كوت العمارة الحلقة السابعة من كتاب واسط بين الماضي والحاضر للمؤلف السيد عبد المنعم تقي الطباطبائي
لاول مرة وفي سنة 1163 هـ - 1749 م نقرأ ان والي بغداد ( سليمان باشا ) عين احد اقاربه الـــمدعوا ( فيضي بك ) متسـلماً ( كوت العمارة وما جاورها وكان عنده كاتب للمالية اسمه ( سليمون قلي ) وكــــان بمعيته ضابط تركي يدعى ( نامق بك ) مع خمسين من الجندرمة الانكشارية سكنــوا القلعة وان جميع الموظفين لاياخذون معاشاتهم سوى اطعمة يبيعونها على البقالين في البلدة 1 .
وفي اوائل عام 1163 هـ- 1749 م وصلـــت كوت الـــعمارة حرم الباشا قادمة من البصرة ومعها عشرون وصيفة وقد افرغوا لهم القلــــعة وفرشوها باحسن الفراش واخرجوا منها الانكشارية ليقيـــموا في خيام خارج القلعةوكانت حرم الباشا مريضة فبقيت ســـتة ايام فـــي كوت العـــمارة وبعدها واصلت السير في سفينة حربية فيها طوب كبير الـــى بغداد واصبح زوجها فيما بعد سليمان باشا له ايالة البصرة وبغداد وبرتبت وزير .
وفـــــي حوادث ســـنة 1175 هـ - 1761 م وصل ( علي باشا ) بجيش كثيف نحو كوت العــمارة واصبح جيشه متصلاً من القلعة الى قبالة ( السيد محمد ابو الحسن ) منطقة الـجديدة وكان مع الجيش جسر طويل متشكل من عدة سفن صغيرة متساوية واكلاك قد ســـيرت فـــــي دجلة يسير مع سيره وقد ركب فوقه الانكشارية وبعد مدة عرف الناس انه سار لتأديب ( سليمان العثمان ) شيخ بني كعب . وفي خبر عن هذه الحملة يقول ( لما تقلد علــــــي باشا زمام الامور وهي الوزارة وادارة ولايتي بغداد والبصرةبلغه ان الشيخ سليمان الـــــعثمان شيخ بني كعب قد زاد في عتوه وغروره واظهر تمرد وعصيان لم يمكن السكـــوت عنــــه وقرر معاقبته واعادته الى الطاعة وذلك بان جرد عليه حملة عسكرية تولى هو قيـادتها وسار من بغداد دون ان يشعر به احد بالجهة التي يقصدها حتى حط رحاله فـــــــي منطقة الوردية في الحلة وهنك ترك ما لا فائد في نقله من الامتعة وواصل ســــيره واذاع انه يقصد عشيرة بني لام واتجه نحو دجلة ثم عبر جسري ( كوت العمارة ) 2 .
هذا يدل ان كـــوت العمارة فـــي هذه السنة اصبح لها شأن وكيان وفي سنة 1176 هـ - 1762 م بدأت فيــــــــــها حركة تجارية واخذت تصدر كميات هائلة من القمح تشحن بواسطة الحكومــــــة الى بغــــداد وقـــــد كان للمشائخ الذين التزموا مقاطعة الجديدة وسابس والخــــــيزرانة وام البروم قد جـــــــاءت بخيرات كـثيرة وقد ذكرت المصادر ان
************************************************** **
1- رسول الكركوكلي – دوحة الوزراء في تاريخ وقائع بغداد الزوراء – ترجمت موسى كاظم نورس عن التركية . 2- نفس المصدر السابق .
السفن تلك الاعوام ملأت دجلة مشحونة مــــن هذه الديار مثقلة من القمح والشعير والحبوب الاخرى متجه نحو بغــــــداد والبصرة والى سائر البلاد العثمانية حتى ان تجار بغداد سكنوا هــــــنا عدة شهور وهــم يشحنون تلك الغلات التي اشتروها من اصحابها . غير ان الدهر وصروف الايام وتـــــوالي الحدثان ترفع وتخفض وتفرح وتبكي فمثلما افرحتهم عادت فابكـتهم فما ان جاء العام 1186 هـ - 1772 م واذا كوت العمارة خراب تنعب فوق خرائبها البـــوم والغربان وقد اهلك سكانها الطعون والفيضان فرحل عنها من سلم منهم وابتعدت عن ضواحيها عشائرها بعد ان نهبت اسلحة القلعة وجميع اموال اهـل البلد . غادر من بقي من اهل الكوت في قيد الحياة الى جصان وبدرة ومندلي . وفـــــي سنة 1189 هـ - 1775 م استولى الايرانيون على مدينة بدرة وجصان . وفي سنة 1190 هـ - 1776 م عادة قبيلة بني لام الى مرابعها في ( كوت العمارة ) بعد مــــا كانت تغزو اطراف ايران ثم انعم والي بغداد على مشائخهم وســـخر مـــــنهم جيش كبيـــر واستعاد بهم بدرة وجصان من ايدي الايرانيين.
