عشر، ومن ألمانيا انتقلت الطباعة إلى بقيّة أوربا والعالم.
ويدل ذلك على حجم الجهد الكبير والخلاق الذي بذ لته الشعوب والأمم خاصة في المنطقة العربية في سبيل الارتقاء في سلم الحضارة، والسبق الحضاري الذي أحرزه الإنسان في آلاف السنين في ميدان التعبير والتدوين وميدان نشر إشعاع الثقافة والحضارة وأبجديات التطور في العالم كله فعلى جدران كهوف هذه المنطقة وجدت أولى الصور التي عبّر فيها الإنسان عن إنسانيته وإمكانياته الخاصة ونزوعه إلى التعبير، وعلى الألواح الطينية أو أوراق البردي، وجدت أولى الكتابات في بلاد مابين النهرين ووادي النيل وسورية القديمة، ، وفي هذه المنطقة ارتقى الإنسان، وحاول الارتقاء بالآخرين، فكتب وسجل وحفظ ما توصل إليه من معتقدات وعلوم ومعارف وآداب. وفيها أقام أول أشكال الدول، وبنى أول المدن والمكتبات والمدارس، يوم كانت الغالبية العظمى من أبناء البشرية ما تزال ملتصقة في البدائية والهمجية والجهل.
كما حفظت مصر القديمة - أيام الحضارة الفرعونية- نصاً لعله أقدم نص في التاريخ يدل على منزلة الكتاب لدى الفراعنة إذ يقول النص ـ وهو لأحد حكماء قدماء المصريين لابنه يعظه وهو متوجه إلى مدرسته أول مرة ـ: «يابني ضع قلبك وراء كتبك وأحببها كما تحب أمك... فليس هناك شيء يعلو منزلته على الكتاب، وأعلم يابني أنه ما من طبقة من الناس إلا فوقها طبقة أخرى تحكمها إلا الحكيم، فهو الوحيد الذي يحكم نفسه بنفسه».
ولم تكن الحضارة اليونانية ولا الرومانية أقل عناية بالكتاب أو تبجيلاً لشأنه. قيل لسقراط أبي التفكير اليوناني «أما تخاف على عينيك من إدامة النظر في الكتب ؟» قال:«إذا سلمت البصيرة لم أحفل بسقام النظر».
إن هذا العرض باختصار مقدمة موجزة جداً لملامح ومؤشرات مسيرة طويلة، قطعها الإنسان عبر آلاف السنين طموحاً إلى التعبير عن نفسه وعن تجاربه ومعاناته وحاجاته وأشواقه وأنواع نشاطاته وإبداعاته. في مختلف الميادين، ومحاولة متواضعة لمتابعة مسيرة الإنسان وبحثه الطويل من أجل تطوير الأدوات والوسائل التي تسعفه في نقل تجاربه وخبراته ومعارفه... من جيلٍ إلى جيل، ومن عصر إلى عصر، أو لرصد بعض مظاهر الجهد الإنساني الإبداعي عبر الأزمنة المتباعدة أو المتقاربة، ولا يعدو أن يكون وقفة لا تطول في محطات حضارية وانعطافات تاريخية، انتقل الإنسان عبرها من مراحل أدنى إلى مراحل أسمى في سلم التطور الحضاري والثقافي بفضل جهده ومثابرته.
أنواع المكتبات
تعد المكتبات على أنواعها ثمرة من ثمرات النضج الثقافي، ذلك لأنها أظهرت أهمية التسجيلات المكتوبة في تنظيم العلاقات الإنسانية، وجاءت نتيجة الرغبة في تنظيم الأعداد الهائلة من المؤلفات التي تنتجها المطابع في مختلف مجالات المعرفة وحفظها، ورافق هذا التطور سعي إلى جعل المكتبة ملكاً للجميع، بعدما كانت حتى القرن الثامن عشر وقفاً على فئة قليلة من الناس، وتختلف أنواعها اليوم باختلاف أعمالها وأغراضها.وهي من حيث مهماتها ووظائفها: مكتبات وطنية ومكتبات عامة أوأكاديمية أو متخصصة أو مدرسية، وفيما يلي إيجاز لكلّ من هذه الأنواع:
- المكتبة الوطنية: عرَّفت منظمة اليونسكو المكتبات الوطنية بقولها: «هي المكتبات التي تكون مسؤولة عن اقتناء وحفظ نسخ من كافة المطبوعات التي نشرت في ذلك البلد، وتقوم بوظيفة الإيداع القانوني»، وبذلك تكون المكتبة الوطنية مكتبة الدولة المركزية التي تعكس تراث تطوره الأدبي والعلمي والثقافي، وتحتل مركز الصدارة بين المكتبات، الأمر الذي يعطيها دوراً قيادياً،
- المكتبة العامة: تنهض هذه المكتبة لخدمة جميع الأفراد من مختلف الأعمار والفئات والمستويات الثقافية في مجالات توسيع الثقافة ونشر المعرفة بأنواعها، وتوصف بأنها مدرسة الشعب، من أمثلتها المكتبات الموجودة في المراكز الثقافية.
- المكتبات الأكاديمية: وهي مكتبات أكاديمية بحثية توجد في الجامعات تقدم خدماتها لطلبة الجامعات وأعضاء الهيئة التعليمية، وتدعم عملية البحث العلمي.
