لست بصدد وضع تصنيفات دينية او مذهبية , وان كان مثل هكذا تصنيفات موجودة فالبعض يتحدث عن اسلام محمدي واسلام رسالي وتشيع علوي وتشيع صفوي , والبعض عن تشيع بتري وبكري ... الخ
ولست بصدد ان اضع نوع من التشيع مقابل نوع اخر , وان كان ولا بد فانا اختار التشيع الفطري بالضد من هذا النوع من التشيع الذي ادعو له واسميته
التشيع المُغري
انطلاقا من الاعتقاد بان الدين والمذهب الذين نعتنقه حقيقة دنيوية وكونية , يتحتم علينا ضرورة التعامل مع هذه الحقيقة بمفاهيم مختلفة تماما عن المفاهيم التي يتعامل بها اصحاب رؤيا ان الدين والمذهب ظاهرة مناطقية او فئوية
وقد تستغرب هذا لكن جل المسلمين بسوادهم الاعظم يتعاملون مع الدين على انه ظاهرة وان لم يصرحوا بذلك .
في حديث للامام الصادق عليه السلام روي بصياغات مختلفة جوهره ولبه ما مضمونه
(شيعتنا كونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً علينا )
كيف يريد منا الامام ان نكون زينا لهم ولا نكون شينا عليهم , وفي كلا الحالتين المخاطب هو الشيعي , بغض النظر عن كونه شينا او زينا , وهذا يجيز التصنيف والتقسيم ( ليس هذا موضوعي ولكن لبيان ان التصنيف والتقسيم جائز و موجود )
هذا الحديث في زمن كانت فيه الناقة وسيلة التواصل والمجلس والمسجد والقوافل التجارية أماكن وطرق للتبادل الثقافي والمعرفي .
اما اليوم وبعد ان تغيرت و قفزت قفزات كبيرة كل من وسائل التواصل والتبادل الثقافي وبشكل مهول ومخيف حتى اصبح الفرد وهو جالس في منزله بامكانه التواصل والتبادل المعرفي والثقافي مع ملايين البشر حول المعمورة , وبمختلف ثقافاتهم و مستوياتهم الفكرية والمعرفية .
كيف يمكننا ان نجسد وندعو الى اسلام مُغري اذا ما كان الحديث عن الاخر غير المسلم ؟
وكيف يمكننا ان نجسد وندعو الى تشيع مُغري للأخر اذا ما كان الاخر من غير فريقنا ومذهبنا ؟
كيف يمكن ان نحمل الرسالة للعالم اجمع ؟ رسالة الاسلام وال البيت عليهم صلوات ربي عليهم
المشكلة والعقبة الاساسية التي تقف حائل امام تقديمنا اسلام وتشيغ مُغري هي اننا نتعامل مع بعض مفردات الدين على انها حقائق مطلقة , فيما نتعامل مع الدين كله باعتباره ظاهرة مناطقية او طبقية او فئوية او حتى ثقافية ! بالمجمل نحن نتعامل ونتعاطى معه على انه ظاهرة مهما كان تصنيفها .
وهذا فيه من المغالطات المنطقية التي تحول دون ان نقدم اسلام وتشيع مقبول للاخر , ومُغري له . وتجرد الاسلام من مفهومه الرسالي , لاننا بالاصل نتعامل مع الدين على انه ظاهرة مناطقية او فئوية .
وما يزيد من اغلاق وتحجيم دائرة هذه الظاهرة دونما اتساع , هو تعاملنا مع مفردات الدين على انها حقائق مطلقة لا يمكن ان نتخطاها .