عادة الحياة الــى البلدة المنكوبة ( كوت العمارة ) ثانية في عهد سليمان باشا والي بغداد ففي سنة 1210 هـ - 1795 م سافر الوالي بنفسه نحو( كوت العمارة ) مع زمرة من قواده وبعض المهندسين الذين صحبوه فبنا قلاعاً ومحلات لحفض الغلال وقشلة عسكــــرية وعمر سورها المتداعي كما وانه شجع الحركة العمرانية هنا ثم سافر الى بدره وجــصان وعمر هناك بعض القلاع وفتش الحدود الايرانية العراقية واستغرقت سفرته شـــهراً واحد ورجع الـــــــى مقره في بغداد . ومن حوادث سنة 1212 هـ - 1797 م امتنـــعت عــــشائر ربيعة عــــــن دفع الميري ( الواردات ) للحكومــــة فســــار جيش سليمان باشــــا لاخضاعها وارجاعها الى الطاعة وكانت النتيجة ان قتـــل احد الاغوات فــــــي الجيش الـــــتركي واندحرت ربيعـــة ودفـعت التعويضات الثقيلة والكبيرة الى ( الكهية ) 1 .
في عام 1228 هـ - 1813 م قدمت عشائر ازبيد من اعالي الفرات فـــــي اطراف عانة وما فوقها وكذلك من اطراف الحلة وخيمت عشائرها الكثيرة فـي حدود مدينة الصويرة اليوم الى حدود ما يسمونها ( البغلية ) النعمانــية الحاليـــــة وقــــد ابتنى رئيسهم الشيبخ شفلح قلعته الكبيرة في الجانب الغربي مــــن دجلة واليوم تدعى بـ قضاء النعمانية اما كلمة( البغيلة ) فــــهي تصغير بغلة ومعنــــاها السفينة الكبيرة وكانت هذه السفينة للشيخ شفلح وترابط جنب قلعته وقد اشتراها ابوه الشيخ شلال بن نجم بن عبدللة لخدماته .وتملكها ولده شفلح من بعده وقد غرقت في0
************************************************** *
1- السيد راضي الطباطبائي – تاريخ الكوت مخطوطة .
سنة 1235 هـ - 1819 م قرب القلــــعة وكان العربان يسمونها ( البغيلة ) وبقيت المدينة تسمى باسمها اكثر من قرن ومن ثم سميت بالنعمانية وذلك في اواخر سنة 1930 م نسبة الى بلدة النعمانية القديـــمة والــــتي تبعد كثيراً عن مدينة النعمانية الحالية وان التلول الموجودة حالياً قرب النعــمانية هــــــي اثار مدينة ( نعمانباذ ) .
ويذكر ان النعمانية والشيخ شفلح قد دوخ الــــحكومة الـــعثماني بوقائعه وله سلطة عظـيمة على عشائر زبيد وكان معروف بالشجاعة وممدوحاً في كرمه وكانت وفاته سنة 1247 هـ - 1831 م وتــوالت الرئــــاسة فـــي اولاده وهم ( هندي , حطاب , وادي , حمد , فحل ) امــــا الشيــــخ وادي بك فقد اعطته الحكومة العثمانية سلطات واسعة النطاق وعينته أميــراً فـي مناطق الفرات وكان شجاعاً كريماً مدحه الشعراء واثنوا عليه وذكره ابراهيم فصيـــــح الحيدري قال : - كان كريماً عالي الهمة عظيم الاخلاق وهو شائع الذكر يتفــق لـــــما قيـل فيه من شعر عامي وفصيح ) وقال عنه السيد عباس العزاوي نقل عــن السيد رشيد السعيدي في ثنائه على (وادي الشفلح) رئيس قبائل زبيد قال :- (بلغ درجة حاتم وكان يعد من ملوك العرب ) (1)0
ونقل السيد علي الخاقاني في كتابه شعراء الغري قصــائد مطولة للشعراء النجفيين في مدح وادي الشفلح في ذالك العصر وكذالك رثاه بعــــض الشعراء النجفيين حيث كانت وفاته سنة 1268هـ 1851م وقد لعبة عشائر زبيــــد في المنطقة دوراً فاعلاً وساندت الحكومة العثمانية في مواقف كثيرة ليست في منطـقة كوت العمارة فقط بل في مناطق أخرى ولاتزال مـنطقة النعمانية والزبيدية والــــــصويرة هي من مناطق سكن عشائر زبيد وليومنا هذا(2)0
************************************************** **
1- عباس العزاوي –تأريخ عشائر العراق
2- السيد راضي الطباطبائي – تأريخ الكوت – مخطوطة
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Daleen