- المكتبات المتخصصة: هي المكتبات التي تهتم بمجال فكري معين، أو اختصاص محدد، وتقوم بخدمة جماعة محددة من القراء العاملين في هذا المجال الفكري المعين أو الاختصاص المحدد، وتلحق بالمؤسسات والوزارات ومن أمثلتها: مكتبات المشافي، مكتبات الوزارات ومكتبات المنظمات المهنية وغيرها.
- المكتبات المدرسية: هي المكتبات التي تلحق بالمدارس على اختلاف مستوياتها في جميع مراحل التعليم ما قبل الجامعي، تقدم خدماتها للتلاميذ وأعضاء الهيئة التدريسية. وتعد هذه المكتبات إحدى أهم المرافق التربوية في المدرسة لما تقدمه من مناشط ثقافية واجتماعية.
المكتبات و تكنولوجيا المعلومات
أصبح الإنسان أمام الانفجار المعرفي والثورة المعلوماتية، والتزايد الهائل في حجم المعلومات عاجزاً عن الإلمام بما يستجد من معلومات، وكاد الباحث يفقد السيطرة على الانتاج الفكري حتى في مجال تخصصه، فأضحت هذه المعطيات تحدياً كبيراً للمكتبات، حيث أصبحت التقنيات التقليدية هي الأخرى عاجزة عن التحكم في تدفق المعلومات، وأمام هذا العجز وجه المختصون جهودهم لإيجاد وسائل حديثة تمكنهم من السيطرة على ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والاستفادة منها، ولاشك أن تكنولوجيا المعلومات صارت الركن الأساسي لخدمات المعلومات، ونجاحها أصبح متوقفاً على نوعية التكنولوجيا المستخدمة في تخزين المعلومات ومعالجتها واسترجاعها بغية توصيلها للمستفيدين بدقة وسرعة. كما أنها أصبحت ضرورة معاصرة لمواجهة تدفق المعلومات بمختلف أنواعها وأشكالها. ويقصد بتكنولوجيا المعلومات التكنولوجيا الإلكترونية المستخدمة في المكتبات لجمع المعلومات واختزانها ومعالجتها وتوصيلها. ويمثل استخدام تكنولوجيا المعلومات في المكتبات أملاً مضيئاً للمشتغلين بالمكتبات، فلا جدال أن مثل هذا الاستخدام يتيح انتفاعاً أفضل للموارد واقتصاداً في التكاليف، فضلاً عن سرعة هائلة ودقة كبيرة في إنجاز العمل.
تعرف تقنيات المعلومات بأنها: «كل ما استخدمه الإنسان في معالجة المعلومات من أدوات و أجهزة ومعدات»، ويضيف قائلاً: «أن تقنيات المعلومات قديمة قدم اهتمام الإنسان بتسجيل أفكاره وخبراته، وهذه التقنية تتكون من ثلاثة عناصر أساسية، وهي: الحاسبات الإلكترونية بقدرتها الهائلة على الاختزان وسرعتها الفائقة في التجهيز والاسترجاع، وتقنيات الاتصالات بعيدة المدى بقدرتها الهائلة على تخطي الحواجز الجغرافية والبرمجيات بكل أنواعها وبقدرتها الهائلة على توفير الحيز اللازم لاختزان الوثائق، فضلاً عن سهولة التداول والاستنساخ والاسترجاع».
ومن أهم التقنيات المستخدمة في المكتبات اليوم هي:
- الحاسوب الإلكتروني (الكمبيوتر): يعدّ الحاسوب الركيزة الأساسية في تكنولوجيا المعلومات، ومن أهم المستجدات التكنولوجية التي انتشرت بعد النصف الثاني من القرن العشرين ودخلت المكتبات ومراكز المعلومات، فقد فتحت تطبيقات الحاسب الآلي آفاقاً جديدة أمام المكتبات، وطورت مستوى نوعية الخدمات المقدمة للمستفيدين وكميتها، مما وفر إمكانات تقديم خدمات أفضل وتمكين الموظفين من تقليص العمل الروتيني والتخطيط لخدمات أفضل.
- «بنوك» المعلومات Databases: وهي قواعد بيانات تستخدم من قبل مختصّ المعلومات والباحثين لاستخراج كشافات مطبوعة للإنتاج الفكري في مختلف العلوم.
- الفيديو تكس Videotex : وهي تكنولوجيا جديدة دخلت المكتبات، وهو عبارة عن نظام متفاعل يربط «بنوك» معلومات كبيرة نسبياً تعمل بالحاسوب مع أجهزة التلفزيون البيتية من خلال شبكة اتصال هاتفية.
- التلكس Telex : وهو نظام اتصال معلومات يعمل بوساطة الاتصالات السلكية واللاسلكية، باستخدام خطوط الهاتف العادية أو الكبلات المحورية.
- الفاكس Faxes: وهو إعادة تكوين صورة أصلية من مكان ما إلى مسافة بعيدة، أي نظام «الفاكس» يقوم بنقل صورة ورقية للوثائق أياً كانت لغتها أو شكلها وبجميع تفاصيلها من مصدرها الأصلي إلى جهة أخرى ترغب بالحصول عليها.
- البريد الإلكتروني e-mail: والذي انتشر بسرعة في أرجاء المعمورة كافة.