وعلى سبيل المثال لا الحصر مسئلة الحجاب الشرعي والغناء والاختلاط يتعامل معها بعض الفقهاء على انها حقائق لا يمكن المساس بها ولا يمكن التجديد الفقهي فيها , في الوقت الذي بالكاد تجد اية قرانية تتحدث عن تفاصيل مثل هكذا امور . وكذا الكثير من المسائل الفرعية التي قد تكون هي مناسبة وملائمة لبيئة معينة وعادات معينة , دون سائر الثقافات والامم , هذا اذا ما تجاوزنا المفهوم البسيط لمثل هكذا امور لدى عامة الناس وامتزاجه بشيء من العادات والتقاليد التي ما انزل الله بها من سلطان .
و انا هنا لست بصدد مناقشة مفردة من مفردات الدين , بقدر ما اود بيان ان التعامل مع مثل هكذا مسائل فرعية على انها حقيقة مطلقة امر لا يمكن ان يكون مُغري للاخر ولا يجدي ان ينظرالاخر نظرة ايجابية تجاه ديننا , اويغريه بان يعتنقه . وقد يسبب في كثير من الاحيان الى دفع الاخر لدائرة الدين فوبيا او الاسلام فوبيا او التشيع فوبيا .
ليس بعيدا عن هذا المفهوم ينبغي ان يكون كذلك التشيع مُغري للاخر المذهبي , وهكذا اراد ال البيت عليهم السلام ان يكون الشيعي زينا لهم في ممارساته الفردية والاجتماعية وجاء في حديث اخر
(كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم )
وانا ارى نفس الخطاء الذي وقع فيه عامة المسلمين وقع فيه الشيعة
فهم ينظرون للمذهب بانه احد الفرق المسلمة , أي انه ظاهرة فئوية , بينا يتعاملون مع بعض مفردات المذهب على انها حقائق دامغة لا يمكن الحود عنها او حتى نقاشها , وهي نفس المغالطة المنطقية التي لم تقدم الاسلام بطريقة مغرية للامم الاخرى !
نعم بنفس الطريقة ونفس المغالطة نقدم تشيع فطري للاخر الذي هو مختلف مذهبي او فطري معنا . واذا ما كان هذا الذي نقدمه يجهله او يسيء له فسوف ندفع به الى دائرة الشيعة فوبيا , والناس اعداء ما جهلوا
لن اتطرق لامثلة , لاني ساكون زنديق ومنافق وضال ومضل اذا ما تناولت ببعض من التفكير شيء من واقعة تاريخية او مسئلة فرعية في المذهب , في الوقت الذي اكون فيه مسلم مختلف مذهبيا اذا ما انكرت المذهب بالمرة !!
وليكن مثالنا خفيف الوزن شيء ما , اذ نشهد في هذا العالم اللامتناهي في وسائل التبادل الثقافي والمعرفي كثير من المتشيعين فطريا يتناولون مواضيع هي اقرب للخرافة منها للتفكر والتعقل والفضائيات تنقل والمواقع الالكترونية تنشر مواضيع من امثال بعض العاب الأرقام والحروف والتلاعب بالآيات القرآنية ويدعي البعض ان فيها أعجاز وتطرح على انها أدلة اعجازية على أحقية المذهب , من امثالها القول وردت كذا كلمة بالقران وهي تساوي كذا عدد , او ان تؤخذ اية وتحسب ارقام حروفها وتجمع وتطرح او تقسم وتضرب بطريقة غير منطقية ولا عقلية وتطرح على انها اعجاز مذهبية او كرامة لاهل البيت عليهم السلام .
اقول للجميع اخوتي كما ان الدين والمذهب معتقد نؤمن به وملزمين بتعاليمه , لازال الدين والمذهب رسالة في اعناقنا كما كان رسالة في اعناق البدريين والمسلمين الاوائل , وعلينا ان نؤدي ونحمل وندعوا لهذه الرسالة بطريقة مُغرية للاخرين , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل : 125]
تتمة
ليست المسألة والمشكلة مسألة مبلغين او دعاة , وان كانوا جانب منها .
هل من المعقول ان اطلب من غير المسلم ان يقف على امهات الكتب ليكتشف سماحة الاسلام ونبل اخلاقه ومعارفه وعلومه ؟؟
هل من المعقول ان اطلب من غير الشيعي ( ان لم اقل المتصيد الحاقد على اتباع ال البيت ) ان يبحث في امهات الكتب ليقف على تراث اتباع ال البيت ؟؟
من فترة سمعت فديو للسيد كمال الحديدي يطالب فيه المخالفين ان يقفوا على تراث اعلام اهل البيت وان لا يأخذوا التشيع عن عامة الناس وجهالهم .
وكان الاولى بنا ان نصحح ونهذب تشيع عامة الناس وبسطائهم , لا ان ندعو الاخر للبحث عن كنوز التشيع الدفينة .
الاخر المختلف هو ايضا من عامة الناس وبسطائهم , وغير مطالب بان يبحث عما يعتقده غيره , هو يأخذ الظواهر , وهذا سلوك منطقي الى حد ما بالنسبة لبسطاء الناس .
المجتمع الغربي غير مكلف بان يبحث عن تفاصيل الحجاب الشرعي للمسلمات , في الوقت الذي نقدم فيه نحن الحجاب بصورة متشددة ( النقاب ) الذي يخفي هوية المرأة كأنسان ويحجب شخصيتها , ولا نقدم الحجاب الذي يستر عورة المراة !!
بالتالي نحن لم نقدم اسلام مُغري للاخر
وكذا عاشوراء حين نقدمها على انها زنجيل او تطبير او طبخ او لطم , ولا نقدمها على انها ثورة ونهضة وتحرر
وحين نقصص القصص الخرافية بسند مرسل عن كرامة حدثت هنا او هناك او شخص مات ثم بعث من جديد بعمر اخر بكرامة من الحسين , مع العلم ان تنزلنا جدلا فالصحف تنقل لنا الاخبار عن مئات الاشخاص البوذي والملحد والمشرك والمسيحي واليهودي من ثبت طبيا وفاتهم وتم تجهيزهم بجهاز الموت للدفن او الحرق ثم ثبت انهم احياء بعد يوم او يومين او ثلاث ..
الم تلحظوا ان الحديث عن مثل هكذا مواضيع وكرامات ( بانه يفتح الباب على مصراعيه لتحقيق مطامح المشعوذين والدجلة في البروز والظهور بمظهر قداسي واستغلال جهل الناس) , قد نحى بالمجتمع منحى المجتمع الخرافي , فاخذ يصدق بكل شيء غريب , بل يبحث عنه كما يبحث الطفل عن ثدي امه , واخذت اشاعة الحناء هذه الايام , وغيرها , وكَطوع الريح , وصورة في القمر , وعجل يبكي , و خرافة الحناء ,,,,, وهلم جرى
انا كشيعي لو وجت موضوع في منتدى يقول ان شخص مات فدعى ذويه عبد القادر الكَيلاني فعادت له الحياة بمشئة الله وكرامة عبد القادر مباشرتا سأقول هولاء القوم جهلة مخرفين ختم الله على عقولهم غشاوة .
بالنتيجة انا لم اقدم للاخر تشيع مُغري , كي اطالبه بان يؤمن به .
هذا في الوضع الطبيعي , اما الوضع الاستثنائي , اذا كان الاسلام يتعرض لحملة لتشويه صورته , والتشيع يتعرض لابشع حملات لتشويه صورته , بالتأكيد سيكون العبيء علي َ مضاعف , قبل ان اقدم اسلام وتشيع مُغري يتحتم علينا ان نظهر صفاء الدين الحنيف والمذهب الشريف لنغلق الباب على جميع محاولات التصيد بالماء العكر , من ثم علينا ان نحمل الرسالة بأسلوب مُغري لاخر .
جاء في حديث ما مضمون معناه
حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذّب الله ورسوله
أُمِرْنا أن نُكلِّمَ الناسَ على قدْر عقولِهم .
وعقولهم هنا تشمل مستواهم المعرفي والثقافي ومنظومة القيم الاجتماعية .